ويسألونك عن "البوكيمون غو" ؟!
13 شوال 1437
د. عامر الهوشان

بداية لا بد من تسليط الضوء على هذه اللعبة الافتراضية الجديدة التي اجتاحت العالم بأسره بعد بضعة أيام فقط من إطلاقها من قبل شركة "نينتندو" والشركات التابعة لها , ويكفي الإشارة إلى أن اللعبة استطاعت فى أسبوع واحد فقط التفوق على مستخدمى موقع التغريدات المصغرة تويتر فى الولايات المتحدة ، ناهيك عن تحقيقها أرباحا فلكية خلال أيام ، إذ تربح الشركة 1.6 مليون دولار يوميا بفضل الاستخدام المتواصل للعبة ومشتريات المستخدمين فى الولايات المتحدة وغيرها .

 

 

تسمية اللعبة مأخوذ من كلمتين يابانيتين : Pocket Monsters والتي تعني وحوش الجيب , وهي عبارة عن ألعاب فيديو تابعة لشركة "نينتندو" اخترعها ساتوشي تاجيري عام 1995 , وصدر مسلسل رسوم متحركة منها بعدة لغات , وعرضت هذه الرسوم المتحركة لأول مرة في الوطن العربي عام 2000م على القناة الثانية بالتلفزيون المصري وقناة mbc .

 

 

 

واللعبة الجديدة باختصار تقوم على دمج العالم الافتراضي بالواقع , من خلال تحميل واقع افتراضي للمنطقة التي يعيش فيها الشخص، ومن ثم تنبيهه إلى وجود "بوكيمون" في مكان ما قد يكون معلما بارزا في المدينة ، أو مستشفى ، أو متنزها عاما ، أو مؤسسة حكومية , أو حتى مسجدا أو منزلا من منازل الآخرين .

 

 

ومن أساسيات اللعبة استمرار تشغيل كاميرا الهاتف الجوال , حيث يتعين على اللاعب أو "الصياد" ملاحقة "البوكيمون" بكاميرا هاتفه وإمساكه واحتجازه في كرة "البوكيمون" الشهيرة , الأمر الذي جعل الناس يمشون في الشوارع كالمهووسين يبحثون عن "وحوش افتراضية" لا وجود لها إلا في كاميرات هواتفهم الخلوية .

 

 

 

وعلى الرغم من إتاحة اللعبة من قبل الشركة المصنعة لبعض الأماكن من العالم فحسب كــ : الولايات المتحدة الأمريكية و أستراليا ونيوزيلندا فقط , إلا أن ملايين الناس قد تحايلوا لتحميل اللعبة في بلدانهم , وهو ما يلقي الضوء على مدى القابلية المفرطة للانجرار وراء مثل هذه الألعاب لدى معظم الناس – ومنهم العرب والمسلمون بالتأكيد - .

 

 

 

كثيرة هي الأسئلة التي يمكن ملاحظة تلجلجها في صدور وألسنة المسلمين عن حكم استخدام هذه اللعبة وتحميلها شرعا , و عن آثار ممارستها السلبية المتوقعة على الفرد والأسرة والمجتمع , وعلى جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الدينية .

 

 

 

أما اقتصاديا فاللعبة و بالرغم من طرحها من قبل الشركة للناس بالمجان فى الدول المسموح لها بالتحميل , إلا أنه توجد بعض المستويات يجب دفع مبالغ لها تترواح ما بين 1 دولار إلى 99.99 دولار , ومن المعلوم أن الوصول إلى تلك المستويات في اللعبة يتناسب طردا مع درجة الإدمان , وهو ما يعني إثراء فاحشا للشركات الأمريكية التي تستخدم غالبا ضد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .

 

 

وأما سياسيا فقد ازدحمت صفحات المواقع الالكترونية و وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بالحديث عن الخطر الأمني التي تمثله ممارسة هذه اللعبة , ومن التحذير من دخول المؤسسات الحكومية لمستخدمي اللعبة , وخصوصا المؤسسات الحساسة كالداخلية والخارجية والمراكز الأمنية والعسكرية , معتبرين أن اللعبة وسيلة سهلة للتجسس , ليس على تفاصيل حياة الناس الشخصية , بل وعلى الأماكن التي يترددون عليها ، وهو ما يسمح بجمع العديد من المعلومات والصور الشخصية والأماكن المختلفة ، التي قد يتم توظفيها لخدمة أهداف استخباراتية .

 

 

 

وإذا انتقلنا إلى الجانب الأسري والاجتماعي فتعتبر اللعبة إغراقا جديدا للناشئة والشباب في العالم الافتراضي , وإبعادهم أكثر فأكثر عن التواصل الواقعي الحقيقي مع الآخرين , ولا ينفي ذلك دمج اللعبة العالم الافتراضي بالواقع , إذا إنه دمج لا يُخرج اللاعب من عالمه الافتراضي الذي يبحث عنه والذي لا وجود له في الواقع مطلقا .

 

 

 

يمكن ملاحظة الكثير من الآثار السلبية التي تكتنف ممارسة هذه اللعبة على المسلم ومجتمعه :

 

 

أولها : إضاعة وقت المسلم الذي لم يعد يحتمل المزيد من الإضاعة بعد هذا الكم الهائل من الألعاب الالكترونية التي أهدرت مليارات الساعات على ملايين الشباب من المسلمين , كان يمكن أن تستثمر في إصلاح أحوالهم دينيا ودنيويا .

 

 

ولا يخفى ما في الانشغال بمثل هذه الألعاب من تعريض الكثير من الواجبات والفرائض الدينية إلى الإهمال والفوات والضياع , كـ الصلاة على وقتها وتلاوة القرآن والأذكار ... ناهيك عن التقصير الشديد بحقوق الوالدين والإخوة والأخوات وصلة الأرحام , وهو ما سيؤدي إلى التفكك الأسري والاجتماعي الذي حذر منه دين الله الخاتم بشدة .

 

 

ثانيها : خطر التعرض لمرض الإدمان على هذه الألعاب من قبل شباب الأمة , والذي لا يقل خطرا – حسب رأيي – عن خطر إدمانهم على المخدرات أو المسكرات أو غيرها من المحرمات والموبقات التي روجها الغرب كوسيلة مزعومة لإخراج الإنسان – وخصوصا المسلم منه - من واقعه المأزوم إلى العالم الخيالي الذي لم ولن يحل مشكلة أو ينهي أزمة أبدا .

 

 

ولعل الإحصائيات والأرقام المرعبة التي تتحدث عن مدى إدمان بعض شباب الأمة وناشئتها على مثل هذه الألعاب التي يمكن تحميلها إلى هواتفهم الجوالة بيسر وسهولة تتحدث بنفسها عن مدى الخطر الذي يتهدد الأجيال القادمة لهذه الأمة إن استمر الأمر على هذا الحال .

 

 

ثالثها : مزيد من خطر فقدان الخصوصية التي بات الحفاظ عليها من الصعوبة بمكان , فبالإضافة لشروط تحميل اللعبة عبر التسجيل عبر حساب الشخص على غوغل الذي يجعل من معلوماته وصوره وجميع خصوصياته متاحة.... هناك وجوب فتح كاميرا هاتف الممارس لهذه اللعبة , مع ما في ذلك من خطر تعريض الحرمات والخصوصيات التي أمر الإسلام بالمحافظة عليها ... للنشر والذيوع .

 

 

لقد آن الأوان كي يدرك المسلمون عموما أن أخطر ما في هذه الألعاب هو : صدورها من أشخاص لا يدينون بما يدين به المسلمون من وحدانية الله وألوهيته , بل ربما يكون مخترع بعض تلك الألعاب ملحدا لا يؤمن بوجود إله وخالق لهذا الكون أصلا, كما أن المجتمعات الذي تطلق مثل هذه الألعاب تختلف اختلافا جذريا عن المجتمعات الإسلامية في المعتقد والأخلاق والسلوكيات .

 

 

ومن هنا فإنه من الطبيعي أن لا تكون هذه الألعاب مناسبة للمسلمين , وأن تكون في ممارستها واستخدامها الكثير من المحاذير والشبهات , الأمر الذي ينبغي أن يدفعنا - إن كان لا بد من الألعاب – للاعتماد على أنفسنا في اختراعها بما يناسب معتقداتنا ومجتمعاتنا الإسلامية .