لِمَ التطابق بين خطتي الحشد بالعراق والعصابات الصهيونية بفلسطين!..
3 ربيع الثاني 1438
طلعت رميح

يبدو أمرا لافتا في متابعة عملية تشكيل وممارسات الحشد الإيراني الطائفي في العراق، إننا أمام تكرار ذات تجربة التشكيل والممارسات والخطة التي اعتمدها الصهاينة في المرحلة الأولى من احتلال فلسطين، بل إننا أمام ميلشيات وعصابات تعتمد الاستراتيجية نفسها في الانتقال من حالة العصابات والمجموعات المتفرقة المتشاحنة الأولى إلى مرحلة بناء جيش نظامي، نحن أمام تطابق في كل ذلك على نحو تام، ووفق أدق التفاصيل، وذلك أمر لافت للغاية.

 

 

لقد جرى تشكيل عدة عصابات صهيونية متفرقة ومتضادة - الارجون والهاجاناه واشتيرن .. الخ - عند بداية احتلال فلسطين، وهو ما جعل تلك العصابات متنافسة على الفعل الإجرامي، كما هو أتاح فرصة الإفلات من العقاب حال القيام بأعمال ضد ممثلي الأمم المتحدة أو الدول الأخرى، وهي اعتمدت خطة ارتكاب المذابح بهدف الترويع بين السكان الفلسطينيين وإجبارهم على مغادرة مدنهم وقراهم – بل الوطن الفلسطيني - لإحلال سكان آخرين محلهم.

 

 

كما اعتمدت العصابات الصهيونية أساليب الخطف والاغتيال والحرق والتعذيب تجاه القيادات الطبيعية في المجتمع الفلسطيني، بهدف كسر إرادة المقاومة والمواجهة وتحويل الحركة الفلسطينية المقاومة إلى شتات لا رأس ولا قيادة لها.

 

 

والتاريخ حافل بالمذابح التي جرت للسكان العزل، حتى إجبارهم على إخلاء مساكنهم، كما هو حافل بأعمال الاغتيال والخطف والحرق والتعذيب للقيادات. الخ، وتاريخيا، فقد جرى تجميع تلك العصابات من بعد لتصبح في حالة الجيش النظامي، خلال حرب عام 1948 .

 

 

ومن يراجع تاريخ العراق مع تجربة تلك الميلشيات الإيرانية في صورتها الأولى -المتفرقة - ومن بعد في صورة أو صيغة الحشد تحت قيادة موحدة - وهو ما سيتطور مستقبلا إلى صيغة الجيش المنظم على طريقة الحرس الثوري الإيراني -سيجد نفسه أمام نفس التجربة كاملة وفق الخطط نفسها والأهداف العامة.

 

 

لقد بدأت تلك المجموعات متفرقة كنبت شيطاني متعدد، وهي اعتمدت كل ما اعتمدته العصابات الصهيونية في التعامل مع سكان المدن والقرى العراقية المستهدفة ومع القيادات الطبيعية في العراق، فقد شهد العراق ارتكابا لمئات المذابح على يد مجموعات الحشد، بهدف ترويع السكان وإجبارهم على ترك منازلهم ومدنهم وقراهم – والوطن العراقي كله - لإحداث تغيير ديموغرافي مخطط له.

 

 

وإذ اعتمد الصهاينة أكثر الأساليب إجرامية في التعذيب والقتل على الهوية والخطف، فالحادث في العراق أنه عاش كامل هذه التجربة بشكل أشد كثافة وإجراما؛ إذ هي فعل يومي ممتد ومتواصل منذ سنوات.

 

 

وهكذا فكل متابع مدقق متجرد، سيجد نفسه أمام تطابق بين خطتي العصابات الصهيونية الأولى وعصابات الحشد لتحقيق نفس الأهداف، بل هو سيجد أمامه تطابقا في قراءة مستقبل الحشد، وما آلت إليه حالة العصابات الصهيونية، فإذا كانت الأولى قد شكلت فيما بعد الجيش الصهيوني -الحالي الذي ظل يحمل نفس أفكار وخطط العصابات الأولى أو ما يسمى بعقيدتها القتالية -فالحشد بعد قانون تقنينه يسير في نفس الطريق ليصبح جيشا موحدا ومتسلحا بأقوى الأسلحة، ويسير وفق نفس العقيدة القتالية التي تشكلت على أساسها الميلشيات الأولى.

 

 

وإذ لا يبدو الأمر غريبا، باعتبار أن الجهات الغربية التي كانت تشرف على بناء وخطط واستراتيجيات تشكيل العصابات الصهيونية، هي ذاتها -من خلال الولايات المتحدة -التي أشرفت على تشكيل تلك العصابات في العراق مستندة إلى تجاربها الدموية المروعة في أمريكا الجنوبية وفيتنام وغيرها، فإن هذا التطابق، أبعد من ذلك وأعمق بفعل طبيعة الاحتلال والاستعمار الإيراني الاستيطاني.

 

 

ففي قراءة المشترك والمتطابق بين تجربة واستراتيجية عمل عصابات الحشد والعصابات الصهيونية، نجده أخطر مما هو متصور، فإذا مثل الجيش الصهيوني أداة بناء وقيام المجتمع الإسرائيلي حتى قيل إننا أمام جيش بُني عليه مجتمع ودولة - فكل مواطن اسرائيلي يظل تحت السلاح حتى عمر التسين - كما الجيش هو المسيطر على السياسة والإعلام وعلى الصناعات الحربية والمشروعات الاقتصادية ذات الطابع الاستراتيجي، بل حتى على خطط وأماكن بناء المستوطنات، فالأمر كذلك في مستقبل الحشد.

 

 

وللتوضيح فحين نقول إن عصابات الحشد الطائفي هي حركة لبناء ما يسمى في إيران بالحرس الثوري، فنحن نقول نفس ما قلناه بشأن بناء ودور الجيش الإسرائيلي ما بعد مرحلة حرب العصابات، إذ الحرس الثوري في إيران هو القوة الرئيسية في بناء الدولة وإدارتها - ولهذا هو خاضع للمرشد ومؤسسته - كما هو من يدير الجوانب الأهم في الصناعات العسكرية وإدارة الاستراتيجية الكلية للدولة، فيما الحكومة والرئيس والبرلمان والحكومة هي أدوات الحكم المحلية في إيران، وواجهة التعامل الشكلي مع المؤسسات الدولية، فيما القرار بيد المرشد والحرس الثوري .

 

 

لقد بنيت الحالة الصفوية الإيرانية الراهنة على ذات النموذج الصهيوني، باعتبار الدولتين تسعيان لتحقيق مشروع استعماري من النمط الاستيطاني، القائم على التطهير الديني والعرقي، وإعادة تشكيل خرائط انتشار السكان على أساس العرق والمذهب، وباعتبار كلا المشروعين اعتمدا فكرة التوسع وبناء امبراطورية منذ لحظة انشائه .

 

 

بُني الكيان الصهيوني، على فكرة الدولة المتوسعة وفق أعمال الاستيطان وتغيير الهوية، وبُنيت إيران الخميني وما بعده على ذات المبدأ، وما يهمنا هنا -فأمر التطابق بين المشروعين والاستراتيجيتين الإيرانية والصهيونية سنتناوله في مقالات أخرى بإذن الله -هو أن بناء ميلشيات الحشد الطائفي، قد ارتبط بالتطابق بين المشروع الصهيوني في احتلال فلسطين والمشروع الإيراني في احتلال العراق، وأهم ما يؤكده اعتماد ايران نفس الاستراتيجية الصهيونية، هو أنها انتقلت بذات الخطة ووفق المعطيات نفسها إلى سوريا.

 

المصدر/ الهيئة نت