قيصر السوري يدوس على قيصر الأمريكي
24 صفر 1438
منذر الأسعد

أخيراً وضع الكونغرس الأمريكي مولوده المشوَّه المسمى: قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، بعد فترة حملٍ خارقة استمرت زهاء ثلاث سنوات.إنها قصة تلخص النفاق الغربي في أسوأ دركاته، حيث تواطأت واشنطن مع عميلها بشار في نحر السوريين، بينما كانت تخدِّر ضحاياه بكلام معسول عن فقده شرعيته ووجوب رحيله عن رقابهم!
 

استغلال اسم قيصر
بعد سقوط الأقنعة الأمريكية كلها، سعى الكونغرس أخيراً إلى امتصاص الهزات الارتدادية لفضيحة أمريكا الكبرى والتي لم يسبق لها مثيل.. فأصدر قانوناً لحماية المدنيين السوريين، وكأن مأساة هؤلاء المدنيين على يد طاغيتهم وشركائه المحليين والإقليميين والأمميين بدأت قبل أيام أو أسابيع.. أو كأن أنباءها لم تبلغ مسامع الكونغرس إلا قبل ساعات فهب فزعاً لنجدة السوريين العزل!!

وقد أراد ثعالب البراغماتية الأمريكية من إقحام اسم قيصر في قانونهم المهزلة، المتاجرة بمشاعر الناس، والتظاهر بمظهر الشهم الذي يقف في وجه المعتدي وينقذ فريسته من مخالبه..

وقيصر هو الاسم المستعار الذي اختاره لنفسه عسكريٌّ سوريٌّ انشق عن جيش طاغية الشام، وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين، اعتمدت عليها لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات وقوع فظاعات على يد النظام السوري.

كان "القيصر" يعمل مصوراً لدى الشرطة العسكرية، التي كلفته منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل على يد النظام السوري.

وقام بتسريب عشرات الآلاف من صور القتلى من ضحايا التعذيب الذي تقوم به الأفرع الأمنية للنظام السوري، ليفضح ما يجري داخل السجون، ويسلط الضوء على واحدة من أكبر الفظاعات التي عرفتها البشرية في تاريخها.

وبحسب القيصر، فكل جثة مكتوب عليها رقم التوقيف والفرع الأمني الذي اعتقله، وبعدها بثلاثة أيام أو أربعة يأتي الطبيب الشرعي لمعاينة الجثث التي تركت في العراء عرضة للقوارض والحشرات.

وتبدو على جثث القتلى آثار التعذيب بالكهرباء والضرب المبرح، وتكسير العظام، والأمراض المختلفة وبينها الجرب، إلى جانب الغرغرينا والخنق.

وبين القتلى أطفال أعمارهم تترواح ما بين 12 و14 عاما، وشيوخ يتجاوز عمر بعضهم 70 عاما.

ووصل عدد الصور المهربة إلى 55 ألف صورة، بمعدل أربع صور تحديدا لكل جثة.

وبحسب القيصر، فكل جثة تحمل رقما يحدد الفرع الأمني الذي اعتقله، والرقم الثاني يوضع على الجثة داخل المستشفى العسكري كنوع من التدليس على العائلات التي قد تعتقد أنه توفي بالمستشفى العسكري.

وعن قصة هروبه من سوريا، تشير الأنباء إلى أن قيصر خشي على سلامته الشخصية وسلامة أسرته بعد أن بعث بآلاف الصور إلى أحد معارفه الحقوقيين خارج سوريا، فقرر -بدعم من المعارضة السورية- الخروج من البلاد برفقة عائلته.

 

مسابقة في الدجل

يستطيع الكونغرس أن يحاجج لتلميع صورته أمام البسطاء بأنه سعى إلى إصدار قانون لحماية المدنيين السوريين، بعد أن وضعهم قيصر السوري في هاوية العار، إلا أن باراك أوباما مارس ضغوطه لتأخير ذلك.. وهنا يبدو لنا أن الطرفين يتنافسان في الكذب فالكونغرس لو أراد لفرض رؤيته –مثلما فعل بهراء قانون جاستا الجائر والصاعق والخارج على أبجديات القانون الأمريكي نفسه-.. فكيف وللجمهوريين غلبة واضحة في الكونغرس على أوباما الديموقراطي؟

لا شك في أن أوباما آثر أن يغادر السلطة ليترك صورة قبيحة عن نفسه للتاريخ، من أجل حماية حارس الاحتلال الصهيوني في الجولان بشار الأسد.. فعل ذلك حرصاً على الصوت اليهودي من أجل المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون لكن هذا لم ينفعها فخسرت الانتخابات وبقيت لعنة الدم السوري تطارد أوباما إلى الأبد.

 

القانون المهزلة

من يقرأ نص القانون الطويل-نحو 50 صفحة بالعربية- والمكتوب بلغة ملتبسة والمليء بتفريعات تؤدي إلى الصداع والدُّوار، يخلص إلى أنه ليس سوى فقاعة إعلامية تافهة، هدفها اليتيم هو امتصاص بعض التشوهات الفظيعة من الصورة السواء القاتمة، التي كشف الدم السوري ظلماتها المتراكمة ونتنها الذي تزكم روائحه الأنوف، فلا تجدي معها أطنان من العطور وملطفات الأجواء.

تبدأ المهزلة منذ السطور الأولى في القانون المذكور، حيث يقول بالحرف في تحديد غايته: وقف قتل الشعب السوري بالجملة، وتشجيع التوصل لتسوية سلمية عبر التفاوض، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان السوري على جرائمهم.

وهل من إنسان لديه ذرة من احترام نفسه يتحدث عن تسوية سلمية عبر التفاوض، بين السفاح وضحاياه، بعد ست سنوات دامية، استخدم فيها نيرون العصر أسلحة الدمار الشامل 139 مرة، وتشاركه روسيا بأعتى أسلحتها الممنوعة دولياً، وقطعان القتلة الطائفيين برعاية خامنئي؛ بينما تواصل أمريكا المتواطئة منع السوريين من الحصول على أسلحة دفاعية توقف الطيران المجرم عن إبادة العزل؟

إلا أن لقانون قيصر حسنة وحيدة، فقد تضمن اعترافات صريحة لا يستطيع الكونغرس بعدها أن يزعم عدم علمه بالوحشية المطلقة التي عومل –وما زال يُعامَل بها- السوريون..

وأقتبس من نصوص القانون:

توصل الكونغرس إلى النتائج التالية:
(1) أصبح أكثر من 15 مليون سوري في عداد اللاجئين أو النازحين طوال السنوات الخمس الماضية.
 (2) أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما يزيد على 60 ألف سوري، بمن فيهم أطفال، لقوا حتفهم في السجون السورية منذ العام 2012.
 (3) في يوليو/تموز 2014، استمعت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إلى شهادة مصور فوتوغرافي عسكري سوري سابق، الملقب بقيصر، كان قد فر من سوريا واستطاع تهريب آلاف الصور الفوتوغرافية لجثث أشخاص تعرضوا للتعذيب. ففي شهادته، قال قيصر "رأيت صورا مروعة لجثث أشخاص تعرضوا لكم هائل من التعذيب والجروح البليغة والاختناقات".
 (4) ظل نظام الأسد يحول مرارا وتكرارا دون وصول المدنيين في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها وذلك من أجل تلقي المساعدات الإنسانية في انتهاك لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي القسم الثالث نقرأ:
يدرك الكونغرس أن:
(1)    أفعال بشار الأسد الإجرامية ضد الشعب السوري تسببت في وفاة أكثر من 400 ألف مدني، وأدت إلى تدمير ما يزيد على 50% من البنى التحتية الحيوية لسوريا، وإجبار 14 مليونا ونيف على النزوح مما عجَّل بحدوث أسوأ أزمة إنسانية منذ أكثر من 60 سنة.
(2) الإجراءات الدولية حتى يومنا هذا لم تكن كافية لحماية السكان الضعفاء من التعرض لهجمات من القوات النظامية وغير النظامية، بما فيها قوات حزب الله، برا وجوا بالبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيميائية، وحملات التجويع الجماعي، وتعذيب وإعدام المعارضين السياسيين بأعداد كبيرة، وهجمات القناصة على النساء الحوامل، والاستهداف المتعمد للمرافق الصحية، والمدارس، والمناطق السكنية، وأماكن التجمعات البشرية بما في ذلك الأسواق.
(3) تمسك الأسد المستمر بالزعامة وأفعاله في سوريا يعد بمثابة عامل جذب للفكر المتطرف لتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى.

 

هذا ما تسمح به المساحة وإلا فلدي الكثير مما أقوله من طعون تفضح القانون نفسه فكيف إذا أخذناه في سياق النفاق الغربي المستمر، وكيف لو كنتُ خبيراً قانونياً؟