شبهة عقدية في المفعول المطلق
1 رجب 1437
عبد الرحمن البراك

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
شيخَنَا العَلَّامةَ فضيلةَ الشيخِ عبدِ الرحمنِ البَرَّاك سدَّده الله
سلامُ الله عليكُمْ ورحمتُهُ وبركاتُهُ
قرأتُ في كتاب "مغني اللبيب" لابن هشام رحمه الله؛ وهو مِن الكتُبِ الذائعةِ بين الدارِسِينَ في النحوِ وإعرابِ القرآنِ؛ إذْ جعَلَهُ مغنيًا عن كتُبِ أعاريبِ القرآنِ المطوَّلةِ، في (6/578-580 ط. الكويت)، تحتَ البابِ السادسِ منه: في التحذيرِ مِن أمورٍ اشتَهَرَتْ بينَ المُعرِبِينَ، والصوابُ خلافُها؛ قال: «وهي كثيرةٌ؛ والذي يحضُرُني الآنَ منها: عشرونَ موضِعًا»، ثُمَّ ذكَرَ في الموضعِ السابِعَ عشَر؛ قال:
«قولُهُمْ في نحوِ: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ} [الأعراف: 54، ويونس: 3، وإبراهيم: 32، والسجدة: 4]: إنَّ السَّمَوَاتِ: مفعولٌ به، والصوابُ: أنه مفعولٌ مطلَقٌ؛ لأنَّ المفعولَ المطلَقَ: ما يقَعُ عليه: اسمُ «المفعولِ» بلا قَيْدٍ؛ نحوُ قولِكَ: «ضَرَبْتُ ضَرْبًا»، والمفعولُ به: ما لا يقَعُ عليه ذلك إلَّا مقيَّدًا بقولِكَ: «به»؛ كـ: «ضرَبْتُ زيدًا»، وأنتَ لو قلتَ: «السمواتُ مفعولٌ»، كما تقولُ: «الضربُ مفعولٌ»، كان صحيحًا، ولو قلتَ: «السمواتُ مفعولٌ به»، كما تقولُ: «زيدٌ مفعولٌ به»، لم يَصِحَّ.
وقد يُعارَضُ هذا: بأنْ يصاغَ لنحوِ «السمواتِ» في المثالِ: اسمُ مفعولٍ تامٌّ؛ فيقالَ: «فالسمواتُ مخلوقةٌ»؛ وذلك مختصٌّ بالمفعولِ به.
إيضاحٌ آخَرُ: المفعولُ به: ما كان موجودًا قبلَ الفعلِ الذي عَمِلَ فيه، ثمَّ أَوْقَعَ الفاعلُ به فعلًا، والمفعولُ المطلَقُ: ما كان الفعلُ العامِلُ فيه هو فِعْلَ إيجادِهِ.
والذي غَرَّ أكثَرَ النحويِّينَ في هذه المسألةِ: أنَّهم يمثِّلونَ المفعولَ المطلَقَ بأفعالِ العبادِ، وهم إنَّما يجري على أَيْدِيهم إنشاءُ الأفعالِ، لا الذواتِ؛ فتوهَّموا أنَّ المفعولَ المطلَقَ لا يكونُ إلَّا حَدَثًا، ولو مثَّلوا بأفعالِ اللهِ تعالى، لظهَرَ لهم أنَّه ـ أي المفعول المطلق ـ لا يَختَصُّ بذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالى مُوجِدٌ للأفعالِ والذواتِ جميعًا، لا مُوجِدَ لهما في الحقيقةِ سواهُ سبحانَهُ وتعالى.
ومِمَّن قال بهذا الذي ذكَرْتُه ـ أي: كونَ السمواتِ: مفعولًا مطلَقًا، لا بِهِ. : الجُرْجانِيُّ ، وابنُ الحاجِبِ في "أَمَالِيهِ".
وكذا البحثُ في «أنشَأْتُ كتابًا»، و«عَمِلَ فلانٌ خَيْرًا»، و{آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. اهـ. كلامُ ابنِ هشامٍ بطولِه.
وقد ذكَرَ بعضُهم أنَّ أوَّلَ مَن قال ذلك: الجُرْجانيُّ في "أسرارِ البلاغة"، وسارَ على سَنَنِهِ في هذا: الرازيُّ في "نهاية الإيجاز"، وابنُ الحاجِبِ في "أماليه"، ثُمَّ جاء ابنُ هشامٍ ليكرِّرَ صنيعَهُمْ في "المغني".
هذا؛ وقد وقفتُ على كلامِ الجرجانيِّ وابنِ الحاجبِ، فوجَدتُّ أنَّ كلامَ ابنِ الحاجبِ هو أوضَحُ كلامٍ في هذا، وقد بيَّن فيه: أنَّ إعرابَ مثلِ ذلك: مفعولًا مطلَقًا، أو مفعولًا به، إنما بَنَوْهُ على أنَّ الفعلَ عَيْنُ المفعولِ، أو غيرُ المفعولِ؛ فمَن جعَلَهُ عَيْنَهُ، أعرَبَهُ مفعولًا مطلَقًا، ومَن جعَلَهُ غيرَهُ، أعرَبَهُ مفعولًا به.
فهل يقالُ في مثلِ هذا التأثيرِ الكلاميِّ على كلامِ العرَبِ، وعلى عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ:
إنَّ السَّلَفِيَّ الذي يقولُ: الفعلُ غيرُ المفعولِ، والخلقُ غيرُ المخلوقِ - لأنَّ الفعلَ والخلقَ عندَهُ صفةٌ للهِ قائمةٌ به، والمفعولُ والمخلوقُ هنا منفصِلٌ عنه - ينبغي أنْ يُعرِبَ مثلَ ذلك: مفعولًا به، لا مطلَقًا.
وأمَّا الأشعريُّ والمعتزِليُّ وغيرُهما مِن أهلِ الكلامِ ممَّن يقولُ: الفعلُ عينُ المفعولِ، والخلقُ عينُ المخلوقِ، وينفونَ قيامَ الصفاتِ الفعليَّةِ الاختياريَّةِ بذاتِ اللهِ تعالى -: فإنه بناءً على هذا الأصلِ العقَدِيِّ الفاسِدِ: يُعرِبُ ذلك وما جَرَى مجراه: مفعولًا مطلقًا، لا به.
والسؤالُ: هل الأمرُ كذلك، أو لا يَلْزَمُ شيءٌ مِن ذلك؟ فقد ذهَبَ بعضُ أشياخِنا من أهل السنة: إلى الانتصارِ لقولِ ابنِ هِشَامٍ المذكورِ، ولا أدري هل وقَفَ على تفصيلِ ابنِ الحاجِبِ، أو لا؛ لندرةِ وِجْدانِ كتابِه، وصعوبةِ الوصولِ إليه، وأيضًا: فإنَّ الذاهِبِينَ إلى ذلكَ يزعُمُونَ: أنَّ هذا الإعرابَ لا تأثيرَ له على صِحَّةِ العقيدةِ وفسادها؟
أَوضِحُوا لنا حقيقةَ ذلك؛ بُورِكَ فيكم، وجُزِيتُمُ الجَنَّة.

ج: الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد: فإن المفعول المطلق عند جمهور النحويين هو المصدرُ المنصوب المؤكِّدُ لما دلَّ عليه عاملُه من الحدَث؛ نحو: ضرَب ضرْبًا، أو المبيِّنُ لعدده؛ نحو: ضَرَب ضربتين، أو نوعِه؛ نحو: ضرَبه ضَرْبَ العبد، وسموه مطلقًا لعدم تقييده بظرف أو حرف جر، بخلاف غيره من المفاعيل؛ فإنه لا يطلق عليه اسم مفعول إلا مقيَّدًا، فيقال: مفعول فيه، ومفعول معه، ومفعول لأجله، ومفعول به. وقد ابتدع عبد القاهر الجرجاني بدعة نحوية، ويقال: سبقه إلى هذا الرماني؛ كما في "الأشباه والنظائر" في النحو للسيوطي (4/122)، وتبعهما على ذلك الزمخشري؛ كما في "التصريح" لخالد الأزهري (1/80)، وابنُ الحاجب في "أماليه"، وابن هشام في "مغني اللبيب"، كما أشار إلى ذلك السائل، فقالوا في قوله تعالى: (خَلَقَ اللَهُ السَّمَوَاتِ) ونظائره في سائر المخلوقات: إنه مفعول مطلق، خلاف ما يعربه جمهور النحويين أنه مفعول به، وحملهم على ذلك أمران:
الأول: أن شرط المفعول به أن يكون موجودًا قبل الفعل ليقع عليه الفعل؛ كما صرح به ابن هشام، قالوا: والسموات غير موجودة قبل الخلق، وكذا غيرها من المخلوقات؛ كالعالم والأناسيِّ والموت والحياة؛ كما صرح به الجرجاني، فكيف يقال: مفعول به؟!
الثاني: أن الفعل عندهم في باب صفات الله هو المفعول، لا الفعلُ القائم بالفاعل، وهذا مذهب المعطِّلة نفاة الصفات والأفعال من الجهمية ومن تبعهم؛ فإنهم يقولون: إن الله لا تقوم بذاته الأفعال الاختيارية التي تكون بمشيئته:
فعند هؤلاء النفاة: أن أفعال الله هي المفعولات المنفصلة عنه، وهي المخلوقات، فلم يفرقوا بين الفعل والمفعول.
وعند أهل السنة: أن أفعال الله هي ما يقوم بذاته مما يكون بمشيئته؛ كاستوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة، ومن ذلك: الكلام، والخلق، والرضا، والسخط، والمحبة والبغض لمن يشاء.
فالمخلوقات عند أهل السنة هي مفعولاتٌ لله، بائنةٌ عنه؛ فإذا قالوا: هذه أفعالُ الله، فهذا مرادهم، وهذا مبنيٌّ على الفرق عندهم بين الفعل والمفعول؛ وهذا موجَب العقل واللغة؛ فالفعل ما قام بالفاعل، والمفعول به ما وجد بفعل الفاعل بائنا عنه، فالفعل يوجد بقدرة الله ومشيئته، والمفعول يوجد بقدرة الله ومشيئته وبقوله، (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وإذا كان الفعل من الأفعال العامة كفعَل وأوجَد، وأوقعتَه على فعل خاص؛ كقولك: فعَل القيام، فالقيام فعلٌ باعتبار قيامه بالقائم، ومفعولٌ به باعتبار إيقاع المعنى العام عليه. وفي هذا النوع يتحد الفعل والمفعول من حيث قيامُهما بالفاعل؛ إذ كل منهما فعل قائم بالفاعل؛ وهذا مطرد في كل ما يمكن أن يكون المفعول قائمًا بالفاعل؛ كأوجد الضربَ، وأنشأ الصَّنعةَ، وفعَل الصعودَ؛ فإن إيجاد الضرب هو الضرب، وإنشاء الصَّنعة هو الصَّنعة، وفعل الصعود هو الصعود ، إلا أن الفعل عام، والمفعول خاص، ومحل الفرق بين الفعل والمفعول فيما إذا كان المفعول لا يمكن قيامه بالفاعل، وهذا شأن جميع المخلوقات؛ فإنها يمتنع قيام شيء منها بالخالق سبحانه.
والأفعال المضافة إلى الله، منها: ما هو عام يتعلق بأفعال خاصة من أفعاله، وبمخلوقاته؛ كقوله: (وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء)، ومنها: أفعال خاصة لا تتعلق إلا بالمخلوقات؛ كقوله: (يَخْلُقُ مَا يَشَاء)، وقوله تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء)، فقوله: (وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء)، يتناول أفعاله القائمة به كاستوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا، وخلقه لما يشاء، وقبضه وبسطه، وتصريفه الرياح، وتقليبه للقلوب، ويتناول مفعولاته، وهي مخلوقاته، فتتضمن معنى: والله يخلق ما يشاء.

والجواب عن حجَّتيهم في إعراب السموات وغيرها من المخلوقات مفعولًا مطلقًا، لا مفعولًا به؛ لأنها لم تكن موجودة، ولأن الفعل في باب صفات الله هو المفعول:
فعن الأولى يقال: إن مادة السموات كانت موجودة؛ قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ)، إلى قوله: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وأيضًا: فشرط أن يكون المفعول به موجودًا لم يذكره النحويون، فتجدهم يمثِّلون للمفعول به بقولهم: حفرتُ البئر، وبنيتُ الدار، مما لم يكن موجودًا قبل الفعل ، وهذا يقتضي الفرق في الفعل العامل في المفعول به بين ما يقتضي إيجادًا، كأوجد وخلق وفطر، فلا يشترط في مفعوله أن يكون موجودًا قبل الفعل، بخلاف ما لا يقتضي إيجادًا؛ كضرب زيدًا، وأكل طعامًا، وشرب ماءً, فهذا الذي يشترط في مفعوله أن يكون موجودًا قبل الفعل.
وقد تضمن هذا القولُ المحدَثُ في النحو مخالَفةً لجمهور النحويِّين في قولهم: إن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدَرًا؛ أي: اسمَ حدَثٍ، لكن مِن المخالفين مَن التزم بهذا الشرط، وزعم أن المصدر يكون اسمًا لذات، كما ذهب إليه ابن الحاجب، وعليه: فالسموات وسائر المخلوقات عنده مصادر، ويعربها مفعولًا مطلَقًا، ومِن المخالفين مَن منع هذا الشرط في المفعول المطلق؛ فقال: يجوز أن يكون المفعول المطلق ذاتًا كما يكون مصدَرًا، كما ذهب إليه ابن هشام.
ويجاب عن الحجة الثانية بما تقدم من الفرق بين الفعل والمفعول، وبطلانِ دعوى اتحادهما، وبطلانِ نفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته سبحانه.
فعلم مما تقدم أن الصواب ما عليه جمهور النحويين من أن السموات مفعول به، وكذا سائر المخلوقات كالأرض والإنسان ونحوهما، وأن هذا الإعراب المحدَث ـ وهو جعل السموات وغيرها مفعولًا مطلَقًا ـ مبنيٌّ على قول محدَث في اللغة والاعتقاد، وهو عدم الفرق بين الفعل والمفعول، وأن الفعل هو المفعول، فالسموات وغيرها من المخلوقات مفعولات بائنة عنه تعالى، والخلق والإيجاد والإنشاء والتكوين أفعالٌ قائمة به سبحانه وتعالى؛ وكلاهما (الفعلُ والمفعولُ): حادثٌ بمشيئتِهِ وقدرتِه.
وبعد؛ فلعل من المناسب هنا ذكر آيات من القرآن لتطبيق إعرابها على مذهب النحويين ومن خالفهم في هذه المسألة؛ ليتضح التباين بينهم في المذهب، ويظهر فساد القول المحدَث، قال الله تعالى: (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(3) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا) إلى قوله: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا)، وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، فالسموات والأرض والإنسان والأنعام والخيل والبغال والحمير والليل والنهار والشمس والقمر، كلها تعرب مفعولًا به عند جمهور النحويين، وعند عبد القاهر الجرجاني وأتباعه تعرب مفعولًا مطلَقًا، وهي عند ابن الحاجب كلها مصادر، وعند ابن هشام هي مفعول مطلق، ولكنها ليست مصادر، ولا يخفى ما في هذا الإعراب من الخلل، وإفساد القواعد، ولا سيما على مذهب ابن الحاجب؛ حيث جعلها كلها مصادر؛ ليتم له ما أراد من اعتبارها مفعولًا مطلَقًا.
إذا تبين هذا فيقال: من التزم مذهب أهل السنة في الفرق بين الفعل والمفعول، وأن أفعال الله قائمة به، ومخلوقاته بائنة عنه، ورأى أن يعرب هذه المفعولات المخلوقات مفعولًا مطلَقًا، وإن لم تكن مصادر، أو مفعولًا ثانيًا، صار الخلاف معه لفظيًّا واصطلاحًا محضًا؛ وحينئذ فلا يظفر إلا بالشذوذ، ومخالفة القواعد.
وعليه: فمن أعجبه من أهل السنة مذهبُ ابن هشام في إعراب السموات، فإنه لم يحط بحقيقته والحامل عليه، وهو عدم الفرق بين الفعل والمفعول، كما صرح به ابن الحاجب؛ فتعين التزام مذهب الجمهور في إعراب السموات مفعولًا به؛ هذا ما تيسر تعليقه في هذا الجواب، والله أعلم.
فائدة تتعلق بالموضوع: وهي أنه قد دلت نصوص الكتاب والسنة أن كل ما أخبر الله عن خلقه أو رسوله صلى الله عليه وسلم من المخلوقات؛ فإنه مخلوق من مادة:
وذلك معلوم إما بالنص؛ كخلق السماء من الدخان بخار الماء، وخلق الملائكة من نور، وخلق الجن من نار، وخلق الإنسان مما وصفه الله مجمَلًا ومفصَّلًا في الآيات؛ كما في الحديث الصحيح: (خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم)؛ رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مما وصف لكم) يشمل معناه خلق آدم وزوجه وذريته، وكذلك الأنعام أنزلها الله من ظهور الفحول وأرحام الإناث؛ كما قال تعالى: (وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)، وفصَّل ذلك في آية الأنعام؛ قال تعالى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) الآيتين.
وهذا شأن سائر الحيوانات المتولدِ بعضُها من بعض؛ كالخيل والبغال والحمير.
وإما معلوم بالحس والمشاهدة ؛ كالمتولِّدات بالاستحالة، وهذا يشمل أنواع المخلوقات، وهو يقتضي أن الخلق وقع على أشياء أصولها موجودة، والله تعالى خالق الأصول والفروع، وخالق الأسباب والمسبَّبات، (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولم يذكر القرآن خلق شيء من لا شيء، بل ذكر أنه خلق المخلوق بعد أن لم يكن شيئًا؛ كما قال: (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)، مع إخباره أنه خلقه من نطفة». "مجموع الفتاوى" (18/236). وصلى الله وسلم على نبينا محمد. أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك في يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة 1437هـ.