تهجير المسلمين ...عنوان عام 2016م
3 ربيع الثاني 1438
د. زياد الشامي

لم يكن ترشيح برنامج سباق الأخبار - الذي يعرض على قناة الجزيرة الفضائية أسبوعيا - لخبر "تهجير أهل حلب الشرقية" من ديارهم إلى الريف الغربي والشمالي من مدينتهم التاريخية - مع خبرين آخرين - ضمن أهم وأبرز الأخبار خلال عام 2016م أمرا مفاجئا , فالحدث كان بحق نقطة فارقة في سلسلة الأحداث المتلاحقة المتعلقة بالثورة السورية .

 

 

 

كما لم يكن تصويت جمهور القناة لصالح هذا الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي وموقع الجزيرة نت بنسبة 49% و اعتباره الحدث الأبرز للعام المنصرم دون منازع خارج نطاق التوقعات , فقد تفاعل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها مع ما يجري في حلب منذ سنوات , وعبّر الملايين عن غضبهم من صمت العالم - بل و تواطؤه - عن جرائم النظام النصيري وسيده الروسي ضد السوريين , ودعا الكثير من الناشطين أكثر من مرة للتفاعل مع وسم " #حلب# تحترق وغيرها من الأوسمة لفضح ونشر الصور والفيديوهات التي توثق وحشية القصف الروسي النصيري على أهل المدينة الثائرة , واكتست بروفات مئات الآلاف ممن لهم حساب على فيس بوك وتويتر بلون الدم الأحمر تعبيرا عن تضامنهم مع حلب , وسخطهم واستنكارهم لما يحل بها وبأهلها من دمار وقتل لم يعهد التاريخ الحديث له مثيلا .

 

 

 

 وإذا كان حدث تهجير أهل السنة من الأحياء الشرقية من مدينتهم الشهباء هو الأشد وقعا وتأثيرا في نفوس ملايين المسلمين في العالم أواخر العام المنصرم , نظرا لأهمية هذه المدينة تاريخيا واستراتيجيا , وعظم دلالات تهجير أهلها منها لأول مرة في التاريخ , وخطر توطين غيرهم من شذاذ الأفاق من أتباع ابن سبأ وأحفاده من الصفويين ..... فإن هذا لا يعني بحال من الأحوال إغفال حوادث تهجير أخرى مشابهة جرت في عام 2016م في سورية الجريحة , ما يجعل "التهجير القسري للمسلمين من أهل السنة" من بلاد الشام عموما وسورية على وجه الخصوص عنوان عام 2016م المنصرم بامتياز .

 

 

 

ولعل أشبه المناطق السورية بأحياء حلب الشرقية وما حل بأهلها من دمار واسع النطاق من شدة القصف الوحشي النصيري الروسي الذي لم يهدأ طوال أشهر وسنوات , والحصار الذي أرهق الناس حتى طوى الكثير من ثوارهم وأطفالهم ونسائهم دون طعام في كثير من الليالي والأيام , والصمود الأسطوري أمام عشرات ومئات محاولات الاقتحام بعد القصف الوحشي العنيف ....... هي بلدة داريا بريف دمشق , التي اضطر الثوار فيها بعد سنوات من الصمود على الخروج منها قسرا بعد أن أصبحوا أمام خيارين : الموت أو التهجير .

 

 

 

مسلسل تهجير السوريين من أهل السنة لم يتوقف بعد "داريا" القريبة من مطار المزة العسكري , بل استمر و ازداد , فقد واجهت بلدتي "قدسيا والهامة" ذات الأهمية الاستراتيجية لقربهما من القصر الجمهوري ومعظم مقرات الفرقة الرابعة ذات المصير بعد أسابيع قليلة من تهجير أهل داريا .

 

 

 

لم يقتصر التهجير على محافظة سورية دون أخرى , فإخراج الثوار وحاضنتهم الشعبية من مسقط رأسهم و من مدنهم وبلداتهم بعد اتباع سياسة الأرض المحروقة ضدهم باتت سياسة مفضوحة للنظام النصيري وأسياده , ومع أن معالم هذه السياسة لم تكن حكرا على العام الأخير من عمر الثورة المباركة , إلا أن عام 2016 كان عنوانا لهذه الجريمة برعاية أممية وتواطؤ دولي منقطع النظير .

 

 

 

فقد شهد حي الوعر المحاصر منذ أربع سنوات تقريبا بمحافظة حمص تهجير مئات الثوار المقاتلين مع أهلهم من الحي هذا العام , ناهيك عن تهجير مثلهم عام 2015م , وذلك ضمن اتفاق ما يسمى  "تسوية" أو "اتفاق" هو بالتأكيد قسري لا اختياري , دون أن ينفذ النظام النصيري أيا من التزاماته حسب بنزد الاتفاق الموقع بينه وبين لجنة التفاوض من أهل الحي حتى الآن .

 

 

 

ليس بعيدا عن سورية تقوم المليشيات الرافضية التابعة لإيران بعملية ممنهجة لتهجير المسلمين من أهل السنة من مدن ومحافظات العراق منذ سنوات , وقد ازدحمت الأحداث التي توثق ذلك في عام 2016 , سواء في الفلوجة أو صلاح الدين أو الأنبار أو ......حيث تم تهجير أهل تلك المدن المسلمة على يد الحشد الصفوي باسم محاربة "داعش" , ناهيك عن قتل الكثير من أبنائها بأبشع الطرق كما أظهرت الكثير من الصور والفيديوهات .

 

 

 

ويكفي أن نعلم أن آخر إحصائيات أعداد المهجرين من الموصل بسبب الحملة العسكرية الصفوية على مدينة الموصل يفوق 137 ألفا حتى الآن حسب وزارة الهجرة والمهجرين العراقية , بينما أعلنت الأمم المتحدة أن العدد تجاوز 83 ألفا منذ بداية المعركة ضد ما يسمى "داعش" هناك .

 

 

 

وإذا كان الرافضة هم من يقومون بجريمة تهجير المسلمين من أهل السنة في بلاد الشام بدعم دولي فاضح , فإن غيرهم من البوذيين والروس والصينيين يفعلون الشيء ذاته مع مسلمي الروهنغيا في ميانمار ومسلمي شبه جزيرة القرم في أوكرانيا ومسلمي الإيغور في تركستان الشرقية .

 

 

 

لا يبدو أن تهجير المسلمين من ديارهم بشكل قسري - الذي كان الحدث الأبرز للعام المنصرم 2016م -  سيتوقف عام 2017م أو يتراجع , فأعداء الإسلام مصرون على ما يبدو على المضي في هذه السياسة الخرقاء , والتي لن يوقفها إلا عودة المسلمين إلى دينهم بصدق , ومواجهة تلك الجريمة بوحدتهم واجتماع كلمتهم على الحق في مقابل اجتماع أعدائهم على الباطل .