حول "خطأ" توقيت صلاة الفجر بمصر
17 رمضان 1437
د. زياد الشامي

عاد الجدل يثور من جديد حول مسألة وجود "خطأ" في توقيت صلاة الفجر في مصر , وعادت البلبلة والتساؤلات تشغل الشارع المصري المسلم حول هذه القضية الحساسة التي تمس جانبا خطيرا من حياة المصريين .

 

 

وعلى الرغم من أن إثارة هذه المسألة لم يكن جديدا , والتنبيه إليها لم يكن حديثا , فقد شكك القيادي السلفي عبد الرحمن لطفي في موعد صلاة الفجر منذ زمن ، كما أكد عدد من خبراء الفلك منذ عام 2014م أن المصريين يؤدون صلاة الفجر قبل موعدها المحدد شرعا بحوالي 20 دقيقة منذ حوالي 100 عام ....إلا أنها لم تلق الاهتمام اللازم من المسؤولين في مصر لا على المستوى السياسي ولا حتى الديني .

 

 

تكمن خطورة الأمر في تعريض صلاة ملايين المسلمين في مصر للبطلان إذا استمر هذا الخطأ , خصوصا أؤلئك الذين يصلون في بيوتهم بعد أذان الفجر مباشرة , أو الذين يصلون في المساجد التي تقيم صلاة الفجر بعد حوالي 10 دقائق من الأذان في شهر رمضان وهي بالتأكيد كثيرة جدا في مصر وغيرها .

 

 

خبراء الفلك أرجعوا سبب الخطأ إلى عدم تحديد الوقت الصحيح لانخفاض الشمس تحت خط الأفق ، وهو الأمر الذي يوضح وقت الفجر ، ويستطيع من خلاله الباحثون التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود كما ورد في القرآن الكريم.....

 

 

وحسب خبراء الفلك فإن "الخطأ" في توقيت صلاة الفجر لا يقتصر على مسلمي مصر فحسب , بل على كثير من الدول العربية الذين يصلون الفجر قبل موعده الحقيقي بفترة تترواح ما بين 20 إلى 30 دقيقة .

 

 

وعلى الرغم من تأكيد خبراء المعهد القومي للبحوث الفلكية بمصر علم دار الإفتاء بهذا "الخطأ" منذ عام وتأكدهم من ذلك علميا حسب قولهم ، إلا أن أي تصحيح لهذا الخطأ لم يحدث , والسبب - حسب خبراء المعهد – نقلا عن دار الإفتاء هو : عدم إثارة البلبلة في الشارع المصري : "مسئولو دار الإفتاء قالوا لنا: خلوا الناس تصلي زي ما هي عارفة مش ناقصين بلبلة" .

 

 

وهل هناك بلبلة أشد من شيوع خبر وجود "خطأ" في توقيت صلاة الفجر في مصر منذ أكثر من 100 عام ؟! وهل يمكن قبول هذه الذريعة للسكوت عن هذا "الخطأ" في توقيت ركن من أعظم أركان الإسلام كل هذه المدة من الزمن ؟!

 

 

العجيب في الأمر هو ما أوردته بعض وسائل الإعلام المصرية نقلا عن دار الافتاء التي نفت بشكل كامل صحة ما ذكره بعض علماء المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية على لسان الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية والمتحدث باسم دار الإفتاء الذي قال في تصريحات صحفية : إن التوقيت الذي يؤدي فيه المصريون صلاة الفجر صحيح تماما، نافيًا صحة كل الآراء التي قالت إن التوقيت "خطأ " .

 

 

ولعل مكمن العجب هو تناقض هذا النفي مع ما تناقلته جميع وسائل الإعلام المصرية نقلا عن الدكتور حاتم عودة رئيس المعهد القومى للعلوم الفلكية والجيوفيزيقية الذي كشف عن وجود شراكة بين المعهد و دار الإفتاء في مشروع ضخم للتحقق من مواقيت صلاة الفجر والعشاء على مستوى جميع محافظات الجمهورية، وذلك من أجل وقف اللغط الذى دار منذ فترة حول أن كون مسلمي مصر يصلون الفجر في غير الموعد الصحيح ..... فكيف يستقيم ذلك مع نفي دار الإفتاء لوجود أي خطأ في توقيت صلاة الفجر ؟!

 

 

لقد أكد "عودة" أن مشروع التحقق من موعد صلاة الفجر مدته عامان , وقد بدأ في أوائل 2015 بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية وبمشاركة هيئة المساحة ، مشيرا إلى أنه يشارك في المشروع عدد من العلماء والباحثين على أعلى مستوى , وأن موعد نتائج مشروع التحقق من صلاة الفجر سيكون بحلول عام 2017, مشيرا إلى أن المعهد اشترى جهازا علميا لتصحيح الخطأ يسمى "الفوتومتر" , وسوف يقوم بقياس الضوء بصورة دقيقة وقت بداية الشفق لتحديد موعد صلاة الفجر .

 

 

وبالإضافة إلى ملاحظة وجود تناقض في مواقف دار الإفتاء من مسألة وجود خطأ في صلاة الفجر من عدمه ....هناك ملاحظة أخرى جديرة بالاهتمام , ألا وهي وسيلة وطريقة تصحيح هذا الخطأ وتقويمه , فإذا كان من الطبيعي أن يلجأ المعهد الفلكي إلى علوم الفلك والوسائل والتقنيات الحديثة في هذا المجال , فمن حق المسلم المتابع أن يتسائل عن دور الرؤية الشرعية في هذه المسألة الفقهية الإسلامية ؟!

 

 

فمن المعروف أن تحديد وقت الصلاة وكذلك معرفة بداية الأشهر الهجرية القمرية ينبني على المشاهدة في الإسلام ، لا على الحساب الفلكي ولا على التقاويم التي لا يُدرى حال واضعيها ومنزلتهم في الأمانة والعلم ، لا سيما مع ثبوت مخالفتها للوقت الصحيح , وقد دل على ذلك الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منها :

 

 

قوله صلى الله عليه وسلم : ( الفجر فجران : فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يُحل الصلاة ولا يُحرم الطعام ، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يُحل الصلاة ويُحرم الطعام ) رواه الحاكم والبيهقي من حديث جابر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4278 .

 

 

فوقت صلاة الفجر يبدأ إذا من طلوع الفجر الثاني ، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا ، ويمتد الوقت إلى طلوع الشمس , وأما الفجر الأول فهو الفجر الكاذب ، وهو البياض المستطيل في السماء من أعلى الأفق إلى أسفل كالعمود ، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة ، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة , ومن المعلوم أن الأحكام تترتب على وجود الفجر الصادق لا الكاذب .

 

 

وهنا يحق للمسلم أن يتساءل : أليس من الواجب على المؤسسات الدينية وأهل العلم في الدول الإسلامية أن تنتدب جماعة من أهل العلم الثقات ، لتحري وقت الفجر بالطريقة الشرعية ، وإعلام الناس به ، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه ؟!