مس الأجهزة الإلكترونية التي يخزن فيها القرآن، وحملها
5 رجب 1437
محمد جنيد الديرشوي

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد شهد العالم في مئة السنة الأخيرة تقدّماً مذهلاً في مجال العلوم والتقنية، واستطاع الإنسان أن يكتشف الكثير الكثير من أساليب الاستفادة ممّا ادّخر الله تعالى في هذا الكون من القوى والطاقات والإمكانات، وشمل هذا التطوّر شتى مجالات الحياة ومرافقها. فقد استطاع الإنسان –بتوفيق الله تعالى- ثم بفضل هذه الثورة العلمية والتقنية أن يخترع الآلات والأجهزة المختلفة التي يسّرت له العسير، وقرّبت له البعيد، وأغنته عن حمل الأحمال والأثقال. وكان من أبرز ما توصّل الإنسان إلى الكشف عنه عالم الإلكترون، فقد دخل فيه بقوّة، وتعرّف على سبل الاستفادة منه، فكان ذلك ثورة جديدة في مجال العلوم المادية والاتصالات، فقد تمكّن الإنسان من اختراع جهاز المعلومات الحاسب أو ما يُسمّى الكمبيوتر. كما استفاد من تقنية التعامل مع الإلكترون فتمكّن من استخدامه بشكل مذهل في مجال الاتصالات؛ فابتكر الهاتف المحمول الذي يمكِّن حامله من أن يبقى على اتِّصال مع العالم دائماً، في حلّه و ترحاله، بل لقد تمّ تطوير هذا الجهاز وأُدخل فيه من التقنيات ما حوّله إلى حاسب أو كمبيوتر صغير، فكان جهازاً خفيف المؤونة عظيم النفع، يخزّن فيه صاحبه ما يشاء من المعلومات والكتب، فصار الإنسان قادراً على حمل مكتبة عظيمة معه أنّى سار وحيث حلَّ.

 

ولقد كان من جملة ما تمّ تخزينه في هذا الجهاز، كتب كثيرة وموسوعات ضخمة تحوي الآلاف المؤلفة من الكتب المتخصصة في علوم الشريعة، وكان على رأس ذلك كتاب الله جلّ وعلا؛ يقرؤه حامله حيث كان، و يستذكر الآية التي يريدها في الوقت الذي يشاء، فأغنى ذلك القارئَ والحافظَ والخطيبَ عن تكلُّف حمل النسخ المطبوعة من المصحف، وما يتطلّبه ذلك من الطهارة التامّة والوضوء، وكان في ذلك خير كثير، وتيسيرٌ كبيرٌ على الناس.

 

ثمّ لمّا كانت الاستفادة من هذه الأجهزة- بالرجوع إلى ما تمَّ تخزينه فيها من القرآن الكريم- باستدعاء الآيات من مواضع تخزينها، وعرضها على شاشة الجهاز بكتابة عربية مبينة، وقد تكون بالرسم العثماني؛ فقد كان من الطبيعي أن يثور التساؤل حول هذه الكتابة الظاهرة على شاشة الجهاز، وعن حكم القرآن المخزّن في حجيرات الذّاكرة ضمنه، هل تُعطى هذه الأجهزة حكم المصاحف التي بين أيدينا، فيُشترط لجواز مسِّها وحملها توفّر الطهارة الكاملة، والوضوء، أو أنها لا تُعطى حكم المصحف؛ ومن ثمّ فيجوز أن يحمله غير المتوضِّئ، والجنب والحائض أيضاً؟.

 

وكان لزاماً على علماء الشريعة وفقهائها أن يبادروا إلى دراسة هذه المسألة، وتخريجها على نصوص الشرع وقواعد الفقه، وأن يُصدروا في ذلك الفتاوى، أداءً لواجب البيان الذي أناطه الله تعالى بأعناقهم في قوله: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [سورة آل عمران: 187].

 

ولقد بحثت عمّا قاله العلماء في هذه المسألة- وهي حكم مسّ الأجهزة الإلكترونية التي جرى تخزين القرآن الكريم فيها- وعمّا كتبوا في ذلك من أبحاث علمية، فلم أجد أيّ بحث مفصّل ومؤصّل يتناولها بالبحث العلمي الدّقيق، ولم أعثر إلاّ على فتاوى لبعض الفضلاء، منشورة على الشبكة العالمية (الإنترنت)، سأذكرها أثناء البحث.

 

فلذا عقدت العزم على دراسة هذه المسألة، لأخلص من خلال البحث المستفيض إلى الحكم الذي تشهد له الأدلّة، وكان ثمرة محاولتي هذا البحثَ الذي بين أيدينا، وقد حاولت من خلاله دراسة المسألة من جوانبها المختلفة، منطلقاً من بيان طبيعة البرمجة الإلكترونية التي يتمّ إدخال المعلومات المختلفة - من القرآن الكريم وغيره – في هذه الأجهزة بواسطتها. ثم بيان حقيقة ما يظهر من الكتابة في هذه الأجهزة، هل هي في حكم الكتابة الحقيقية، أو أنها لا تُعَدُّ كتابة. ثم أعقبت ذلك ببيان الأحكام الشرعية لكل جزئية من جزئيات هذه المسألة، مستهدياً باجتهادات أئمّة العلم السابقين، ومخرّجاً على أصول وقواعد المذاهب الأربعة. والله تعالى هو المسؤول أن يوفّقنا للصّواب وأن يهدينا سبيل الرّشاد.

 

وقد انطلقت في البحث ممّا اتّفق عليه جماهير العلماء،من المذاهب الأربعة وغيرهم، من عدم جواز مسّ المصحف إلاّ على وضوء وطهارة كاملة(1)، وتجاوزت قول داود الظاهري الذي يرى جواز مسّ المصحف وحمله بغير وضوء، فقد فسّر قوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] بأن المقصود به اللّوح المحفوظ(2). وهو رأي غير قوي؛ ذلك أن القرآن اسم مشترك، فهو يطلق على ما هو مثبت في اللّوح المحفوظ، كما يطلق على ما هو موجود ومكتوب في المصاحف التي بين أيدينا. ووجب بناءً على قواعد أصول الفقه أن يصرف اللّفظ إلى أقرب المذكورَين إلى القرآن. ولمّا ذكرت الآية التي تلي هذه الآية عن هذا القرآن {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: ٨٠] فوصفته بأنه قرآن منزل، علم أنه ليس المراد به هنا ما في اللّوح المحفوظ؛ لأن الذي في اللّوح ليس منزلاً إلينا، ولكن المنزل إنما هو هذا الذي بين أيدينا فصُرِف النهي عن المسّ إليه(3)، قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: « قوله تعالى: (تنزيلٌ) ظاهر في إرادة المصحف فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح»(4).

 

ثمّ إن السنّة المطهّرة قد وردت بالمنع من مسِّ القرآن على غير طهارة، وذلك فيما روي عن ابن عمر وأخرجه الطبراني و البيهقي، وعن حكيم بن حزام أخرجه الحاكم والطبراني و الدارقطني، وعن عثمان بن أبي العاص أخرجه الطبراني، وعن ثوبان رفعه في قوله عليه الصلاة والسلام:) لا يمس القرآن إلا طاهر)(5). قال الهيثمي في مجمع الزوائد عن حديث ابن عمر: «رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجاله موثقون»(6). وهو قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة(7).

 

وقد جاءت هذه الدِّراسة في مبحثين اثنين:

المبحث الأول: في بيان طبيعة تخزين القرآن في الأجهزة الإلكترونية.
المبحث الثاني: بيان حكم مسِّ هذه الأجهزة وحَمْلِها.
فلنشرع الآن في دراسة القسم الأول من البحث وهو.

 

المبحث الأول: في بيان طبيعة تخزين القرآن في الأجهزة الإلكترونية

مقدمة: اشترط العلماء للإفتاء في المسائل التي تَعرض، شرطين اثنين، هما: العلم بالواقعة محلِّ الفتوى، والعلم بأحكام الشريعة. يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: «فها هنا نوعان من الفقه لابد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع»(8). ومن القول المشهور عند أهل العلم، أن (الحكم على الشيء فرع عن تصوُّره).

 

ولذا فقد كان لا بدّ لنا قبل البحث عن حكم مسألتنا في الشرع، من الإحاطة بحقيقتها؛ حتى نكون دقيقين في تنزيل الحكم الشرعي عليها. ومن أجل هذا، فقد كان لا بدّ لنا قبل كلّ شيء من معرفة أمرين اثنين:

أولهما: حقيقة تخزين المعلومات في الأجهزة الإلكترونية.
ثانيهما: طبيعة الكتابة التي تظهر في هذه الأجهزة.

 

وسأبيّن ذلك في مطلبين اثنين.

المطلب الأول: بيان حقيقة تخزين المعلومات في الأجهزة الإلكترونية

لا فرق بين أن يكون ما يجري تخزينه في هذه الأجهزة هو القرآن الكريم أو غيره؛ لأن حقيقة التخزين واحدة. على أن لمعرفة طبيعة التخزين وماهيّته أهميةً بالغةً حين يكون المخزّن قرآناً؛ لأن له أثراً كبيراً في الكشف عن الأحكام الشرعية التي تتعلّق بمسألتنا.

 

ومن أجل تحصيل هذه المعرفة لا بدَّ من معرفة الآلية التي يتمّ بها تخزين المصحف.

 

وقد رجعنا - من أجل الوقوف على حقيقة هذا الأمر - إلى أهل الاختصاص، وهم العاملون في حقل البرمجة الإلكترونية، وسألناهم عن ماهية البرمجة، فكان حصيلة ما أخذناه عنهم هو: أن إدخال أيّ معلومة إلى أيّ جهاز من هذه الأجهزة، إنما يتمّ عن طريق البرمجة الإلكترونية، وهذه البرمجة تتمّ بواسطة ما يسمّى ﺑ (لغات البرمجة). التي يعرفها أصحاب هذا الشأن، أي المتخصِّصون في مجال علوم الكمبيوتر والبرمجة الإلكترونية خصوصاً.

 

ولسنا معنيِّين هنا بالإحاطة بأنواع هذه البرمجة ومعرفة دقائق وتفصيلات كلّ لغة منها، ولكن الذي يهمُّنا معرفته هنا، هو المقدار الذي يمكِّننا من معرفة الحيثيات التي لها أثر في الأحكام الفقهية المتعلِّقة بهذه المسألة؛ ذلك أن الحديث عن الحكم الفقهي لواقعةٍ ما، لابدَّ أن يسبقه معرفة دقيقة ودراية وافية بالواقعة محلِّ البحث والدِّراسة، كما ذكرنا قبل لحظات.

 

والذي يجب أن نعلمه هو، أن هناك خانات ضمن هذه الأجهزة تؤلِّف بمجموعها ذاكرة الجهاز. وحين نقوم بإدخال الآيات الكريمة إلى جهاز من هذه الأجهزة؛ فإنها تُرسَل على شكل إشارات كهربائية أو ذبذبات إلى خانات الذّاكرة لتستقرّ فيها.

 

ويتلقّى الجهاز هذه المعلومات المدخلة أول ما يتلقّاها على شكل إشارات ساذجة، لا يتميّز بعضها عن بعض، ولا يتبيَّن الإنسان أي معنى لها، ذلك لأنها في هذه المرحلة لا معنى لها أصلاً، إذ إن هذه الإشارات الكهربائية لا تحمل أيّ دلالة مفهومة مطلقاً. وحتى الجهاز ذاته لا يستطيع قراءتها في هذه المرحلة. لأن هذه الإشارات تكون عبارة عن أشياء قابلة لأن تتحوَّل إلى شيء مكتوب ومقروء. و يتمُّ هذا التحويل بعد أن يقوم الجهاز بفك هذه الرموز، ومعرفة هذه الإشارات وترجمتها، وذلك من خلال قيامه بعمليات دقيقة جدّاً، تمرُّ عبرها المُدْخَلات بمراحل معقّدة، حتى تصل في آخر المطاف إلى أعلى طبقات الجهاز- وهي التي تظهر من خلال الشاشة- وقد زال عنها كلّ إبهامٍ، ووصلت إلى أعلى درجات الوضوح والجلاء.

 

وهذه العمليات، وإن كان المستخدم للجهاز لا يشعر بها، بسبب السرعة الخارقة التي تُنجز بها؛ إلاّ أنها حقيقةٌ واقعةٌ يعرفها أهل الاختصاص. وهي في الحقيقة محاكاة و تقليد للعمليات الفيزيائية والذهنية المعقّدة التي تجري داخل كيان الإنسان، حين تنتقل المعلومات الخارجية من طريق الحواس إلى دماغه، فإن الإنسان لا يشعر بالمراحل الكثيرة والمعقّدة التي تنتقل فيها هذه المعلومات داخل جسمه، لتستقرّ أخيراً في دماغه فكرةً واضحة ومفهومة.

 

ومن الأهميّة بمكان أن نعلم أن كلّ ما يتعامل به الجهاز من الرموز والإشارات رمزان اثنان فقط، هما الرقم واحد (1) والرقم صفر(0) وكل معلومة تدخل إليه فإنه يتلقّاها في صورة (1) أو (0). ثمّ هو يعبّر عن كلّ حرف من الحروف ويميِّزه بعدد هذه الواحدات و الأصفار، وبتغيير ترتيبها، فمثلاً (101) يكون تعبيراً عن حرف معيّن، و(001) يعبّر عن آخر،و(110) عن آخر، وذلك أن الرقم(1) عبارة عن خلية مضاءة، والرقم(0) خلية غير مضاءة، وتتجاور هذه الخلايا المضاءة والمظلمة وتتوضّع بإزاء بعضها على سطح شاشة الجهاز، بحيث تؤلف هيئةَ الحرف الذي يظهر على الشاشة وصورتَه. وهكذا يستطيع المعالج ترجمة هذه الإشارات الخاصّة إلى لغتنا المقروءة.

 

ولكن أشكال هذه الرموز المودعة في ذاكرة الجهاز لا تكون مرئية للإنسان، فلا يمكنه أن يقرأها - قبل المعالجة - بشكل من الأشكال، ومن ثمّ فليس لها أية قيمة بيانية بالنسبة له في ذلك الوضع، حتى إذا تمّ تشغيل الجهاز قام المعالج الذي في ضمن الجهاز بمعالجتها، ودفع بها إلى شاشة الجهاز حروفاً وكلمات مقروءة ومفهومة، أمكن الإنسان معرفتها وقراءتها.

 

وغرضنا من هذا البيان الذي سقناه عن طبيعة البرمجة، هو أن نعلم أن المعلومة المدخلة في الجهاز تكون في حالة سبات تام و إبهام مطلق، بحيث يتعذّر قراءتها وهي في حالتها تلك، فلا أحدَ من البشر يستطيع أن يتبيّن ما في خانات الذاكرة. وحين يقوم أحدنا بتشغيل الجهاز ويقوم باستدعاء المعلومات، وتمرُّ هذه المعلومات بمراحل متعدِّدة ومعقّدة يعرفها أهل هذا الفن، يتمكّن الجهاز من إزالة الإبهام الذي فيها، ويقوم بترجمتها وإظهارها للإنسان في صورة كتابة مرقومة، فيصبح هو أيضاً قادراً على قراءتها.

 

نستنتج من هذا أن الآيات القرآنية الكريمة المودعة في ذاكرة الجهاز لا تُعَدُّ كتابة في حالة كون الجهاز متوقِّفاً عن العمل، أو في حالة كونه منشغلاً بمعالجة برامج أخرى غير برنامج القرآن الكريم.

 

وأحسب أنه قد تحقّق لدينا بهذا البيان قدرٌ كافٍ من الدراية والمعرفة بواقع الشِّقّ الأول من مسألتنا التي نحن بصدد بيان حكمها الفقهي.

 

أمّا الشِّقُّ الثاني من صورة المسألة، فيتعلّق ببيان حصيلة هذه المراحل التي تتدرّج فيها تلك الإشاراتُ الكهربائية، التي تنتقل من حجيرات الذّاكرة ضمن الجهاز إلى الطبقات العليا، وتترقّى بواسطتها في مدارج الظهور حتى تنتهي في آخر المطاف إلى أكمل حالة من الوضوح والجلاء، وتبدو لنا على شاشة الجهاز في صورة كتابة مقروءة في غاية الأناقة. فما حقيقة هذه الكتابة؟ وما الآلية التي تتمّ بها؟ هذا ما سنبيِّنه الآن في هذا المطلب الثاني.

 

المطلب الثاني: بيان حقيقـة الكتابة التي تظهر على شاشات الأجهزة الإلكترونية

يقرِّر أهل الدِّراية والخبرة، أن عملية إظهار الرموز المخزّنة في هذه الأجهزة على شاشاتها في صورة كتابة واضحة و مقروءة، تتمّ بالصورة الآتية:

الشاشة مليئة بالخلايا الصغيرة جدّاً و المرصوصة بشكل كبير، وهذه الخلايا في حقيقتها عبارة عن سيّالة زجاجية. وحين تُستدعى الآيات الكريمة من مواضع تخزينها؛ فإنّها تتوارد في شكل إشارات ضوئية مختلفة في درجة قوّتها- بعد أن تمرّ بمراحل المعالجة - وحين تصطدم بالسّيّالة الزجاجية و تخترقها، فإن كلَّ ذرّة أو خليّة من خلايا هذه السيّالة تتلوّن بحسب الإشارة الكهربائية التي تتوجّه إليها، فتأخذ هذه الخلايا شكل الحروف العربية، ويتشكّل منها كتابة عربية. وليست هذه الكتابة كالحبر الذي يكتب به على الورقة، فيُظهِر عليها كتابة مغايرة في لونها للون الورقة، وإنما هي خلايا السّيالة الزجاجية تلوّنت مادّتُها نفسُها؛ كجدارٍ كُتِب فيه كتابةٌ لا بالحبر، ولكن بلبِنات مغايرة في لون مادّتها للون مادّة سائر لبنات الجدار.هذا ما فهمناه من أهل الاختصاص.

 

وببيان هاتين النقطتين، أحسب أننا قد أعطينا صورة واضحة عن طبيعة التخزين، وأنه قد تحقّقت لنا المعرفة بواقع المسألة محلِّ بحثنا.

 

ولعلّنا تنبّهنا ممّا سبق أن هناك فارقاً بين كون القرآن في طور التخزين قارّاً في حجيرات الجهاز، وبين كونه معروضاً على شاشته، ينظر فيه القارئ فيرى قرآناً كتب بالرّسم العثماني ويقرؤه، وربّما كان لهذا الاختلاف بين واقع هاتين الحالتين وطبيعة كلٍّ منهما، أثر في اختلاف الحكم الفقهي بين كلتا الحالتين. أي أنه ربما اختلف الحكم بين تينك الحالتين من حيث مَسُّ الجهاز وحمله، وما يشترط لذلك من الطهارة من الحدث. فلننتقل إلى دراسة هاتين المسألتين، ولنبيِّن حكم كلٍّ منهما. وهذا هو صلب موضوع بحثنا، وهو المبحث الثاني.

 

المبحث الثاني: حكم مسِّ الأجهزة الإلكترونية التي يخزّن فيها القرآن، وحملِها

ذكرنا قبل لحظات أن هناك فرقاً بين كون القرآن مخزّناً في الجهاز،غير معروض على شاشته، وبين كونه معروضاً يقرؤه القارئ. وسنبحث الآن حكم مسِّ هذه الأجهزة وحَمْلها في كلا هاتين الحالتين. وإذ قد دخلنا في الحديث عن النظر الفقهي في هذه المسألة، فلنبدأ أولاً بعرض الفتاوى التي تناولتها، ثم ستأتي مناقشة كلّ واحدة منها في ثنايا البحث.

 

ولقد كانت هذه الفتاوى متباينة في أحكامها، وافترق أصحابها إلى ثلاث فرق، وهذه آراؤهم كما نشـروها على الشـبكة العالمية (الإنترنت):

الفريق الأوّل: يرى أن هذه الأجهزة التي يسجّل فيها القرآن ليس لها حكم المصحف. فيجيزون مسّها وحملها، ولو من غير طهارة، ولم يفرِّقوا بين حالة كون القرآن مخزّناً في الجهاز غير معروض على شاشته، وبين حال القراءة منه، بعرض الآيات القرآنية الكريمة على الشاشة. وقد استدلُّوا لرأيهم هذا بعدّة أدلة، منها:

أوّلاً: أن حروف القرآن، وجودُها في هذه الأجهزة يختلف عن وجودها في المصحف، فهي لا توجد بصفتها المقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات، تتكوّن منها الحروف بصورتها عند طلبها، فتظهر في الشاشة وتزول بالانتقال إلى غيرها. فهي ذبذبات تعرض وتزول وليست حروفاً ثابتة.

 

ثانياً: أن الجوّال أو المحمول، وغيره من الأجهزة، لا يُسمّى مصحفاً حين يخزّن فيه القرآن، ولا حين تُعرض الآيات المخزّنة فيه على شاشته، بل يبقى اسمه الجوّال، أو الكمبيوتر. فإذا بعت الجهاز تقول: بِعت الجوال، ولا تقول: بعت المصحف، كما أنك إذا اشتريت الجهاز المخزّن فيه القرآن، لا تقول: اشتريت مصحفاً، بل تقول: اشتريت جوّالاً(9). أي أنه لا يُسمّى مصحفاً عُرْفاً، ولا هو في واقعه وحقيقته مصحف.

 

الفريق الثاني: قال هؤلاء: «إن الجوال لا يعامل معاملة المصحف؛ لأن هذه المعلومات التي فيه معلومات تتحلّل بواسطة البرنامج، بمعنى أنه إذا أُقفل البرنامج لا يكون هناك شيء محفوظ خطّاً، بحيث يكون كالمصحف، فلا يتحرّج الإنسان من دخول دورات المياه به، وكذلك أيضاً لمسه، فالجوال يشمل عدّة أشياء، وهناك حوائل بين الإنسان وبين القرآن الذي فيه، ولكن احرص ألاّ تمسّ بإصبعك الشاشة التي تظهر عليها الآيات، أمّا إذا أمسكت بجوانب الجوال؛ فلا بأس بذلك إن شاء الله»(10).

 

الفريق الثالث: يرى عدم جواز مسِّه ولا حمله، في حال القراءة منه، وأجاز حمله في حال التخزين، بغير طهارة،وقال: «إذا كان مغلقاً فلا بأس بلمسه من غير وضوء، مثله مثل المصحف في غلاف مفصول عنه غير ملتصق به»(11).

 

وهذه الأقوال – كما ذكرت – مأخوذة من فتاوى أصدرها أصحابها، ولم ترِد ضمن أبحاث مصوغة وفق أصول كتابة البحث العلمي، و لذا فقد خلت أو كادت تخلو من التفصيل والتأصيل الكافي، وبيان الأدلّة التي استندت إليها،كما أنها لم تناقش وجهات النظر المخالفة.

 

وزيادة على هذا، فإن أصحاب هذه الفتاوى لم يُفَرِّقوا في فتاواهم بين جهاز القرآن، الذي أنشئ لغرض خدمة القرآن الكريم خاصّة، دون أن يؤدّي أية مهمّة أخرى، وبين الأجهزة التي تؤدي وظائف كثيرة من بينها خدمة القرآن الكريم، والسبب في عدم تطرّقها للتفاصيل أنها كانت إجابات عن أسئلة وردت بخصوص حكم مسّ الهاتف النقال وحمله عند قراءة القرآن منه، فكانت الفتاوى على قدر الأسئلة.

 

وسنقوم الآن - بمشيئة الله تعالى- بدراسةٍ مفصَّلة لهذه المسألة، وسنعرض لمناقشة الآراء التي وردت ضمن هذه الفتاوى التي نقلناها.

 

ولما لم يكن لنوع الجهاز أثر في حكم مسِّ الجهاز وحمله- في حالة كون القرآن مخزّناً فيه غير معروض على شاشته- فقد سقت الحديث عن حكم هذه الأجهزة كلِّها في مساق واحد، دون أن أُفرد كل نوعٍ منها ببيان الحكم المتعلِّق به خاصّة؛ لأن الفصل بينها في البيان، مع عدم وجود فرق بينها في الحكم الفقهي، تكرار لا معنى له.

 

أمّا في حال العرض فإن لنوع الجهاز أثراً بيِّناً في الحكم، ولذا فقد فرّقت بين كون الجهاز الذي يقرأ منه القرآن جهاز قرآن، وبين كونه جهازاً آخر غير خاصٍّ بخدمة القرآن وحده، فبحثت كلّ حالة على حدة في مطلب خاصّ، ثمّ قسّمت المطلب الثاني إلى مسألتين اثنتين.

 

المطلب الأول: حكم مسِّ القرآن وحمله في حال كونه مخزَّناً في الجهاز

علمنا ممّا سبق أن ما يتمُّ تخزينه في الأجهزة الإلكترونية المختلفة ليس كتابة حقيقية، ولكنه عبارة عن شيفرات كهربائية قابلة لأن تتحوّل إلى شيء مكتوب بعد المعالجة، أما قبل المعالجة فلا سبيل للإنسان بحال إلى معرفة القابليّات المنطوية فيها، ولا يمكنه بحال أن يعرف شيئاً عنها، بل إنه إذا حاول أن يتلمّس مواضع وجود هذه الرموز و الشيفرات، فإنها سرعان ما ستتلاشى قبل أن يقع بصره على مواطنها، بل إنه سيترتّب على أيّة محاولة من هذا القبيل فساد البرنامج كلّه، وربما فساد نظام الجهاز بأكمله. إذن فهذه إشارات مبهمة بالنسبة لسائر البشر، والجهاز وحده هو الذي يستطيع أن يتعامل معها و يعالجها، حتى يتحقَّق إخراجها من حيِّز الإبهام المطلق إلى صعيد الجلاء والوضوح، ويترجمها إلى حروف وكلمات مكتوبة ومقروءة، فيستطيع القارئ أن يقرأها.

 

ومن هنا- وممّا سبق أن ذكرناه آنفاً أيضاً- نعلم أن ما هو مستقرّ في خانات ذاكرة الجهاز ليس كتابة، وليس له حكم المصحف؛ فلا يشترط الوضوء لمسِّ هذه الأجهزة ولا لحملها، حال كون برنامج القرآن فيها غير مفعّل، أو حال كونه في طور السكون وعدم التشغيل، بل لا يشترط لذلك حتى الطهارة من الحدث الأكبر؛ فلا حرج على الجنب ولا على الحائض أيضاً في مسّ الجهاز وحمله.

 

وبناء على هذا، فإني أرى أن تخريج هذه الصورة على صورة كون المصحف ضمن غلاف مفصول عنه غير ملتصق به – كما ذكرتها الفتوى الثالثة، وهي فتوى الأستاذ الدكتور أحمد الحجّي الكردي(12)- غير دقيق؛ لأنه ليس للإشارات التي ضمن ذاكرة الجهاز حكم المصحف، فهي ليست كتابةً أصلاً، فلا هي حروف عربية ولا حتى أعجمية حتى نسمّيها كتابة، ولعلّ أشبه شيء بعملية عرض الكتابة على الشاشة ومحوها منها وتغييرها، اللّوحاتُ الخلفية التي تُشكَّل في بعض المهرجانات في الملاعب، إذ يتجمّع الآلاف من الناس في مكان محدّد، وتُوَزَّع عليهم أعلام مختلفة الألوان، كل مجموعة منها من لون معيّن، ولكلّ لون منها رقم خاصٌّ، ويتمّ توزيع حملة الأعلام على أماكنهم بطريقة مدروسة، ووفق ترتيب معيّن، بحيث تؤلَّف أعلامهم إذا أبرزت عباراتٍ معيّنة، فيأتي الإيعاز إلى فريق من هؤلاء برفع العلم ذي الرقم (كذا)، فيرفع كل واحد من حملة العلَم ذي الرقم المذكور العلم الذي بيده، فإذا شعار معيّن أو عبارة قد تألَّفت من مجموع هذه الأعلام المرفوعة والمرصوفة بترتيب معيّن، ثم يأتي إيعاز جديد إلى فريق آخر برفع الأعلام التي تحمل رقماً آخر، فيضع الفريق الأول الأعلام التي بأيديهم ويعيدونها إلى أماكنها، ويرفع الفريق الثاني الأعلام الأخرى إلى الأعلى؛ فتتألف عبارة أخرى، وهكذا. إن هؤلاء الذين يحملون الأعلام إذا أنزلوا أيديهم فإنه لا يبقى هناك كتابة، لأن الحروف والكلمات التي كانت تتألف من رصف هذه الأعلام وترتيبها بطريقة معيَّنة، انفرط نظامها مع نزول الأيدي التي كانت تحملها وتُظهرها للناس، ولم يعد بين آحادها ذلك الارتباط الذي يتألف من مجموعها كلمات وعبارات.

 

هذه هي صورة الكتابات التي تظهر في شاشة الهاتف المحمول وغيره، فهي عبارة عن إشارات ضوئية، تصدرها مصابيح في غاية الدِّقَّة تتّجه بضوئها إلى سطح الشاشة بهيئة وترتيب معيّن، فتتألف كتابة معيّنة، حتى إذا أُريد إزالةُ هذه الكتابة من الشاشة أو مسحُها أُطفِئتْ هذه المصابيح، فلم تَعُدْ هناك كتابة ولا حروف، ولكن هذه المصابيح تبقى طَوع الخدمة سهلة الانقياد لتلبية ما يُطلَب منها وَفق البرمجة التي صيغت بها، تماماً كحملة الأعلام الذين ينتظرون الإيعازات، ويبادرون إلى تلبيتها فورَ صدورها. إذن فهذه الكتابات حين تختفي من وجه الجهاز فإنها تتلاشى، وتصبح في حكم العدم، ومن ثمّ فهي لا تكون قرآناً في هذه الحالة، ولا يُعطى الجهاز الذي يختزنها حكم المصحف. هذا والله تعالى أعلم.

 

وإذا تبيّنّا هذا، علمنا أن تخريج هذه المسألة على صورة حمل المصحف في صندوق مع غيره من الأمتعة- وهو ما ذكرته الفتوى الثالثة، إذا كان مقصودها حالة التخزين- أيضاً غير وارد؛ لأنه ليس للمصحف وجود حقيقي في ذاكرة الجهاز، بل ليس فيها كتابة مطلقاً حال كون الجهاز في طور السكون.

 

على أنه حين تخرج هذه الرموز من حجيراتها، لتتجلّى على وجه الجهاز، و تظهر على شاشته في صورة قرآن عربي يتلى، وعلى الكتبة الأولى التي كتبها بها الصّحابة رضي الله عنهم- في هذه الحالة، يحتاج الأمر إلى مزيد من البحث والدِّراسة والتدقيق في النظر. وهو ما سنحاوله الآن، سائلين الله تعالى التوفيق والسّداد.

 

المطلب الثاني: حكم مسّ الجهاز وحمله حين قراءة القرآن منه حين يتوجّه أحدنا إلى قراءة القرآن من خلال الجهاز، يقوم باستدعاء الآيات المخزّنة فيه، وسرعان ما تتوارد الآيات الكريمة إلى سطح الشاشة ظاهرة واضحة. و قد بيَّنّا أن هذه الكتابة التي تظهر لنا هي عبارة عن إشارات ضوئية، تتوارد إلى شاشة الجهاز، فتتلوّن منها خلايا السيّالة الزجاجية التي تنبسط متراصّة على سطح الشاشة، فتتبدّى لنا في صورة حروف وكلمات، وتتّخذ شكل الآيات القرآنية.

 

والسؤال الذي يَرِد هنا هو: هل هذا الذي يظهر لنا من خلال الشاشة كتابةٌ حقيقية، فتثبت للجهاز كل أحكام المصحف، أو أنه ليس بكتابة حقيقية، وإنما سمّي كتابة على سبيل المجاز تشبيهاً له بالكتابة الحقيقية؛ لكونه لا يختلف عنها في رَأْي العين؟

 

لقد رأينا أن من الناس من جنح إلى الرأي الثاني، ولم يَعُدُّوها كتابة حقيقية، ومن ثمّ فلم يجعلوا للجهاز الذي يحويها حكم المصحف، ولم يشترطوا لمسِّه وحمله أيّاً من الشروط المقرَّرة لمسِّ القرآن وحمله.

 

وقد سبق أن ذكرت ما استدلُّوا به، وأعيد عرضه الآن لمناقشته.

 

دليل الذين لا يعدُّون الكتابة التي تظهر في الأجهزة الإلكترونية كتابة حقيقية: قال هؤلاء: إن حروف القرآن وجودُها في هذه الأجهزة يختلف عن وجودها في المصحف، فهي لا توجد بصفتها المقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات، تتكوّن منها الحروف بصورتها عند طلبها، فتظهر في الشاشة وتزول بالانتقال إلى غيرها. فهي ذبذبات تُعْرَض وتزول وليست حروفاً ثابتة.

 

المناقشة: قولهم: «إن ما يظهر على الشاشة لا يكون على صفة الكتابة المقروءة، ولكنه عبارة عن ذبذبات تعرض وتزول». يعوزه شيء من الدِّقّة؛ فإن كون المدخل إلى الجهاز مجرّد ذبذبات كهربائية، إنما هو حين يكون في مراحله الأولى، قبل أن يفرغ الجهاز من معالجته وترجمته ودفعه إلى سطح الشاشة، ولا خلاف في أنه لا يُعطى حكم المصحف في تلك الحالة، أما إذا ظهر في شاشة الجهاز فإنه لا يكون حينئذٍ ذبذبات مجرّدة، ولكنه يتوجّه إليها حزَماً ضوئية، فتلوِّن هذه الحزم ما تصطدم به من خلايا الشاشة، بلون مغاير للون سائر خلاياها الأخرى التي تملأ سطح الشاشة، لتخطّ بذلك كتابة حقيقية بحسب الصُّورة. فالكتابة بحسب الصورة متحقِّقة، لا خلاف في ذلك. ولكن هل تُعَدُّ كتابة حقيقة؟

 

إن هؤلاء الذين لم يَعُدّوها كذلك، كان من حججهم أنها ليست على صفة الكتابة المقروءة، أي أنها ليست كالكتابة المعروفة والمألوفة لدينا، وهي التي تكون بالقلم وتثبت على الورق. و ها هنا أسئلة لابدّ من الإجابة عنها حتى نعرف صحّة هذا الاستدلال، أو عدم صحّته.

 

السؤال الأول: هل يشترط لاعتبار الكتابة أن تكون على صفة الكتابة المعروفة والمألوفة لدينا، وهي التي تُخطُّ بالقلم على الورق، أو أنه لا يشترط لاعتبارها هذا الشرط؟

 

السؤال الثاني: هل من شرط الكتابة أن تبقى ثابتة، وألاّ تزول، أو أنه لا أثر لثباتها وزوالها في عدِّها كتابة؟

 

ونقول في الإجابة عن السؤال الأول:
أ - إن الكتابة التي تظهر من خلال شاشات الأجهزة كتابة حقيقية، وإن بدا بينها وبين الكتابة المعروفة، وهي الكتابة بالقلم شيء من الاختلاف؛ ذلك أن الكتابة في الحقيقة هي النقوش التي اصطلح فريق من الناس أن يُعَبّروا بها عن بعض الألفاظ والمعاني، فمهما كان النقش يدلّ على معنى يفهمه طائفة أو فريق من الناس؛ فإنها تُسمّى كتابة، وتكون كتابة حقيقية، بغَضَّ النظر عن طبيعة هذا النقش، وبغضِّ النظر كذلك عن الأداة التي كتب بها؛ ما دام أن العرف جرى بقبوله، فهذه الكتابة المنتقَشة في الشاشة عبارة عن ذرّات أو خلايا مادّية مضاءة لها قوام ووجود حقيقي، فهي شيء محسوس مرئي، يفهمه كل من يُحسن قراءة الحروف والكلمات العربية، فهي بلا ريب تكون كتابة حقيقية إذن، وهي كلمات القرآن وآياته حقيقة.

 

ب - يمكن أن يردّ على استدلال المنكرين لكونها كتابة من وجه آخر، هو أن لفظ الكتاب أو الكتابة ليس لفظاً شرعياً ذا دلالة محدَّدة وخاصَّة شرعاً، كما أن الشرع لم يرد باعتبار كتابة بعينها، وما لم يرد تحديدٌ له من الشارع، ولم يكن له معنى محدَّد في اللغة، يُترك أمرُه للعرف، كالقبض في عقد البيع وغيره من العقود، لمّا لم يُعرف له ضابط في الشر ع ترك أمر تحديده للعرف(13)، فأفتى الفقهاء بالقبض الحكمي، كما في حال صرف العملات ونقل الحوالات، حيث لا يتمّ حمل النقود و تصارفها باليد بل عن طريق الكتابة في السجلاّت أو من خلال الأجهزة.

 

وإذا قيل: إن الألفاظ الواردة في نصوص الشرع ينبغي أن تُحمل على ما كانت تُطلق عليه حين ورود النصّ؛ والكتابة التي كانت آنذاك كانت هذه الكتابة، التي هي عبارة عن حروف ثابتة. قلنا: إننا لسنا متعبّدين بأدوات الكتابة،فإن الشرع لم يلزمنا بالكتابة بالقلم فحسب، بل اعتبر الكتابة مطلقاً، بغضِّ النظر عن وسيلتها. والكتابة هي المنقوش بالقلم أو بغيره،ممّا يكتب به الناس في العادة، بشرط أن يكون هذا النقش مقروءاً، وما يظهر من الكتابة على شاشات هذه الأجهزة مقروء، فكان كتابة، وينبغي أن يثبت له حكم الكتابة بالقلم.

 

ج - إن القول بوجوب حمل الألفاظ الواردة في النصوص الشرعية على ما كانت تُطلق عليه في زمان ورود النصّ، معناه أن اللّفظ العام إذا ورد في نصوص الشريعة؛ فإنه يجب أن يخصَّص بالعرف العملي السائد في عصر التشريع. ولكن هذا مخالف لما هو مقرّر في قواعد علم أصول الفقه، من أن العرف العملي السائد حين ورود النصّ، لا يُعَدُّ من المخصِّصات التي يُخصَّص بها النص العام، يقول الغزالي في المستصفى: «لأن الحجّة في لفظه، وهو عام، وألفاظه غير مبنية على عادة الناس في معاملاتهم...وبالجملة فعادة الناس تؤثِّر في تعريف مرادهم من ألفاظهم، حتى إن الجالس على المائدة يطلب الماءَ يُفهم منه العذب البارد، لكن لا تؤثِّر في تغيير خطاب الشارع إياهم»(14). فقوله تعالى: {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [سورة الواقعة: 78-79]، الخبر فيه بمعنى النهي، وهو نهي عام يشمل كلّ ما يكون قرآناً مكتوباً، وقد كانت الكتابة في عرف العرب وعادتهم، عند نزول هذا النصّ وإلى الأمس القريب الكتابة المعروفة، وهي الكتابة بالقلم ونحوه، فهذه العادة لا تخصِّص عموم النهي عن مسِّ كلِّ ما هو قرآن مكتوب، وإذا ظهر اليوم نوع آخر من الكتابة، وهو هذه الكتابة التي تكون في الأجهزة الإلكترونية، فإنها تكون داخلة في دلالة العموم الواردة في النصّ، ومن ثمّ فلا يجوز لنا أن نحصر الكتابة بنوع معيّن، بحجّة أن العرف فيما مضى أو إلى الأمس القريب أو إلى اليوم قد جرى بذلك النوع فقط، بل إن أيَّ نوع آخر من الكتابة إذا ظهر اليوم أو في المستقبل وقبِلَه العرف، وأفاد ما تفيده الكتابة المعروفة المألوفة، فإنه ينبغي أن يُعطى حكم الكتابة بالقلم.

 

على أن تحكيم العرف في هذه المسألة يحتِّم علينا أن نعدّ هذا النوع الجديد من الكتابة كتابة حقيقية، ذلك أن هذا اللّون من الكتابة قد تَفَشَّى اليوم، فصارت المعاملات الكثيرة تتمّ بواسطتها، والأرشفة أو (الحفظ) و التوثيقات كذلك، بل ظهرت المدن الإلكترونية التي استغنت عن الكتابة بالقلم، و استعاضت عن ذلك بالكتابة الموجودة في هذه الأجهزة، فغدا هذا النوع من الكتابة معروفاً وشائعاً، بل حلَّ في كثير من الأوساط محلّ الكتابة بالحبر على الورق، ومن ثمّ فلا وجه لعدم اعتبارها كتابة بحجة أنها لا تُسمّى كتابة عرفاً؛ لأن العرف العالمي اليوم يقبله. وإذا لم يكن ما يجري من الاعتماد العالمي لهذا اللَّون من الكتابة قبولاً عرفياً صريحاً لها، فكيف إذن يكون قبول العرف لشيءٍ ما؟ ولذا فإني لا أرى معنى للتفريق بين الكتابة التي تتمّ بواسطة هذه الأجهزة و الكتابة بالقلم العادي، لأن الحاصل من كليهما شيء واحد، من حيث الغرض المقصود منه، والكتابة لا تطلب لذاتها، ولكنها وسيلة إلى غاية، والغاية هي ما يحصل منها، وهي متحقِّقة في الكتابة الإلكترونية، كتحقُّقها في الكتابة بالحبر على الورق.

 

د - و يمكن أن نقول هنا كلمة أخرى، هي أن مفهوم الكتابة ليس مفهوماً شرعياً تعبُّدياً، حتى نقول إن الكتابة حتى تُقبل؛ لا بدّ من ورود ما يعتبرها من الشارع. كما أنها ليست من قبيل الرّخص، حتى نقف عند حدود ما أقرّه الشرع نصّاً، دون أن نقيس عليه شيئاً آخر، بحجّة أن القياس لا يجري في الرُّخص، ولكن لها معنىً في اللّغة لم يخالفه الشرع. ونحن نظرنا فوجدنا أن معنى الكتابة في أصل اللّغة هو الجمع، ففي اللّسان: «تكتّبوا تجمّعوا، سميت الكَتِيبَةُ لأَنها تَكَتَّبَتْ فاجْتَمَعَتْ، ومنه: قيل كَتَبْتُ الكِتابَ، لأَنه يَجْمَع حَرْفاً إِلى حرف»(15).

 

وكذلك الكتابة في الأجهزة الالكترونية هي عبارة عن حروف مجتمعة، فصدق عليها أنها كتابة؛ لأن المعنى اللُّغوي المشروط متحقِّق في الكتابة التي تتمُّ بواسطة هذه الأجهزة.

 

لا يُشترط لاعتبار الكتابة دوامها:
بقي أن نجيب عن الشِّقِّ الثاني من السؤال، وهو: هل يشترط لاعتبار الكتابة كونها ثابتة لا تزول، أو أن ثبات الكتابة وزوالها لا أثر له في ذلك؟

 

فنقول في الجواب عن استدلال الذين يشترطون لها أن تكون ثابتة: إنه لا يُشترط لصدق اسم الكتابة ثبات المكتوب، بل يشترط له تحقُّق ماهية الكتابة، وهي الحروف التي تجتمع فتشكّل ألفاظاً، ويتألّف منها جمل وتراكيب. وهذا متحقِّق في الكتابة الإلكترونية. وكل ما هنالك، هو أن هذه الكتابة تبقى المدّة التي يشاء لها من طلبها أن تبقى، ثمّ إذا أُريد عرْضُ غيرها اختفت هذه ليظهر غيرها في محلِّها. ولا أرى ضيراً في هذا؛ ذلك أن هذه الكتابة أشبه ما تكون بالكتابة في اللّوح من أجل الدراسة والتعلُّم، فإنه يُكتب فيه بعض الآيات، ثمّ بعد قليل تمحى هذه الآيات ليُكتب في محلِّها آيات أُخرى، و يبقى للّوح صفة القرآنية ولا تزول عنه باتّفاق، ما دام أن هناك آياتٍ قرآنيةً مكتوبةً فيه، ولا يضرّ تعاقب الآيات وحلول بعضها محلّ بعض، مهما كان هذا التعاقب أو التغيّر والتبديل سريعاً.

 

ويمكن أن يُنقض اشتراطهم شرط الدوام لاعتبار الكتابة، بأنه لو كان هناك حبر فريد، من خاصّته أنه بعد أن يكتب به بدقيقة أو دقيقتين يطير في الهواء ويتبخّر، ثم كُتب به آيات من كتاب الله تعالى، فهل هناك مَن يُجيز مسَّ هذه الآيات، ويزعم أن هذه الكتابة ليست كتابة حقيقية ولا معتبرة لفقدانها شرط الثبات والدّوام، وأن من الخطأ أو التجوُّز في العبارة تسميتها كتابة؟!

 

هذا ما نقرِّره بالنسبة لهذه الأجهزة حالة التشغيل؛ فإن لها حكم القرآن ما دام أن الآيات القرآنية ظاهرة على شاشتها، حتى إذا اختفت الآيات منها بالكلية انمحت عنها صفة القرآنية بالكليّة.

 

هذا الذي ظهر لي من أمر الكتابة التي تظهر من خلال الأجهزة الإلكترونية، والله تعالى أعلم.

 

وبناء على هذا، وإذا صحّ هذا التشبيه وهذا القياس والتخريج، فما حكم مسّ وحمل هذه الأجهزة حال كون الآيات القرآنية ظاهرة على شاشاتها ؟

 

أرى أنه ينبغي هنا التفريق بين نمطين من الأجهزة، وذلك لغرض البحث؛ حتى ولو قدّرنا عدم الاختلاف بينها في النتيجة أو الحكم الشرعي. فإن من هذه الأجهزة نوعاً خاصّاً أنشئ لغرض خدمة القرآن الكريم فحسب، ويسمّى هذا النوع من الأجهزة (جهاز القرآن)، ولا يقوم بأي وظيفة أخرى.

 

أمّا معظم الأجهزة الأخرى، فهي إلى جانب كونها تؤدّي نفس وظيفة جهاز القرآن، فإن تلك تُعدُّ واحدة من عمليات كثيرة تقوم بها، وليس الغرض الأول من تلك الأجهزة والوظيفة الأساسية منها قراءة القرآن. بل إن هذه ربّما تعدّ مهمّة ثانوية، إلى جانب وظائفها الأخرى الكثيرة والأساسية، كما هو الحال في الجهاز الهاتفي المحمول، وجهاز الكمبيوتر سواءٌ البيتي منه أو الشخصي.. ولا شكّ أن لهذا أثراً في اختلاف الحكم بين هذه الأجهزة - وإن كان ذلك في بعض الحالات، لا في كلّها - ونحن سنبيّن فيما يلي الحكم الشرعي لكلا هذين النوعين من الأجهزة، على اختلاف الأحوال. والله تعالى المستعان.

 

المسألة الأولى: حكم مسِّ الأجهزة الإلكترونية التي يخزّن فيها القرآن:

الأجهزة التي يخزّن فيها القرآن كثيرة، منها الهاتف المحمول، والكمبيوتر البيتي والكمبيوتر الشّخصي، وأجهزة mp3,4,5 وغيرها. وهذه الأجهزة لها وظائف عديدة، وتقوم بمهامّ كثيرة، من جملتها تخزين القرآن الكريم، وعرضه للقراءة.

 

وفي حال كون القرآن مخزّناً فيها، غير معروض على شاشاتها، لا تُعطى حكم القرآن، للسبب الذي ذكرناه قبل قليل.

 

وأمّا في حال عرض آيات القرآن الكريم من خلال شاشة الجهاز، فإن الأمر يغدو مشكلاً؛ لأن الجهاز في هذه الحالة يؤدي ما تؤدّيه النسخة من القرآن الكريم. ولكن هناك فرقاً بين القرآن المكتوب بين دفّتين أو على لوح أو ورقة، وبين المعروض في هذه الأجهزة. فما كُتِب عليه القرآن في الفئة الأولى له صفة القرآنية فقط، وليس له أي ّ صفة أخرى تُذكر. أما هذه الأجهزة؛ ففي اللّحظة التي يعرض من خلالها القرآن الكريم، فإن صفتها الأصلية تبقى ملازمةً لها. ومعلوم أنها لم تنشأ في الأصل لغرض قراءة القرآن، وإنما أُنشئت لأغراض أخرى، فالهاتف المحمول وظيفته الأساسية هي أنه جهاز اتّصال، والكمبيوتر وظائفه كثيرة معروفة. وسائر الأجهزة الأخرى كذلك. بل حتى في الوقت الذي يتمّ فيه عرض الآيات القرآنية، يبقى الاسم الأصلي للجهاز والصفة الأساسية له هي الغالبة. إذ إن الإنسان إذا رُئِي وهو يقرأ القرآن من شاشة الهاتف المحمول، حال كونه حاملاً له في يده، فلا أحد يقول: إنه يحمل القرآن، لا الذي يراه ولا هو نفسه، وإنما يقال: هو يحمل الهاتف المحمول ويقرأ منه القرآن. وهذا له أثر في تكييف هذه المسألة، فلو أنه كان يقال له في هذه الحالة: إنه يحمل القرآن؛ لما تردَّدنا في إعطاء صفة القرآنية للجهاز، ومن ثمّ لأتبعنا ذلك بإثبات سائر الأحكام الثابتة للمصحف الشريف لمثل هذه الأجهزة، قياساً عليه لتحقّق المناط فيها، ولكن لمّا لم يكن الأمر كذلك، ولمّا بقي الغالب على الجهاز صفته الأصلية، فإن تأصيل المسألة يختلف، وقد يختلف الناس في تخريجها، وبأي أصل يمكن أن تلحق، وعلى أي فرع يمكن أن تُقاس؟ ترى هل تغلّب الصفة الأصلية للجهاز، ولا يكون هناك أثر لوجود القرآن فيه، أو أن صفة القرآنية هي التي تغلّب في هذه الحالة، وتطغى على صفة الجهاز الأصلية؟

 

فلندرس المسألة إذن من هذه الوجهة، ولنرَ أي صفة ينبغي أن تُغلَّب بناء على ما تقرّره كتب الفقه واجتهادات أئمّة العلم.

 

أمّا من يغلِّب الصفة الأصلية للجهاز؛ فيمكن أن يحتجّ بأن وجود القرآن فيه وعرضه بواسطته يُخرّج على حمل صندوق فيه قرآن وأمتعة من كتب وغيرها، وهي أكثر من القرآن، فلا يشترط لحامل هذا الصندوق أن يكون على طهارة، بل يجوز له أن يحمله مُحْدِثاً غير متوضِّئ، كما أنه لا حرج عليه أن يحمله ولو كان جنباً، ولا حرج كذلك على المرأة الحائض ولا النفساء في مسِّه وحمله. وهذا القول مبني على ما يقرِّره المذهبان الحنفي و الحنبلي من جواز حمل المصحف مع غيره من الأمتعة في صندوق واحد دون اشتراط الوضوء لذلك، بل إن السادة الحنفية، وكذلك السادة الحنابلة على الصحيح من مذهبهم(16)، لا ينظرون في هذه الحالة – وهي حالة حمل المصحف في صندوق – إلى كون الغالب قرآناً أو غيره، ولا يشترطون الوضوء لحَمْل القرآن إذا كان في صندوق أو في خريطة أُعِدّت للقرآن خاصّة، وليس معه فيها غيره من الكتب والأمتعة، وحجّتهم في ذلك أن قوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [سورة الواقعة: 79] وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلاّ طاهر) اشترطت الطهارة لمسِّ القرآن، ولم تشترطه لحمله، وهذا الذي يحمل القرآن في صندوق ليس ماسّاً للقرآن، ولكنه حامل له، والآية الكريمة والحديث الشريف بمعزلٍ عن الدّلالة على اشتراط الطهارة لحامله أيضاً؛ لأن الحمل ليس بمسّ، فلم يتناوله النهي(17).

 

كما أنهم يرون أن قياس الحمل على المـسّ قياس فاسد؛ لأن العلّة في الأصل غير متوفرة في الفرع، والحمل لا أثر له فلا يصحّ التعليل به.

 

واستدلّوا على فساد قياس الحمل على المسِّ بوجود الفارق بين مسّ القرآن وبين حمله إذا كان في عِلاقة، فقالوا: إن المصحف لا يتبع العلاقة أو الحائل في البيع، ولا هي تتبعه كذلك في البيع باتّفاق، فإذا بعت الجهاز تقول: بِعت الجوال، ولا تقول: بعت المصحف، كما أنك إذا اشتريت الجهاز المخزّن فيه القرآن، لا تقول: اشتريت مصحفاً، بل تقول: اشتريت جوّالاً(18). أي أنه لا يُسمّى مصحفاً عُرْفاً، ولا هو في واقعه وحقيقته مصحف.
فدلّ هذا على أن العلاقة لا تأخذ حكم المصحف. ومن حملها وفيها المصحف، كان حاملا للعلاقة وماسّاً لها، وليس ماسّاً للمصحف(19).

 

ولكنني أرى أن تشبيه المصحف المخزّن في هذه الأجهزة بالمصحف الذي يكون في علاقة أو صندوق غير دقيق، وأنه يمكن أن يُنقض بمثل اللَّوح الذي يكتب فيه القرآن، فإن اللّوح إذا بيع لا يقال: بعت القرآن ولا الشاري يقول: اشتريت، ولكن يقال: بعت اللّوح، واشتريت اللّوح دون أن يُذكر اسم القرآن، مع أن الحنابلة لا يجيزون مسّ اللّوح الذي كتب فيه القرآن بقصد الدِّراسة، وإنما أجازوه للصِّغار فقط في رواية لأجل المشقّة عليهم(20). وهذا دليل على أن مناط التحريم وجود الآيات الكريمة وعدم وجودها، وليس هو الاسم فحسب. هذا مع أن اللوح يمكن أن يمسح منه الآيات الكريمة، وهذه الأجهزة الإلكترونية مثل هذه الألواح تُكتب فيها الآيات القرآنية وتُمحى، فكان حملها على اللَّوح أسدّ وأصوب، والله تعالى أعلم.

 

وإذا كان جائزاً في اجتهاد الحنفية والحنابلة حمل المصحف في صندوق خاصٍّ به بغير وضوء؛ فإنه ينبغي – والله أعلم - ألاّ يجوز مسّ الشاشة أثناء ظهور الآيات القرآنية- حتى لو سلَّمنا صحة قياسها على حمل المصحف في صندوق- لأنه لا يجوز عندهم – حتى في هذه الحالة – مسّ الكتابة القرآنية، وهذا ما قرّرته الفتوى الثانية(21).

 

وأما الشافعية فقد يصحّ عندهم قياس هذه الحالة على حالة حمل المصحف مع أمتعة أخرى، ولكن ليس بإطلاق، بل بإضافة قيدٍ إلى هذا القياس، وهو أن يكون المقصود بالحمل بالدّرجة الأولى هو المصحف وليس الأمتعة، ولهذا القيد أثرٌ مهمّ في تقرير حكم المسألة في اجتهادهم. وإنما أضفنا هذا القيد، لأن الإلحاق بدونه غير سديد، فلو أن من يحمل الجهاز في حال كون القرآن معروضاً على شاشته كان يحمله في جيبه، أو في الجيب المعدِّ لجهاز الهاتف؛ لصحّ أن يقال: إنه يحمل المصحف مع الأمتعة، لكونه يحمل علبة الجهاز التي تحوي القرآن والهاتف وغير ذلك، ولكن حمله للجهاز بيده يدلّ على أن مقصوده الأول من حمل الجهاز، إنما هو قراءة القرآن المخزّن بداخله، لأن الجهاز - في غير لحظة الاستعمال، أو في غير لحظة القصد إلى قراءة القرآن - لا يحمل في اليد عادة، وإنما يكون في مكانه المخصّص له من جيب ونحوه، و حين يحمله أحدنا في يده ليقرأ منه القرآن؛ فإنما يفعل ذلك من أجل قراءة القرآن فحسب، وليس لشيء آخر، فلذا ينبغي أن يُنظر إليه حين استعماله بحسب ما يستعمل من أجله، وأن تغلّب عليه صفة ذلك الوجه من الاستعمال. فإذا استعمل من أجل قراءة القرآن عُدَّ بمنزلة القرآن؛ وإن كانت وجوه الاستعمال الأخرى لم تُلْغَ منه بالكليّة، بل كانت منطوية فيه، وبقيتْ قابليّات قارّة في ذاكرته، قريبة التناول، وبخاصّة صفة الهاتفية؛ لأنه يمكن في أيّ لحظة أن ينقلب إلى هاتف، وذلك حين يتّصل أحد برقم الجهاز.

 

على أنه ينبغي ألاّ تقطع القراءة في أثناء تلاوة الآية، إذا حدث أن اتّصل أحد، بل ينتظر إلى أن يفرغ من تلاوتها. وهذا من أجل حرمة كلام رب العالمين، فالقرآنية في هذه الحالة منظور إليها بالدرجة الأولى. من أجل هذا الذي ذكرت، أرى أن الصحيح في تصوير هذه المسألة على مذهب الشافعية- إذا صحّ تخريجها على حمل المصحف مع الأمتعة في صندوق- هو أن تُخرَّج على صورة حمل المصحف مع الأمتعة والمصحف هو المقصود بالحمل أولاً.

 

والذي يُفهم من أقوال فقهائهم، هو أن الجهاز له في هذه الحالة أيضاً حكم القرآن. فقد قرّر ابن حجر الهيتمي منهم في "تحفته"، أنه يَحْرم حمل القرآن في ثلاث حالات، وهي إذا ما قصد حمل المصحف وحده، أو كان القرآن مقصوداً بالحمل؛ ولكن قصد مع حمله حمل غيره أيضاً من كتاب أو متاع، أو أنه أطلق النية ولم يقصد حمل غير القرآن، و ذهب آخرون من فقهائهم إلى أنه لا يحرم حمل القرآن مع الأمتعة إذا كان غير مقصود بالحمل، أما إذا قصد حمله فيحرم سواء قصد حمله وحده أو أشرك، بأن قصد حمل غيره أيضاً معه. وبهذا يكون للهاتف المحمول وغيره حكم المصحف عند جمهور فقهاء الشافعية؛ فيشترط لحمله الطهارة حين قراءة القرآن منه، لأنه مقصود بالحمل وإن كان يقصد أيضاً حمل ما في الجهاز من الميْزات الأخرى(22).

 

نعم رجّح الرملي حرمة ذلك في حالة واحدة فقط، وهي ما إذا كان المقصودُ حَمْلَ المصحف وحده، دون حالة الإشراك معه أو إطلاق النية(23).

 

والحكم عند المالكية في هذه المسألة كالحكم عند الشافعية، ولهم تفصيل الشافعية نفسه فيها. فقد منعوا من حمل القرآن ولو مع الأمتعة إذا كان القرآن مقصوداً وحده أو كان مقصوداً بالحمل مع الأمتعة، وهو المعتمد عندهم. وذهب ابن الحاجب منهم إلى جواز حمل المحدث له إذا كان يقصد حملهما معاً، وإنما منع منه إذا كان القرآن وحده هو المقصود بالحمل(24).

 

وقد منع المالكية و الشافعية من حمل المصحف، و إن كان في عِلاقة أو صندوق مخصّص له أو كان المصحف هو المقصود بالحمل، في حال كون الصندوق ونحوه غير خاصّ به. وذلك لأن حمل المصحف أبلغ في الاستيلاء عليه من المسّ؛ فلمّا حرم الأدنى - الذي هو المسُّ - كان تحريم الأغلظ من الحمل أولى، وردّوا قياس أبي حنيفة رحمه الله حمل المصحف على حمل الطيب للمحرم وأن كليهما جائز، بأن التحريم في الطيب للمحرم مقصور على الاستمتاع به، وليس في حمله استمتاع به، وفي حمله إن كان رطباً استمتاع به فيمنع منه، وليس فيه إن كان يابساً استمتاع به فلم يحرم، وتحريم المصحف لحرمته فاستوى فيه مسّه وحمله(25).

 

على أنه إذا كان تشبيه الجهاز الذي فيه القرآن مع غيره، بالصندوق الذي فيه القرآن وغيره من الأمتعة مقبولاً بالنسبة إلى هذه الأجهزة، ذات المزايا المتعدِّدة، كالهاتف المحمول والكمبيوتر وغيرها؛ فإنه ينبغي أن يكون هذا الحمل غير مقبول باتّفاق بالنسبة لجهاز القرآن، الذي أُنشئ لخدمة القرآن الكريم خاصّة، دون أن يكون معه شيء آخر. فلا يصحّ بحال قياس هذه الأجهزة على الصندوق الحاوي للمصحف وغيره من الأمتعة؛ لأن هذا الجهاز – إن عددناه صندوقاً- فإنه صندوق فيه القرآن وليس معه غيره، ولهذا الكلام تفصيل آن لنا أن نبيِّنه وهو المسألة الثانية.

 

المسألة الثانية: حكم مسّ جهاز القرآن وحمله:

في حال كون المخزّن من القرآن غير معروض على الشاشة؛ لا حرج في مسّه وحمله والدخول به إلى الخلاء أيضاً؛ لأنه ليس له حكم المصحف؛ لأنه – كما سبق أن عرفنا – ليس كتابة أصلاً، والنهي إنما ورد عن مسِّ المكتوب.

 

أما في حال عَرْض الآيات على الشاشة؛ فينبغي أن يعطى الجهاز حكم القرآن؛ ذلك أن الظاهر على شاشته هو الآيات القرآنية مكتوبةً بالرسم العثماني، وقد قصد ببرمجة القرآن وإدخاله في الجهاز قراءةُ القرآن منه، كما أن مَن يستدعي الآيات من مخازنها إنما يطلبها بقصد القرآنية؛ فيكون له حكم القرآن.. فقد قال العلاّمة الرملي الشافعي: «(وَدَنَانِيرَ) أَوْ دَرَاهِمَ كُتِبَ عَلَيْهَا قُرْآنٌ وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَالثَّوْبِ الْمُطَرَّزِ بِآيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحِيطَانِ الْمَنْقُوشَةِ وَالطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِإِثْبَاتِ الْقُرْآنِ فِيهَا قِرَاءَةٌ؛ فَلَا تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْقُرْآنِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ هَدْمُ جِدَارٍ وَأَكْلُ طَعَامٍ نُقِشَ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّعْظِيمِ».(26) فقوله: «لا يُقصد بإثبات القرآن فيها قراءةٌ، فلا تجري عليها أحكام القرآن» يُفهَم منه أن ما كان يُقصد قراءة القرآن منه له حكم القرآن، وقد ذكروا أن ما كتب من الآيات القرآنية – ولو آية واحدة- على ورقة أو على لوحٍ بقصد القرآنية، أي من أجل قراءة القرآن منه، فإنه يُعَدُّ قرآناً، وتقرّر له سائر الأحكام المقرّرة للمصحف(27).

 

وإذ قد تمحّضت وظيفة هذا الجهاز لعرض القرآن خاصّة دون أيّ شيء آخر، وهو يُسمّى عرفاً (جهاز القرآن)؛ فإنه لا يجوز مسّ شاشته حين عرض الآيات فيه، كما لا يجوز حمل الجهاز - ولو من دون مسِّ شاشته - على غير طهارة تامّة؛ لأن لعلبة الجهاز في هذه الحالة حكم جلد المصحف، ولا يجوز مسّ جلد المصحف الملتصق به باتّفاق.

 

وكذلك لا يجوز حمله؛ لأنه ليس لعلبته حكم العِلاقة ولا حكم الصندوق المُعَدِّ للقرآن خاصّة؛ ذلك أن العلاقة والصندوق ينفصلان عن المصحف الذي بداخلهما، أما هنا فلا يمكن الفصل بين القرآن المكتوب ضمن الجهاز وبين علبة الجهاز، وإذا ذهبنا نحاول فَكّ بعضهما عن بعض أفسدنا الكتابة، ولم يبقَ لها وجود، أي أن بقاء الكتابة رهن بوجودها ضمن الجهاز. فعلبة الجهاز للقرآن كلوح الكتابة وكالورقة التي يكتب فيها؛ لكونها لا يتحقّق وجودها إلا على هذه أو أشباهها، ولذا كان حمل الجهاز بمنزلة مسِّ جلد المصحف، وليس كحمل صندوق فيه مصحف.

 

وأما قولنا: إن الصواب أن يقاس جهاز القرآن على اللّوح الذي يكتب فيه القرآن؛ فلأنه لا يظهر القرآن كلُّه دُفعةً واحدة في شاشة الجهاز، بل تظهر بعض الآيات إثر بعض، ويزول بعضها ليحلّ محلَّها غيرُها، كلوح الكتابة، يمحى منه ما كتب ليكتب مكانه غيره.

 

وللّوح في هذه الحالة من الحرمة والحكم ما للمصحف بأكمله، لأن الجزء من المصحف والآيات القليلة منه، له من الحرمة ما للمصحف بأكمله، قال الإمام النووي في المجموع: «ولا فرق بين أن يكون المكتوب قليلاً أو كثيراً فيحرم على الصحيح، قال إمام الحرمين: لو كان على اللوح آية أو بعض آية كتب للدراسة حرم مسه وحمله»(28)، وكذا نقله السرخسي عن أئمة الحنفية(29). هذا والله تعالى أعلم.

 

وها هنا فكرة أخيرة أثيرها في ختام هذا البحث، أبحثها دون استفاضة، و أهيب بالباحثين أن يبحثوها، و هي أنه يلاحظ من بعض الفتاوى التي صدرت بخصوص هذه المسألة، أنها علَّلت عدم إعطاء حكم المصحف للهاتف المحمول وغيره، بأن الكتابة التي تظهر فيها ليست حقيقية، ولم تتطرَّق إلى قضية تخريج حمل هذه الأجهزة التي يُعرض فيها القرآن على حمل الصندوق الذي فيه المصحف وغيره من الأمتعة، وأرى أن لهذا الأمر دلالتين:

الأولى: أن أصحاب هذه الفتوى ربما رأوا أن ما ذكروه من الاستدلال كافٍ لحسم المسألة، والبت بالحكم الشرعي، ولا داعي إلى مزيد من التوسُّع في بيان حكم المسألة، والإكثار من الأدلة.

 

والثانية: أنهم لا يرون صحّة تخريج هذه المسألة على مسألة حمل المصحف مع الأمتعة في صندوق واحد، لاختلافهما في حقيقتهما.

 

وإذ قد فرغنا من مناقشة ما ذكروه، فلندرس الاحتمال الثاني الذي افترضناه. فنقول:

إن الذهاب إلى عدم جواز تخريج هذه المسألة على حمل المصحف مع غيره من الأمتعة في صندوق واحد، قد يكون له وجه مقبول؛ ذلك أن بين المسألتين فرقاً لا يخفى؛ فإن المصحف المحمول في الصندوق مع غيره من المتاع يمكن أن ينفصل عنه، كما أنه يتميّز عن غيره من الأمتعة ضمن الصندوق، ولكن القرآن حين يخزّن في الهاتف المحمول ونحوه من الأجهزة، فإنه من جهة لا يمكن فصله عن الجهاز مع بقاء قرآنيته، بل إنه بمجرد انفصاله عن الجهاز يتلاشى وينعدم، ولا يبقى له وجود، وهذا يدلّ على أن اتّصاله بالجهاز كاتّصال الكتابة بالورقة، لأنه لا انفكاك للكتابة عنها مع بقائها كتابة. ومن جهة أخرى فإن للأمتعة داخل الصندوق قوامها المتميّز والمحسوس، أما هنا في داخل هذه الأجهزة، فلا يظهر للبرامج المخزّنة فيها مع القرآن وجود، ولا يبين لها أثر إلا حين يتمّ تشغيل أو ( تفعيل) البرنامج الخاصّ بها، وكأن لهذه الأجهزة قابليةً كبيرة للتحوُّل بسرعة من وظيفة إلى أخرى، أو من جهاز يؤدّي خدمة معيَّنةً، إلى أداء خدمة أخرى، وكأنه تحوَّل إلى جهاز آخر، فإذا فتح برنامج المحاسبة الذي فيه كان آلة حاسبة، وإذا تم تشغيل برنامج الألعاب انقلب إل جهاز ترفيه، وإذا تمّ تشغيل برنامج القرآن فيه، تحوّل إلى نسخة من القرآن الكريم، وهكذا. وإنما يُعَدُّ من البرامج التي في الجهاز، ما يُستعمل فيه الجهاز في اللّحظة التي يُنظر إليه فيها، لأن سائر البرامج المودعة في ذاكرته شيء لا يكاد يُذكر، لا من حيث وجود قوام لها، ولا من حيث المساحة التي تشغلها، ولا كذلك من حيث تجلّيها والشعور بها، فهي غير محسوسة أو غير متميّزة بالنسبة للإنسان، ولذا فهي في حكم المعدوم في هذه الحالة، وإنما تصبح في حكم الموجود حين ينصرف الجهاز إلى معالجتها وإظهارها للعيان.

 

وإذا كان الأمر على نحو ما ذكرنا، فإن الجهاز إذا استخدم بغرض قراءة القرآن الكريم منه؛ فإنه ينبغي أن يعدَّ كالمصحف تماماً ليس معه غيره، وإن كان هو في الأصل لم ينشأ لغرض خدمة المصحف، فقد ذكر فقهاء الشافعية أن العبرة في اعتبار الآيات القرآنية المكتوبة قرآناً أو غير قرآن، هو قصدُ الكاتب حين كتابتها إذا كان كتبها لنفسه أو تبرّع بها لغيره، أو قصدُ مَن طلب من الكاتب أن يكتب إذا كتب له بأجر، وقالوا: إنه إذا كتب الآيات أولاً بقصد التبرّك ثمّ تحوّل قصده إلى إرادة التعلّم منه والدِّراسة، فإن العبرة بالقصد الطارئ، فيصبح له حكم المصحف بعد أن لم يكن كذلك؛ تغليباً للقصد الطارئ على الأصل، وكذلك ما كتب من القرآن على ورق بقصد التدريس والتعلّم، ثم عدل صاحبه عن قصد التعلّم إلى قصد التبرّك به؛ فإنه لا يعود للمكتوب من الآيات حكم القرآن(30)، فيجوز للمحدث أن يحمله.

 

وبناء على هذا فإن جهاز الهاتف المحمول أو غيره من الأجهزة التي أُنشئت لأغراض مختلفة،إذا استعملت لخدمة القرآن، فإنه يثبت لها حكم المصحف اعتباراً للقصد الطارئ وتغليباً له على الأصل. هذا، والله تعالى أعلم وأحكم.

 

النتائج والتوصيات:

هذه أهمّ النتائج التي توصّل إليها الباحث:

1.    الآيات القرآنية المخزّنة في ذاكرة الجهاز ليس لها حكم القرآن ما دامت قارّة في خانات الذّاكرة؛ لأنها ليست كتابة.
2.    ليس من شرط الاعتداد بالكتابة كونها ثابتة لا تزول، بل العبرة بكونها مقروءة، وإن زالت من قرب.
3.    الكتابة التي تظهر من خلال شاشات الأجهزة الإلكترونية كتابة حقيقية، ولذا فإنها إن كانت آيات قرآنية عُدَّت قرآناً.
4.    إذا استعرضت آيات القرآن الكريم من خلال شاشة الجهاز كان للجهاز حكم القرآن، سواء كان جهازَ قرآنٍ فقط، أو كان هاتفاً محمولاً أو نحوه من الأجهزة الإلكترونية.
5.    الصّواب إلحاق هذه الأجهزة بالألواح التي يُكتب فيها القرآن، لما أن الآيات فيها تظهر وتزول، كاللّوح يكتب فيه بعض الآيات وتُمحى ليُكتب مكانها غيرها.
6.    هناك توصية واحدة فقط، وهي دعوة الباحثين لتدقيق النظر في تكييف الأجهزة التي تؤدّي أعمالاً متعدِّدة، من بينها خدمة القرآن الكريم، هل تُعدّ هذه الأجهزة في حكم الصّندوق الحاوي للقرآن الكريم وغيره من الأمتعة، أو أنه يأخذ حكم البرنامج الذي يعرض في شاشته، ولا عبرة بالمخزّن في ذاكرته، ما دام أنه لا يظهر له قوام، ولا يُشعر به إذا لم يكن ذلك البرنامج في وضع التشغيل؟
وصلّى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

ثبت المراجع

1.    الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: علاء الدّين أبو الحسن علي ابن سليمان بن أحمد المرداوي، ت 885 هـ تحقيق: د.عبد الله بن عبد المحسن التركي، وزارة الشّؤون الإسلامية والأوقاف والدّعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية1419هـ، 1998م.
2.    البحـر الرائق شرح كنز الدقائق: زين الدين ابن نجيـم الحنفي
ت 970هـ، دار المعرفة - بيروت، الطبعة: الثانية.
3.    بداية المجتهد ونهاية المقتصد: محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي أبو الوليد ت 595 هـ، دار الفكر – بيروت.
4.    التاج والإكليل لمختصر خليل: محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله ت 897 هـ، دار الفكر - بيروت – 1398هـ، الطبعة: الثانية.
5.    تحفة الفقهاء: علاء الدين السمرقندي ت 539هـ، دار الكتب العلمية - بيروت – 1405هـ، - 1984م، الطبعة: الأولى.
6.    تحفة المحتاج بشرح المنهاج مع حواشي الشرواني: ابن حجر الهيتمي ت 974هـ.
7.    حاشية إعانة الطالبين للسيد أبي بكر بن السيد محمد شطا الدّمياطي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1356هـ - 1938م، الطبعة الثانية.
8.    الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني: علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - 1419 هـ -1999 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود.
9.    الخرشي على مختصر سيدي خليل، دار الفكر للطباعة – بيروت.
10.    شرح فتح القدير:كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي ت 681هـ، دار الفكر - بيروت، الطبعة: الثانية.
11.    الدراية في تخريج أحاديث الهداية: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أبي الفضل ت 852هـ، دار المعرفة - بيروت، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني.
12.    شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي مع حاشية السعد وحاشية الجرجاني: عبد الرحمن الإيجي ت 756هـ، تصوير عن طبعة بولاق، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت.
13.    الشرح الكبير: شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي ت 682هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وزارة الشّؤون الإسلامية والأوقاف والدّعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية1419هـ - 1998م.
14.    الشرح الكبير: سيدي أحمد الدردير أبو البركات، دار الفكر - بيروت، تحقيق: محمد عليش.
15.    شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ت 1051هـ، عالم الكتب - بيروت – 1996م، الطبعة: الثانية.
16.    الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: أبو عبد الله شمس الدين محمـد بن أبي بكـر بن أيـوب بن سعـد الـزرعي الدمشقي
ت 751 هـ، مطبعة المدني - القاهرة، تحقيق: د. محمد جميل غازي.
17.    كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ت 1051هـ، دار الفكر - بيروت – 1402هـ، تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال.
18.    لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى.
19.    المبسوط: شمس الدين السرخسي ت 483هـ، دار المعرفة - بيروت.
20.    مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي، ت 807هـ، دار الريان للتراث/‏دار الكتاب العربي – القاهرة، بيروت – 1407هـ.
21.    المجموع شرح المهذّب: الإمام يحيى بن شرف النووي، ت 676هـ، دار الفكر - بيروت - 1997م.
22.    المحلَّى، اسم المؤلف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد ت 456هـ، دار الآفاق الجديدة - بيروت، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي.
23.    المستصفى من علم الأصول: الإمام محمد بن محمد الغزالي ت 505هـ، تصوير عن طبعة بولاق 1424هـ، دار الكتب العلمية - بيروت.
24.    المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد، ت 620هـ، دار الفكر - بيروت – 1405هـ، الطبعة: الأولى.
25.    مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: محمد بن عبد الرحمن المغربي أبوعبد الله، ت 954هـ، دار الفكر - بيروت – 1398هـ، الطبعة: الثانية.
26.    نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير دار الفكر للطباعة - بيروت - 1404هـ - 1984م.