24 رجب 1437

السؤال

ابنتي تبلغ من العمر ١٣ عاماً، تتعبني جداً في سلوكياتها وتعاملها مع الآخرين؛ حيث بدأت تتعدى على من هو أكبر منها، وتمد يدها، لكن أهم شيء عندها أن تبقى صورتها جيدة أمام زميلاتها وألا يعلموا شيئاً عن أسلوبها معي في البيت.. أرجو الاهتمام والرد فقد أتعبتني كثيراً.

أجاب عنها:
د. علي الدقيشي

الجواب

أختي الفاضلة: أهلا ومرحبا بك في موقعك، وبخصوص سؤالك أجيبك بما يأتي:
أولا: أحيي فيك حرصك على صلاح ابنتك، وأبشري فالأمر بإذن الله سهل.
ثانيا: أحسبك من الطيبات _ولا نزكي على الله أحدا_ و المرأة الصالحة هي التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وهي التي تعين زوجها على طاعة الله - جل وعلا - وهي خير عون له على أمر دينه ودنياه.
وهي التي تربي أولادها على الصدق والأمانة، والعفة والعزة، وهي التي تعرف واجبها تجاه ربِّها، وواجبها تجاه زوجها، وواجبها تجاه أولادها وبيتها، وواجبها تجاه دينها ودعوتها، وواجبها تجاه مجتمعها الذي تعيش فيه، وأنها لا بد أن تكون نافعة له فتؤدي كل ما عليها بانضباط وانتظام، ودون إفراط أو تفريط، فإذا فعلت ذلك، كانت عاقبتها عند الله عظيمة طيبة؛ عن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إذا صلَّت المرأة خَمْسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت"؛ رواه أحمد.
فاحرصي -بارك الله فيك- على متابعة ابنتك وسؤالها عن صديقاتها، والالتزام بصحبة البنات مثلها، والحذر من صحبة الذكور لأن هذا حرمه الله تعالى ونهى عنه لأنه يجر إلى الشر والفساد، ولكن تصاحب وتصادق بنات جنسها، واسأليها عما تفعل مع صديقاتها، وماذا يقلن، للاطمئنان على الصحبة الصالحة، وقضاء الوقت معهن دون أخطاء ومخالفات سواء صديقات المدرسة أو الحي...
وتدارسي معها واشرحي لها برفق آداب التعامل مع الآخرين والوالدين، والإخوان والأخوات، والصغار والكبار، وأنه يجب احترام الكبير والعطف على الصغير وتوقير الوالدين وطاعتهما ومراعاة الأدب في الكلام باختيار الألفاظ التي كلها أدب وذوق، وتجنب الألفاظ التي تشتمل على قلة الأدب والحياء، والحذر من الألفاظ البذيئة، لأننا مسؤولون عن كل ما نقول، وأنه أكثر ما يدخل الناس النار اللسان، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم".
ومن الأدب أن لا نمد أيدينا إلى أحد في أثناء التعامل معه إلا لنعطيه شيئا، أو نساعده في شيء، أما ما عدا ذلك من المزح والعبث فالأليق بالبنات الكف عن ذلك، والتزام الحياء المناسب للمسلم عامة وللبنات خاصة فالحياء من أخص صفات النساء والبنات طبيعيات الفطرة فلنحرص أن تكون منهن.
فلنتق الله في فلذات أكبادنا وقرة أعيننا؛ فأطفالكم أمانة كبرى في أعناقكم، وسوف تُسْئلون عنهم يوم القيامة، فإن كنتم أحسنتم التوجيه فبها ونعمت، واغتنموا هذه الحياة ووجهوهم للخير، ودلوهم عليه؛ ليعرفوا طريق الحق فيتبعوه، ويعرفوا طريق العلم فينهلوا منه، ويسلكوا طريق النور فلا يضلوا، واختاروا لهم الرفقة الطيبة؛ لأن الرفقة لها التأثير البالغ في حياة الإنسان، والمرء في معترك هذه الحياة؛ إما أن يؤثر، وإما أن يتأثر، فإن كان قوي الإيمان والعقيدة، حسن الأخلاق والسلوك، أثَّر في الناس بأخلاقه الطيبة، وإن كان ضعيف الإيمان، متذبذب الآراء والأفكار، تأثر من غيره بالخصال الذميمة.
ولنضع نُصْب أعيننا قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه، أو تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحًا مُنْتنة"؛ رواه البخاري، ومسلم.
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل"؛ رواه الترمذي.
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إياك وقرين السوء؛ فإنك به تُعْرف"؛ رواه ابن عساكر.
وعوديها على ذكر الله، فالذين مع الله لا يندمون، والذين مع الله فائزون، والذين مع الله يعيشون في سرور وحبور؛ كما يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أخلص دينك يكفيك القليل من العمل".
ويكون ذكر الله بكلمة طيبة، بإماطة الأذى عن الطريق، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالصلح بين اثنين، بالتعاون والتساند، كما يكون ذكر الله كذلك بصدقة لفقير أو يتيم أو محتاج، بالبشاشة في وجوه الناس، والمعاملة الكريمة في البيع والشراء، ويكون ذكر الله – جل وعلا – بكل ما يحبه الله ويرضاه.
ثالثا: ضرورة تغيير الأسلوب في صفة تعاملكم مع ابنتكم وتوجيهها 100% والبعد عن التضييق والشدة بكل صورها إلى اللين والرفق، الذي أرشد الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – إلى الاتصاف والتمسك به دائما بقوله: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما ننزع من شيء إلا شانه" صحيح الجامع، فبالرفق وحنو الأمومة والأبوة الصادقة يكون له الأثر الكبير في استجابتها للتوجيه والإرشاد.
رابعا: الحذر كل الحذر من تذكيرها بأخطائها السابقة فضلا عن لمزها وتوبيخها بذلك، فهذه من الآثار السيئة عليها وعلى استجابتها للتوجيه.
خامسا: السعي في تدخل إخوتها في حياتها بالمشاركة والتوجيه، وأن يكون لهم دور في احتوائها وشغلها معهم في أمورهم.
سادسا: حدثيها عن فضل الوالدين، وحقهما على أولادهما، وعظم الثواب لمن أطاعهما ووقرهما. وعظيم إثم من عصاهما وخالفهما، لأنهم خير على أبنائهم ويحبون لهم الخير ويحرصون عليهم، والتبرير لما صدر من شدة سابقا أو شيء ما هو إلا من أجل الحرص عليها.
سابعا: حببي ابنتك في الطاعة وعلقيها بالصلاة وشاركيها في ذلك وكوني لها قدوة، واربطيها بالبرامج النافعة والدروس الدينية وذكريها بالموت، والقبر، والآخرة، والجنة والنار.
ثامنا: فلنحرص أن تكون البيئة المحيطة بها من أهل الطاعة والاستقامة وفعل الخير لتشجيعها، والحرص على تعزيز استجابتها ولو كانت ضعيفة وذلك بالمدح والتشجيع والمكافأة فلهذا الأثر في تحسين وضعها.
تاسعا: السعي في تأمين الصحبة الصالحة لابنتك من أهل الاستقامة، وحبذا لو سجلتيها في حلقات تحفيظ القرآن الكريم في الدور النسائية، ففي ارتباطها بالقرآن والصلاة أثر في تحسين سلوكها بإذن الله.
العاشر: تعاون الجميع في العلاج، وإن كان على الأب الدور الأكبر لأنه المسؤول عن الأسرة، وإن كان الجميع في حقيقة الأمر مسئول كما أرشد الرسول –صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" فكلنا راع، فعلى الجميع التعاون على إصلاح الأسرة وإقامة أفرادها على الصواب في الأقوال والأفعال.
وأخيرا أوصيك بكثرة الدعاء لها ولأولادك جميعا.
وأرجوا الله أن يقر عينك بصلاح ابنتك وأولادك.
والله الموفق.