كيف أثر “فيس بوك” على حياتنا النفسية والاجتماعية
12 ربيع الأول 1438
حمزة ياسين

لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد مواقع عادية موجودة على الإنترنت، بل أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، إلى درجة أن غالبية الناس لا يستطيعون تصور حياتهم من دون “فيسبوك” وتصفح الموقع يوميًا، وصار يُنظر للأشخاص الذين هم خارج هذا الموقع باعتبارهم خارج الحياة الطبيعية اليوم.

 

 

يحاول “طوني صغبيني” في هذا الكتيب أن يصل إلى مجموعة من الخلاصات المتعلقة بالآثار السلبية المترتبة على العيش في موقع “فيسبوك”، باعتبار أن هذه الآثار تحاكي شعور جميع من تفاعلوا مع هذا الموقع، وسيشعر به الفرد بعد أن يحاول ترك “فيسبوك” لمدة معينة، ويرى أثر ذلك عليه ويقارنها مع الفترة التي كان موجودًا فيها في الموقع.

 

 

لا ينكر الكاتب بطبيعة الحال النقاط الإيجابية الموجودة في موقع فيسبوك، مثل أنه فتح العالم على بعضه البعض بشكل غير مسبوق، كما أنه ساعد في الحفاظ على التواصل بين الناس البعيدين عنا، بالإضافة أنه سهل عملية التعرف على أشخاص يشتركون معنا في الاهتمامات والأفكار، وغير ذلك من الفوائد على الصعيد الاجتماعي والسياسي والعملي؛ ولكن سيطرته على حياتنا اليومية يدعونا لعمل مراجعات لآثاره وتقييمًا بانعكاساته على حياتنا.

 

 

وحدنا معًا

يقول صغبيني إنه بعد خمس سنوات من استعماله لموقع فيسبوك، قد لاحظ انخفاضًا في مستوى التفاعلات الإنسانية الحقيقية في حياته، ومن ضمن الأسباب التي أثرت على ذلك هو طبيعة العلاقات الاجتماعية في الزمن الراهن، حيث يقول إنه “خلال هذه الفترة، نمى إحساسي بأنه هنالك نقص غريب في حميمية معظم التفاعلات الإنسانية في يومي؛ الكل يبدو أقل حضورًا، أقل إنسانية، مستعجل ومرهق بشكل دائم، وأكثر ميكانيكية، لكن الكل كان يعيش على الفيسبوك أفضل أيامه”.

 

 

بمعنى أنه هناك نوعًا من الانفصام بين حياة الناس العادية، وبين ما يظهرونه على حسابات الفيسبوك الخاصة بهم، وبالتالي هذا جعل الاتصال الشخصي مع بَعضُنَا البعض أقل من اتصالنا بالأجهزة والتكنولوجيا، إلى درجة فقدان الهوية الشخصية الحقيقية على حساب الهوية الافتراضية على الفيسبوك.

 

 

بالإضافة إلى إفراط التعلق بالحياة الاجتماعية على الفيسبوك أكثر من الحياة الواقعية، مثل أنه يمكن أن تلتقي صدفة بصديق ضمن قائمة أصدقائك من دون أن تلقي التحية عليه في الشارع أو في الحياة العادية، أو كيف أن البعض يشعر بصعوبة في إقناع صديقه أو أَحد أفراد عائلته بالنهوض عن اللابتوب والخروج للتسكع بدلاً من الجلوس، أو أن تطلب من أحدهم أن ينظر إلى وجهك عند الحديث معه بدلاً من طأطأة الرأس نحو هاتفه الذكي.

والحالة القائمة أثناء الرحلات من الانصراف عن جمال المشهد والتأمل، والتوجه نحو التصوير والمشاركة على الفيسبوك، فبدلاً من رؤية المشهد مباشرةً ينظر المرء إليه عبر شاشات الهاتف.

 

 

وذلك بالإضافة إلى الإمكانية القائمة في صرف للانتباه عن طريق الـ notifications المتكررة، التي ما أن تظهر على الشاشة حتى تستولي على انتباه الشخص.

ولكن يقول إنه بعد أن ترك الفيسبوك لمدة معينة؛ أصبحت حياته أكثر حيوية وإنتاجية، وأقل ضجيجًا، وأحسن في تشكيل العلاقات والتواصل مع الآخرين.

 

 

 

الفيسبوك والعلاقات الاجتماعية

وجدت بعض الدراسات أن المراهقين الذين يعتمدون كثيرًا على الفيسبوك غالبًا ما يدخلون بعلاقات سطحية مع عدد كبير من الأصدقاء الافتراضيين، من دون أن يطوروا علاقات حميمية حقيقية وجهًا لوجه.

 

 

وكما تقول سيري توركت، صاحبة كتاب “وحدنا جميعًا”، بأنه “قد يكون لدينا خيار العمل والتواصل من أي مكان، ولكننا معرَّضون أيضًا لأن نكون وحيدين في كل مكان.. نحن نتطلع إلى التكنولوجيا لملأ الفراغ، لكن كلما تقدمت التكنولوجيا، كلما تراجعت حياتنا العاطفية والاجتماعية”.

 

 

الفيسبوك لا يقيم علاقات عميقة، بل يقيم علاقات سطحية تبدأ بكبسة زِر وتنتهي بكبسة زر، وتنحصر ضمن علاقات معارف يدور بينها تبادل اللايكات، كما تقوم علاقات الفيسبوك على استعراض الذات أكثر من إقامة علاقات حقيقية، فالفيسبوك لا يتمحور حول الآخرين بقدر ما يجعلنا متمحورين حول ذاتنا، وكما يقول الصحفي شاين هيبز: “الفيسبوك هو وسيلة تقوم على تركيز الجزء الأكبر من انتباهنا على أنفسنا فيما تظهر بأنها تركز الانتباه على علاقتنا مع الآخرين، إنه مرآة تتنكر على أنها نافذة”.

 

 

هل يجعلنا الفيسبوك أكثر تعاسة؟

تكاد تُجمع معظم الدراسات والأبحاث الميدانية عن أثر الفيسبوك على حياتنا النفسية، أن الفيسبوك هو أحد المساهمين في تعاسة الفرد، وذلك لما يعززه من المظاهر النفسية السلبية مثل تضاعف شعور الغيرة والتوتر والوحدة والاكتئاب أحيانًا.

 

 

فقد كشفت إحدى الدراسات كيف أن الطلاب الذين يقضون وقتًا أطول على الفيسبوك هم أكثر تعاسة من أقرانهم، وذلك بسبب مشكلة المقارنة الاجتماعية مع الآخرين التي يعززها الفيسبوك.

 

 

فالفيسبوك يقوم بشكل أساسي على المشاركة، مشاركة الصور والأخبار والإنجازات الشخصية وكل ما هو مستجد في حياتنا الشخصية، وهو ما يؤدي بشكل طبيعي لتعزيز ثقافة المقارنة.

 

 

وتتضاعف مشكلة المقارنة على الفيسبوك لسبب بسيط: “الفيسبوك يوهمنا كل يوم بأن حياة الآخرين هي مليئة بالسعادة والمغامرة الدائمة، وحين نقارن ذلك مع حياتنا فغالبًا ما تكون النتيجة محزنة”، وتكمن المشكلة في أن هذه الصورة هي صاحبة السطوة خلال تصفح الفيسبوك، مما يعني أن تجنبها يقتضي جهدًا ووعيًا كبيرًا بالذات.

 

 

كيف يؤثر الفيسبوك على وقتنا وتركيزنا؟

من النقاط التي يمكن أن يُجمع الجميع عليها هي الأثر السلبي الفيسبوك على وقتنا وانتباها وتركيزنا، وهو ما يكون أوضح حين نترك الموقع لفترة معينة لنكتشف بأنه لدينا الكثير من الوقت الزائد في يومنا.

 

 

فمن ناحية الوقت، يكمن تأثير الفيسبوك في أن المرء يدخل إليه بنية البقاء لمدة خمس دقائق فقط من باب التحقق من أخبار الأصدقاء، ولكن سرعان ما تتحول هذه الخمس دقائق إلى نصف ساعة أو أكثر من التصفح والتنقل بين الصفحات والصور والبوستات، وإذا ما كان أحدنا في وقت إنجاز أو عمل، فإن هذا الوقت ينحدر على حساب الإنجاز، وبالإضافة إلى كل ذلك، يستولي هذا الوقت على أكثر الأوقات صفاءً في يومنا في الصباح.

 

 

أما من ناحية التركيز، فهو يسرق تركيزنا لسببين؛ الهوس بتحديث حسابنا بالصور والبوستات والتعليقات الجديدة والتحقق من أخبار الأصدقاء، والثاني في كمية المعلومات الهائلة وتدفق البوستات الجارف في كل لحظة.

 

 

ولعل أوضح ما يمكن الإشارة في هذا السياق هو التساؤل عن عدد المرات التي كنّا نعمل أو ندرس وتوقفنا فجأة لنلقي نظرة على الفيسبوك، كم من مرة نفقد انتباهنا بعد التحقق منه؟

 

 

هذه المشكلة موجودة بشكل أساسي عند من يقضون أوقاتًا طويلة أمام الشاشة، وقد تناولت الدراسات النفسية هذا الموضوع وكشفت مثلاً عن مدى مساهمة المواقع الاجتماعية في تعزيز اضطراب نقص الانتباه، الذي يشكل عائقًا حقيقيًا أمام التعلم والترابط الاجتماعي.

 

 

ومن مظاهر هذه المشكلة هو أن معظم أبناء جيلنا باتوا يجدون صعوبة كبير في أداء مهمة تتطلب صبرًا وانتباهًا مطولاً، مثل الإصغاء لمحاضرة أو في الدراسة أو العمل على المشاريع الطويلة أو قراءة كتاب.

 

 

كل ذلك يجعل من التركيز والصفاء الذهني حالتين نادرتين، في ظل الاستخدام المكثف الفيسبوك.

 

 

هل يعزز الفيسبوك الإدمان؟

تقوم برمجة موقع الفيسبوك على تشجيع المستخدم على قضاء أطول مدة في تصفح الموقع، هذا يقتضي أن المستخدم سيكون معلقًا في استخدام الموقع بشكل أطول.

 

 

هذا الأمر دعا الباحثين النفسيين على البحث في أثر موقع الفيسبوك على تشكُّل حالات إدمان على الموقع، والعجيب أنه لو ألقينا نظرة على الأعراض المعروفة لحالات الإدمان بشكل عام، سنجدها تنطبق على الكثير من مستخدمي موقع الفيسبوك، وهي:

– يؤدي عدم استعمال المادة (أي الامتناع عن الدخول لموقع) إلى حالة من التوتر وتغير المزاج.
– الحاجة باستمرار إلى قضاء أطول وقت أو استعمال المزيد من المادة للحصول على نفس نسبة الإشباع (مثل رفع الوقت المخصص لاستخدام الموقع).
– وجود صعوبة في الإقلاع عن استخدام المادة بشكل إرادي ولو لفترة محدودة.
– تمحور الأنشطة الاجتماعية والترفيهية بشكل متزايد حول المادة الإدمانية.
– المحافظة على استخدام المادة وإن أصبحت تؤثر بشكل سلبي على الحياة المنزلية أو الدراسية أو العملية.

 

 

وإذا ما تأمل الإنسان في هذه الأعراض فقد يجد أنها تنطبق على جانب كبير من نمط استخدامه للموقع، وهو ما يستدعي الحذر والانتباه.

كيف يمكن أن نخفف من الفيسبوك من دون أن نلغيه؟

 

 

بعد الحديث عن الآثار السلبية لاستخدام موقع الفيسبوك، يقدم “صغبيني” مجموعة من النصائح العملية لترشيد استخدامنا للفيسبوك، ليكون أكثر صحية ولتخفيض آثاره السلبية على حياتنا، وهذه مجموعة من النصائح:

 

 

– افتح الفيسبوك مرة واحدة أو مرتين في اليوم على الأكثر، وذلك مثلاً من تفقده كل ساعة، يمكن تحديد أوقات معينة لفتحه.

 

 

– لا تتفقد الفيسبوك صباحًا، ولعل هذه هي النصيحة الأصعب، ولكن الصباح هو الوقت الأهم في يومك، لذا ينبغي أن لا تسمح للفيسبوك بالتأثير على مزاجك وامتصاص طاقتك من البداية.

 

 

– لا تضع برنامج الفيسبوك على الهاتف، يمكن أن تتفقده من جهاز الحاسوب مثلاً أو من جهاز التابلت، لأن وضع الفيسبوك على الهاتف يسهل من عملية تفقده، وبالتالي بقاؤنا داخل دوامته.

 

 

– حاول أن تبحث عن مصادر بديلة للمعرفة عن الفيسبوك، حتى يقل اعتمادك الشخصي عليه.

– خفض كمية المعلومات التي تنهال عليك عبر الفيسبوك، هناك عدة إعدادات تنظِّم ما تريد أن تشاهده وتنظيم قائمة الأصدقاء التي تريد متابعتهم.

– لا تتفقد الفيسبوك حين تكون بصدد أعمال مهمة، حتى لا يتشتت تركيزك باستمرار.

 

 

المصدر/ التقرير