هل ستصمد الهدنة بسورية ؟!
1 ربيع الثاني 1438
د. زياد الشامي

ما إن انتهت عملية تهجير أهل حلب الشرقية من أهلها المدنيين والثوار على حد سواء , ضمن اتفاق لإنقاذ من تبقى من الأطفال والأبرياء بعد استخدام روسيا الأرثوذكسية جميع أنواع ترسانتها العسكرية المدمرة التي سوت أحياء بكاملها بالارض ....حتى سارع قاتل الأطفال بوتين إلى لبس قناع "حمامة السلام" , ليبدأ مفاوضات ما يسمى الوقف الشامل لإطلاق النار بسورية مع الدولة الأكثر التصاقا بثورة الياسمين جغرافيا وعمليا "تركيا" , ليظهر بعد أيام قليلة على وسائل الإعلام الروسية للإعلان بنفسه عن التوصل لاتفاق لوقف لإطلاق النار في سورية .

 

 

 

لم يكن الهدف من هذا الاستعجال الروسي الواضح للتوقيع على الاتفاق خافيا على كل متابع للثورة السورية , فبوتين يريد استثمار ما يسميه زورا وبهتانا "انتصارا في حلب" , والذي تم تضخيمه إعلاميا بشكل كبير جدا للتغطية على الفشل الروسي في تحقيق ما سعت إليه من خلال عدوانها العسكري على الشعب السوري , ويكفي دليلا على ذلك أن النظام النصيري ومليشياته لم تسيطر إلا على 1.3% مما تم تحريره من سورية على يد الثوار منذ العدوان الروسي وتدخلها العسكري ضد الثورة السورية , كما أن طاغية الشام و مرتزقة إيران لم تسيطر إلا على 19% من سورية و15% من محافظة حلب فقط كما أكد عبد المنعم زين الدين المنسق العام بين فصائل الثوار .

 

 

 

وبالإضافة لما سبق فإن الفاتورة المادية والمعنوية الباهظة للعدوان الروسي على سورية , وإدراك بوتين أن ما حدث بحلب قد تكون هي الفرصة الذهبية ليظهر بمظهر مريد السلام وتحقيق الأمن والاستقرار بسورية..... هي بلا شك أسباب أخرى لتفسير هذا الاستعجال الروسي في إعلان وقف إطلاق النار .

 

 

 

والسؤال الأهم الآن هو : هل سيصمد هذا الاتفاق ؟! خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار التجارب السابقة لكثير من الهدن والاتفاقيات السابقة , والتي انهارت بعد ساعات من إعلانها , ومدى التعقيد وتزاحم المصالح والإرادات التي تكتنف ثورة الياسمين في الشام .

 

 

 

قد يكون كلام البعض بأن هذا الاتفاق مختلف عن غيره من الاتفاقات السابقة منطقيا ومقبولا إلى حد ما , فروسيا تبدو جدية هذه المرة في سعيها لوقف حقيقي لإطلاق النار كما يقول بعض المحللين , وذلك لكونه يحقق مصالحها بالطبع , كما أن الطرف الآخر الذي يمثله الثوار والدولة الداعمة لهم "تركيا" لهم مصلحة واضحة في وقف إطلاق النار , سواء للتحفيف عن المدنيين الذين أرهقوا من شدة القصف ونالهم منه ضرر شديد , أو لإعطاء فرصة للثوار لإعادة تقييم المرحلة السابقة و التعلم من دروسها وخصوصا درس حلب القاسي , والعمل على وضع استراتيجية جديدة لمواجهة تكالب الأعداء , ناهيك عن وجود مصلحة لـ "تركيا" في هذا الاتفاق في المرحلة الحالية على الأقل ..... تدفعهم بالمقابل لللالتزام به وعدم خرقه .

 

 

 

إلا أن ما سبق لا يعني أن صمود الاتفاق مضمون , فقد اعترف بوتين بنفسه أن الاتفاق هش منذ الإعلان عنه , كما أن وجود ثغرات كبيرة في نص الاتفاق تشير إلى أن هناك الكثير من المعوقات والمطبات التي تعيق استمراره ونجاحه .

 

 

أولى تلك الثغرات واهمها على الإطلاق مسألة شمول الاتفاق جبهة فتح الشام من عدمه , ففي الوقت الذي أكد فيه المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد في مؤتمر صحفي بأنقرة أن الاتفاق لا يستثني أي فصيل ثوري أو أي منطقة يتواجد فيها الثوار , بما في ذلك جبهة فتح الشام ..... قالت تركيا : إن الاتفاق يشمل جميع الفصائل باستثناء من يصنفهم مجلس الأمن الدولي تحت مسمى "المنظمات الإرهابية" , وهي : "داعش" وجبهة النصرة" التي أصبحت تسمى "فتح الشام" رغم إعلانها فك ارتباطها بتنظيم القاعدة .

 

 

 

اما النظام النصيري وإيران فقد كان بيانهما الرسمي الذي صدر عن نظاميهما بعد الاتفاق واضحا في عدم شمول كل من "داعش" وجبهة فتح الشام وكل من له ارتباط بهما , وهو ما يعني توسيع دائرة غير المشمولين بالاتفاق ليطال "من له ارتباط بهما" , وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لخرق الاتفاق من قبلهما مستقبلا بذريعة أن المستهدف "جبهة فتح الشام" أو فصيل له ارتباط بها على حد زعمها !!!

 

 

 

وناهيك عن تلك الثغرة التي تعتبر من الخطورة بمكان , فالضامن لكبح جماع النظام النصيري ومرتزقة إيران عن خرق الهدنة متورط حتى أذنيه في خروقات سابقة , كما أن هذا الضامن المفترض لم يستطع أن يمنع مليشيا طهران من خرق اتفاق خروج المدنيين والثوار من حلب في الاتفاق الأخير , حتى أقحم ملف كفريا والفوعة في الاتفاق ليصار بعد ذلك لتنفيذ بنود الاتفاق بالتزامن .

 

 

وحتى لا نذهب بعيدا كما يقال , فقد أكد الثوار حصول بعض الخروقات لاتفاق الهدنة من قبل النظام النصيري ومليشياته بعد ساعات من بدء سريانه , حيث تم قصف بلدة جسرين في ريف دمشق بالصواريخ صباح اليوم الجمعة، كما قصفت جرود وادي بردى بصواريخ أرض أرض , ناهيك عن محاولات نصيرية صفوية للتسلل إلى بلدة الميدعاني بريف دمشق، تبعتها اشتباكات أسفرت عن إصابة أحد أفراد الثورة السورية .

 

 

 

ومن هنا فإن غالب الظن أن الثوار يدركون جيدا هشاشة هذا الاتفاق و احتمال تعرضه في أي لحظة للانهيار , وهو ما يستدعي استثماره بأقصى ما يمكن من قبلهم لإعادة رص الصفوف وتوحيد الكلمة وترتيب الأمور للمواجهة المحتملة قريبا , فما لم يستطع الثوار تحصيله ببنادقهم لا يمكن أن يمنحه له عدوهم بالسياسة والمفاوضات .