من أخطاء الحياة (3) ... الهروب من المشكلات
18 جمادى الثانية 1437
د. خالد رُوشه

كلنا تواجهنا المشكلات , بصورة مستمرة , وتتباين مستوى المشكلات , ومستوى تأثيرها على الشخص , لكنها بالعموم تشغل حيزا كبيرا من الذهن , وتشتت كثيرا من التركيز , وتثقل النفس بالهم والحزن , وتكسو الإنسان بالخمول والكسل وقد تتطور فتصيبه باليأس والقعود عن حياته بالكلية ..

 

 

 

بعض الناس يفضل الهروب من مشكلاته , بأشكال مختلفة , فما يزيده الهروب منها إلا هموما , وتراجعا , وانطواء , وخوفا من العاقبة , وحذرا من مقابلة الناس , وقد تكثر الأوهام وتتفاقم في نفسه ظنا منه أن مشكلته لن تنتهي , أو أنها ستكون القاضية عليه وعلى حياته , فيرتفع ضغط الدم , وتصيبه الأمراض النفسية المختلفة .

 

 

 

الرؤية الصحيحة للمشكلة سبب مؤثر في صحة حلها أو مواجهتها , وصوابية الرؤية تؤدي إلى صوابية الحل .

 

 

 

وكثير من الناس يصاب بتشويش الرؤية فلا يرى الأمور على حقائقها , بل يراها من خلال موقفه ( الضعيف أو المتردد أو المبالغ أو المهون ) لمشكلته , ومن ثم لا يستطيع توصيفها بحق ولا السير في طريق حلها , فيفضل الهروب من جديد !

 

 

 

الحل هنا أن تنظر إلى المشكلة من مكان أعلى منها , لا من جانبها , صفها لنفسك وصفا دقيقا بغير تهويل ولا تهوين , واعرف أطرافها جيدا , والعوامل المؤثرة فيها , ومدى اثرها المتوقع عليك وعلى من حولك ولا تفتح لنفسك مجالا لتداخل الرؤى بين ما يمر بك من مؤثرات أخرى وبين مشكلتك .

 

 

 
الجانب الأهم هنا في التعامل مع المشكلات هو قرار مواجهتها وعدم الهروب منها , وأقصد بمواجهتها وضعها على طاولة التفكير والنظر والبحث لدراستها دراسة جيدة .

 

 

 

 فالذين يهربون من مواجهة مشكلاتهم تظل مشكلاتهم وأزماتهم بغير حل أو انقضاء , بل إن بعضهم يظل قيد مشكلته حتى بعدما تنقضي المشكلة .

 

 

 
بدلا من تضييع وقتك وجهدك تأسفا على ما حدث لك , وسقوطك في التيه النفسي تقليبا في أحداث ما اصابك , فأولى لك أن تتفكر في أسباب ما حصل لك ..

 

 

 

 فإن كان أمرا قدريا ليس لك فيه دور فعليك بقبوله والصبر عليه , وسؤال الله التثبيت لنفسك , فإنما هو ابتلاء يبتلي الله سبحانه به عباده , وعليك أن تدرب نفسك على تقبله .

 

 

 

وإن كانت أزمة ذات أذرع وفروع فتفكر في اسبابها , فالتفكير في الاسباب جزء من التفكير في الحل , والموفق من وفقه الله الى مسببات الأشياء فتوكل على الله في الأخذ بأسبابها , واستعن بالله عليها .

 

 

 
محور آخر هام في مواجهة المشكلات , هو سؤالك لنفسك كيف ستواجهها ؟ وما هو منهجك في مواجهتها ؟ وما هي المحظورات في مواجهتها , وما هي الاحتياطات التي ستضعها لنفسك أمامها ؟!

 

 

 
 
ومن الحكمة في مواجهة المشكلات ان تضع لها حلولا مختلفة , وألا تقتصر على حل واحد .

 

 

 

بل إن بدائل الحلول هي كلمة السر في حل الأزمات , وكلما كان البديل واقعيا وقريبا من الإمكانات والقدرات كلما كان أقرب للتطبيق .

 

 

 

ويجب ان تعلم نفسك أنك إذا اخترت حلا بديلا وبدات فيه فإياك أن تتردد , بل سر فيه مادمت قد اتخذت فيه خطواتك .

 

 

 
و بعد تفنيد اسباب ما تواجهه , ووصفه وصفا دقيقا بعيدا عن التوتر , ووضع خيارات الحلول الذاتية , جاء الدور على استشارة أهل الخبرة والعلم ,  ثم علينا أن نضيف آراءهم وما تفضلوا به من اقتراحات ورؤى الى ما سبقناهم فيه ثم نضع وصفا جديدا وصورة نهائية للازمة وحلها .

 

 

 
وتأتي استخارة الله العظيم سبحانه قبل الهموم والبدء بالعمل وبالحل كأمر أساسي ومبارك في حل الأزمة ومواجهتها , بل أنا دائما أنظر إلى الاستخارة وكأنها بوصلة في الطريق توجهنا نحو هدف مرجو صحيح .