"الاستيطان" الصهيوني والمعايير المزدوجة
28 ربيع الأول 1438
خالد مصطفى

تعاني القضية الفلسطينية منذ أكثر من 60 عاما من غياب العدالة الدولية والانحياز السافر للكيان الصهيوني الذي اغتصب الأرض بالقوة العسكرية بمساعدة الدول الكبرى التي كونت فيما بعد مؤسسات تحمي غطرستها ومصالحها على حساب الدول الصغيرة والفقيرة..

 

ومنذ ذلك الوقت والدول الكبرى تبتلع الدول الصغيرة والدول الغنية تنهب ثروات الدول الفقيرة تحت سمع وبصر هذه المؤسسات التي أصبحت وسيلة لشرعنة المخططات التي تتفق عليها القوى العظمى بينما ترزخ الدول الأخرى رغم كثرة عددها ضحية الظلم والاضطهاد..

 

اغتصب الصهاينة الأراضي الفلسطينية بواسطة دعم مباشر من بريطانيا التي كانت تعد الدولة الأكبر والأوسع نفوذا في هذا الوقت ورأى الغرب أنه سيرتاح من صداع اليهود ومخططاتهم فأيدوا هذا الاغتصاب ودعموه بشتى الوسائل وانضمت لهم في ذلك الوقت روسيا التي كانت تزعم وقوفها إلى جانب العرب..

 

ومع هذا التلاقي بين الشرق والغرب على إزاحة شعب من أرضه لمصلحة شعب آخر بدأت المأساة تتناقلها الأجيال وتتحول إلى قرارات في الهيئات الدولية دون أن يتم تنفيذ أي منها لسبب بسيط هو أن مصالح الدول الكبرى توافقت مع الكيان الصهيوني...

 

ومع مرور السنوات بدأ هذا الكيان يتوسع في الأراضي الفلسطينية عن طريق بناء المستوطنات ودعوة اليهود من شتى أنحاء العالم للقدوم للسكن فيها وحصل على تسهيلات كبيرة من أجل تنفيذ هذا المخطط الذي كان على حساب أصحاب الأرض وكانت الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا تندد بهذا البناء ولكنها ترفض إدانته في الأمم المتحدة حتى جاء الرئيس باراك أوباما قبل 8 سنوات وأدلى بتصريحات بدت إيجابية في هذا الشأن إلا أنه سار على نهج من سبقه طوال سنوات حكمه ورفض الضغط على الحكوماتى الصهيونية المتعاقبة من أجل وقف الاستيطان, وقبيل مغادرته البيت الأبيض بأيام وهو يجمع متعلقاته الشخصية بلا عودة سمح بإصدار قرار يدين الاستيطان الصهيوني في مجلس الأمن ورفض استخدام الفيتو لاول مرة ضد الكيان الصهيوني وهو أمر إن دل على شيء فإنما يدل على هشاشة العدالة الدولية ونظامها المليء بالثغرات, كما يبين أن الإدارة الأمريكية مهما تغير فكر رؤسائها مواقفها ثابتة من قضايا العرب والمسلمين بشكل عام ولا يمكن الاعتماد عليها في هذا الشأن..

 

الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ضغط هو ورئيس الوزراء الصهيوني بشتى الطرق من أجل منع إصدار القرار إلا أن رغبة أوباما لتحسين صورته قبل رحيله وكراهيته لترامب مع إصرار العديد من الدول الصغيرة على فضح الانتهاكات الصهيونية كل هذا فتح الطريق أمام القرار الدولي النادر في تاريخ المنظمة الدولية..

 

ترامب من جهتهه لم يستسلم وأكد أن كل شيء سيتغير عندما يتولى المسؤولية وصب جام غضبه على المنظمة الدولية ووصفها بأنها "تبعث على الأسف الشديد" ليس لأنها صمتت على جرائم الأسد ضد الشعب السوري طوال 6 سنوات أو لأنها لم تنطق ببنت شفة بشأن مذابح القوات العراقية والحشد الشيعي ضد أهالي الموصل والفلوجة لا ولكن لأنها وقفت لمرة واحدة إلى جانب أحد أكثر الشعوب المضطهده في العالم ..

 

مواقف ترامب واضحة منذ حملته الانتخابية حيث يضع نفسه في خدمة الصهاينة وكل من يؤذي المسلمين والعرب ولكن الأمر لا يدعو لليأس لأن أوباما وجميع الرؤساء قبله اتخذوا نفس المواقف تقريبا ومازالت القضية الفلسطينية تعيش في وجدان الشعوب العربية والإسلامية أما الحكومات فلها حسابات أخرى...

 

قد يتساءل البعض قائلا: بما أن "إسرائيل" لن تنفذ القرار فلماذا اشتد غضبها منه؟ والإجابة هي أن الكيان الصهيوني يحصل على دعم واسع من دول غربية بشكل قانوني ومن خلال مؤسساتها المنتخبة لبناء هذه المغتصبات وهذا القرار سيعطل ذلك, كما أنه سيعرض الكيان الصهيوني لضغوط سياسية متزايدة وهو ما لم تتعود عليه.