صلاة الجمعة....سنن وآداب متروكة
7 ذو القعدة 1437
د. عامر الهوشان

ليوم الجمعة في قلوب أتباع الدين الخاتم منزلة عظيمة , وكيف لا وهو اليوم الذي اختصهم الله تعالى به دون سائر الأمم , ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ) صحيح مسلم برقم/2019

 

 

 

ولعل مما يزيد من منزلة هذا اليوم في قلوب المسلمين تفضيل الله تعالى لهذا اليوم على سائر الأيام , فقد جعله الله تعالى يوم عيد أسبوعي لأمة الإسلام , ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَه ) مسند الإمام أحمد/8025  بإسناد حسن
 

 

وإذا كانت فضائل هذا اليوم وخصائصه أكثر من أن تحصر في هذا المقال , فلا أقل من التركيز على أعظم أعمال هذا اليوم وعباداته "صلاة الجمعة" , تلك الفريضة التي أحاطها الله تعالى بعدد كبير من السنن والآداب التي تشير إلى أهميتها ومنزلتها عنده سبحانه .
 
ومع أداء المسلمين لهذه الفريضة تنفيذا لأمر الله وامتثالا لما جاء في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ...} الجمعة/9 , إلا أن الكثير منهم ما زالوا غافلين عن بعض سنن هذه الفريضة وتاركين لأهم آدابها , الأمر الذي أدى إلى عدم اكتمال ظهور ثمراتها وحكمها المرجوة .

 

 

 

ويمكن التركيز على أهم سنن وآداب صلاة الجمعة التي أدى تركها من بعض المسلمين إلى الانتقاص من مراد الله تعالى من هذه الفريضة وهي :

 

 

 

1-   التبكير إلى صلاة الجمعة : تلك السنة النبوية التي كادت في أيامنا هذه أن تختفي أو تموت , بسبب إغفالها وتركها وعدم الالتزام بها من معظم المسلمين إلا من رحم الله .

 

 

 

وقد يظن بعض المسلمين أنه إن أتى إلى صلاة الجمعة قبل أذان الظهر بدقائق معدودة فقد حصّل بذلك فضيلة وسنة التبكير , بينما الحقيقة أن التبكير إلى صلاة الجمعة تبدأ من بعد طلوع الشمس في الأصح من أقوال الفقهاء والعلماء .

 

 

 

ففي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً , فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ) صحيح البخاري برقم/881

 

 

 

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : متى تبدأ الساعة الأولى من يوم الجمعة ؟ فأجاب : الساعات الخمس التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث تبدأ من طلوع الشمس , فقسَّم الزمن من طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام ، فقد يكون كل قسم بمقدار الساعة المعروفة ، وقد تكون الساعة أقل أو أكثر ؛ لأن الوقت يتغير ، فالساعات خمس ما بين طلوع الشمس ومجيء الإمام للصلاة ، وتبتدئ من طلوع الشمس ، وقيل : من طلوع الفجر ، والأول أرجح ؛ لأن ما قبل طلوع الشمس وقت لصلاة الفجر " انتهى . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 16 / السؤال رقم 1260 .

 

 

 

وجاء التأكيد على هذه السنة المتروكة في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : ( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ....... ) صحيح مسلم برقم/2021

 

 

وفي حديث آخر : ( إذا كان يومُ الجمعةِ قَعَدَتِ الملائكةُ على أبوابِ المساجدِ، فيكتبون من جاء من الناس على منازلِهم، فرجل قدَّم جزوراً، ورجل قدَّم بقرةً، ورجل قدَّم شاةً، ورجل قدَّم دجاجةً، ورجل قدَّم بيضةً، قال: فإذا أذَّن المؤذنُ وجلس الإمامُ على المنبر طُويَت الصحف، ودخلوا المسجدَ يستمعون الذكْر ) رواه الإمام أحمد بإسناد حسن

 

 

 

قال ابن القيِّم رحمه الله : "لمَّا كان يوم الجمعة في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملاً على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يومَ صلاة، جعل الله - سبحانه - التعجيل فيه إلى المسجد بدلاً من القربان وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة والقربان" زاد المعاد 1/398

 

 

 

لم يكتف الكثير من المسلمين بترك سنة التبكير إلى صلاة الجمعة فحسب , بل زادوا على ذلك بالتأخر عن الحضور حتى بعد صعود الخطيب المنبر و ربما حتى انتهاء الخطبة وابتداء الصلاة , الأمر الذي لا يحرمهم من فضل التبكير فحسب , بل يوقعهم في الإثم عند بعض العلماء .

 

 

 

2-   الغسل والسواك والتطيب ولبس أحسن الثياب : وهي سنن وآداب وردت فيها أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعمل بها السلف الصالح حتى غدت أمرا مشهورا ومعروفا بينهم .

 

 

 

ففي الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ) صحيح البخاري برقم/877 , وعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ) صحيح البخاري برقم/883
 

 

وعلى الرغم من شيوع هذه السنن والآداب في دين الله , وانتشار العمل بها وذيوعه في سلف هذه الأمة , إلا أن ملاحظة كثرة التاركين لها في هذه الأيام أضحت بادية للعيان , فهذا يأتي إلى المسجد بثياب مهنته وعمله , وآخر تفوح منه رائحة غير لائقة بسبب تركه للاغتسال والتطيب ...... الخ .
 

 

لا يتوقف أثر ترك سنن وآداب صلاة الجمعة على شخص من تغافل عنها فحسب , من خلال افتقاده يوم القيامة لما يسد النقص في أدائه للفرائض الواجبة عليه , ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ) سنن الترمذي برقم/413

 

 

 

بل يتعدى أثر ترك هذه السنن والآداب إلى عموم المصلين والأمة جمعاء , سواء من خلال إيذاء المسلمين بالرائحة الكريهة أو الثياب غير النظيفة , أو إيذاء الخطيب الذي لا يرى أمامه في ابتداء الخطبة إلا عددا يسيرا يزداد رويدا رويدا حتى انتهاء الخطبة , ناهيك عن الأثر السلبي الذي يتركه عدم الالتزام بهذه السنن على هيبة صلاة الجمعة ومنزلتها في نفوس عموم المسلمين .