نحن المسلمون ولسنا الـمُكَوِّنَ السُّنِّي.. هل العوام أوعى من النخبة؟
14 ربيع الأول 1438
منذر الأسعد

في خضم الحروب العالمية لاقتلاع الإسلام وتشتيت أهله ثم حصرهم في زوايا على هامش الحياة، ينظر بعضنا بكثير من الازدراء إلى معركة المصطلحات والمفاهيم، في نطاق قراءة شديدة الضحالة، لا تدرك الدور الرئيسي لزعزعة المصطلحات وتشويه المفاهيم، في نطاق حرب مستمرة منذ 200 سنة على الأقل، لشيطنة المسلمين.

 

مَنْ يُرْهِبُ مَنْ؟

من لم يقرأ تاريخ الأمة في القرون الأخيرة، سيُفَاجأ عندما يعلم أن فزاعة الإرهاب الغربية الزئبقية ليست وليدة اليوم..

 

نقتبس شاهداً صارخاً عمره أكثر من قرنين من الزمان، كنموذج فقط على وحشية الغرب الذي يدعي أنه يحتل بلادنا لكي يرتقي بنا "حضارياً"!! مع أنه يقلب المفاهيم والقيم، فمن يقارع المحتل إرهابي..

 

سليمان الحلبي شاب سوري كان يدرس في الأزهر في مرحلة الاحتلال الفرنسي لمصر، وكان عمره 24 عاماً حين اغتال قائد الحملة الفرنسية على مصر (1798م-1801م)،، فتنكر الحلبي في هيئة متسول عند كليبر ودخل عليه، وطعنه 4 طعنات متوالية أردته قتيلاً!

 

ألَّفت سلطة الاحتلال محكمة عسكرية من 9 أعضاء بتاريخ 15 و16 يونيو 1800 لمحاكمة قاتل كليبر، وحكموا عليه حكماً مشدداً بالإعدام إلا واحداً، فحكم عليه الفرنسيون بحرق يده اليمنى وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل جثته الطيور، (المختار من تاريخ الجبرتي)، ونفذوا ذلك في مكان علني يسمى "تل العقارب" بمصر القديمة، على أن يقطعوا رؤوس الأزهريين أولاً ويشهد سليمان إعدام رفاقه لأنهم عرفوا أمره ولم يبلغوا الفرنسيين بالمؤامرة، ومن ثم يحرق بارتيليمي يد سليمان الحلبي ثم يرسله إلى خوزقته، ويردد الحلبي الشهادتين وآيات من القرآن، وقد ظل على تلك الحال أربع ساعات، حتى جاءه جندي فرنسي أشفق عليه فأعطاه -بعد خروج الجميع- كأسا ليشرب منه معجلاً بذلك بموته بالحال.

 

وأكمل الغازي الخسيس " إنسانيته" فلما اضطر إلى الرحيل أخذ بقايا جثة الشاب وما زال معروضاً حتى اليوم في متحف "الإنسان" –هكذا يسبغون صفة الإنسانية على همجيتهم!!

 

في المقابل، قام الغزاة بشحن عميلهم القبطي الخائن يعقوب معهم، لأنه ارتضى أن يكون أداة طيِّعة في خدمتهم ضد مواطنيه، وأطلقوا عليه لقب " المعلم" ومنحوه رتبة جنرال!!

 

قراصنة همج

بعد طرد المسلمين من الأندلس 1492م، انطلقت حركات الجهاد الإسلامي ضد الإسبان والبرتغاليين لكنها بقيت غير منظمة حتى ظهور الأخوين خير الدين وعروج بربروسا، اللذين استطاعا تجميع القوات الإسلامية في الجزائر، وتوجيها نحو الهدف المشترك لصدِّ أعداء الإسلام عن التوسع في موانئ ومدن الشمال الإفريقي.

 

اعتمدت هذه القوة الإسلامية الجديدة في جهادها أسلوب الكر والفر في البحر لعجزها عن الدخول في حرب نظامية ضد القوى النصرانية من الإسبان والبرتغاليين وفرسان القديس يوحنا، وحقق هؤلاء المجاهدون نجاحًا أثار قلق القوى المعادية، ثم رأوا بنظرهم الثاقب أن يدخلوا تحت سيادة الدولة العثمانية؛ لتوحيد جهود المسلمين ضد النصارى الحاقدين.

 

وقد حقق الأخوان العديد من الانتصارات على القراصنة المسيحيين الأمر الذي أثار إعجاب القوى الإسلامية الضعيفة في هذه المناطق، ويبدو ذلك من خلال منح السلطان "الحفصي" لهم حق الاستقرار في جزيرة جربة التونسية، لكن الغرب الصليبي عَكَسَ الحقائق كعادته، فأطلق لقب "قراصنة" على هذين المجاهدَيْن اللذين عرقلا القرصنة الصليبية في البحر المتوسط ردحاً طويلاً من الزمن.

 

صحيح أن الغرب يخصنا بالنصيب الأكبر من عدوانيته الفظيعة وأحقاده الدفينة، لكن تلاعبه بالمفاهيم لم يقتصر علينا.

 

فنلسون مانديلا الذي قاد مقاومة شعبه في جنوب إفريقيا ضد التمييز العنصري الغربي، كان في نظر الغرب إرهابياً، وبقي في السجن 27 سنة، فلما انهزم العنصريون البيض أمام نضال الأفارقة وأصبح مانديلا رئيساً منتخباً، انقلب الغرب على دجله ومنح مانديلا جائزة " نوبل للسلام"!!

 

نحن المسلمون

يلاحظ الراصد في السنوات الأخيرة، وقوعنا في الفخ الذي ينصبه لنا أعداؤنا الكثر وقد تغلبوا على تناقضاتهم الثانوية وتحالفوا ضدنا، فانتشر مصطلح بغيض يتعمده الخبثاء ونستخدمه بسذاجة، وهو "المكوِّن السُّنِّي"، وخاصة عند الحديث عن مآسي الشام والعراق.. وقريبٌ منه شيوع مصطلحات: العرب السُّنَّة – المكوِّن الرئيسي في دولة كذا....

 

لستُ أعترض على اسم "أهل السنة والجماعة" من الوجهة الشرعية، بالرغم من أنه نشأ في أوقات متأخرة نتيجة ظهور الفِرَق البدعية وتشققاتها المختلفة.

 

لكن ذلك –في تقديري- له موضعه في المناقشات والبحوث المتخصصة وبيان محتواه للعامة.. ولا يجوز بحال أن ننقله إلى دائرة الإعلام والتحليل السياسي، لأنه يصبح ذا دلالة مشوهة، يريد الأعداء ترسيخها في التداول.

 

نحن المسلمون.. نحن الأمة.. وذلكم حكم التاريخ والواقع.. فنحن الذين نتبع الكتاب والسنة على درب الصحابة والتابعين، وغيرنا هو من يحتاج إلى إضافة صفة أخرى غير الإسلام ليدل الآخرين على هويته.

 

وما يحزنني أن يكون العوام أكثر دقة من بعض المنتسبين إلى النخبة.. فأي واحد من عوامنا إذا سأله سائل عن دينه يقول: مسلم ولله الحمد!! فلا يقول: مسلم سني!!