قراءة في نتائج الانتخابات المغربية
8 محرم 1438
أمير سعيد

"يعتاد الناخبون التصويت لمن هم في السلطة"..
"لم تتمكن الأحزاب المنافسة من تنظيم صفوفها قبل الانتخابات"..
"حزب الأصالة والمعاصرة المنافس للعدالة والتنمية قريب من الملك، لذا؛ فقد صوت بعض الناخبين للعدالة نكاية في السلطة بسبب التراجع الاقتصادي"..
"بسبب الإقبال الضعيف على الانتخابات؛ فإن حزب العدالة يمثل أقلية لا تزيد عن 7% ممن يحق لهم التصويت"..

...

 

كثير من المبررات التي يسوقها الإعلام المغربي والعربي والعالمي على الفور لتفسير فوز حزب ذي مرجعية إسلامية، وكأن الأصل في ألا يفوز "الإسلاميون" بالانتخابات! فـ"الإسلاميون" وحدهم لا يفوزون – في تقدير هؤلاء – إلا بسبب عوارض استثنائية مع أننا لم نر تقريباً انتخابات لا تحقق فيها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تفوقاً على غيرها.

 

ما كشفته الانتخابات المغربية، التي أسفرت عن فوز حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية بالمركز الأول في الانتخابات بحصوله على 125 مقعداً من أصل 395 مقعداً بنسبة تبلغ 31,65% متقدماً على منافسيه حزب الأصالة والمعاصرة 102 مقعداً بنسبة تبلغ نحو 25,8%، وحزب الاستقلال 46 مقعدًا بنسبة تبلغ 11,65%، هو أن خيار الشعب المغربي ما زال مع العدالة والتنمية، وأنه لم يزل صاعداً رويداً سواء أكان في المعارضة أو في السلطة، وأن تجربة السلطة على الرغم من كل مراراتها لم تنل من شعبيته بل زادتها، وأتاحت مجدداً له أن يشكل حكومة ائتلافية إن تمكن من التحالف مع أحزاب أخرى، وترؤس ولاية تالية لرئيس الوزراء الحالي عبد الإله بنكيران.

 

فالحزب ذو المرجعية الإسلامية قد قفز من 46 مقعداً في انتخابات العام 2007 بنسبة 11,65%، إلى 107 مقعداَ في انتخابات 2011 (التي أعقبت مطالبات شبابية لحركة 20 نوفمبر بالإصلاح متزامنة مع ما سُمي بالربيع العربي) بنسبة تبلغ 27,1% من مقاعد البرلمان، ثم في السلطة زاد بنسبة تفوق 4% في الانتخابات الأخيرة، مترجماً نجاحاً بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد حيث تمكن من خفض العجز المالي من 7,3% إلى 4,4% خلال ثلاثة أعوام فقط، برغم قسوة برنامجه الإصلاحي الذي شمل منع التوظيف الحكومي، وإصلاح نظام التقاعد لموظفي القطاع العام، وخفض الدعم.

 

والحزب لم يتأثر بدعاية سوداء نفذتها فضائيات مولت من دولة خليجية مناوئة للإصلاحات في العالم العربي، وسلسلة من الشائعات التي أطلقت على بعض أعضائه، علاوة على أخطاء حقيقية وقع فيها بضعة أفراد من أعضائه، كما لم يتراجع متأثراً بغضب من "الدولة العميقة" تنوعت طرقها لتشمل تزويراً محدوداً، وتخفيضاً للنسبة اللازمة لتمثيل الأحزاب في البرلمان لتتيح لأحزاب كرتونية بدخول البرلمان وتزيد من فسيفسائيته لتفتيت أصوات وفرص العدالة والتنمية، ومنعه من الإفادة من جمع الأصوات الزائدة التي حصلت عليها تلك الأحزاب (مثلما يستفيد دوماً سميه التركي من قانون مشابه).

 

والحقيقة أن الدعاية السلبية وأفاعيل الدولة العميقة لم تكن التحدي الوحيد للعدالة والتنمية؛ فدون الحزب قوة كبيرة لليسار كان المغرب منذ عقود معقلاً له، ولقد كان من مفارقات هذه النتائج أن حزب علال الفاسي العتيد، الاستقلال، قد حصل في هذه الانتخابات على عدد المقاعد نفسها التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في العام 2007، وهو 46 مقعداً ليغادر منطقة المنافسة القوية على السلطة إلى أجل.

 

تراجع اليسار كان أبرز سمة لهذه الانتخابات، ومدلوله يدركها كل يساري، فكل تفوق للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية هو خصم من رصيد اليسار، فصراع الأيديولوجيا بين الطرفين صفري، وليس بينهما أرضية مشتركة يمكن أن يبنى عليها مثلما هو الحال بين التيار الليبرالي وكليهما، إذ يمكن كثيراً التوافق معه على قاعدة "أخف الضررين"، ولغياب الأيديولوجيا تقريباً عن الأحزاب الليبرالية. سدد العدالة والتنمية إذن ضربة قوية لهذا التيار المتجذر في المغرب.

 

زيد على هذا، أن العدالة والتنمية حلق خارج سرب العداء الإقليمي للأحزاب الإسلامية، مستفيداً من رغبة ملكية مغربية في البعد عن التصادمية في أعقاب مطالبات شبابية بالإصلاح قادت إلى الإصلاحات الدستورية المحدودة التي ترسخت منذ خمس سنوات، وإلى طبيعة خاصة للمغرب كدولة ملكية يتسمى فيها ملكها بأمير المؤمنين، ويتمتع بوضع خاص يجعله فوق المنافسة الحزبية ومتدخلاً بقوة في تشكيل الحكومات وسياساتها المصيرية، ومحتفظاً بخيوط الأجهزة السيادية بين يديه بما لم يجعل فوز العدالة والتنمية المتكرر مزعجاً كثيراً للسلطة الحقيقية، ومستفيداً أيضاً من بعده الجغرافي عن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، والذي لا يمنح الأحزاب ذات الإسلامية بالقرب منه تلك المساحة من الحرية التي تتوفر لغيرها بعيداً عن جغرافيته.

 

 

سيتكشف المزيد حين يقدم بن كيران على تشكيل الحكومة بمعية أحزاب أخرى قد تمانع بقوة التحالف معه، أو تطالب بامتيازات واسعة لا تطيقها العدالة والتنمية.