هل فوجئ الغرب حقاً بمحرقة حلب؟
26 ربيع الأول 1438
منذر الأسعد

ما حكم أي إنسان لديه بقايا ضمير حي، على شخص يقفل قفصاً فولاذياً على عجوز مريض بعد تكبيله بقيود شرسة، وفي داخل القفص وحش مفترس جرى تجويعه بضعة أيام؟

 

تلك هي الصورة الحقيقية للشعب السوري الذي تفنن الغرب المنافق في محاصرته، وطلب إلى الدب الروسي المفجوع أن يتولى مهمة افتراسه، بعد أن عجز أزلام خامنئي مجتمعين عن التهام الفريسة يشاركهم في دمويتهم عصابات بشار التي مردت على أحطِّ ممارسات همجية لم تهبط إليها وحوش الغابات..

 

إن الإعلام الغربي الكذاب يحشد كل طاقاته لاختزال مأساة السوريين في جزء من مدينة حلب، ولتصوير المذبحة التي تمت بإجماع صليبي ناجز وكأنها نيزك هبط من الفضاء الخارجي بغتة!!
إلى هذا الحد يستغبي الإعلام الغربي شعوبه!!

 

الكرة المتدحرجة

شعر الساسة الغربيون –وخاصة الأمريكان منهم- بأن الثورة السورية أسقطت أقنعتهم، فلم تعد تصريحات البيت الأبيض عن انتهاء "شرعية" عميلهم بشار تستر عريهم، منذ تهريج أوباما عن خطه الأحمر المتعلق باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين العزل في صيف 2013م.

 

استدار القوم بكل صفاقة، وأصبح حديثهم كله عن "الإرهاب" متناسين أن داعش لم يكن له وجود في بدايات الثورة، ومتعامين عن أن قادة هذا التنظيم خرجوا في ليلة ظلماء من سجون طاغية الشام وشريكه الطائفي الآخر نوري المالكي (بعد أن كان دجال بغداد يشكو عصابات بشار إلى مجلس الأمن الدولي لأنها تُصَدِّر المفخخات والإرهابيين إلى العراق!!!!).

 

وتدرجت مؤامرة أوباما من نقطة التركيز على أولوية داعش، إلى الحديث عن حتمية الحل السياسي في سوريا، وأشغلت البشرية بمسرحيات جنيف ذوات الأرقام والمشاهد المضحكة المبكية..

 

وكلفت التيس المستعار بوتن بكل ما عجزت عن القيام به لأسباب تتعلق بضرورات الإخراج والحرص على حجب صورتها الحقيقية عن الأنظار.

 

كان بلطجي الكرملين يتطوع بممارسة الفيتو مرة تلو أخرى..

ثم طلبوا إليه إنجاد حارس الاحتلال الصهيوني بتدخل عسكري سافر، بعد فشل قطعان خامنئي كلها عن أداء المهمة القذرة.

 

في الوقت نفسه، نجحوا في فرض ضغوطاتهم على الدول القليلة المتعاطفة مع الشعب السوري لمنعها من تمرير أي سلاح فعال مضاد للطيران.. وعندما شعروا أن ترهيبهم لم يعد يفي بالغرض، أشغلوا هذه الدول بحرائق داخلية أو إقليمية مجاورة لها تماماً، وتهدد أمنها الوطني مباشرة.

 

ولم يتخل الـمُخرج الهوليودي الماكر عن تجارة "صداقة" الشعب السوري، حتى بعد سقوط ورقة التين عن سوءته، فأجبر الحفنة التي رضيت بإملاءاته على التوقيع مسبقاً بعدم استهداف عصابات نيرون العصر بشار وشركائه المرتزقة..

 

الذعر من اليهود

الساسة الغربيون متمرسون على المكر والخداع وليسوا بخشونةالساسة الروس وغبائهم وصلفهم في مختلف مراحل التاريخ.

لذلك، سمعنا الإرهابي الأكبر باراك أوباما عقب حرق حلب، يتشدق بكل صفاقة عن إجرام روسيا وإيران وعصابات صبيه بشار في تلك المحرقة!!

 

ولأن المنفذين يستأثرون بالتركيز البصري أكثر من اسم الـمُخرج، فإن الشجب العالمي تمحور حول القتلة الثلاثة، وغفل عن إجرام العقل الذي خطط وقام بتوزيع الأدوار من وراء ستار..

 

في هذا السياق ندرت الأصوات الموضوعية في الإعلام الغربي، وحوصر أصحابها بدهاء، بالإضافة إلى قصور بعض المتعاطفين مع الحقيقة في اكتشاف خلفيات التآمر الغربي على الشعب السوري..

 

فأكثر هؤلاء تحدثوا عما رأوه "ضعف " أوباما!! ومنهم –كمثال- الكاتب ريتشارد كوهين الذي كتبفي صحيفة واشنطن بوست أن حلب هي رمز للضعف الأميركي، وإن سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تسببت في كل المآسي بسوريا وأزمة اللاجئين وصعود اليمين المتطرف بأوروبا وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي واحتمال تفكك هذا الاتحاد، لكن "الأفظع من كل هذا هو تسببها في تشويه صورة أميركا التي كانت تُعرف بأنها لا تسمح مطلقا بذبح الأبرياء بهذا الحجم".

 

ولو طالع الكاتب صحيفته نفسه لعثر على شيء من الحقيقة كما جاء في تقرير لها، وورد فيه "أن موسكو ودمشق لا تشعران بأي ضغط عليهما لوقف هجومهما على حلب لأنهما حصلتا من قبل ومن خلال كيري على موافقة أميركية على مبدأ بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتنفيذ روسيا وأميركا هجمات مشتركة ضد المعارضين الذين يعتبرهم الطرفان "إرهابيين".

 

وربما كان الكاتب الأميركي تشارلز كراوثامر أكثر استيعاباً في تقويم ما يجري، حيث رأىأن سياسة أوباما الخارجية واستمر يقول إن هذه السياسة "العذرية المتأنقة" التي تسعى لفك الارتباط بالواقع السياسي الصعب أنجبت شبه جزيرة القرم وبحر جنوب الصين وبروز تنظيم الدولة وعودة إيران، والآن رعب حلب وعارها الذي يكلل العالم.

 

وقال: بعد تنازلات لا نهاية لها للمطالب الروسية الرامية لحماية نظام الإبادة السوري والحفاظ عليه، استسلمت أميركا الشهر الماضي لصفقة تشارك فيها مع موسكو لتحقيق أهداف روسيا. وأضاف بأن احتقار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لرئيسنا" لم يتوقف هنا. فقد انتهك بكل وقاحة وقفه لإطلاق النار بحملة جوية شهد كل العالم وحشيتها وهي تستهدف المستشفيات ومحطات المياه وقافلة معونات إنسانية في حلب.

 

إلا أن كاتباً ثالثاً وضع يده على العصب الحساس الذي يؤكد تآمر أوباما لوأد الثورة السورية، لكن الخوف من البعبع اليهودي قد يكون وراء إحجامه عن تسمية الأشياء بأسمائها..

 

قال الكاتب دانييل هينغر في وول ستريت جورنال: إن أبسط ما يمكن للولايات المتحدة فعله إزاء سوريا هو تسليح الناس الذين هم على استعداد للدفاع عن أنفسهم في وجه الهجمة التي يشنها عليهم كل من رئيس النظام السوري بشار الأسد وحليفه الرئيس الروسي فلادمير بوتين.

 

وأضاف –قبيل سقوط حلب في يد القتلة-: إن ما تتعرض له حلب اليوم من دمار يشبه ما سبق أن تعرضت له سراييفو، حتى يمكن القول إن حلب تعد بمثابة سراييفو الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

 

وختم-في جرأة نادرة- بقوله: إن الأمر لا يتعلق بأن الولايات المتحدة لم تقدم سوى النزر اليسير للمعارضة السورية، ولكن الفشل الأمريكي الأساسي الأكبر يتمثل في رفض الرئيس أوباما السماح بتسليح الناس الجاهزين للذود عن أنفسهم والوقوف ضد الطاغية السوري الذي يواصل الذبح الجماعي للمدنيين الأبرياء.

 

ولنتنبه إلى أن الجميع يجبنون عن إيراد التفسير الحقيقي لسلوك أمريكا وهو الروح الصليبية العميقة في لاوعيها، وضغوط اللوبي الصهيوني وتهديدات الكيان الصهيوني لمؤسساتها الكبرى بما لا يسرها..

 

ألم يختصر نتنياهو المسألة كلها عندما استشعر أن الأمريكان على وشك تبديل رأس النظام النصيري والمجيء بنصيري آخر لا يقل عنه خيانة لنا ووفاء للصليبيين والصهاينة، فطار إلى واشنطن ليبلغ من يعنيهم الأمر: نحن أدرى بشؤون أمننا منكم. نقطة على السطر!!