هجوم "نيس" و "ميونخ" وهستريا اتهام الإسلام
18 شوال 1437
د. زياد الشامي

لم يترك الغرب للمتابع العاقل لما يجري من أحداث على الساحة العربية والغربية من شك في سياسته التي ينتهجها للنيل من دين الله الخاتم واستهدافه , فجميع المعطيات تؤكد أن الأخير قد استجاب لنواقيس الخطر التي دقتها مراكزه الإحصائية الصليبية التي أبدت فزعها وهلعها من سرعة انتشار الإسلام في أوروبا , وأكدت أن الإسلام سيكتسح القارة العجوز في غضون عقود قليلة إن بقي الحال على ما هو عليه – مع ما فيه من استهداف للمسلمين واضطهاد وعنصرية - .

 

 

وإذا أضفنا إلى ما سبق موجة الهجرة الإسلامية الجديدة إلى أوروبا بسبب الحروب المشتعلة في المنطقة العربية , فإن سياسة الغرب في كيفية التعامل مع الإسلام وأتباعه في القارة العجوز ازدادت عنصرية وتمييزا واضطهادا .

 

 

يبدو ذلك جليا في الأحداث المتلاحقة التي تتسارع وتيرتها في أوروبا تزامنا مع تزايد أعداد المسلمين فيها , فقد ازداد معدل الهجمات على المدن والعواصم الغربية في الفترة الأخيرة , مع اصطناع الغرب لفزاعة جديدة تسمى "داعش" , واستحداثه لعدو مصطنع على شاكلة القاعدة كذريعة جديدة لاستهداف أشد وأعنف ضد المسلمين في أوروبا والعالم أجمع .

 

 

كان لا بد – حسب سياسة العداء للإسلام - أن تبدأ الهجمات الإرهابية في الدول الغربية التي يوجد فيها العدد الأكبر والأضخم من المسلمين , وأن تكون هذه الهجمات أكبر وأشد من حيث العدد والعنف وسيل الدماء , وهو ما حصل بالفعل في فرنسا التي يتواجد فيها ما بين 6 – 7 ملايين مسلم , فبدءا من هجوم باريس نهاية العا م الماضي , وحتى هجوم "نيس الأخير" الذي راح ضحيته 84 شخصا وجرح حوالي 300 آخرين ..... وهستريا اتهام الإسلام بما يسمى "الإرهاب" و درجة العداء للمسلمين هناك تزداد شيئا فشيئا .

 

 

وإذا كان الرئيس الفرنسي هولاند وأركان حكومته لم يصرحوا بتعميم إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام كدين وجميع المسلمين قبل هجوم "نيس" , رغم حصر إلصاق تهمة تنفيذ هذه العمليات بالمسلمين السنة , فإن الرئيس الفرنسي أعلنها صريحة بعد هجوم "نيس" , حيث جعل سمة "الإرهاب" متلازمة بالإسلام , وأطلق مصطلحا قديما جديدا اسمه "الإرهاب الإسلامي" في بلاده , تمهيدا لمزيد من تضييق الخناق على أكبر مكون إسلامي في القارة العجوز , ولمزيد من القوانين الكفيلة بترحيلهم أو اعتقالهم بتهمة "الإرهاب" .

 

 

وعلى الرغم من تأكيد السلطات الفرنسية من أن منفذ هجوم "نيس" - محمد لحويج بوهلال الفرنسي التونسي الاصل - لم يكن عضوا ناشطا في أي جماعة جهادية , ولم يكن معروفا لدى السلطات الفرنسية بالتشدد أو التطرف , بل وتأكيد المدعي العام الفرنسي "فرانسوا مولان" بأن بوهلال كان إلى وقت قريب يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، ويتعاطى المخدرات، ويمارس الجنس بلا حدود حسب الكاتب "ديفيد بروان في صحيفة التيمز البريطانية ......إلا أن كل ذلك لم يمنع فرنسا العلمانية من وصف العمل بالإرهابي "الإسلامي" حسب وصفها .

 

 

وعلى الرغم من شهادة أهل منفذ الهجوم بأن ولدهم قد حضر جلسات مع طبيب نفسي لعدة سنوات قبل أن يترك تونس ويذهب إلى فرنسا في عام 2005 , ونفي والده في مقابلة مع قناة فرنسية لأي علاقة لابنه مع التنظيمات الإرهابية .... إلا أن عثور السلطات الفرنسية على بحث "بوهلال" على بعض الأناشيد والفيديوهات لما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" في جهاز الكمبيوتر الخاص به كان كافيا لاعتباره عنصرا من عناصر الجماعات الإسلامية الإرهابية .

 

 

والحقيقة أنه لولا حدث الانقلاب الفاشل الذي حصل في تركيا ليلة 16 الشهر الجاري , والذي حول اهتمام وسائل الإعلام من هجوم "نيس" إلى أنقرة واسطنبول , لكان الاهتمام الإعلامي بهجوم "نيس" مستمرا حتى كتابة هذه السطور , تكريسا لطريقة الغرب التي باتت معروفة في التضخيم الإعلامي لكل حادثة يتهم مسلمو أهل السنة بتنفيذها , في الوقت الذي يختفي فيه هذا الصخب الإعلامي حين لا يستطيع الغرب إلصاق التهمة بمسلمين من أهل السنة , حيث يتحول العمل الإرهابي حينها إلى مجرد جريمة عادية !!!

 

 

ويمكن رصد هذا الأسلوب الغربي العنصري في التعامل مع الأحداث الدامية التي تجري على أراضيه بوضوح , فبعد أن كادت السلطات الألمانية و وسائل الإعلام الغربية وعميلتها العربية تشير بأصابع الاتهام بهجوم "ميونخ" بالأمس والذي راح ضحيته 9 أشخاص على الأقل وجرح ما لا يقل عن 21 آخرين..... إلى داعش والتنظيمات الإسلامية التي تصنفها "إرهابية" , وهو ما يستتبع وصف الهجوم بالإرهابي , واستغلاله لمزيد من اضطهاد المسلمين هناك والتحريض ضدهم , وخصوصا من اليمين المتشدد الذي بات يكتسح القارة العجوز وينهي أسطورة وجود يمين ويسار ووسط .... حتى تغير كل ذلك حين تبين أن منفذ الهجوم لم يكن مسلما سنيا .

 

 

فما إن تواترت الأنباء في وسائل الإعلام عن هوية وجنسية من أطلق النار على جموع المتواجدين في مركز شوبنغ سنتر Olympia للتسوق بمدينة موينخ الألمانية , وأنه ألماني من أصل إيراني يبلغ من العمر 18 عاما , وأنه قد قتل نفسه قرب المركز و لم يكن معه شركاء كما كان يعتقد ...... حتى ظهرت بوادر عدم اعتبار الهجوم إرهابي !!

 

 

فقد قال قائد شرطة ميونيخ "هوبرتوس أندريا" في مؤتمر صحفي عقده فجر اليوم السبت : إن الدافع وراء الهجوم وخلفياته لم تتضح بعد , وهو ما ردده وزير الخارجية الألماني "فرانك فالتر شتاينماير" في رسالة عبر البريد الإلكتروني جاء فيها : "الدوافع لهذا العمل البغيض لم تتضح بالكامل حتى الآن . لا تزال تصلنا خيوط متناقضة " .

 

 

لقد شهدت الدول الغربية العديد من الهجمات والعمليات الإرهابية التي تهز المشاعر الإنسانية لشدة بشاعتها ووحشيتها , ومع ذلك لم يتم وصفها بالأعمال "الإرهابية" لمجرد أن مرتكبيها من ذوي البشرة البيضاء والعرق الاوروبي , في الوقت الذي تسارع فيه السلطات الغربية إلى وصف عمليات أخرى أقل منها دموية وضحايا بأنها "إرهابية" متى استطاعت إلصاق تهمة تنفيذها بمسلم سني بشكل أو بآخر .

 

 

فإلى متى سكوت الدول السنية على استمرار هذه الهستريا الغربية في اتهام الإسلام السني بالإرهاب ؟!