صلة ذوي القربى من غير المسلمين في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية
16 شوال 1437
د. محسن سميح الخالدي

ملخص البحث:

يتحدث هذا البحث عن صلة الرحم الكافرة، ويقصد بالكافرة غير المسلمة، كتابية كانت أو وثنية، وكان من دواعي الكتابة فيه دخول أعداد في الإسلام من أسرٍ غير مسلمة، وإنجاب المسلمين من غير المسلمات، فهو يظهر صورة الإسلام المشرقة حيث إن الرحم توصل وإن كانت كافرة، ومن صور صلتها الوصيةُ لها من التركة، والتلطف معها رجاءَ إسلامها، ويجب بر الوالدين المشركين وإن كانا مجاهرين بالكفر، ولا يتعارض بِرُّهما مع الآيات والأحاديث التي تجعل الولاية في الدين فقط؛ وذلك لأن الموالاة غير الصلة، فالصلة تكون للكافر وغيره، أما الموالاة فلا تكون إلا في الدين، وتبين من البحث أن صلة الكافر رحمة تنفعه وتنفع ذريته في الدنيا، إذ تقيهم مصارع السوء، ولا يخزون في الدنيا، أما في الآخرة فلا تغني عنهم الصلة شيئاً.

 

مقدمة:

الحمد لله الذي عمَّ برحمته جميع العباد، وخصَّ أهل طاعته بالهداية إلى سبيل الرشاد، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم الشفيع المشفَّع بنا يوم المعاد، وبعد:

فقد يسَّر الله لي أن أكتب هذا البحث وعنوانه: "صلة ذوي القربى من غير المسلمين"، وهو البحث الثالث في سلسلة الأبحاث المتعلقة بالرَّحِم، فقد سبقه بحث بعنوان: "صلة الرحم المسلمة"(1)، وبحث بعنوان: "الرحِم والرحمن بين الاشتقاق والتفسير"(2)، وكان من دواعي هذا البحث أننا نشهد في الوقت الحاضر حضوراً كبيراً لأفراد أو جماعات تدخل في الإسلام من أسر غير مسلمة، وفي المقابل هناك عدد من المغتربين – وبخاصة الطلبة – يتزوجون من غير المسلمات، فينجبن أبناء تكوِّن أرحامهم من جهة الأم غير مسلمة، فما الضابط في تعامل المسلمين مع أرحامهم من غير المسلمين؟

 

لقد جاء هذا البحث ليظهر جانباً من الصورة المشرقة لهذا الدين، إنه دين الرحمة الذي يأمر بصلة الرِّحم الكافرة رغم خلافها لنا في العقيدة، فيوجب الصلة لها دون الموالاة، وذلك لأن المسلم مستقل بعقيدته وولائه لله رب العالمين.

 

والمقصود بالرحم الكافرة الرحم غير المسلمة، كتابية كانت، أو مشركة، أو لا دينية. وقصدت في بحثي هذا استقصاء النصوص القرآنية، وقد كنت أتوق إلى جعله دراسة قرآنية فقط، وأن أجعل الأحاديث تابعة للآيات مفسرة لها، إلا أنني رأيت أن من الخير أن أفرد الحديث الشريف في مطالب مستقلة فإنه أفلج للاستدلال، وأقوى في البيان، والله المستعان.

 

وقد قسمت هذا البحث إلى ثلاثة مباحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: صور صلة الرحم الكافرة في الكتاب والسنة.
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: الوصية من التركة للوالدين والأقربين غير المسلمين، وصنع المعروف إليهما.
المطلب الثاني: الوصية بالإحسان إلى الوالدين المشركين المجاهرين بالكفر.
المطلب الثالث: التلطف بالمعاملة ورجاء الرحمة للرحم الكافرة.
المطلب الرابع: تخصيص الأقربين بالإنذار، وبالدعوة إلى سبيل الله تعالى.
المطلب الخامس: صلة الرحم الكافرة في الحديث والأثر.
وقد تتداخل عناوين المطالب الثلاثة الأولى في هذا المبحث، وقد يُقال: إنها جميعها تدخل في باب الإحسان، وهذا صحيح، إلا أنني أفردت كل عنوان في مطلب؛ لأن لكل منها دليله المستقل المباشر في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: مشكل القرآن والسنة في صلة الرحم الكافرة.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مشكل صلة الرحم الكافرة من القرآن وجوابه.
المطلب الثاني: مشكل صلة الرحم الكافرة من السنة وجوابه.
المبحث الثالث: جزاء صلة الكافر لرحمه.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تنفع الكافرين في الدنيا، وتقيهم مصارع السوء.
المطلب الثاني: إذا وصل الكافر رحمه ثم أسلم فإن ثواب ذلك يصل إليه.
المطلب الثالث: صلة الكافر لرحمه تنفع ذريته وتحميهم من الفقر والخزي في الدنيا.

 

وختاماً، فقد اجتهدت أن يكون بحثي هذا لائقاً بخدمة الكتاب العزيز والسنّة المشرّفة، وأنا أعلم تماماً أن البشر محل النقص بلا ريب، فما كان فيه من صواب فبما هداني ربي، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي التي أستدرك عليها حيناً بعد حين، راجياً أن يتقبل الله مني، وأن يجعلني مع الصالحين في جنان النعيم، اللهم آمين.

 

المبحث الأول: صور صلة الرحم الكافرة في الكتاب والسنّة.

تمهيد:

هناك صور متعددة حملتها آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام دعت إلى صلة الرحم وإن كانت كافرة، وقد جاءت بعض النصوص قطعية الدلالة لا خفاء فيها ولا التباس، فكان أمرها بيّناً واضحاً للناس، وخفي المراد في آيات أخرى لاحتمالها وجوهاً مختلفة، وقد اجتهدت أن أورد الآيات التي تطمئن النفس إلى قوة الاستدلال بها على المراد، واستقصيت جميع آيات القرآن ذات العلاقة بالموضوع، فكان كل مطلب حواه هذا المبحث يتكلم على دليل قرآني دعا أو أذن بصلة الرحم الكافرة، أما المطلب السادس فهو خاص بصلة الرحم الكافرة في الحديث والأثر، وإليك بيانَ هذه المطالب:

 

المطلب الأول: الوصية من التركة للوالدين والأقربين غير المسلمين وصنع المعروف إليهم.

تتجلى دعوة صنع المعروف إلى الأولياء غير المسلمين بالوصية والإحسان في آيتين:
الآية الأولى: قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب:6]. أفادت هذه الآية صلة المسلم غير المسلم؛ وذلك بالإحسان إليه في الحياة والوصية به عند الموت، فقد ذهب عدد من المفسرين إلى أن المعنى في الآية: {إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا} يعني إلا أن توصوا لذوي قرابتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة، وهذا قول الحسن، وقتادة، وعطاء، وعكرمة، ومحمد بن الحنفية(3)، والمعنى أن الأقرباء من الكفار لا يرثون المسلمين، ولو أوصى لهم المسلم جاز(4).

 

أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن عطاء أنه قال جواباً عن الآية: "هو إعطاء المسلم الكافر بينهما قرابة ووصيته له"(5).
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية: {إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا} أنه قال: "معروفاً أي من أهل الشرك"(6). وفي رواية قال: "للقرابة من أهل الشرك وصية ولا ميراث لهم"(7)، وأخرج ابن جرير نحوه عن محمد بن الحنفية(8).

 

ويفهم من هذه الأقوال المأثورة أنها خاصة في الأقارب من أهل الشرك، وهو ما نص عليه بعضهم بقوله: "إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية لا ميراث لهم، فأجاز الله عز وجل الوصية، ولا ميراث لهم"(9).

 

وهناك من ذهب إلى أن الآية: {إِلَى أَوْلِيَائِكُم} خاصة بالأولياء من المؤمنين فقط، ذهب إلى هذا مجاهد، وابن زيد، والرماني، ويعضد هذا المذهب لفظ الآية(10)، وهذا ما رجحه ابن جرير الطبري حيث قال: "وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يُقال معنى ذلك: {إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم} الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم آخى بينهم وبينكم من المهاجرين والأنصار {مَّعْرُوفًا} من الوصية لهم، والنصرة والعقل عنهم، وما أشبه ذلك؛ لأن كل ذلك من المعروف الذي قد حثّ الله عليه عباده.

 

وإنما اخترت هذا القول وقلت هو أولى بالصواب من قِيل من قال: عنى بذلك الوصية للقرابة من أهل الشرك لأن القريب من المشرك وإن كان ذا نسب فليس بالمولى، وذلك أن الشرك يقطع ولاية ما بين المؤمن والمشرك، وقد نهى الله المؤمنين أن يتخذوا منهم ولياً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة:1]، وغير جائز أن ينهاهم عن اتخاذهم أولياء ثم يصفهم جل ثناؤه أنهم أولياء... والمعنى: {إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم} الذين ليسوا بأولي أرحام منكم معروفاً"(11).

 

الراجح: إن لفظ الولي في الآية عام يشمل المؤمنين وغير المؤمنين؛ وذلك لأن ولاية النسب أمر، وولاية الدين أخر آخر، وقد حسَّن هذا القول ابن عطية، وتابعه عليه القرطبي، قال ابن عطية: "وتعميم لفظ الولي أيضاً حسن إذ ولاية النسب لا تَدْفع الكافر، وإنما تَدْفع أن يلقى إليه بالمودة كوليِّ الإسلام"(12).

 

وهذا القول يفرِّق بين ولاية النسب وولاية الدين، وهو بذلك يدفع قول ابن جرير؛ إذ إن عماد ترجيح ابن جرير: أن الشرك يقطع ولاية ما بين المؤمن والمشرك، ويجاب عنه أن هذا صحيح فيما يتعلق بولاية الدين، ولكن تبقى ولاية النسب، وهي أمر آخر، فقد أخرج عبد الرزاق من طريق قتادة عن الحسن قوله في الآية: {إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم}، قال: إلا أن يكون لك ذو قرابة ليس على دينك فتوصي له بالشيء من مالكن هو وليُّك في النسب وليس وليّك في الدين"(13).

 

فإن النهي عن اتخاذ الكفار أولياء لا يقتضي النهي عن الإحسان إليه والبِرّ لهم(14)، إذ الأولى عدم تخصيص قوله: {إِلَى أَوْلِيَائِكُم} بالمؤمنين دون غيرهم، أو بالمشركين دون غيرهم، فإنها تشتمل الأقرباء على اختلاف أصنافهم.

 

قال أبو حيان: "والظاهر عموم قوله تعالى: {إِلَى أَوْلِيَائِكُم} فيشمل جميع أقسامه من قريب وأجنبي، مؤمن وكافر يحسن إليه، ويصله في حياته، ويوصي له عند الموت"(15).

 

الآية الثانية: وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180] اختلف العلماء في الآية على أقوال، أهمها اثنان:

الأول: إن الآية منسوخة بآية المواريث، فلا وصية تجب لأحد على أحد قريباً كان أو بعيداً، وهذا قول جمهور المفسرين، وعزا ابن أبي حاتم، وابن كثير هذا القول لابن عمر، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وعكرمة، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان، وطاوس، وإبراهيم النخعي، وشُرِيح، والضحاك، والزهري(16). وأضاف بعضهم(17) إنها منسوخة أيضاً بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقه، ألا لا وصية لوارث"(18).

 

وفي المسألة سجال طويل بين العلماء ليس هذا موضعه، ولكن على الأرجح عند أهل العلم أن النسخ إن كان يقع فإنه بآية المواريث لا بالحديث، يدل على ذلك الحديث ذاته: "إن الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه"، ففي هذا إشارة إلى آية المواريث؛ لأن الله أعطى فيها كل ذي حقٍّ حقه.

 

القول الثاني: إن الذي نُسخ في الآية الوصية لمن يرث ولم ينسخ الأقربون(19)، فالآية منسوخة فيمن يرث، ثابتة فيمن لا يرث، وهو مذهب ابن عباس، والحسن، ومسروق، وطاوس، والضحاك، ومسلم بن يسار، والعلاء بن زياد(20)، وسعيد بن جبير، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان(21).

 

أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نسخ من يرث ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون"(22).
وعن الحسن قال: "كانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ ذلك وأثبت لهما نصيبهما في سورة النساء، وصارت الوصية للأقربين الذين لا يرثون، ونسخ من الأقربين كل وارث"(23).

 

وعلى هذا القول فإن الآية فيها نسخ وفق اصطلاح المتقدمين من العلماء، أما عند المتأخرين فليس فيها نسخ؛ لأن آية المواريث قد رفعت حكم بعض أفراد العام، وهم الوارثون من الأقربين دون غيرهم ممّن لا يرثون، وهذا من قبيل التخصيص.
ولهذا نجد أن بعض العلماء نسب القول بإحكام الآية لمن نقلنا عنهم هذا القول(24).

 

وقريب من هذا القول ما نقل عن بعض العلماء أن المنسوخ هو الوصية للوالدين فقط دون الأقربين، وهو مروي أيضاً عن ابن عباس، والحسن، وطاوس، وقتادة، والضحاك(25).

 

وممن آزر القول الثاني ابن جرير الطبري فقال: "فإن قال قائل أوَ فُرض على الرجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه؟، قيل: نعم، فإن قال: فإن هو فرط في ذلك فلم يوص لهم أيكون مضيعاً فرضاً يحرج بتضييعه؟ قيل: نعم"(26).

 

ثم قال ابن جرير: "فإن قال: فإنك قد علمت أن جماعة من أهل العلم قالوا: الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية الميراث، قيل له: وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا: هي محكمة غير منسوخة، وإذا كان في نَسْخِ ذلك تنازعٌ بين أهل العلم لم يكن لنا القضاء عليه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها"(27).

 

ويُفهم من كلام ابن جرير أن الوصية للوالدين والأقربين إن كانوا من غير الوارثين فرض، وقد استدلّ ابن جرير على ذلك بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة:180] فإنه كتبه علينا وفرضه، وهذا عند ابن جرير نظير قوله تعالى في السياق ذاته: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]، فتارك الصيام وهو قادر عليه مضيع برتكه فرضاً لله عليه، وكذلك تارك الوصية لوالديه وأقربيه وله ما يوصي لهم فيه، مضيعٌ فرضَ الله عز وجل(28).

 

وقد تابع النحاس ابنَ جرير الطبري على ما ذهب إليه، فقال: "فتنازع العلماء معنى هذه الآية وهي متلوة فالواجب أن لا يُقال: إنها منسوخة لأن حكمها ليس بناف حُكم ما فرضه الله عز وجل من الفرائض، فوجب أن يكون: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية... كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}"(29).

 

وفسّر النسفي {كُتِبَ} في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة:180] بمعنى فرض إذا كانت الآية منسوخة، أما على القول الثاني: إنها غير منسوخة فذكر أنها نزلت في حق من ليس بوارث بسبب الكفر، فشُرعت الوصية فيما بينهم قضاءً لحق القرابة ندباً وليس فرضاً، قال: "وعلى هذا لا يُراد بكُتِب فُرِض"(30).

 

ولا أدري هنا ما الذي عوّل عليه الإمام النسفي حين أخرج {كُتِبَ} من دائرة الفرض إلى دائرة (الندب) مع أن دلالتها واضحة على القطع، وواردة في سياق سورة البقرة بين آيات تفيد القطع والفرض، فقد جاء قبلها: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178]، وبعدها: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]. ومما يؤكد أن الوصية فَرْض: قوله تعالى في نهاية الآية: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180] قال الجصاص: "وأما قوله: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ففيه تأكيد لإيجابها؛ لأن على الناس أن يكونوا متقين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ} [البقرة:278]، ولا خلاف بين المسلمين أن تقوى الله فرض، فلما جعل تنفيذ هذه الوصية من شرائط التقوى فقد أبان عن إيجابها"(31).

 

ومن الملاحظ خلال استقصاء أقوال العلماء في المسألة اختلاف الرواية عن عدد من العلماء أمثال: ابن عباس، والحسن، وطاوس، وقتادة، ففي إحدى الروايتين عن كل منهما أن جميع ما في الآية منسوخ، وفي الرواية الأخرى أن المنسوخ مَن يرث دون مَن لا يرث، أو الوالدان فقط. بل نقل المقري في الناسخ والمنسوخ عن بعض من نسب إليهم القول بأن الآية منسوخة ما يدل على عكس ذلك أمثال: الحسن البصري، وطاوس، وقتادة، فقد نقل عنهم أن الآية كلها مُحكَمة(32)، ونقل عنهم السمعاني أن النسخ في الوالدين دون الأقربين(33)، وهذا الاختلاف يدعم ما ذهب إليه ابن جرير، والنحاس، والجصاص من أن الآية مُحكَمة غير منسوخة.

 

ومهما يكن من أمر فسواء أكانت الآية مُحكَمة، أم نُسخ منها الوالدان دون غيرهم، أم نُسخ منها مَن يرث دون مَن لا يرث، وسواء أكانت الوصية في الآية لغير المسلمين أم لغير الوارثين على الإيجاب والقطع، أم على الاستحباب والندب؛ فإن الآية تدل على صلة الرحم بما في ذلك الرحم الكافرة، حتى الذين قالوا: إن الآية منسوخة، فإن منهم مَن أبقى الفرضية في الوصية لمن لا يرث، ومثال ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسيره: "قال قوم: كانت الوصية للوالدين والأقربين فرضاً واجباً على مَن مات وله مال حتى نزلت آية المواريث في سورة النساء فنسخت الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون، وبقي فرض الوصية للأقرباء الذين لا يرثون والوالدين الذين لا يرثان بكفر أو رق"(34).

 

وخُلاصة القول: إن الله تعالى فرض الوصية بالمعروف في هذه الآية للوالدين والأقربين، ثم جاءت آية المواريث فبينت مقدار هذا المعروف في حق الوارثين، فأعفت من الوصية لهم حين حددت لهم نصيبهم من الميراث، وبقي الأمر في حق غير الوارثين على حاله، والله تعالى أعلم.

 

المطلب الثاني: الوصية بالإحسان إلى الوالدين المشركين المجاهرين بالكفر.

أكّد القرآن الكريم برّ الوالدين، ووصَّى بهما، ولو كانا مشركين قد أشهرا شركهما ودَعَوا إليه، نجد ذلك في موضعين من كتاب الله تعالى، الأول في سورة العنكبوت [آية:8]: قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، والثاني في سورة لقمان [14، 15] قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

 

في هذين الموضعين من سورة العنكبوت وسورة لقمان نجد – وبكل وضوح – أن القرآن الكريم قد دعا إلى برّ الوالدين والإحسان إليهما ولو كانا كافرين وجاهداه على الشِّرْك. ولم أجد أنّ أحداً من المفسرين قال: إن حُكم هاتين الآيتين منسوخ.

 

قال الرازي: {وَإِن جَاهَدَاكَ}، يعني أن صدقتهما واجبة وطاعتهما لازمة ما لم يكن فيها ترك طاعة الله، أما إذا أفضى إليه فلا تطعهما"(35). ومن وصية القرآن الكريم بالأبوين الكافرين قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، قال ابن عطية: "يعني الأبوين الكافرين أي صلهما بالمال وادعهما برفق"(36).

 

والمعنى في الآيات أنه لا يجوز للمسلم أن يتابع الأبوين الكافرين على كفرهما ولا أن يطيعهما في باطل أو معصية، ومع ذلك لا يقطع إحسانه عنهما، وقد لخص الثعالبي طاعة الولد لوالديه وإن كانا مشركين بقوله: "وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، وتستحسن في ترك الطاعات الندب"(37).

 

وشكر الوالدين هو شكر من الولد لوالد أحسن إليه، فربَّاه وسهر عليه، فإن الإحسان يُقابَل بالإحسان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَن لا يشكُر الناس لا يشكر الله"(38)، ولكن الشكر من الولد للوالد قد قيَّدته هذا الآيات بأنه لا يجوز أن يكون بمعصية الله تعالى، ولهذا نجد كثيراً من الأحاديث تنهى عن الطاعة في معصية، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف"(39)، وفي رواية: "لا طاعةَ في معصية الله إنما الطاعة في المعروف"(40).

 

قال الجصاص في فقه آية لقمان: "وقال أصحابنا في المسلم يموت أبواه وهما كافران إنه يغسلهما ويتبعهما ويدفنهما؛ لأن ذلك من الصحبة بالمعروف التي أمر الله بها"(41).

 

وقد ذكر المفسرون(42) أن هذه الآيات نزلت في سعد بن أبي وقاص، وهو ما صحت به الرواية.
فقد أخرج مسلم وغيره عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال: "حلَفَتْ أمُّ سَعد ألا تكلّمه أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قال: زعَمْتَ أن الله وصَّاك بوالديك وأنا أمّك، وأنا أمُرك بهذا، قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجَهْد، فقام ابنٌ لها يُقال له: عُمَارة، فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}، وفيها: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}(43)".

 

المطلب الثالث: التلطف بالمعاملة ورجاء الرحمة للرحم الكافرة:

هناك آيات عديدة فيها تلطف ورجاء الرحمة للرَّحم الكافرة، ومن ذلك:
أولاً: النداءات الأربع المتتالية التي أوردتها سورة مريم في مخاطبة إبراهيم عليه السلام لوالده بلفظ (يا أَبَتِ)، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:41-47].

 

ويُستخلص من هذا النص برّ إبراهيم بوالده من عدة وجوه أهمها:
1)    أنه رتب الكلام معه في أحسن اتساق، وساقه أرشق مساق مع استعمال المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن(44)، فقد كانت مخاطبته لوالده فيها برّ واستعطاف(45).
2)    قوله: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ}، ولم يُسمّ أباه بالجهل المفرط وإن كان في أقصاه، ولا نفسه بالعلم الفائق، وإن كان كذلك بل أبرز نفسه في صورة رفيق له(46).
3)    قوله: {إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن}، فذكر الخوف للمجاملة(47).
4)    مع أن إبراهيم عليه السلام قد أقبل على والده بمناصحات وملاحظات، إلا أنه قوبِل من والده بفظاظة الكفر، وغلظة العناد، فناداه والده باسمه: (يا إبراهيم)، ولم يقابِل يا أبتِ بـ:(يا بُنيّ)، وقدّم الخبر على المبتدأ في قوله: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ}؛ لأنه كان أهمّ عنده؛ أي ما ينبغي أن يرغب عنها أحد {لَأَرْجُمَنَّكَ} إما بالشتم باللسان، وإما الرمي بالحجارة، أو المعنى ارتكني قبل أن أثخنك بالضرب(48)، ومع ذلك كله قال له إبراهيم: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} والمعنى في قول الجمهور: أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى(49)، فقد قابل جفوته بالإحسان رعاية لحق الأبوة(50).

 

قال البيضاوي: {سَلَامٌ عَلَيْكَ}: "توديع ومتاركة(51) ومقابلة للسيئة بالحسنة، أي لا أصيبك بمكروه، ولا أقول لك بعد ما يؤذيك، ولكن سأستغفر لك ربي لعله يوفقك للتوبة والإيمان، فإن حقيقة الاستغفار للكافر استدعاء التوفيق لما يوجب مغرفته"(52).

 

ثانياً: تَلَطُّف نوح عليه السلام في دعوة ابنه للإيمان في اللحظات الأخيرة الفاصلة بين الناجين والمُغرَقين، المؤمنين والكافرين، قال تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ} [هود:42]. يُلاحظ في هذا النداء من نوح عليه السلام لابنه أنه حريص على إيمانه، فناداه بنداء يظهر "شفقة الأبوة"(53)، بقوله: (يا بُنَيّ).

 

المطلب الرابع: تخصيص الأقربين بالإنذار، وبالدعوة إلى سبيل الله تعالى.

يجد المتدبر لآيات كتاب الله تعالى أن القرآن الكريم قد خصص الأقربين بالدعوة والغنذار، ومن ذلك:
أولاً: قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214].
فالإنذار في الآية هو لعشيرة النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنهم وكافرهم، روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا، فعمّ وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرَّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطّلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبُلُّها بِبَلالها"(54).

 

قال القرطبي: "في هذا الحديث والآية دليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته لقوله: إن لكم رحماً سأبُلُّها بِبَلالها.."(55).
وذكر الشوكاني أن في الآية دليلاً على أن الاهتمام بشأن الأقربين أولى، وهدايتهم إلى الحق أقدم(56).

 

وقد نقل عدد من المفسرين(57) ما وقع عند الطبراني(58) وابن مردويه(59) من رواية أبي أمامة رضي الله عنه قال: "لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم فأجلسهم على الباب، وجمع نساءه وأهله، فأجلسهم في البيت، ثم اطَّلع عليهم فقال: يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار، واسعَوْا في فَكاك رقابكم وافتكُّوا أنفسكم من الله فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، ثم أقبل على بيته فقال: يا عائشة بنت أبي بكر، ويا حفصة بنت عمر، ويا أم سلمة، ويا فاطمة بنت محمد، ويا أم الزبير – عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم -: اشتروا أنفسكم من النار، واسعوا في فكاك رقابكم، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ولا أغني، فبكت عائشة...".

 

وهذا الحديث مردود رواية ودراية، أما الرواية فإن الطبراني وابن مردويه قد أخرجاه من طريق علي بن يزيد بن أبي هلال الأَلْهاني عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة، وعلي بن يزيد هذا ضعيف. قال البخاري، والعقيلي: "منكر الحديث"(60)، وقال ابن حجر عنه في تقريب التهذيب: "ضعيف"(61)، وقال ابن حبان: "وإذا اجتمع في إسناده خبر عبيد الله يعني زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك إلا مما عملته أيديهم"(62).

 

وأما كون الحديث مردوداً دراية فإنه من المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام ما تزوج بعائشة، وحفصة، وأم سلمة إلا بعد الهجرة، ثم إن الروايات الصحيحة في صحيحي البخاري ومسلم قد صرحتا أن نزول الآية كان بمكة، وأن هذا كان في بداية الدعوة، وأنه عليه الصلاة والسلام صَعِدَ الصّفا عندما نزلت عليه الآية، ولا أعلم وجود صفا في المدينة.

 

ثانياً: الآيات التي فيها دعوة الأهل لعبادة الله وتقواه: ومن ذلك: قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]. و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:54-55].
كان يبدأ بأهله في الأمر بالإصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم، ولأنهم أوْلى مِن سائر الناس... ألا ترى أنهم أحقّ بالتصدّق عليهم؟ فالإحسان الديني أولى"(63).

 

المطلب الخامس: صلة الرحم الكافرة في الحديث والأثر.

نصت بعض الأحاديث والآثار على صلة الرحم وإن كانت كافرة بصورة صريحة وواضحة، ومن ذلك:
أولاً: حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "قَدِمَتْ أمي وهي مشركة – في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم – مع [ابنها](64) فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة(65)، قال: نعم صِلِي أمّك"(66).
قال الخطابي عند حديث أسماء: "فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة، ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وإن كان الولد مُسلماً"(67).
وقد أفرد البيهقي فصلاً في صلة الرحم وإن كانت كافرة بما ليس فيه معصية(68).

 

ثانياً: أخرج الطبراني والحاكم وغيرهما عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً؛ فإن لهم ذمَّة ورحماً، يعني أن أم إسماعيل كانت منهم"(69).
وقد ورد هذا الحديث بروايات مختلفة منها ما رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمَّة ورحماً"(70).

 

ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن القبط ليسوا مسلمين، هذا أولاً، ثم إن عامة القبط من الأرحام البعيدة، فإذا كان هذا حال الرحم البعيدة من الكفار فما بالك بذوي القرابات الدانية من ذوي الأرحام منهم؟ فإنه مما لا شكّ فيه أن صلتهم أولى وألزم، والله تعالى أعلم.

 

ثالثاً: ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى حنظلة بن أبي عامر عن قتل أبيه وكان مشركاً(71)، وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول أن يقتل والده وكان زعيم المنافقين في المدينة(72)، وفي رواية عند ابن حبان وغيره أمره عليه الصلاة والسلام أن يبر أباه وأن يحسن صحبته(73).

 

رابعاً: ومما جاء في صلة الرحم الكافرة من الآثار:
1)    ما أخرجه المَرْوزي بإسناد رجاله ثقات عن ميمون بن مِهْران قال: "ثلاث تؤدَّى البر والفاجر: الرحم توصل بَرَّة كانت أو فاجرة، والأمانة تُؤَدَّى إلى البَرِّ والفاجر، والعهد يُوَفَّى للبَرِّ والفاجر"(74).
وفي رواية إسناد رجالها ثقات أيضاً عن ميمون بن مهران بلفظ: "ثلاث المسلم والكافر فيهن سواء.." وفيه: "ومَن كان له رحم فليصلها مسلماً كان أو كافراً"(75).

 

2)    وأخرج البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنه أهدى حُلَّة لأخ له بمكة كان مشركاً"(76).
ومما يستفاد من هذه الرواية أن ذوي الأرحام يوصلون ولو كانوا حربيين بما لا يفضي بمضرة للمسلمين؛ لأن عمر رضي الله عنه عندما أرسل بالهدية لأخيه إنما فعل ذلك ليتألف قلبه.

 

المبحث الثاني: مشكل القرآن والسنّة في صلة الرحم الكافرة.

تمهيد:

بعد هذا التطواف في الكتاب والسنّة والأثر على أدلة صِلَة الرحم الكافرة فإنه يتبين لنا أن الرحم تُوصَل وإن كانت كافرة، وصلتها واجبة(77)، فللواصل دينه وللموصول دينه، وقد جعل الله للقرابة حقاً وإن كانت كافرة، فالكفر لا يسقط كثيراً من حقوقها في الدنيا، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} [النساء:36].

 

وكل مَن ذُكِر في هذه الآية حَقُّه واجب وإن كان كافراً، فما بال ذي القربى وحده يخرج مِن جملة مَن وصَّى الله بالإحسان إليه؟ ورأس الإحسان الذي لا يجوز إخراجه من الآية هو الإنفاق عليه عند ضرورته وحاجته(78).

 

وأمام هذه النتيجة فإننا نقف أمام نصوص من الكتاب والسنّة قد يُفهَم منها عكس ذلك وأن الواجب مع الرحم الكافرة أن ينبذ إليها وأن تُقاطَع. وسأعرض مشكل الكتاب والسنة في صلة الرحم الكافرة في مطلبين:

المطلب الأول: مشكل صلة الرحم الكافرة من القرآن الكريم وجوابه.

حذرت بعض نصوص القرآن الكريم من صلة الكفار ولو كانوا من الأقربين، ومن ذلك قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة:23].

 

وللجواب عن هذا المشكل يمكن العودة مجدداً إلى كتاب الله تعالى، فقد جاء فيه الجواب الشافي لمن أشكل عليه الأمر في فهم الآيات.

 

الجواب الأول: قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8-9].

 

فهاتان الآيتان تقسمان أعداء المسلمين قسمين، ولكلٍّ منهما حكمه من الصلة:
الأول منهما: فريق من المشركين لم يقاتل المسلمين ولم يتآمر على إخراجهم من ديارهم، فهؤلاء لا مانع من صلتهم وبرّهم والإحسان إليهم.

 

والثاني: فريق قاتل المسلمين وأخرجهم من ديارهم وتآمر عليهم، فهؤلاء لا تجوز موالاتهم بأي حال، وليس هناك ما يمنع برّهم والإقساط إليهم ضمن ضوابط الحربيين، وينبغي أن ننبه هنا على أمر هام، هو أن الله تعالى نهى المسلمين عن موالاة الفريق الثاني، ويمّ فرْق بين الإذن بالبر والقسط، وبين النهي عن الموالاة والمودّة، ويشهد لهذا التقسيم ما في الآية الكريمة الأولى من قرائن، وهي عموم الوصف بالكفر، وخصوص الوصف بإخراج الرسول وإياكم، ومعلوم أن إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من ديارهم كان نتيجة لقتالهم وإيذائهم، فهذا القسم هو المعني بالنهي عن موالاته لموقفه المعادي؛ لأن المعاداة تنافي الموالاة. ولهذا عقَّب عليه بقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} فأي ظلم أعظم من موالاة الفرد لأعداء أمته وأعداء الله ورسوله!

 

أما القسم العام، وهم الذين كفروا بما جاء من الحق، ولكنهم لم يعادوا المسلمين في دينهم لا بقتال ولا بإخراج ولا بمعاونة غيرهم عليهم، ولا ظاهروا على إخراجهم، فهؤلاء من جانب ليسوا محلاً للموالاة لكفرهم، وليس ثَمَّ ما يمنع بِرّهم والإقساط إليهم(79).

 

وقد ورد في سبب نزول الآية الأولى أقوال عدة منها:
الأول: إن الآية: {الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} نزلت في أهل العهد الذي عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تَرْك القتل والمظاهرة في العداوة(80).

 

الثاني: قيل: إن الآية نزلت في الذين آمنوا وأقاموا بمكة ولم يهاجروا(81).

 

الثالث: نزلت في أسماء بنت أبي بكر حين قدمت عليها أمها وهي مشركة بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول، فأمرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تدخلها، وتقبل منها، وتكرمها وتحسن إليها(82)، ويشهد لسبب النزول هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه عن قصة أسماء مع أمها، وفيه:
"قال ابن عُيَيْنَة: فأنْزَل الله تعالى فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}"(83).

 

الرابع: وقيل: إن المسلمين استأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقربائهم من المشركين أن يصلوهم فأنزل الله تعالى هذه الآية(84)، وعلى هذا تكون الآية عامة.

 

مناقشة الأقوال في سبب نزول الآية:

أما القول الأول والثاني، وفيهما أن الآية مخصوصة بمن آمن ولم يهاجر، وبالمعاهدين من بعض القبائل، فمردودان بالسياق والسباق، فمطلع السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة:1]، والكلام في السورة متصل بمن أولها، فليس مَن آمر ولم يهاجر، وعاهد النبي عليه الصلاة والسلام عدواً لله عز وجل وللمؤمنين(85)، ثم إنهما مردودان بالرواية الصحيحة التي أخرجها البخاري وغيره، ولا تَعارُضَ بين القول الثالث والرابع، فإن الآية وإن كانت في أم أسماء رضي الله عنها إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي تشمل أقرب المسلمين كافة، وهذا مفهوم القول الرابع.

 

وقد اختلف العلماء في الآية الأولى من الآيتين اللتين سبق ذكرهما من سورة الممتحنة، وهي قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} هل هي منسوخة أم لا؟ على قولين:
الأول: ذهب قتادة وابن زيد إلى أن الآية منسوخة بما في سورة براءة(86) {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة:5].
وذكر المقري في الناسخ والمنسوخ أن الآية: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} نسخها الله تعالى بما بعدها وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ} ونسخ معنى الآيتين بآية السيف(87).

 

الثاني: إن الآية مُحكَمة، حكاه القرطبي عن أكثر أهل التأويل(88).
والقول الثاني هو الراجح – والله تعالى أعلم – قال النحاس رداً على قول قتادة: إنها منسوخة بقوله: "إن مثل هذا ليس بمحظور، وإن قوله جل وعز: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة:5] ليس بعامّ لجميع المشركين، ولا هو على ظاهره فيكون كما قال قتادة، وإنما هو مِثْل قوله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38].

 

ثم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في رُبع دينار فصاعداً، فصارت الآية لبعض السُّرَّاق لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن عن الله عز وجل، فكذا: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}.

 

قد خرج منه أهل الكتاب إذا أدَّوا الجزية، وخرج منه الرسول [أي رسول المشركين] بسنّة النبي صلى الله عليه وسلم...، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل العَسِيف، فهذا كله خارج من الآية، فقد علم أن المعنى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} على ما أمرتم، فلا يمتنع أن يكون ما أمر به من الإقساط إليهم، وهو العدل فيهم، ومن برّهم أي الإحسان إليهم بوعظهم أو غير ذلك من الإحسان ثابتاً"(89).

 

قال الشافعي رحمه الله: "وكانت الصلة بالمال والبر والإقساط ولين الكلام والمراسلة بحكم الله غير ما نُهوا عنه من الولاية لمن نُهوا عن ولايته مع المظاهرة على المسلمين، وذلك أنه أباح بر مَن لم يُظاهر عليهم من المشركين والإقساط إليهم ولم يحرم ذلك إلى مَن أظهر عليهم، بل ذكر الذين ظاهروا عليهم فنهاهم عن ولايتهم وكان الولاية غير البرّ والإقساط"(90).

 

وممن ناصر هذا القول ابن جرير فقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول مَن قال عنى بذلك {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم إن الله عز وجل عمَّ بقوله: {الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} جميع مَن كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضاً دون بعض، ولا معنى لقول مَن قال: ذلك منسوخ؛ لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرّم ولا منهيّ عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراح أو سلاح، قد بيّن صحة ما قلنا في ذلك الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها"(91).

 

وإليه ذهب النحاس أيضاً، فقد صحح القول إن الآية عامة مُحكمة بقوله: "وفيه من الحجة أن بر المؤمن من بينه وبينه نسب أو قرابة من أهل الحرب غير منهي عنه ولا مُحرّم؛ لأنه ليس في ذلك تقوية له ولا لأهل دينه بسلاح أو كراح، ولا فيه إظهار عورة المسلمين"(92).

 

وذكر النحاس أن هذا القول جاء عن صحابي فلا يسع أحد مخالفته خاصة إذا كان مع قوله توقيف بسبب نزول الآية(93).

 

الجواب الثاني: ومما يجاب به على مشكل صلة الرحم الكافرة.

إن الآيات التي أظهرت ملاطفةَ الأنبياء لأرحامهم فيها قول فصل بوجوب التبرؤ من شركهم وباطلهم، فمع أن إبراهيم عليه السلام تلطّف مع والده رجاءَ إيمانه ووعده بالاستغفار له، لأن ما جاء به من الهدى والنور حقيق به أن ينير به قلوب الأقربين قبل غيرهم، إلا أنه في نهاية المطاف قد تبرّأ منه بعد أن مات على الكفر، أو بعد أن تبيّن له من جهة الوحي أنه لن يؤمن وأنه يموت كافراً(94).
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114].

 

وقد وفّى إبراهيم بهذا الوعد الذي قطعه على نفسه فاستغفر لوالده، وروى لنا القرآن الكريم ذلك عن إبراهيم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41]، وكذلك في قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أيضاً: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:86]، وينبغي أن نشير هنا إلى أن الاستغفار للأرحام الذين ماتوا على الكفر حرام شرعاً بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113].

 

فالنهي عن الاستغفار لأولي القربى بعد أن ماتوا على شركهم، وتبيَّن لذويهم أنهم من أهل النار؛ لأن الله تعالى قد قضى ألا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله(95). وقد ذكر المفسرون في استغفار إبراهيم لأبيه أقوالاً عدة مجملها: أن استغفار إبراهيم لأبيه لأنه كان يرجو منه الإيمان، فلما علم بالوحي أنه لن يؤمن توقف عن ذلك، ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام لعمه: "لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عَنك"(96).
وقيل: إن أبا إبراهيم وعد إبراهيم بالإسلام فاستغفر له لذلك(97).

 

وفي قصة نوح عليه السلام مع ابنه نلاحظ أن القرآن الكريم لم ينكر على نوح عليه السلام دعوته لابنه في آخر اللحظات بقوله تعالى: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا} [هود:42]، ولكن القرآن أنكر على نوح عليه السلام عندما سأل الله أن ينجيه معتبراً إياه من أهله ولما يكن من أهل الإيمان.

 

قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود:45]، فأُجِيب: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] "أي ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم لأنه كافر"(98).

 

وقد كان الجواب من نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47].

 

ومن الملاحظ هنا أن مواقف الأنبياء متحدة، فقد سلَّم نوح لأمر الله تعالى حيال ولده، وكذلك كان الحال مع إبراهيم عليه السلام تجاه والده.

 

إذن صلة الأرحام تنقطع حيال مَن تبيّن كفره بوحي من الله لنبي من أنبيائه، أو بموت القريب على راية الكفر.

 

الجواب الثالث: ويمكن أن يُجاب عن مشكل صلة الرحم الكافرة بقوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28].

 

فقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المعنى: إلا أن تكون بينك وبينه قرابة، فقد أخرج ابن جرير عن قتادة قوله عن هذه الآية: "نهى الله المؤمنين أن يوادُّوا الكفار أو يتولَّوهم دون المؤمنين، وقال تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} الرحم من المشركين من غير أن يتولاهم في دينهم إلا أن يصل رحماً له في المشركين"(99).

 

وهذا الذي ذكره قتادة كما قال ابن جرير: "له وجه، وليس بالوجه الذي يدل عليه ظاهر الآية... فالأغلب من معاني الكلام إلا أن تخافوا منهم مخافة، فالتقية التي ذكرها الله في هذه الآية إنما هي تقية الكفار لا من غيرهم، ووجَّه قتادة إلى أن تأويله: إلا أن تتقوا الله من أجل القرابة التي بينكم وبينهم تقاة، فتصلون رحمها"(100)، وهذا التأويل فيه تكلف.

 

المطلب الثاني: مشكل صلة الرحم الكافرة من السنة النبوية وجوابه.

ذهب بعضهم إلى أن صلة الرحم الكافرة غير واجبة ولا يلحق الوعيد قاطعها لأنه قطع ما أمر الله بقطعه، وإليه ذهب ابن بطال(101) وغيره(102) واستدلوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم – جهاراً غير سر – يقول: "إن آل أبي ليسوا بأوليائي، إنما وليّي الله وصالح المؤمنين"(103).

 

ووجه الدلالة كما قال ابن بطال: إنه أوجب في هذا الحديث الولاية بالدين، ونفاها عن أهل رحمه إن لم يكونوا من أهل دينه، فدلَّ على أن النسب يحتاج إلى الولاية التي يقع بها الموارثة بين المتناسبين، وأن الأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد لم يكن بينهم توارث ولا ولاية، وقال ابن بطال: "ويستفاد من هذا أن الرحم المأمور بِصِلَتها والمتوعد على قطعها هي التي شرع لها ذلك، فأما مَن أمر بقطعه من أجل الدين فيُستثنى من ذلك، ولا يلحق بالوعيد من قطعه لأنه قطع من أمر الله بقطعه، لكن لو وُصلوا بما يباح من أمر الدنيا لكان فضلاً"(104).

 

وتَعَقَّبه ابن حجر في موضعين:

أحدهما: قصره النفي على مَن ليس على الدين، وظاهر الحديث أن مَن كان غير صالح في أعمال الدنيا دخل في النفي أيضاً لتقييده الولاية بقوله: "وصالح المؤمنين".

 

الثاني: أن صلة الرحم الكافرة ينبغي تقييدها بما إذا [أنِسَ](105) منه رجوعاً عن الكفر، أو رجا أن يخرج من صلبه مسلم... فيحتاج من يترخص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك.

 

قلت: وأيضاً قياس صلة الرحم على الولاية التي يقع بها الميراث قياس غير صحيح، فإذا كان الميراث مبناه على النصرة والموالاة – كما ذكر ابن بطال – فإن هذا خلاف النفقة، والزيارة، ونحوهما، فإنهما صلة ومواساة من حقوق القرابة، فلا تقع بها موالاة.

 

وذهب بعضهم إلى أن صلة الرحم الكافرة مقصورة على الوالدين فقط دون بقية الأقارب.

 

قال الكاساني: "ولا تجب صلة رحم غير الوالدين عند اختلاف الدين، وتجب صلة رحم الوالدين مع اختلاف الدين بدليل أنه يجوز للمسلم أن يبتدئ بقتل أخيه الحربي، ولا يجوز له أن يبتدئ بقتل أبيه الحربي، وقد قال سبحانه في الوالدين الكافرين: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]، ولم يَرِدْ مثله في غير الوالدين"(106).

 

قلت: ما ذكره الكاساني من صلة الوالدين جيد غير أن قصر الصلة عليهما دون غيرهما لا دليل عليه، بل إن صلتهم تُفْهَم من عموم الآيات التي أشارت إلى صلة ذوي القربى، وصلة ذوي الأرحام، وقد أفرد البخاري في كتاب الهبة باباً في: قبول الهدية من المشركين(107)، وآخر في الهدية للمشركين(108)، فليرجع إليه من شاء.

 

وينبغي التنبيه هنا على أن الصلة بالمال أو السلاح ونحوه تكون حال كون ذوي الأرحام من غير الحربيين، أما إذا كانوا من الحربيين فلا تجوز صلتهم بالمال أو السلاح، أو المشورة التي تضر المسلمين؛ لأن إمدادهم بالمال ونحوه إمداد لأعدائهم، وتقوية لعدوهم على أنفسهم وإخوانهم، فالصلة جائزة ما لم تكن خطراً على المسلمين. قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8].

 

وخلاصة الأمر أقول:

إن صلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر بدليل عموم الآيات التي حثت على الإحسان لذوي القربى، والأحاديث والآثار التي سبق ذكرها.

 

على أن المسلم يجب أن يقوم بواجبه من النصح لهم ووعظهم ودعوتهم إلى دين الله، وأن يحرص على إسلامهم أو إسلام من يخرج من أصلابهم، ويشترط في هذه الصلة أن يبتعد المسلم عن باطلهم، وينكر منكرهم، وأن يبرأ من عقائدهم، أما إذا كانوا حربيين فصلتهم تكون بما فيه نفع للمسلمين كأن يكونوا عيوناً له... ولا يسقط مع ذلك صلتهم بأن يدعوهم لدين الله، ويدعو الله أن يردهم إلى دينه ويهديهم سواء السبيل في حال حياتهم، وليس له ذلك بعد مماتهم.

 

المبحث الثالث: جزاء صلة الكافر لرحمه.

إن صلة الرحم تُعدُّ من الأعمال المحمودة التي يقوم بها الكفَّار، ومن المعلوم أن أعمال الكفار تذهب هباءً منثوراً لأنها لا تصدر عن عقيدة صحيحة إلا أن صلة الرحم لها ثمار إيجابية تعود على الكافر الواصل لرحمه، ومن ذلك:

 

المطلب الأول: تنفع الكافرين في الدنيا، وتقيهم مصارع السوء.

فعن زيد بن أسلم لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة عرض له رجل فقال: "إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مُدْلج، فقال: إن الله منعني من بني مدلج بصلتهم الرحم"(109).

 

المطلب الثاني: إذا وصل الكافر رحمه ثم أسلم فإن ثواب ذلك يصل إليه.

نقل ابن حجر عن النووي: "إن الصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالاً جميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الإسلام إن ثواب ذلك يُكتَب له"(110).

 

المطلب الثالث: صلة الكافر لرحمه تنفع ذريته وتحميهم من الفقر والخزي في الدنيا.

دليل ذلك أن سلمان بن عامر الضَّبي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم ويَقْري الضيف ويفي بالذمة، ولم يدرك الإسلام، فهل له في ذلك من أجر؟ قال: لا، فلما وليت قال: عليَّ بالشيخ، فقال لي: يكون ذلك في عقبك، فلن يذلّوا أبداً، ولن يخزوا أبداً، ولن يفتقروا أبداً"(111).

 

وقد يكون ذلك في ذرية الكافر الواصل لرحمه إن كانت ذريته مسلمة كما هو الشأن في سلمان بن عامر، إذ يُلاحظ أنه قال له: "يكون ذلك في عقبك"، ولم يقل له: يكون ذلك في عقبه، أي عقب أبيك، ولكن الأولى حمل الحديث على العموم، يشهد لهذا ما سيأتي في المطلب الرابع.

 

ومن المعلوم أن الكافر لا ينتفع بشيء من ذلك في آخرته، لا هو ولا ذريته، فقد وردت روايات كثيرة تبين أن مَن قام بأعمال البر ومات على الشرك فهو في النار(112).

 

ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي عاصم والطبراني عن عمران بن الحصين أن أباه الحصين أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً كان يقري الضيف ويصل الرحم ومات قبلك، وهو أبوك، فقال: إن أبي وأباك وأنت في النار، فمات حصين مشركاً"(113).

 

المطلب الرابع: زيادة المال والبركة في العيال.

قال صلى الله عليه وسلم: "إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم إذا تواصلوا، وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون"(114). هذا إن كان لفظ الفجار يوزاي الكفار، والله تعالى أعلم.

 

الخاتمة:

وفيها أهم النتائج:

أولاً: الرحم توصل برة كانت، أو فاجرة، أو كافرة، وصلتها واجبة، فللواصل دينه وللموصول دينه، فحق الرحم ثابت وإن كانت كافرة، إذ الكفر لا يسقط كثيراً من حقوقها في الدنيا.

 

ثانياً: الراجح في تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب:6]، أنه في الإحسان لذوي الرحم الكافرة، والوصية لهم، وليس كما ذكر بعض المفسرين أن الأولياء لا يكونون إلا من المؤمنين فقط.

 

ثالثاً: ثَمَّ فَرْقٌ بين ولاية النسب وولاية الدين، إذ ولاية النسب لا تدفع في الكافر، وإنما يدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام، أما ولاية الدين فلا تكون إلا للمسلمين.

 

رابعاً: الأصح أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180] غير منسوخ، ويفهم منه وجوب الوصية للوالدين إن كانا غير مسلمين، أو غير وارثين.

 

خامساً: أكدت نصوص القرآن الكريم والسنة المشرفة صلة الرحم للوالدين على وجه الخصوص، وإن كانا مشركين مجاهِرَين بالكفر، ودعت إلى برهما والإحسان إليهما، على أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المُباحات.

 

سادساً: أظهر منهج الأنبياء مع أرحامهم تلطفهم بهم رجاء هدايتهم، وقد ظهر هذا جلياً في نداء إبراهيم عليه السلام لوالده بقوله: (يا أبت)، ونداء نوح عليه السلام لابنه بقوله: (يا بني)، غير أنهما قد تبرءا منهما بعد أن تبين لهما إصرارهما على الكفر.

 

سابعاً: الراجح في إنذار النبي عليه السلام لعشيرته الأقربين أنها كانت في مكة، وليس كما وقع في رواية الطبراني وغيره من أنها كانت بعد زواجه عليه السلام من عائشة وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهن.

 

ثامناً: إن مفهوم الرحم الكافرة يشمل الوالدين وغيرهما من الأقارب، لأن النبي عليه السلام أوصى بالقبط خيراً بقوله: "فإن لهم ذمة ورحماً"، فإذا كان هذا حال الرحم البعيد من الكفار، فما بالك بذوي القرابات الدانية من ذوي الأرحام من الكفار؟ فإنه مما لا شكّ فيه أن صلتهم أولى وألزم، والله تعالى أعلم.

 

تاسعاً: يقف القارئ لكتاب الله وللسنة المطهرة أمام نصوص من الكتاب العزيز والسنة حذرت من صلة الكفار ولو كانوا من ذوي الأرحام، ومن ذلك قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22].
والأظهر أن هذه النصوص لمن قاتل المسلمين وأخرجهم من ديارهم وتآمر عليهم، فهؤلاء لا تجوز موالاتهم بأي حال، وليس هناك ما يمنع برّهم والإقساط إليهم.

 

عاشراً: نهى الله تعالى عن الاستغفار لأولي القربى الذين ماتوا على شركهم وتبين لذويهم أنهم من أهل النار؛ لأن الله تعالى قد قضى ألا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يستجاب لهم فيه.

 

حادي عشر: على المسلم أن يقوم بواجبه تُجاه ذوي الرحم من الكفار بالنصح لهم، ووعظهم، ودعوتهم إلى دين الله، وأن يحرص على إسلامهم، أو إسلام من يخرج من أصلابهم، ويشترط في هذه الصلة أن يبتعد المسلم عن باطلهم، وينكر منكرهم، وأن يبرأ من عقائدهم.

 

ثاني عشر: صلة الكافر لأرحامه تنفعه في الدنيا، ولا تنفعه في الآخرة، ومن منافع صلة الكافر لرحمه أن صلته إياهم تقيه مصارع السوء، وتنفع ذريته، وتحميهم من الفقر، والخزي في الدنيا.

 

وختاماً: أسأل الله العظيم أن يتقبل مني، وأن يعفو عن زللي وخطئي، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.

 

________________________

(1)    بحث محكم ومنشور في مجلة النجاح الوطنية للأبحاث، مجلد (17)، عدد (2)، سنة 2003م.
(2)    بحث محكم ومنشور في مجلة النجاح الوطنية للأبحاث، مجلد (18)، عدد (1)، سنة 2004م.
(3)    ابن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن (21/124)، والنحاس، معاني القرآن (5/326)، والبغوي، تفسير البغوي الموسوم بـ"معالم التنزيل" (3/508)، والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن (14/12).
(4)    السمعاني، تفسير السمعاني، (4/260).
(5)    الصنعاني، تفسير الصنعاني، (3/113).
(6)    ابن جرير، جامع البيان (10/53).
(7)    المرجع السابق (21/124).
(8)    المرجع السابق (21/124).
(9)    قتادة، الناسخ والمنسوخ (ص:43)، وابن أبي زمنين، تفسير: ابن زمنين (3/388).
(10)    ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/370)، والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن (14/12).
(11)    ابن جرير، جامع البيان (21/124-125).
(12)    ابن عطية، المحرر الوجيز (4/370)، والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن (14/12).
(13)    تفسير الصنعاني (1/122)، وأخرجه الجصاص، أحكام القرآن (5/224).
(14)    انظر: الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني (21/153).
(15)    أبو حيان، البحر المحيط (7/208).
(16)    ابن جرير، جامع البيان (2/118-119)، والمقري، الناسخ والمنسوخ (ص:40)، والواحدي أبو الحسن، تفسير الواحدي (1/149)، وابن الجوزي، نواسخ القرآن (ص: 58).
(17)    انظر: ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم (1/299)، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم (1/212).
(18)    أخرجه: أحمد، مسند أحمد، من حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه، برقم (17699 – 17702) (4/186-187)، ومن حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه برقم (22348) (5/267)، وأبو داود، سنن أبي داود، كتاب الوصايا، باب: ما جاء في الوصية للوارث برقم (2870) (3/114)، وكتاب الإجارة، باب: في تضمين العادية برقم (3565) (3/296)، وابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب الوصايا، باب: لا وصية لوارث برقم (2713) (2/905-906)، والترمذي، سنن الترمذي، كتاب الوصايا، باب: ما جاء لا وصية لوارث، برقم (2120) (4/433)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(19)    النحاس، الناسخ والمنسوخ (ص: 61).
(20)    أورد ابن الجوزي الروايات عن أكثرهم في نواسخ القرآن (ص61)، وكذلك ذكرها الرازي، التفسير الكبير (5/54).
(21)    ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم (1/300)، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم (1/212).
(22)    ابن جرير، جامع البيان (2/117).
(23)    ابن الجوزي، نواسخ القرآن (ص61)، والكرمي، الناسخ والمنسوخ الموسوم بـ(قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن) (ص59).
(24)    انظر: المقري، الناسخ والمنسوخ (ص40)، والشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (1/178).
(25)    ابن جرير، جامع البيان (2/117)، والسمعاني، تفسير السمعاني (1/175)، وابن الجوزي، نواسخ القرآن (ص60-61).
(26)    ابن جرير، جامع البيان (2/115).
(27)    ابن جرير، جامع البيان (2/116).
(28)    انظر المرجع السابق (2/116).
(29)    النحاس، الناسخ والمنسوخ (ص90).
(30)    النسفي، تفسير النسفي المسمى مدارك التنزيل وحقائق التأويل (1/120).
(31)    الجصاص، أحكام القرآن (1/203).
(32)    المقري، الناسخ والمنسوخ (ص41).
(33)    المسعاني، تفسير السمعاني (1/175).
(34)    الثعلبي، تفسير الثعلبي، المسمى (الكشف والبيان في تفسير القرآن) 2/57)، وبنحوه ذكر العز بن عبد السلام، تفسير العز بن عبد السلام (1/186).
(35)    الرازي، التفسير الكبير (5/129).
(36)    ابن عطية، المحرر الوجيز (4/349).
(37)    الثعالبي، تفسير الثعالبي، المسمى "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" (3/208).
(38)    أخرجه أحمد في مسند أبي هريرة رضي الله عنه برقم (7495)، و(7926)، و(8006)، (9022) (2/258، 259، 302)، وهناك غيرها، وأخرجه أحمد في مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رقم (11298)، و(11721)، (3/32، 73)، ومن حديث الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه برقم (21887) وبرقم (21896) (5/211-212)، وأخرجه أبو داود في سننه كتاب الأدب، باب في شرك المعروف برقم (4811) (4/255)، والترمذي في سننه، كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك برقم (1954) (4/339)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(39)    أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، برقم (6726) (6/2612).
(40)    البخاري، كتاب التمني، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة، برقم (6830) (6/2649)، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، برقم (1839) (3/1469).
(41)    الجصاص، أحكام القرآن (3/156).
(42)    انظر: ابن جرير، جامع البيان (20/131)، و(21/70)، وابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم (9/3036)، والزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (3/447)، وابن عطية، المحرر الوجيز (4/307)، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم (2/284)، وأبا السعود، تفسير أبي السعود، الموسوم بـ"إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" (7/31).
(43)    مسلم، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل سعد بن أبي وقاص برقم (1748) (4/1877)، وأحمد في مسنده، برقم (1567) و(1614) (1/181-185)، والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة العنكبوت برقم (3189) (5/341).
(44)    انظر: الزمخشري، الكشاف (3/21).
(45)    انظر: ابن عطية، المحرر الوجيز (4/18).
(46)    أبو السعود، تفسير أبي السعود (5/267).
(47)    المرجع السابق (5/267).
(48)    انظر: الزمخشري، الكشاف (3/22).
(49)    ابن عطية، المحرر الوجيز (4/19.
(50)    العز بن عبد السلام في تفسيره (2/279)، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم (3/124).
(51)    وذكر بعضهم أنه سلام إكرام وبر قابل به جفوة والده. انظر: تفسير العز بن عبد السلام (2/279).
(52)    البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (4/19).
(53)    انظر: الرازي، التفسير الكبير (17/185)، وأبا السعود، تفسير أبي السعود (4/210)، والشكاني، فتح القدير (2/499).
(54)    مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} برقم (204) (1/192)، وأخرجه البخاري بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، البخاري، صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب برقم (2602) (3/1012).
(55)    القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (13/144).
(56)    انظر: الشوكاني، فتح القدير (4/120).
(57)    الزمخشري، الكشاف (3/345)، وأبو السعود، تفسير أبي السعود (6/267)، والسيوطي، الدر المنثور (6/327).
(58)    الطبراني، المعجم الكبير، برقم (7890) (8/225).
(59)    عزاه إليه في تفسيره الزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار (2/477).
(60)    البخاري، التاريخ الكبير، برقم (2470)، (6/301)، والعقيلي، الضعفاء الكبير، برقم (1259) (3/254).
(61)    ابن حجر، تقريب التهذيب، برقم (4817) (ص:345).
(62)    الطرابلسي، الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، برقم (531) (ص191).
(63)    الزمخشري، الكشاف (3/25)، ونقله أبو حيان في البحر المحيط (6/188).
(64)    في البخاري كتاب الأدب، باب صلة الولد المشرك (أبيها) وهو تصحيف كما ذكر ابن حجر، والمثبت أضبط، وابنها هو الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمرو بن مخزوم. قال ابن حجر: "ولم أر له ذكراً في الصحابة، فكأنه مات مشركاً". ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري (8/280).
(65)    راغبة في الإسلام، وقيل راغبة في صلتي، وفي رواية: راغمة. والمعنى كارهة للإسلام، والمعنى الأول بَعيد لأنها لو جاءت راغبة في الإسلام لم تحتج أسماء أن تستأذن في صلته لشيوع التآلف على الإسلام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، فلا يحتاج إلى استئذانه في ذلك. انظر: ابن حجر، فتح الباري (10/413)، ورجح الخطابي أنها راغمة أي كارهة لإسلامي وهجرتي. انظر: الخطابي، غريب الحديث (1/703). وذكر ابن حجر أن الجمهور على أنها راغبة في بر ابنتها لها، خائفة في ردها إياها خائبة، ابن حجر، فتح الباري (5/234).
(66)    أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب: الهدية للمشركين برقم (2477) (2/924)، وفي كتاب الأدب أيضاً، باب: صلة الوالد المشرك، برقم (5633) (5/2230)، وأخرجه في كتاب الجهاد والسير، باب: إثم مَن عاهد ثم غدر (3012) (3/1162).
(67)    ابن حجر، فتح الباري (5/234).
(68)    البيهقي، شعب الإيمان (6/210).
(69)    الطبراني، المعجم الكبير برقم (111، 112، 113)، (19/61)، والحاكم، المستدرك على الصحيحين، كتاب التاريخ، باب: ذكر إسماعيل عليه السلام (2/553)، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
وهذه الزيادة (يعني أم إسماعيل كانت منهم) ذكرها الطبراني من متن الحديث، وعزاها الحاكم للزهري، وهو راوي الحديث عن ابن كعب بن مالك عن أبيه، وأورده الهيثمي، في مجمع الزوائد، فضل الأنصار، باب: ما جاء في مصر وأهلها، وقال: "رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح" (10/63).
(70)    ابن حبان، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، باب: إخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، ذكر الأخبار عن فتح الله جل وعلا على المسلمين أرض بربر، برقم (6676) (15/67).
(71)    ابن قانع، معجم الصحابة (1/203).
(72)    أخرجه عبد الرزاق، مصنف عبد الرزاق، برقم (6627) (3/538)، والنميري، أخبار المدينة، برقم (720) (ص:211)، والحاكم، كتاب معرفة الصحابة، باب: ذكر عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه (3/588).
(73)    ابن حبان، صحيح ابن حبان، باب: حق الوالدين، ذكر استحباب بر المرء والده وإن كان مشركاً رقم (428) (2/171)، والطبراني، المعجم الأوسط، رقم (229) (1/80). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب المناقب، باب في عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه (9/318)، وقال: "رواه البزار، ورجاله ثقات".
(74)    أخرجه ابن أبي شيبة، مصنف ابن أبي شيبة، كتاب السير، باب: ما قالوا في العهد يوفى به للمشركين، برقم (32855) (6/451). والمروزي، البر والصلة، برقم (131) (ص:69).
(75)    المروزي، البر والصلة، برقم (137)، (ص:72).
(76)    البخاري، كتاب الجمعة، باب: يلبس أحسن ما يجد، برقم (846) (1/302)، وكتاب الهبة وفضلها، باب: هدية ما يكره لبسه، برقم (2470) (2/921).
(77)    الزرعي، أحكام أهل الذمة (2/792).
(78)    المرجع السابق (2/793).
(79)    انظر: الشنقيطي، أضواء البيان (8/91).
(80)    ممن ذكر هذا: السمرقندي، تفسير السمرقندي الموسوم بـ(بحر العلوم) (3/415)، والثعلبي في تفسيره (9/294)، والبغوي، تفسير البغوي (4/331)، والزمخشري، الكشاف (4/515)، وابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير (8/236).
(81)    انظر: النحاس، الناسخ والمنسوخ (ص:712)، وابن زمنين في تفسيره (4/378)، والرازي، التفسير الكبير (29/263).
(82)    الثعلبي في تفسيره (9/294)، والبغوي في تفسيره (4/331)، والزمخشري، الكشاف (4/515)، والرازي في تفسيره (29/263).
(83)    البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب صِلَة الوالد المشْرك برقم (5633) (5/2230).
(84)    الثعلبي في تفسيره (9/294)، والرازي في تفسيره (29/263)، وابن الجوزي، زاد المسير (8/237).
(85)    انظر: النحاس، الناسخ والمنسوخ (ص:714).
(86)    أخرجه عنهم ابن جرير، جامع البيان (28/66)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ (ص:711)، وأورده عنهما ابن عطية، المحرر الوجيز (2/91)، وابن الجوزي، زاد المسير (8/237)، والكرمي، الناسخ والمنسوخ (ص:206).
(87)    المقري، الناسخ والمنسوخ (ص:177).
(88)    القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (18/59).
(89)    النحاس، الناسخ والمنسوخ (ص:712-713).
(90)    الشافعي، أحكام القرآن (2/193).
(91)    ابن جرير، جامع البيان (28/66).
(92)    النحاس، الناسخ والمنسوخ (ص:714).
(93)    انظر: المرجع السابق (ص:714).
(94)    انظر: ابن جرير، جامع البيان (11/45-46)، والزمخشري، الكشاف (2/302).
(95)    انظر: ابن جرير، جامع البيان (11/40).
(96)    البخاري، كتاب الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله، برقم (1294) (1/457)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام مَن حضره الموت ما لم يشرع في النَّزْع، برقم (24) (1/54).
(97)    انظر: السمعاني، تفسير السمعاني (2/354)، والزمخشري، الكشاف (2/301)، وابن الجوزي، زاد المسير (3/509).
(98)    ابن جرير، جامع البيان (12/50)، وابن عطية، المحرر الوجيز (3/177)، وابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل (2/106).
(99)    ابن جرير، جامع البيان (3/229)، وأخرج ابن جرير قريباً منه عن الحسن.
(100)    المرجع السابق (3/229).
(101)    عزاه إليه ابن حجر في فتح الباري (10/421).
(102)    انظر: المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/234)، والمباركفوري، تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي (6/30).
(103)    البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: تبل الرحم ببلاها، برقم (5644) (5/2233).
(104)    فتح الباري (1/421).
(105)    في فتح الباري (10/421) (أيس)، والمثبت هو الذي يستقيم مع المعنى المراد.
(106)    الكاساني، بدائع الصنائع (4/36).
(107)    صحيح البخاري (2/922).
(108)    صحيح البخاري (2/922).
(109)    أخرجه الخرائطي، المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها، برقم (114) (1/63). وأورده العراقي، المغني عن حمل الأسفار، برقم (2039) (1/526)، وقال: مرسل صحيح الإسناد.
(110)    ابن حجر، فتح الباري (1/99)، ولم أجده في كلام النووي في شرح صحيح مسلم باللفظ المذكور نفسه، وقريبٌ من ذلك ما ذكره النووي عند شرحه لباب: بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، كتاب الإيمان، انظر: النووي، شرح النووي على صحيح مسلم (2/141).
(111)    أخرجه الطبراني، المعجم الكبير برقم (6213) (6/276)، والحاكم، كتاب معرفة الصحابة – ذكر سلمان بن عامر الضبي (3/610)، وسكت عنه الحاكم في المستدرك والذهبي في التلخيص، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير مختصراً من غير ذلك (فلما وليت)، البخاري، التاريخ الكبير، برقم (2236) (4/136)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد عن سلمة بن عامر، وهو تحريف، والصحيح أنه سلمان بن عامر، له صحبة كما ذكر الحاكم والبخاري، وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير وقال: رجاله موثوقون. الهيثمي، مجمع الزوائد، كتاب الإيمان، باب في أهل الجاهلية (1/119).
(112)    انظر: مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أن مَن مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة، ولا تنفعه قرابة المقربين (1/191)، وانظر الهيثمي، مجمع الزوائد، كتاب الإيمان، باب في أهل الجاهلية (1/116-119).
(113)    ابن أبي عاصم، الآحاد والمثاني، برقم (2356) (4/324)، والطبراني، المعجم الكبير برقم (3552) (4/27)، وبرقم (548) (18/220)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب الإيمان، باب: في أهل الجاهلية (1/116)، وقال: رجاله رجال الصحيح.
(114)    أخرجه ابن حبان من حديث أبي بكرة، صحيح ابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب: صلة الرحم وقطعها، برقم (440) (2/182)، والطبراني من حديث أبي هريرة، المعجم الأوسط، برقم (1092) (2/19). والبيهقي، شعب الإيمان، من حديث عبد الرحمن (الباب السادس والخمسون في شُعب الإيمان) برقم (7971) (6/226). وأورده في الألباني، في صحيح وضعيف الجامع الصغير، برقم (10642) (ص:1065)، وقال: صحيح.