في سبيل التاج: المرابطات في المسجد الأقصى
7 رجب 1437
أحمد بن راشد بن سعيّد

في القدس احتلال بغيض يجثم على أنفاسها منذ عقود. هل هذه معلومة جديدة؟ بالطبع لا. لكن بعض العرب يريدون نسيان ذلك، والقفز إلى «فن الممكن»، فتحرير القدس محال في نظرهم. في الحديث الصحيح: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»، وكذلك من يظن أن القدس ذهبت ولن تعود، وما عليه سوى التسليم بذلك. ينسى هؤلاء أن فلسطين أكبر من أن تُسرق، وأرسخ من أن تُنسى؛ لأنها بقدسها وأقصاها، تمثّل العدالة في أنصع صورها.

 

 

 

 

ولأن شعلة الحق لا تنطفىء، فقد حفظ الله المسجد الأقصى بظاهرة من أجمل وأنبل الظواهر في أمتنا: الرباط. ولا يضطلع الرجال وحدهم بهذا الشرف، بل تقف نسوة من المدينة مدافعات بأرواحهن عن المسجد. مراسلة قناة الجزيرة، خديجة بن قنّة، زارت الأقصى في أيلول (سبتمبر) 2015 والتقت بالمرابطات فيه عند باب المغاربة، ونقلت عن إحداهنّ قولها إن رباطها مستمر منذ عام 2011، مضيفة: «لا نطيق أن نغيب عن الأقصى..، واليوم الذي لا نحضر فيه بسبب ظروف خاصة، نحس بالذنب». مرابطة أخرى اسمها أم سعيد أبلغت مراسلة «الجزيرة» أنها وأخواتها المرابطات يواجهن اقتحامات «المستوطنين» بالتكبير لأن «كلمة الله أكبر تهزّهم وترعبهم».

 

 

 

 

تتراوح أعمار المرابطات من العشرين إلى السبعين، بحسب المواطن الصحافي في غزة، رضوان الأخرس، الذي قال لي إنهن يفدين الأقصى بأرواحهن، ويتسابقن إلى صد الاعتداءات عليه، ولا يَثنيهنّ عن ذلك الضرب والطرد والحبس والغرامات وسحب الهُويّات ومنع السفر. الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين 48، أبلغ برنامج «بلا حدود» في «الجزيرة» أن المرابطة تقف بالإنابة عن كل الأمة، «وتستر عوراتنا جميعاً بدفاعها عن الأقصى، وطردها دائماً لكل صعاليك الاحتلال». الناشطة والمرابطة، مروة الخطيب، أبلغتني أن «دخول الأقصى صعب، فكيف بالرباط فيه»، مضيفة أن «أيام الاقتحامات نار» حيث «نظل خارج المسجد من بعد الفجر إلى العصر، ونحن ننتظر الدخول تحت رحمة جندي أو مزاجه» مضيفة «مرات نضطر نلف على كل أبواب الأقصى...مشان نلاقي ضابط يمكن يفوّتنا». وتتحدث مروة، وهي ابنة الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية، عن حرص المقدسيات على الرباط في كل الأبواب، إلا أنهن في الفترة الأخيرة داومن على الرباط في باب «السلسلة»، لأن «السيّاح» في الأقصى يخرجون منه، مضيفة «وصارت ملاحم هناك...بالصيف والشتاء بيبقوا قاعدات، مرات بيتعرضوا للضرب، ومرات للشتائم، ومرات يسمح الجنود للمستوطنين يهاجموهن، وكمان صار إهانات وخلع حجاب، والله ما حدا يستحمل متلهن». يصل المرابطات إلى الأقصى كل يوم في الثامنة صباحاً، ويبقين إلى بعد الظهر، وهي الفترة التي تشهد موجات الاقتحامات، وتقول مروة إن بعض المرابطات يبقين إلى العصر مضيفة «حياتهن صعبة جداً...ومرّة هجموا عليهن بباب السلسلة، ولاحقونا كلنا لباب «حِطّة»، ومن يومها والرباط هناك».

 

 

 

 

الأقصى تاج هذه الأمة. وحركة «الرباط» لا تهدف إلى حمايته فحسب، بل إلى إعماره وتكثير سواد المسلمين فيه. ولهذا كان من الرباط التوسع في نشر «مصاطب» العلم، الشرعي التي يحضرها مئات الرجال والنساء، وقد تخرّج كثيرون فيها وحصلوا على إجازات. كما يشهد الأقصى «مشروع الطالب الجامعي» حيث يُدرّس أساتذة جامعيون طلّاباً وطالبات بالاتفاق مع جامعة القدس المفتوحة. وثمّة «مشروع عقد القران» ومخيّمات للأطفال، ومهرجانات لتنمية المواهب، ومسابقات في حفظ القرآن، والخطابة والشعر، فضلاً عن مشروع «التعريف بالمسجد الأقصى» الذي يستقبل زوّار المسجد من أنحاء فلسطين، ويُطلعهم على معالمه، والأخطار التي تهدّده.

 

 

 

في الأيام الأخيرة سمعنا عن اقتحام بيوت مرابطات، ثم اعتقالهن أو إبعادهن: نهلة صيام، سماح دويك، ملاك عطوان، سناء الرجبي، هنّ فقط أبرز الأسماء. هؤلاء لسن «نجوماً» ولا «بطلات» في خطاب الصحافة العربية السائدة، لكن هذا يؤكد فقط أنهنّ نماذج للبطولة والصمود.

 

 

 

المصدر/ العرب القطرية