من يدفع بترامب رئيسًا لأمريكا؟
17 ذو الحجه 1437
طلعت رميح

لا يجوز طرح السؤال نفسه بشأن هيلاري كلينتون، باعتبارها مرشحة مؤسسة الحزب الديمقراطي. وإن كان هناك أسئلة بشأنها فهي تتعلق بالنظام الانتخابي والسياسي الأمريكي، الذي بات ينتج "عائلات رئاسية"، إذ هي رئيسة زوجة رئيس، ووصولها لمقعد الرئاسة، يأتي تكرارا لوصول جورج بوش إلى رئاسة أمريكا بعد أبيه، وهو ما أغرى ابنا ثانيا شقيقا لجورج بوش الابن، للتفكير، في تجربة حظه هو الآخر.

 

أما السؤال عن هوية من يمثلهم ترامب، أو عمن يدفع به رئيسا للولايات المتحدة، فهو سؤال مشروع ومهم وجوهري في فهم ظاهرة سياسية تتشكل أمام العالم أجمع وسيكون لها تأثير حاسم على مصير الحياة الإنسانية. فترامب ليس ابنا للمؤسسة السياسية أو للحزب الجمهوري الأمريكي، حتى إن الكثيرين من قادته، أعلنوا بوضوح، النأي بأنفسهم عن ترشيح وانتخاب الرجل القادم من خارج دورة الحياة السياسية المؤسسية للحزب. وكذا لأن الرجل جديد كليا على عالم السياسة بقدر ما هو "جديد" على عالم المعرفة والمتابعة للتطورات والتغييرات في الوضع الدولي. وهو ما ظهر جليا في شعاراته وسقطاته التي باتت توحي بأن شيئا غامضا خلف ترشيح مثل هذا الرجل لرئاسة أقوى دولة في العالم أو للدولة التي لا تزال تعتبر نفسها في موقع إدارة العالم.

 

هل هو مرشح شعبوي، يأتي في مشهد تكراري للمشهد الشعبوي الذي عاشته بريطانيا، حين جاءت نتائج انتخابات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بشخصيات شعبوية ديماجوجية تفوقت على المؤسستين الحزبيتين العمالية والمحافظة وأحدثت بهما جراحات وآلاما وتفاعلات لم تنته بعد؟ وهل نقول إن ترشيح ترامب هو إعلان بتجديد لوضعية وحالة الحزبيين المهيمنين على الحياة السياسية في الولايات المتحدة؟ أو هل وصل تأثير الإعلام الشعبي أو المجتمعي، إلى درجة تقويض السطوة والسيطرة السياسية الإعلامية والتأثيرية للإعلام التقليدي، على المجتمع والحياة السياسية الأمريكية وأن ترامب هو عنوان لتلك الحالة المستجدة؟ أم أن هناك من يدعم وصول ترامب لرئاسة أمريكا من داخل مؤسسات صناعة القرار أو صناعة الرؤساء أو من الدولة العميقة في الولايات المتحدة؟

 

وفي ظل مثل هذا الاحتمال، هل يمكن القول بأن التعبئة "ضد الآخر" التي بدأت منذ تبني البنتاجون لدراسات وإستراتيجيات صدام الحضارات، وشهدت قفزة هائلة خلال حكم جورج بوش الابن، صارت الآن في عنفوان تأثيرها، خاصة بعدما ظهر أن خطة أوباما لإدارة أزمة تراجع الولايات المتحدة - دوليا - قد أنتجت تراجعا من غير الممكن احتمال تأثيراته في رأى مؤسسات الدولة الأمريكية التي عبرت عن عدم رضاها تكرارا!! ألم تقم حملات جورج بوش وأعمال احتلاله للدول على فكرة الصراع مع الإسلام والمسلمين والحرب على الإسلام، وهكذا يأتي ترامب ليحقق قفزة جديدة في تلك الخطط؟ بل يصل الأمر حد التساؤل عن أن هناك من يمهد الأرض لقدوم ترامب! أليس التشريع الأخير للكونجرس بشأن مقاضاة الدول وطلب تعويضات منها، أمرا قريب الصلة "كليا" بما يطرحه ترامب بشأن أموال واقتصادات الدول الأخرى؟ ثم أليس الاتفاق بين بوتين وأوباما حول سوريا، قريب الصلة كليا بما يطرحه ترامب حول العلاقات مع روسيا والتحالف مع بوتين؟

 

ثم ألا يعلم الجميع أن صناعة الرئيس، هي أمر معمول به في الغرب ومرتبط بإستراتيجيات وخطط بعيدة الأمد؟ ألم يحدث هذا حين جرى استحضار توني بلير وإعداده حيث كان هناك دور يبحث عمن يؤديه؟ ألم يجر الأمر نفسه مع أوباما بطريقه أو بأخرى؟ ثم ألا يعلم الجميع مدى تأثيرات مصالح الشركات الكبرى العملاقة في صناعة السياسات الخارجية والرؤساء في الغرب، حتى قيل إن الرئيس هو محصلة صراعات المصالح بين المؤسسات الصناعية العسكرية والمعلوماتية والدوائية والبترولية، ومؤسسات الدولة الأمريكية بأجهزة استخباراتها وجيشها، والكنائس واللوبيات المهيمنة والمسيطرة؟

 

يبدو أمر ترامب حالة خاصة للغاية، سيكون لها ما بعدها إن نجح ترامب أو حتى إن نجحت هيلاري، إذ نحن أمام إعادة تشكيل فكر الدولة والمجتمع في الولايات المتحدة!

 

 

المصدر/ الشرق