وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
12 ربيع الأول 1438
سليمان بن جاسر الجاسر

موت النبي صلى الله عليه وسلم هو حدث جليل عظيم، ولم يختلف على يوم وفاته حيث كان يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، ورأى الجمهور أنه كان في اليوم الثاني عشر منه، يقول ابن رجب ـ رحمه الله ـ: «ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم من دُهش فخولط، ومنهم من أُقْعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية»(1).

 

قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي؛ فإنّها أعظم المصائب»(2).

 

قال القرطبي: «وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة؛ انقطع الوحي، وماتت النبوَّة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير، وأول نقصانه»(3).

 

فأشار ـ رحمه الله ـ إلى أمرٍ عظيمٍ انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو: انقطاع الوحي الذي كان يتنزل من يوم أهبط آدم إلى الأرض؛ فانقطع بموته صلى الله عليه وسلم.

 

دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على أم أيمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يتفقدانها، فوجداها تبكي، فقال لها أبو بكر: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أنّ الوحي انقطع من السماء، فهيَّجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان(4).

 

لقد كان موت النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة ابتليت بها الأمة مطلقًا، وكان له أثر عظيم على نفوس الصحابة وحالهم؛ حتى صدق فيهم وصف عائشة رضي الله عنها: صار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم.

 

يقول أنس رضي الله عنه: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كلَّ شيء، وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا(5).

 

فأيُّ احتفال يكون في يوم رزئت فيه الأمة بأعظم مصيبة في تاريخها، يقول الفاكهاني: «هذا مع أنّ الشهر الذي وُلِد فيه صلى الله عليه وسلم هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه».

 

بعض الدروس والعبر في وفاته صلى الله عليه وسلم:

1- كان هذا الحدث الذي هو من أعظم مصائب المسلمين في دينهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي، فإنه أعظم المصائب»(6)، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي، وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب، وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه(7).

 

2- إن قضية التوحيد أخطر قضية في حياة الإنسان، فقد كان ينادي بها صلى الله عليه وسلم قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه وفي حياته وفي لحظات مماته، ففي سكرات الموت يقول: «لا إله إلا الله»، وفي سكرات الموت يقول أيضًا: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(8).

 

3- الإنسان لا محالة ميت وملاقٍ ربه سبحانه وتعالى، ولا بدّ له من المثول أمام الله، والسؤال عن عبادته وأمانته وقد قال صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت: «الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم»(9).

 

____________________________

(1) لطائف المعارف (ص:114).
(2) ابن ماجة (1599)، وهو صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة، رقم (1106).
(3) تفسير القرطبي (2/176).
(4) أخرجه مسلم (103).
(5) أخرجه الترمذي (3618)، وابن ماجة (1631)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3861).
(6) سبق تخريجه.
(7) تفسير القرطبي (2/176).
(8) رواه البخاري رقم (437)، ومسلم رقم (530).
(9) رواه أبو داود، رقم (5134).