إثبات النسب ونفيه بالبصمة الوراثية
3 جمادى الأول 1437
أ. د. محمد جبر الألفي

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فمن المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية، التي سمت إلى مرتبة الضروريات، الحفاظ على النسل والتشوف إلى اتصال الأنساب، والستر على المسلمين وإشاعة الفضيلة بينهم، والعمل على تماسك الأسر وترابطها.

 

وكم أسعدني أن يهتم كرسي الشيخ عبدالله بن إبراهيم التويجري لدراسات الأحوال الشخصية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بهذا الموضوع الحيوي، وأن يوافق على أن أكتب بحثاً عن: إثبات النسب ونفيه بالبصمة الوراثية.

 

فالموضوع غير بعيد عني، حيث عايشته عندما شاركت في ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني - رؤية إسلامية-: الكويت 1419هـ - 1998م، ثم تابعت مناقشة الموضوع في دورة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بالمنامة: رجب 1419، وفي وهران: 1433هـ. وشاركت في مؤتمر القرائن الطبية المعاصرة وآثارها الفقهية الذي عقد في الرياض: 1435هـ. وكنت على صلة وثيقة بالموضوع عندما طُرح في الدورة السادسة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي – رابطة العالم الإسلامي – مكة المكرمة: 1422هـ، وفي مؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة: 1423هـ.

 

ويأتي بحث هذا الموضوع – الآن – بعد ظهور مستجدات طبية وعلمية تناولها أهل الاختصاص وقدموا إيضاحات وتفصيلات بشأنها، وكتب عن أحكامها الشرعية عدد من كبار علماء العصر، وتصدى لها القضاء بمختلف درجاته.

 

الخطة المنهجية للموضوع

أ-أهمية الموضوع:

1- تطور البحث العلمي وكشفه عن قرائن طبية قاطعة يمكن أن تغير الأحكام الفقهية الاجتهادية.
2-تحليل الآراء التي نتجت عن اكتشاف البصمة الوراثية والترجيح بينها.
3-بيان الحكم الشرعي لطلاب العلم والمشتغلين بالقضاء والخاص بأثر البصمة الوراثية في إثبات النسب أو نفيه.

 

ب-المشكلة:

1-أدى اكتشاف البصمة الوراثية وقطعية نتائجها إلى اعتمادها لدى أكثر المحاكم في العالم كقرينة قاطعة في ثبوت النسب ونفيه.
2-وترتب على ذلك أن عدداً كبيراً من الأشخاص لجأ إلى هذه الوسيلة للتأكد من نسبه الحقيقي.
3-وفي البلاد الإسلامية نادى البعض باعتمادها كقرينة على إثبات النسب ونفيه، وعلى الاكتفاء بها بدلاً عن إجراء اللعان وطلب نفي نسب الولد.
4-ومن هنا يمكن تحديد مشكلة الدراسة في بيان موقف الشرع الإسلامي من اعتماد البصمة الوراثية قرينة على إثبات النسب أو نفيه، ومجالات استخدامها بما لا يتعارض مع الثوابت الإسلامية.

 

ج-الأهداف:

يهدف الباحث من خلال هذه الدراسة إلى ما يأتي:
1-تحديد المفهوم العلمي والشرعي للمصطلحات الدالة على البحث وبيان أهميتها في الموضوع.
2-بيان وسائل إثبات النسب ونفيه التي أقرتها الشريعة الإسلامية، ومدى إمكان تغيرها بتغير الزمان والمكان والمكتشفات العلمية.
3-عرض الآراء الجديدة التي ظهرت مع اكتشاف نتائج تحليل الحمض النووي، ومناقشتها، واختيار الحل الذي لا يتعارض مع الثوابت الإسلامية.

 

د-التساؤلات:

1-ما المقصود بمصطلح البصمة الوراثية وكيف نشأت وتطورت؟
2-ما حقيقة النسب في اللغة، وفي علم الوراثة، وفي اصطلاح فقهاء المذاهب المختلفة؟
3-ما الوسائل التي اعتمدتها الشريعة الإسلامية لإثبات النسب ونفيه؟
4-هل يمكن اعتماد قاعدة «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان» للأخذ بنتائج البصمة الوراثية؟
5-ما المجالات التي يمكن فيها الأخذ بنتائج البصمة الوراثية من غير تعارض مع الثوابت الإسلامية؟

 

هـ-المصطلحات والمفاهيم:

إثبات = Establishment
اشتباه = Mixed
البصمة الوراثية = (D.N.A)Deoxy Ribo Nuclec Acid
الفراش = Marriage
القرينة = Presumption
القيافة = Physiognomy
نسب = Kinship
نفي = Denying

 

و-المنهج:

تقوم هذه الدراسة على المنهج الاستقرائي التحليلي المقارن، وذلك من خلال الرجوع إلى المصادر والمراجع الفقهية والدراسات الحديثة وأحكام القضاء المعاصر، للوصول إلى تأصيل علمي بإرجاع الأحكام المختلفة إلى أصولها الشرعية.

 

ز-تقسيمات البحث:

يتضمن البحث مقدمة وتمهيداً ومبحثين وخاتمة.

 

1- المقدمة:

تشتمل على تحديد فكرة الموضوع، وأهميته، ومشكلة الدراسة وأهدافها، وتساؤلات الدراسة، والمصطلحات والمفاهيم، ومنهج البحث، وتقسيماته.

 

2- التمهيد:
يتناول الباحث في التمهيد تحديد المفاهيم والمصطلحات التي تشكل عنوان البحث والألفاظ ذات الصلة، والكلمات الدالة على البحث.

 

3- ويخصص المبحث الأول لوسائل إثبات النسب ونفيه في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة.

 

4- وفي المبحث الثاني عرض لكيفية إثبات النسب ونفيه بالبصمة الوراثية، والمجالات التي يمكن أن تستخدم فيها من غير أن تتعارض مع الثوابت الإسلامية.

 

5-وفي الخاتمة إبراز لأهم نتائج البحث وتوصيات الباحث.

 

التمهيد

تحديد المفاهيم
(الكلمات الدالة على البحث)
1-إثبات = Establishment
يقصد بالإثبات – في اللغة – إقامة الحجة وتقديم الدليل على الأمر المدعى(1).
وعند الفقهاء: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها الشرع الإسلامي على حق أو واقعة تترتب عليها آثار شرعية(2).
وقد اتفق الفقهاء(3) على أن الحجج الشرعية التي يعتمد عليها القاضي ويبني حكمه عليها: الإقرار، والشهادة، واليمين، والقسامة، ثم اختلفوا فيما وراء ذلك، فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يقضى بالشاهد مع اليمين في الأموال أو ما يؤول إليها، وأنكر ذلك أبو حنيفة والأوزاعي(4)، وزاد ابن الغرس – من الحنفية – القرينة الواضحة(5)، ومن الفقهاء – كابن فرحون(6) وابن القيم(7)- من لم يحصر طرق الإثبات في أنواع معينة، واعتبر أن كل ما يبين الحق ويظهره يكون دليلاً للقاضي يبني عليه حكمه لقوله صلى الله عليه وسلم: «البيّنة على المدعي» (8).

 

2- اشتباه = Mixed
الاشتباه مصدر: اشتبه، يقال: اشتبه الشيئان وتشابها: أشبه كل واحد منهما الآخر، والشبهة: اسم من الاشتباه، وهو الالتباس، يقال: شبه عليه، أي: خلط عليه الأمر حتى اشتبه بغيره(9).
والاشتباه - اصطلاحاً -: الالتباس والاختلاط، جاء في التعريفات(10): الشبهة: ما لم يتيقن كونه حراماً أو حلالاً.
وفي فتح القدير(11): الشبهة: ما يشبه الثابت، وليس بثابت، ولابد من الظن لتحقيق الاشتباه.
والاشتباه قد ينشأ نتيجة خفاء الدليل، أو نتيجة تعارض الأدلة دون مرجح، أو نتيجة الاختلاف في دلالة النصوص على الأحكام(12).
والاشتباه الناشئ عن خفاء الدليل يعذر المجتهد فيه، ويكون قد اتبع الدليل فيما انتهى إليه اجتهاده؛ لأنه سعى باجتهاده إلى التعرف على قصد الشرع(13).
وإزالة الاشتباه تكون عن طريق التحري، أو استصحاب الحال، أو الأخذ بالقرائن، أو الاحتياط، أو بإجراء القرعة .. ونحو ذلك.

 

3-البصمة الوراثية = (D.N.A)Deoxy Ribo Nuclec Acid
أ-البصمة الوراثية، أو بصمة الحمض النووي، أو D.N.A ، هي: البنية الجينية التي تدل على هوية كل إنسان بعينه(14).
وبعبارة أوضح: "هي المادة المورثة الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي مثل تحليل الدم أو بصمات الأصابع أو المادة المنوية أو الشعر أو الأنسجة، تبين مدى التشابه والتماثل بين الشيئين أو الاختلاف بينهما، فهي – بالاعتماد على مكونات الجينوم البشري – الشفرة التي تحدد مدى الصلة بين المتماثلات، وتجزم بوجود الفرق أو التغاير بين المختلطات عن طريق معرفة التركيب الوراثي للإنسان في ظل علم الوراثة أحد علوم الحياة»(15).

 

فهي – إذن – اختلافات في التركيب الوراثي لمنطقة الإنترون، ينفرد بها كل شخص، وتنتقل بالوراثة بحيث يحصل كل إنسان على نصف هذه الاختلافات من الأب والنصف الآخر من الأم، فيتكون لديه مزيج وراثي يجمع بين خصائص الوالدين وبين الخصائص الوراثية لأسلافه، ويكتسب بهذا المزيج الوراثي صفة الاستقلال عن كروموسومات أي من والديه – مع بقاء التشابه معهما في بعض الصفات – وبالتالي: لا يمكن تطابق الصفات الجينية بين شخص وآخر، حتى وإن كانا توأمين.

 

ب- هذه البصمة تحمل كل الصفات والخصائص والأمراض والتغيرات التي سوف تطرأ على الشخص منذ التقاء الحيوان المنوي بالبويضة حتى نهاية عمره. وقد روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات، فيقال: اكتب رزقه، وعمله، واجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح. قال: فو الذي نفسي بيده – أو قال: فوالذي لا إله غيره – إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار» متفق عليه(16).

 

ج- نسبة النجاح في نتائج بصمة الجينات الوراثية عالية جداً حددها بعض الخبراء بنسبة: 99.9999% نظراً لعدم تطابق اثنين من البشر في جميع الصفات الوراثية، ولهذا يمكن اعتبارها قرينة قطعية لا تقبل الطعن أو الشك، لابتنائها على دليل علمي محسوس إذا تعدد أخذ العينات وتحليلها في مواقع مختلفة، وتوثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية، بدءً من نقل العينات وانتهاءً بظهور النتائج، والتأكد من أن العينة ليست لتوائم متطابقة. وقد اعترف بها معظم المحاكم في أمريكا وأوروبا وكثير من دول العالم، وتم الاعتماد عليها للفصل في كثير من القضايا.

 

4-الفراش = Marriage
يطلق الفراش – في اللغة – على ما يفترش، كما يطلق على الزوج والمولى، والمرأة تسمى فراشاً لأن الرجل يفترشها(17)، والعرب تكني عن المرأة بالفراش والمبيت والإزار، وفراش الرجل: امرأته أو جاريته التي يغشاها، وفي الحديث: «الولد للفراش» (18)، معناها: الولد لصاحب الفراش، كما في قوله تعالى: ((وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا))(19)، أي: سل أهل القرية(20).
وفي الاصطلاح: يستعمل الفقهاء كلمة الفراش بمعنى الوطاء(21)، كما يستعملونها بمعنى أن تتعين المرأة للولادة لشخص واحد(22)، وفسر الكرخي الفراش – في الحديث – بأنه العقد(23).
وقد نص الحنفية على أن للفراش أربع مراتب(24):
أ-فراش ضعيف: وهو فراش الأمة، ولا يثبت النسب فيه إلا بالدعوة (بكسر الدال)(25)، أي: بادعاء الولد.
ب-فراش متوسط: وهو فراش أم الولد، ويثبت النسب فيه بلا دعوة، ولكنه ينتفي بالنفي.
ج-فراش قوي: وهو فراش المنكوحة ومعتدة الرجعي، والنسب فيه لا ينتفي إلا باللعان.
د-فراش أقوى: كفراش معتدة البائن، فإن الولد لا ينتفي فيه أصلاً؛ لأن نفيه متوقف على اللعان، وشرط اللعان: الزوجية القائمة.

 

5-القرينة = Presumption
أ-القرينة في اللغة العربية مأخوذة من قرن الشيء بالشيء، أي: شده إليه ووصله به، كالجمع بين الحج والعمرة(26). وفي اصطلاح الفقهاء: ما يدل على المراد من غير كونه صريحاً(27). أو: «كل أمر ظاهر يصاحب شيئاً خفياً، فيدل عليه» (28). والقرائن الطبية المعاصرة: «هي العلامات والأمارات الحيوية الطبية التي يستفاد منها في الطب الشرعي والضبط الجنائي وغيرهما، ومن هذه العلامات: فحص البصمة الوراثية لبعض العينات الحيوية كالشعر والدم والمني واللعاب وغيرها ..» (29).
ب- والعمل بالقرائن مشروع – في الجملة – لقوله صلى الله عليه وسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها» (30)، فجعل سكوتها قرينة دالة على الرضا، وهذا من أقوى الأدلة على الحكم بالقرائن، وكإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للقيافة في إثبات النسب(31).
ج- وتنقسم القرائن إلى: قرائن قوية، وقرائن ضعيفة، وقرائن كاذبة(32).
- فالقرينة القوية: هي الأمارة البالغة حد اليقين، أو المفيدة للظن الغالب، ويمكن الاعتماد عليها بمفردها.
- والقرينة الضعيفة: هي الأمارة التي تقبل إثبات العكس، ولا يجوز الاعتماد عليها بمفردها، بل لابد من دليل آخر يقويها، لتكتسب حجية الدليل.
- والقرينة الكاذبة: هي التي لا تفيد اليقين ولا الظن الغالب، ولا تخرج عن مجرد الشك والاحتمال، فلا يلتفت إليها.
د- ولا ينبغي الالتجاء إلى القرائن – قوية كانت أو ظنية – إلا عند انعدام النص الصريح، ومن باب أولى: لا يلجأ إلى القرينة إذا تعارضت مع دليل شرعي مجمع عليه. وفي هذا يقول ابن القيم: "فهذه مسألة كبيرة، عظيمة النفع، جليلة القدر، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقاً كثيراً، وأقام باطلاً كبيراً، وإن توسع وجعل معوله عليها – دون الأوضاع الشرعية – وقع في أنواع من الظلم والفساد"(33).

 

6-القيافة = Physiognomy
القيافة – في اللغة – مصدر قاف بمعنى تتبع أثره ليعرفه، يقال: فلان يقوف الأثر، ويقتافه قيافة، والقائف: هو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، وهو الذي يعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه(34).
وعند الفقهاء: القائف هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود(35)، فالقيافة نوع من القرائن، جاء في كشف الظنون(36) أن قيافة البشر: علم باحث عن كيفية الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين على المشاركة والاتحاد في النسب والولادة وسائر أحوالهما.
وقد اشترط الفقهاء – الذين ذهبوا إلى إثبات النسب بالقيافة – عدة شروط ينبغي مراعاتها في القائف، مع اختلافهم في بعضها(37).
أ-الخبرة والتجربة التي تولد الثقة في قوله.
ب-العدالة؛ لأنه يحكم بإثبات النسب أو نفيه، والحكم يشترط له العدالة.
ج-العدد: الأصح – عند الجمهور – عدم اشتراط التعدد لإثبات النسب بقول القائف ويكتفى بقول واحد كالقاضي، ولكن وجدت أقوال تشترط تعدد القافة كما في الشهادة.
د-الإسلام: نص على اشتراطه الشافعية والحنابلة، وهو الراجح عند المالكية.
هـ-الذكورة: وهذا الشرط في الأصح عند الشافعية، والراجح عند الحنابلة.
و-البصر والسمع، وانتفاء مظنة التهمة، نص على ذلك الشافعية، وهو لازم قول من ألحق القائف بالشاهد أو بالقاضي.
وكذلك: اشترط الفقهاء الذين أثبتوا النسب بقول القائف عدة شروط في القيافة التي يثبت بها إلحاق النسب(38):
أ-عدم قيام مانع شرعي لإلحاق النسب، كما لو ولد طفل على فراش الزوجية وادعاه آخر؛ لحديث: «الولد للفراش».
ب-وقوع التنازع في الولد، نفياً أو إثباتاً، مع عدم البينة، كما إذا ادعاه رجلان أو امرأتان فإن الترجيح يكون بقول القافة.
ج-إمضاء القاضي قول القائف عند التنازع، فيما نص عليه الشافعية.
د-حياة كل من الولد المراد إثبات نسبه بالقيافة، والشخص الذي يراد إلحاق النسب به، وهذا الشرط وضعه المالكية، ولم يشترطه الشافعية ولا الحنابلة.

 

7- نسب = Kinship
النسب – في اللغة -: مصدر نسب، يقال: نسبته إلى أبيه نسباً: عزوته إليه، وانتسب إليه: اعتزى، والاسم: النسبة. والنسب يكون من قبل الأب ومن قبل الأم، وقيل: هو في الآباء خاصة. والعالم بالأنساب يسمى: نسابة، ونساب، والجمع: نسابون(39).
وفي اصطلاح الفقهاء: القرابة، وهي الاتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة
قريبة أو بعيدة(40)، وقال المالكية: هو الانتساب لأب معين(41). وعرفه بعض
المعاصرين(42) بأنه: رباط سلالة الدم الذي يربط الإنسان بأصوله وفروعه وحواشيه.
وشريعة الإسلام متشوفة إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، ومتشوفة كذلك إلى الستر على المسلمين، وإشاعة الفضيلة بينهم، والحفاظ على تماسك الأسر وترابطها(43)، فقررت في النسب حقوقاً تتعلق بالولد، وأخرى تتعلق بالأم، وحقوقاً تتعلق بالأب، وفوق ذلك: فإن في وصله حقاً لله عز وجل(44).
أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة»(45). وأخرج البخاري عن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» (46). وأخرج عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه – وهو يعلمه – إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده في النار» (47).
من أجل ذلك أحاطت الشريعة الإسلامية النسب بقيود صارمة، فأهدرت النسب في واقعة الزنى ولو ثبت أن الولد تخلق من ماء الزاني(48)، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» (49). أي أن النسب يثبت من صاحب الفراش، وهو الزوج، وللعاهر الزاني الخيبة ولا حقَّ له في الولد(50).
والنسب من حقوق الله تعالى، فإذا ثبت لا يكون محلاً للبيع أو الهبة أو الصدقة أو الوصية .. أو نحو ذلك(51)، ولا يحق لمن لحق به إسقاط حق الصغير، فمن أقر بابن أو هنئ به فسكت، أو أخر نفيه مع إمكان النفي، لا يجوز له إسقاط نسبه بعد ذلك(52).

 

8- نفي = Denying
يقال – في اللغة – نفيت الحصى نفياً، أي: دفعته عن وجه الأرض فانتفى، ثم قيل لكل شيء تدفعه ولا تثبته: نفيته فانتفى. ونفيت النسب: إذا لم تثبته، والرجل منفي النسب، وقول القائل لولده: لست بولدي، لا يراد به نفي النسب، بل المراد نفي خلقه وطبعه الذي تخلق به أبوه، وهذا نقيض قولهم: فلان ابن أبيه، والمعنى: هو على خلقه وطبعه(53).
وفي الاصطلاح: إذا أضيف النفي إلى النسب كان المقصود به: إنكار نسب المولود إلى والده، فإذا ثبت النفي لم يلحق الشخص بمن نسب إليه، وإلا فيجب حد القذف إلا إذا وجد ما يدرأه.
وإثبات النفي غير مستحيل إلا إذا كانت الواقعة المراد إثباتها مطلقة غير محصورة، أما إذا كان النفي مما يحيط به علم الشاهد فإنه يكون جائزاً. وفي بعض الأحوال تقضي الضرورة بقبول إثبات النفي المطلق، وتكون الشهادة منصبة على مجرد العلم، كما إذا حصر الشهود الورثة في شخص معين.
والواقعة السلبية المحصورة يمكن إثباتها عن طريق إثبات واقعة إيجابية، وقد تكون بطبيعتها ممكنة الإثبات بغير إثبات واقعة إيجابية(54).

 

المبحث الأول: إثبات النسب ونفيه في الشريعة الإسلامية

يفرق الفقهاء بين أسباب النسب، وبين أدلة ثبوته، ويجعلون للنسب سببين هما: النكاح والاستيلاء. أما أدلة ثبوت النسب فهي: الفراش، والقيافة، والإقرار، والبينة، وحكم القاضي. وسوف نخصص للنكاح مطلباً، ولأدلة ثبوت النسب مطلباً آخر، أما السبب الثاني من أسباب النسب فلن نتعرض له في هذا البحث؛ لأنه خاص بالإماء، فهو تصيير الأمة أم ولد، يقال: استولد فلان جاريته: إن صيرها أم ولده، ولا يثبت نسب الولد إلا إذا أقر السيد بالوطء – عند الجمهور – خلافاً للحنفية الذين اشترطوا إقرار السيد بأن الولد منه. ثم نفرد مطلباً ثالثاً لنفي النسب.

 

المطلب الأول: النكاح

نعرض في هذا المطلب حكم النكاح الصحيح، والنكاح الفاسد، والوطء بشبهة، وأثر كل منها في إثبات النسب.

 

أولاً- النكاح الصحيح:

اختلف الفقهاء في تعريف النكاح، فعند الحنفية أنه: عقد يفيد ملك المتعة قصداً(55). وعند المالكية: عقد لحل تمتع بأنثى غير محرم.. بصيغة(56). وقال الشافعية: النكاح عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمته(57). وبمثله جاء التعريف عند الحنابلة(58).

 

واختلف الفقهاء في أركان النكاح الصحيح: فذهب الحنفية إلى أن ركن النكاح هو الإيجاب فقط(59). ويرى المالكية أن أركانه ثلاثة: الولي، والمحل (الزوج والزوجة)، والصيغة(60). أما الشافعية فيرون أن أركان النكاح خمسة: الصيغة، والزوج، والزوجة، والشاهدان، والولي(61). وعند الحنابلة أن أركان النكاح ثلاثة: الزوجان، والإيجاب، والقبول(62).

 

والسبب في هذا الاختلاف هو اختلافهم في المقصود بكل من الركن، والشرط، والواجب، وما يترتب على انتفاء بعضها.

 

فإذا استجمع النكاح أركانه وشروطه كان زواجاً صحيحاً يثبت به نسب المولود عند توافر ثلاثة شروط:

الشرط الأول- إمكان الوطء بعد العقد؛ لأن حقيقة الوطء والإنزال والتقاء ماء الرجل ببيضة المرأة لا سبيل إلى معرفتها، ولا يمكن الاطلاع عليها، فتعلق الحكم بالإمكان وإلى ذلك ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة(63)، أما الحنفية: فيكفي عندهم في إثبات النسب مجرد العقد؛ بحيث لو أتت الزوجة بولد لأدنى مدة الحمل ثبت نسبه من الزوج، ولا ينتفي إلا باللعان؛ لأن النكاح يقوم مقام الماء مادام التصور العقلي قائماً، كما لو تزوج المشرقي بمغربية ولم يلتقيا، وكما لو لم يكن الدخول ممكناً، بأن طلقها في المجلس عقب تزوجها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش»، ولم يذكر فيه اشتراط الوطء(64).

 

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: أن ثبوت النسب لا يكفي فيه مجرد العقد، ولا إمكان الدخول، بل لابد من تحقق الدخول؛ لأن العرف لا يعد المرأة فراشاً قبل البناء بها، فلا تصير فراشاً إلا بعد دخول محقق، ومجرد الإمكان قد يقطع بانتفائه عادة، فلا تصير المرأة فراشاً إلا بدخول محقق(65).

 

الشرط الثاني- أن يتصور الحمل من الزوج عادة؛ وذلك بأن يصل إلى سن معينة يمكنه معها الجماع أو الإنزال، قدرها الحنفية باثنتي عشرة سنة(66)، والمالكية والشافعية بتسع سنين(67)، والحنابلة بعشر سنين(68). ثم اختلفوا فيما عدا الصغير، من نحو: الخصي والعنين والمجبوب والممسوح، فاعتمدوا على الخبرة الطبية التي كانت لديهم(69).

 

الشرط الثالث- أن تلده الزوجة خلال مدة الحمل، وأقلها ستة أشهر بإجماع الفقهاء، فإذا وضعت الزوجة مولودها قبل مضي ستة أشهر من الزواج فإن الولد لا يثبت نسبه من الزوج، ولا يحتاج إلى نفيه لأنه ليس منه بيقين(70). أما أكثر مدة للحمل فقد اختلف فيها الفقهاء – بناء على الخبرة والملاحظة -: فعند الحنفية وأحمد في رواية أنها سنتان(71). والمشهور عن مالك أن أكثر مدة للحمل خمس سنين، وعندهم قول أنها أربع سنين، وقال ابن حزم ومحمد بن الحكم إن أقصى الحمل تسعة أشهر وهي المدة المعتادة(72). وقال الشافعية، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة، أن أكثر مدة الحمل أربع سنين(73). فإذا جاءت المتوفى عنها زوجها أو المطلقة طلاقاً بائناً بولد لسنتين فأقل ثبت نسبة من المتوفى أو المطلق عند الجميع، ما لم تتزوج خلال هذه المدة، إلا على رأي الظاهرية ومحمد بن الحكم المالكي. فإذا ولدت بعد السنتين لا يثبت النسب عند الظاهرية، وابن عبد الحكم، والحنفية، ويثبت عند الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إن ولد لأربع سنين، وفي المشهور عن مالك: يثبت النسب إذا ولدت لخمس سنين، كما تقدم.

 

ومع التطور الطبي الحديث: قرر الأطباء أن الطفل الذي يولد قبل تمام الشهر السادس لا يكون قابلاً للحياة(74). وأن الحمل المعتاد يستمر ما بين الأسبوعين التاسع والثلاثين والحادي والأربعين، فإذا تأخر إلى الأسبوع الثاني والأربعين أصبح الجنين في خطر؛ لأن الجنين يعتمد في غذائه على المشيمة، فإذا بلغ الحمل تسعة أشهر ضعفت المشيمة ولم تعد قادرة على إمداده بالغذاء الذي يحتاجه لاستمرار غذائه، فإن طالت المدة – ولم تحصل الولادة – مات الجنين داخل الرحم(75).

 

ونحن نرى: أن تحديد أقل وأكثر مدة للحمل ينبغي أن يعتمد على الحقائق الطبية المؤيدة بالأجهزة الدقيقة والتحاليل المختبرية، وليس على الروايات والشائعات والظنون. وعلى ذلك: لا يجوز أن تقل مدة الحمل عن ستة أشهر(76)، ولا تزيد عن سنة قمرية(77)، وفي غير ذلك تخضع المرأة لفحص دقيق يستوعب الحالات الشاذة.

 

ثانياً- النكاح الفاسد:

هو العقد الذي فقد شرطاً من شروط انعقاده أو صحته التي اختلف فيها الفقهاء، كالنكاح بدون ولي عند غير الحنفية، والنكاح بغير شهود عند غير المالكية، وهذا العقد غير صحيح ولا يترتب عليه بذاته أثر شرعي إلا إذا أعقبه دخول، فإن أعقبه دخول ترتب عليه بعض الآثار، مثل: وجوب المهر، ووجوب العدة، وحرمة المصاهرة، وقد اتفق الفقهاء على أن النسب يثبت بالزواج الفاسد؛ لأن النسب مما يحتاط في إثباته لحق الولد في النسب، وإحياء له، ولعدم تضييعه، وذلك إذا توافرت الشروط الثلاثة التي لابد منها لثبوت النسب بالزواج الصحيح(78).

 

ثالثاً- الوطء بشبهة:

المقصود بذلك: الوطء غلطاً فيمن تحل له في المستقبل ولا يوجب الحد(79)، كمن جامع مطلقته البائن في العدة ظاناً أن هذا من حقه، وكمن جامع امرأة زفت إليه على أنها زوجته ثم ظهر أنها غير ذلك.

 

ويرى جمهور الفقهاء أن الولد الناجم عن هذا الوطء يثبت نسبه من الواطئ؛ لأن الجهل بالحرمة يؤدي إلى درء الحد، والشبهة التي تؤدي إلى درء الحد يثبت بها النسب(80)، وذلك على التفصيل الآتي(81):
1-شبهة في الفاعل: مثل وطء أجنبية يظنها امرأته ثم تبين غير ذلك، يدرأ عنه الحد لوجود الشبهة، ويثبت نسب الولد إليه.
2-شبهة في المحل: وتتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة في ذاته، ولا تتوقف على ظن الجاني واعتقاده، كوطء المطلقة طلاقاً بالكنايات؛ لاختلاف الصحابة فيه، فمذهب عمر رضي الله عنه أنها تكون رجعية، ويرى علي رضي الله عنه أنها بائن «والنسب يثبت في شبهة المحل إذا ادعى الولد؛ لأن الفعل لما لم يكن زنى بشبهة في المحل نسب الولد بالدعوى؛ لأن النسب مما يحتاط فيه»(82).
3-شبهة اختلاف الفقهاء (شبهة الطريق): ويقصد بها الاشتباه في حكم الفعل من حيث الحل والحرمة لاختلاف الفقهاء. وذلك: كالنكاح بلا ولي – عند غير الحنفية -، والنكاح بلا شهود – عند غير المالكية -، فالوطء في هذه الأنكحة المختلف على صحتها لا يعتبر زنى ولا يحد عليه؛ لأن الاختلاف أورث شبهة تدرأ الحد، ومن ثم يثبت نسب المولود من الواطئ متى توافرت الشروط الثلاثة التي لا بد منها لثبوت النسب في الزواج الصحيح(83).

 

المطلب الثاني: أدلة ثبوت النسب (الفراش – القيافة – الإقرار – البينة – حكم القاضي)

أولاً- الفراش:

سبق أن بينا معنى الفراش لغة واصطلاحاً، كما أشرنا إلى مراتبه التي أوردها فقهاء المذهب الحنفي.

وقد اتفق الفقهاء من مختلف المذاهب على ثبوت النسب بالفراش، لما أخرجه الشيخان(84) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة(85) في غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله، ولد على فراش أبي من وليدته. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بيّناً بعتبة، فقال: «هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة». قالت: فلم ير سودة قط. فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم نسب الغلام لصاحب الفراش، على الرغم من الشبه البين بمن ادعاه.

 

وفي حديث آخر رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» (86).
فإذا تعينت المرأة للولادة لشخص واحد ثبت الفراش، والنسب فيه لا ينتفي إلا باللعان متى توافرت شروط ثبوت النسب التي أوردناها فيما سبق.
وقد ذكرنا – عند الحديث عن النكاح – أن الفقهاء ألحقوا بالنكاح الصحيح – في ثبوت النسب – كلاً من النكاح الفاسد والوطء بشبهة، متى توافرت شروط ثبوت النسب.

 

ثانياً- القيافة:

سبق أن بيّنا معنى القيافة في اللغة وفي الاصطلاح، كذلك أوردنا ما اشترطه الفقهاء الذين ذهبوا إلى إثبات النسب بالقيافة.

 

وقد اختلف الفقهاء في اعتماد القيافة كواحد من أدلة إثبات النسب على قولين:
1-فذهب الجمهور من المالكية(87) والشافعية(88) والحنابلة(89) إلى اعتماد القيافة في إثبات النسب عند التنازع وعدم وجود دليل أقوى منها، أو عند تعارض الأدلة الأقوى منها. واستدلوا بما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تري أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة ابن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» (90).
وفي سنن أبي داود أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة لأنه كان أسود شديد السواد مثل القار، وكان زيد أبيض مثل القطن(91).
فسرور النبي صلى الله عليه وسلم بقول القائف إقرار منه بجواز العمل به في إثبات النسب(92).

 

وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، فلا يستبعد أن يكون الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافياً في ثبوته(93).

 

واعتماد القيافة كدليل لإثبات النسب يعمل به – عند الشافعية والحنابلة – في إثبات نسب ولد الزوجة أو الأمة(94).
وهو رواية ابن وهب عن مالك(95)، والمشهور من مذهب مالك أن القيافة إنما يقضى بها في ملك اليمين فقط، لا في النكاح(96).

 

2-وذهب الحنفية إلى أن النسب لا يثبت بقول القافة؛ لأن الشرع حصر دليل النسب في الفراش، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش»، وغاية القيافة إثبات المخلوقية من الماء لا إثبات الفراش، فلا تكون حجة لإثبات النسب، وقد شرع الله عز وجل حكم اللعان بين الزوجين عند نفي النسب، ولم يأمر بالرجوع إلى قول القائف لأن مجرد الشبه غير معتبر، فلا يثبت النسب إلا بالنكاح أو ملك اليمين(97).

 

ثالثاً- الإقرار:

من معاني الإقرار في اللغة: الاعتراف، يقال: أقر فلان بحق، إذا اعترف به(98).
وفي اصطلاح الفقهاء: الإقرار هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر(99).
وذهب بعض الحنفية إلى أن الإقرار إنشاء، وذهب آخرون منهم إلى أنه إخبار من وجه وإنشاء من وجه(100).

 

والإقرار بالحق مشروع بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فمن الكتاب قوله تعالى: {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَق}(101)، وهو دليل على قبول إقراره.

 

ومن السنة: ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً بإقراره(102)، فإذا وجب الحد بإقراره على نفسه، فالإقرار بالنسب أولى.
وقد أجمعت الأمة على أن الإقرار حجة قاصرة على المقر، وذلك منذ عهد الرسالة إلى يومنا هذا، دون استثناء أو إنكار أحد له(103).

 

أما المعقول: فلأن العاقل لا يقر على نفسه كاذباً بما فيه ضرر على نفسه أو ماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه، لعدم التهمة وكمال الولاية(104).

 

وقد اتفق الفقهاء على أن الإقرار بالنسب حجة، ويثبت به النسب(105) إذا توافرت الشروط الآتية(106):
1-أن يكون المقر بالنسب مكلفاً (بالغاً، عاقلاً).
2-ألا يكذبه الحس، بأن يولد مثله لمثله.
3-ألا يكذبه الشرع، بأن يكون مجهول النسب، ولا يدعيه شخص آخر.
4-أن يصدقه المقر له على إقراره إذا كان مميزاً.

 

وكان الإقرار معمولاً به – غالباً – في استلحاق أولاد الإماء، ولكن يمكن الأخذ به الآن بعد أن تعددت أسباب النكاح الصحيح – غير الموثق – ونتج عنه ما لا يحصى من الأولاد.

ومع ذلك: فالفقهاء يعتبرون أن الإقرار لا يؤكد ثبوت النسب إذا عارضه دليل أقوى منه؛ فلو أقر رجل بأن هذا الولد ابنه وثبت نسبه منه، ثم ادعاه رجل آخر وأقام البينة على أنه ابنه(107)، فإنه يقضى بثبوت نسب الولد ممن أقام البينة ويبطل نسبه من المقر(108).

 

5-يشترط جمهور الفقهاء لصحة الإقرار بالنسب ألا يذكر المقر أن هذا الولد هو ابنه من الزنى(109)، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من ادعى ولداً من غير رِشْدَةٍ فلا يرث ولا يورث» (110).

 

يقول ابن رشد(111): «واتفق الجمهور على أن أولاد الزنى لا يلحقون بآبائهم إلا في الجاهلية .. وشذ قوم فقالوا: يلحق ولد الزنى في الإسلام، أعني: الذي كان عن زنى في الإسلام». من هؤلاء: إسحاق بن راهويه، والحسن البصري، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وابن تيمية، ويرى ابن القيم أن القياس الصحيح يقتضيه؛ لأن الأب أحد الزانيين، والولد يلحق بأمه وينسب إليها ويرثها وترثه .. وقد وجد الولد من ماء الزانيين واشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما، فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره؟ فهذا محض القياس(112).

 

ونحن نتفق مع ما ذهب إليه الجمهور؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: «من ادعى ولداً من غير رِشْدَة فلا يرث ولا يورث» صريح في نفي نسب الولد؛ لأن قولهم: هو لرِشْدة، معناه: أنه صحيح النسب(113)، وقولهم: هو لرِشْدة، ضد قولهم: لزِنْية(114). وقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» معناه: أن الزاني ليس له إلا الخيبة والحد؛ ذلك أن النسب نعمة، والزنى نقمة، والنقمة لا تكون سبباً للنعمة، ومع هذين الحديثين لا يجوز إجراء قياس صحيح. ويؤيد ما اخترناه حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن استلحقه الورثة بعد موت المورث: أنه إن كان من أمة كان يملكها المورث حين أصابها فإنه يلحقه من وقت الاستلحاق، ما لم يكن المورث قد أنكره قبل موته، وإن كان من أمة لم تكن مملوكة له، أو من حرة عاهر بها، فإنه لا يلحقه ولو كان هو الذي ادعاه في حياته(115).

 

الإقرار بنسب محمول على الغير:

أجمعت الأمة على أن الإقرار حجة قاصرة على المقر وحده، لقصور ولاية المقر عن غيره، فيقتصر عليه(116). وعلى ذلك: إذا ادعت زوجة أو معتدة، أن هذا المولود ابنها ثبتت نسبته إليها، ولا يثبت نسبه من زوجها إلا إذا صدقها؛ لأنها تقتضي تحميل النسب على الغير، فإن كذبها الزوج لم يصح إقرارها إلا إذا قامت البينة على ولادتها له، وحينئذ يثبت نسبه بالفراش متى توافرت شروطه التي تقدمت.

 

وإذا أقر أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت نسبه – بالإجماع – لأن النسب لا يتبعض، فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر، ولا يمكن إثباته في حقهما لأن أحدهما منكر ولم توجد بيّنة يثبت بها النسب(117). أما إذا أقر جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الميراث، ثبت نسبه، سواء أكان الورثة واحداً أو أكثر، ذكوراً أم إناثاً؛ لأنه حق يثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه العدد، ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر فيه العدد(118)، وعند أبي حنيفة لا يثبت النسب إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين(119). وقال مالك: لا يثبت إلا بإقرار رجلين؛ لأن فيه تحميلاً للنسب على الغير فاعتبر فيه العدد كالشهادة(120).

 

الرجوع عن الإقرار بالنسب:

إذا ثبت النسب بالإقرار ثم أنكر المقر لم يقبل إنكاره، لأنه نسب ثبت بحجة شرعية فلم يزل بإنكاره، كما لو ثبت ببيّنة أو بالفراش، وعند الشافعية والحنابلة وجه: أنه إن أقر بالغ عاقل بالنسب، ثم رجع عن الإقرار وصدقه المقر له أنه يسقط النسب؛ لأنه ثبت باتفاقهما فزال برجوعهما، كالمال. والأصح – عند الجميع -: أن النسب إذا ثبت لا يسقط بالاتفاق على نفيه، كالنسب الثابت بالفراش. وفارق المال؛ لأن النسب يحتاط لإثباته(121).

 

رابعاً- البيّنة:

البيّنة –في اللغة– الحجة القوية والدليل، وعرفها الراغب بأنها الدلالة الواضحة عقلية أو محسوسة، وجمعها: بينات(122).

 

تعريف البينة عند الفقهاء:

1-قال ابن القيم: البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره(123)، ووافقه على هذا التعريف ابن تيمية وابن فرحون(124).
2-وقال ابن حزم: إن البينة تشمل الشهود وعلم القاضي؛ لأن الحق يتبين بهما حقيقة(125).
3-وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن البينة معناها: الشهادة والشهود؛ لأن الأغلب في البينات الشهادة، لوقوع البيان بقول الشهود وارتفاع الإشكال بشهادتهم(126). والمقصود بالبينة في هذا الموضع يقتصر على الشهادة؛ لما بيناه من قبل: أن النسب يثبت بالفراش، وبالقيافة، وبالإقرار.

 

وقد ثبتت مشروعية الشهادة – كدليل إثبات – بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (127).

 

ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: «شاهداك أو يمينه» (128).
وقد انعقد الإجماع على مشروعية الشهادة لإثبات الدعاوى(129).

 

أما المعقول: فلأن الحاجة داعية إليها لحصول التجاحد بين الناس، فوجب الرجوع إليها حتى لا تضيع الحقوق وتنتهك الأعراض(130).

 

وقد اشترط الفقهاء لقبول الشهادة شروطاً، بعضها يرجع إلى الشاهد، وبعضها يرجع إلى الشهادة نفسها، ومنها ما يرجع إلى المشهود به، ومنها ما يرجع إلى نصاب الشهادة، وتفصيل هذه الشروط مبسوط في كتب الفقه(131).

 

والشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه، ولكن توجب على الحاكم أن يحكم بمقتضاها؛ لأنها إذا استوفت شروطها مظهرة للحق، والقاضي مأمور بالقضاء بالحق(132).

 

وقد اختلف الفقهاء في البيّنة التي يثبت بها النسب:

1-فعند أبي حنيفة ومحمد: هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين(133).
2-وعند المالكية: هي شهادة رجلين فقط(134).
3-وعند الشافعية والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفية: هي شهادة جميع الورثة بالنسب، وذلك بمعاينة المشهود به أو سماعه(135).

 

واتفق الفقهاء على جواز إثبات النسب بشهادة السماع(136)؛ إذ لا سبيل إلى معرفته قطعاً بغيره، ولا تمكن المشاهدة فيه. غير أن الفقهاء مختلفون في شروطهم لقبول الشهادة بالتسامع لإثبات النسب:

- فاشترط الحنفية أن يكون النسب مشهوراً؛ فلا يقبل من أحد أن يشهد به إلا إذا أخبره به من يثق الشاهد به من خبر جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب، بلا شرط عدالة أو شهادة عدلين(137).
- وكذلك المالكية: يجيزون الشهادة على السماع في النسب المشهور «مثل: نافع مولى ابن عمر» (138).
- وعند الشافعية: يشترط العدد أو الاستفاضة بالنسبة للنسب؛ لأن النسب أمر لا مدخل للرؤية فيه، فدعت الحاجة إلى اعتماد الاستفاضة، إلا إذا عارضها ما يورث تهمة أو ريبة، بأن يسمعه من جمع كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ويؤمن تواطؤهم على الكذب، ولا يشترط الحرية ولا الذكورة ولا العدالة(139).
- وعند الحنابلة: ما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به، وهو ما يعلمه بالاستفاضة، وأجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب والولادة(140).

 

وبهذا أخذت محكمة النقض المصرية حين قضت بأن: «النسب كما يثبت بالفراش والإقرار، يثبت بالبيّنة، بل البيّنة في هذا المجال أقوى من مجرد الدعوى والإقرار. ولا يشترط لقبولها معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد – إن كان -، وإنما يكفي أن تدل على توافر الزواج والفراش بمعناه الشرعي» (141).

 

خامساً- حكم القاضي:

ذهب الحنفية والحنابلة، والشافعية في وجه: إلى أن الشهادة على النسب لا تقبل من غير دعوى؛ لأن النسب حق لآدمي، وحقه لا تقبل فيه شهادة الحسبة(142). وذهب الشافعية – في الصحيح(143)- إلى أن شهادة الحسبة تقبل في حقوق الله تعالى، ومنها النسب؛ لأن في وصله حقاً لله تعالى.

 

وحكم القاضي بالنسب يعد دليلاً مستقلاً؛ لأنه قد لا يذكر فيه مستند الحكم، ولأن مستنده قد يكون مختلفاً في اعتباره مستنداً، فإذا حكم بمقتضاه ارتفع الخلاف فيه، وكان الحكم طريق الثبوت(144).

 

وحكم القاضي بثبوت النسب ينفذ على المحكوم عليه وعلى غيره ممن لم يدخل في الخصومة؛ لأن الحكم على الحاضر حكم على الغائب في مسائل منها النسب(145).

 

ودعوى النسب يغتفر فيها التناقض(146) متى كانت دعوى مباشرة، وفي هذا يقول الكاساني: «يثبت النسب وإن كان منهما تناقض؛ لأن التناقض ساقط الاعتبار شرعاً في باب النسب» (147). وقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية: من المقرر في قضاء هذه المحكمة: أن التناقض لا يمنع سماع الدعوى إذا وجد ما يرفعه بإمكان حمل أحد الكلامين على الآخر .. وإذ تبين من الأوراق: أن دعوى الطاعنة على المطعون عليه بثبوت نسب ابنتها منه أنه تزوجها بعقد صحيح عرفي، وعاشرها معاشرة الأزواج، ورزقت منه على فراش الزوجية بابنتها، وكان ما أثبتته الطاعنة في الشهادة الإدارية التي قدمتها مع طلب الحج من أنها لم تتزوج بعد طلاقها من زوجها الأول، هذا القول لا ينفي لزوماً أنها زوجة للمطعون عليه بعقد عرفي، وإنما ينصرف إلى نفي زواجها بوثيقة رسمية .. لما كان ذلك فلا يكون هناك تناقض بين الكلامين يمنع سماع الدعوى(148).

 

المطلب الثالث: نفي النسب

أوردنا فيما سبق تعريف النفي في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء، وقلنا: إن المقصود بنفي النسب هو إنكار نسب المولود إلى أبيه. وقد اتفق الفقهاء على أن النسب حق الصغير، فإذا ثبت هذا الحق فإنه لا يجوز لمن لحق به إسقاط هذا الحق، فمن أقر بابن، أو هنئ به فسكت أو أمَّن على الدعاء، أو أخَّر نفيه مع إمكان النفي فقد التحق به، ولا يجوز له إسقاطه بعد ذلك(149).

 

وقد ذكرنا أن الفراش قرينة قوية، فإذا شك الزوج في نسبة الولد إليه لا يكون أمامه إلا إجراء اللعان، متى توافرت شروطه؛ بأن يكون كل من الزوجين مكلفاً، مسلماً أو كافراً، عدلاً أو فاسقاً، لأن اللعان مجرد أيمان وإن سمي شهادات، فإذا تم اللعان بين الزوجين انتفى الولد عن الزوج وينسب إلى أمه(150).

 

ويرى الحنفية أن اللعان شهادات مؤكدة بالأيمان، فمن ليس من أهل الشهادة لا يكون أهلاً للعان؛ وعلى ذلك إذا كان أحد الزوجين محدوداً في قذف، أو كانت الزوجة كتابية، فلا يصح اللعان، ويظل نسب الولد ثابتاً من الزوج، فلا يستطيع نفيه(151).

 

وبما أن النسب حق الصغير فإنه لا يقبل التحكيم ولا التصالح، ولهذا قال الحنفية(152): إذا نفى ولد حرة فصدقته لا ينقطع نسبه لتعذر اللعان؛ لما فيه من التناقض. ولا يعتبر تصادقهما على النفي؛ لأن النسب يثبت حقاً للولد، وفي تصادقهما على النفي إبطال حق الولد، وهذا لا يجوز.

 

وعند المالكية: إذا تصادق الزوجان على نفي الحمل نفي بغير لعان وجدت الزوجة، وقاله مالك. وقال أكثر الرواة: لا ينفى إلا بلعان، وقاله مالك أيضاً(153).

 

المبحث الثاني: دور البصمة الوراثية في إثبات النسب ونفيه

يتضمن هذا المبحث مطلبين: يخصص أولهما لبيان كيفية إجراء البصمة الوراثية، ونستعرض في الآخر مجالات إعمال البصمة الوراثية.

 

المطلب الأول: كيفية إجراء البصمة الوراثية

سبق أن ذكرنا أن نتائج بصمة الجينات الوراثية عالية جداً بما يؤكد اعتبارها قرينة قطعية بنيت على دليل علمي محسوس يثبت بما لا يدع مجالاً للشك الأبوة والأمومة البيولوجية، ولهذا يؤخذ بها في إثبات النسب ما لم يعارضها دليل آخر له ملحظ شرعي في قضايا النسب.

 

وتتلخص إجراءات فحص وتحليل المادة الوراثية في الآتي(154):

1-جمع ورفع العينات الحيوية بعناية بالغة حتى يمكن الاستفادة منها في تحديد الأنماط الوراثية، وذلك بمراعاة طبيعة العينة الحيوية (سائلة أو جافة)، مع مراعاة توثيق خطوات الرفع والنقل إلى المختبر.

2-تحريز ونقل وحفظ العينات الحيوية، وتتوافر في المختبرات – عالية التقنية – أحراز مختلفة الأنواع والأحجام تساعد على حفظ العينات بحالة جيدة.
3-إجراء الاختبارات والفحوص على العينات الحيوية للتأكد من ماهيتها وتحديد هويتها، ولا يتم فحص المادة الوراثية إلا بعد التحقق من العينة الحيوية والتأكد من مصدرها.
4-استخلاص المادة الوراثية من العينات الحيوية، وذلك باستخلاص المادة الوراثية لكل من الذكر والأنثى بمعزل عن بعضهما، حتى تظهر النتائج من مصدر واحد بدون اختلاط، ويمكن بالتالي تحديد النمط الوراثي لكل منهما بشكل منفرد.
5-مرحلة التقدير الكمي بالتعرف على الكمية الموجودة من المادة الوراثية في العينة الحيوية، وتعود أهمية هذه المرحلة إلى أن كمية المادة الوراثية إن زادت عن التركيز المطلوب أو قلّت عنه فإنها تؤثر في النتيجة الصحيحة.
6-مرحلة التفاعل الأنزيمي الذي يعمل على مضاعفة نسخ المواقع الوراثية المحددة في العينة موضع الفحص، مما يسمح بإمكانية قراءة سلاسل الوحدات البنائية المكونة لكل موقع وراثي محدد.
7-مرحلة التحليل الجيني بواسطة جهاز التحليل الذي يقوم بفصل السمات الوراثية لكل موقع وراثي والتعرف عليها بخاصية الفصل الكهربي التي تظهر في النتيجة النهائية في رسم بياني على شكل أرقام.
8-قراءة النتائج وتفسيرها للتأكد من صحة الأنماط الوراثية الناتجة من تحليل المادة الوراثية في أجهزة الحقن. ولكل مختبر معاييره الخاصة في تفسير وقراءة النمط الوراثي، واستخدام وإنشاء قواعد البيانات، بناء على دراسات تقيِّم صلاحية الأجهزة والمحاليل المستخدمة في الفحص.
9-كتابة التقرير الفني، إما بتطابق الأنماط الوراثية لعينة جيوية مع الأنماط الوراثية لعينة أخرى، أو بعدم المطابقة بينهما، وإما بانعدام القطعية لعدم جودة العينة الحيوية محل الفحص – مثلاً -.

 

من أجل ذلك: أوصى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في شهر شوال 1422هـ بما يلي:
أ-أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الخاص – الهادف للربح – من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى.
ب-تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون والأطباء والإداريون، وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية واعتماد نتائجها.
ج- أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وأن يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضرورياً، دفعاً للشك.

 

المطلب الثاني: مجالات إعمال البصمة الوراثية

أولاً- على الرغم من اعتبار نتائج البصمة الوراثية قطعية الدلالة، فلا يعمل بها في قضايا النسب إذا تعارضت مع نص من الكتاب أو السنة أو مع الإجماع الثابت؛ ذلك أن للشريعة مقاصد صحيحة في قضايا النسب، فقد أهدرت النسب في واقعة الزنى، حتى لو أكدت جميع الدلائل أن الولد متخلق من ماء الزاني، فإن النسب لا يثبت(155)؛ لأن النسب نعمة، والزنى نقمة، فلا يستحق صاحبه النعمة(156).

 

ولهذا أجمع الفقهاء على أن الفراش الصحيح هو الأصل الشرعي المقرر في إثبات النسب، فلا يعارض بشبه ولا إقرار، ولا يعمل معه بقيافة أو نحوها؛ لأن الفراش أقوى دليل على ثبوت النسب، اعتباراً بقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش» (157)، يقول ابن القيم: "نقول نحن وسائر الناس: إن الفراش الصحيح إذا كان قائماً فلا يعارض بقيافة ولا شبه"(158)؛ لأن الشريعة متشوفة إلى الستر بين الناس، والحفاظ على تماسك الأسر، تشوفها إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، فلا يجوز – مع استقرار العلاقة الزوجية – طلب الفحص الطبي للتأكد من النسب؛ لأن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار في المجتمع، وإنه منهي عنه بقول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)) (159)، فقد أخرج البخاري حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلما أكثروا عليه المسألة غضب وقال: سلوني. فقام رجل فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة. ثم قام آخر فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك سالم مولى شيبة. فلما رأى عمر رضي الله عنه ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب قال: إنا نتوب إلى الله عز وجل» (160).

 

كما أخرج حديث أنس رضي الله عنه: «فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت هذه الآية» (161).

 

يقول الرازي الجصاص تعليقاً على ذلك(162): "فأما عبدالله بن حذافة فقد كان نسبه من حذافة ثابتاً بالفراش، فلم يحتج إلى معرفة حقيقة كونه من ماء من هو منه، ولأنه كان لا يأمن أن يكون من ماء غيره، فيكشف عن أمر قد ستره الله تعالى ويهتك أمه ويشين نفسه بلا طائل ولا فائدة له فيه، لأن نسبه حينئذ مع كونه من ماء غيره ثابت من حذافة، لأنه صاحب الفراش، فلهذا كان من الأسئلة التي كان ضرر الجواب عنها عليه كان كثيراً لو صادف غير الظاهر، فكان منهياً عنه"(163).

 

ومجمل القول: أن نتائج البصمة الوراثية إذا عارضت فراش الزوجية الصحيح – كما سبق تحديده – فإنه يعمل بقرينة الفراش، وتهدر قرينة البصمة الوراثية. وهذا ما أخذت به المحاكم في المملكة؛ ففي صك شرعي صادر من المحكمة الكبرى بجدة في سنة 1414هـ ورد ما يلي: ".. وحيث إن الإسلام يتشوف إلى ثبوت النسب، وحيث إن الفحوص الوراثية غير معصومة من الخطأ، والأصل إثبات النسب، وإمكانية إثبات النسب في هذه القضية واردة، بل هي الأقوى؛ لوجود عقد النكاح، والدخول، والجماع لعدة مرات، ووضع الحمل بعد تسعة أشهر من الجماع، كل ذلك يؤكد إثبات النسب" وتأكد هذا النظر بقرار محكمة التمييز في 1417هـ، ومما جاء فيه: "إفهام المدعى عليه بأن حكم الله ورسوله: أن الولد للفراش، فما دام أن المدعية زوجة، ومدخول بها، وقد جامعها المدعى عليه، لم يبق مجال للتشكيك في الولد"(164).

 

ثانياً- في غير حالات النسب الثابت المستقر، إذا وجد نزاع بشأن تردد نسب مولود بين شخصين، فيمكن الالتجاء إلى فحوص البصمة الوراثية:

أ) فتقبل نتائج فحوص البصمة الوراثية في جميع الحالات التي قبل فيها جمهور الفقهاء إثبات النسب بالقبافة؛ لأن مبنى القيافة اعتبار الشبه والتفرس بالنظر إلى بعض الأعضاء، ومبنى البصمة الوراثية النظر العلمي والفحص المختبري، وهذا يجعل منها دليلاً أقوى من القيافة، وهذا ما ورد في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية: "البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، والتحقق من الشخصية، ولا سيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية، وتمثل تطوراً عصرياً عظيماً في مجال القيافة الذي يذهب إليه جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى"(165).

 

ب- وتقبل نتائج البصمة الوراثية في تحديد أنساب الأشخاص الذين ماتوا أو قتلوا في ظروف غامضة، كالحروب والفتن، أو الحريق والغرق والهدم وحوادث الطرق وسقوط الطائرات.. ونحو ذلك.

 

ج- وتقبل نتائج البصمة الوراثية في إثبات النسب عند اختلاط المواليد في المستشفيات والحضانات، وفي حالات الاشتباه لدى أطفال الأنابيب ونحوهم.

 

د- وتقبل نتائج البصمة الوراثية في تحديد أم اللقيط أو المنبوذ، وعند التنازع في إلحاق مجهول النسب.

 

هـ- وتقبل نتائج البصمة الوراثية في إقناع الزوج الذي يعتزم إجراء اللعان لنفي ولده، وقد تم ذلك فعلاً في محكمة الرياض الكبرى، وزال الشك من نفس الزوج، كما زال الحرج عن الزوجة وأهلها(166).

 

و- ونرى – والله أعلم – أن نتائج البصمة الوراثية تقدم في إثبات النسب على الإقرار والاستلحاق عند التنازع، كما تقدم على الشهادة بإثبات النسب؛ ذلك أن كلاً من الإقرار والشهادة دليل ظني يحتمل الصدق والكذب والشك والارتياب، ويجرى عليه الوهم والنسيان، أما نتائج البصمة الوراثية فهي شبه مقطوع بها. وقد قرر الفقهاء أن الإقرار – إذا توافرت شروطه – لا يؤكد ثبوت النسب، فلو أقر رجل بأن هذا الطفل ابنه، وثبت انتسابه إليه، ثم ادعاه رجل آخر وأقام البينة على أنه ابنه، فإنه يقضى بثبوت نسب الطفل ممن أقام البينة، ويبطل نسبه من المقر(167). ولا شك في أن الالتجاء إلى فحص البصمة الوراثية يحل هذا الإشكال؛ فيثبت النسب الحقيقي للولد.

 

ثالثاً- أثر البصمة الوراثية في تصحيح النسب:

1- يقصد بتصحيح النسب: الإجراء الذي تقوم به السلطة القضائية لإصلاح خطأ شاب نسب شخص برده إلى أصله الشرعي(168). ويكثر هذا الخطأ في المجتمعات القبلية، حيث تتولى أسرة ميسورة تربية طفل من أسرة فقيرة، فينسبه رب الأسرة إليه لتيسير الإجراءات التعليمية والصحية للطفل، وبعدما يبلغ أشده ويظهر نبوغه ترفع أسرته الدعوى وتقيم البينة لتصحيح نسبه، أو يرفع هو الدعوى طالباً انتسابه إلى أسرته الحقيقية، ويلجأ القضاء – في مثل هذه الحالة – إلى طلب تقرير الفحص الوراثي، للتأكد من دعوى المدعي(169).

 

2- وقد ينسب مولود إلى شخص عن طريق الخطأ أو الغش ثم يظهر بعد ذلك أنه ليس أباه، فيفصل القاضي في الدعوى بناء على البينة، لتصحيح نسب المولود. والصواب أن يلجأ القاضي إلى طلب تحليل الحمض النووي؛ لأنه أقوى في الدلالة على صحة النسب، وقد ذكر الفقهاء أنه لو أقر رجل بأن هذا الطفل ابنه، وتوافرت شروط الإقرار بالنسب، ثبت نسب الطفل من المقر. فإذا ادعاه رجل آخر وأقام البينة على أن هذا الطفل ابنه، حكم القاضي بثبوت نسب الطفل ممن أقام البينة، ويبطل نسبه من المقر(170). ونحن نرى أن تصحيح النسب في هذه الحالة ينبغي أن يبنى على نتائج فحص البصمة الوراثية، لأنها أقوى في الدلالة على صاحب الماء، ويتحقق بها سد الذريعة إلى التبني المنهي عنه شرعاً(171).

 

3- يحدث في مستشفيات الولادة أن ينسب المولود إلى شخص معين، ثم يتضح بعد ذلك وجود خطإ بشري في هذه النسبة(172)، وقد قضت إحدى المحاكم الفرنسية – في 20/4/1436هـ - بتغريم إحدى مستشفيات الولادة مبلغ 500 مليون يورو؛ كتعويض لإحدى الأسر نتيجة تسليمها ابنة غير ابنتها، وظلت تربيها أكثر من عشرين سنة إلى أن أثبتت فحوص D.N.A حقيقة النسب، ولتصحيح هذا الخطأ في النسبة طريق واحد هو الفحص المختبري، بناء على قرينة اختلاف فصائل الدم، أو نتيجة لتحليل بصمة الحمض النووي.
وشبيه بذلك ما قد يحدث من اختلاط الأطفال الخدج داخل الحضانات، أو ما قد يحدث من خطإ في صاحب النطفة في حالات أطفال الأنابيب، ونحو ذلك، فطريق تصحيح النسب هو تحليل البصمة الوراثية.

 

4- اختلف الفقهاء في الحالة التي يحكم فيها القائف بنسبة طفل إلى رجلين: فذهب الحنفية إلى عدم اعتماد قول القائف؛ لأن الشرع حصر دليل النسب في الفراش(173). وذهب المالكية والشافعية(174) إلى أن المولود لا يلحق إلا برجل واحد، فإذا قضى القافة باشتراك رجلين أو أكثر فيه، يؤخر الولد إلى حين بلوغه، فيخير في الالتحاق بمن شاء منهم، بناء على الميل الفطري بين الولد وأصله. ورجح الحنابلة(175) إطلاق العمل بقول القافة، فإن ألحقوه بواحد لحق به، وإن ألحقوه باثنين أو أكثر التحق بهم جميعاً.

 

5- نقل بعض الفقهاء إجماع الأطباء على استحالة تخلق الجنين من ماء رجلين؛ لأن الوطء في نفس الطهر لابد أن يكون على التعاقب، وإذا اجتمع ماء الأول مع ماء المرأة وانعقد الولد منه حصلت عليه غشاوة تمنع من اختلاط ماء الثاني بماء الأول(176). وهذا هو ما قرره الطب الحديث، حيث أكد استحالة أن يتخلق الإنسان من مني رجلين مختلفين(177).

 

وعلى هذا: فإن بصمة الحمض النووي تعد قرينة قاطعة في تصحيح النسب، إذا حكم القائف بنسبة طفل إلى رجلين أو أكثر، نتيجة نكاح فاسد أو وطء بشبهة، أو تنازع اثنان فأكثر نسب المولود أو اللقيط، والله أعلم.

 

رابعاً-أثر البصمة الوراثية في نفي النسب:

1- المراد من نفي النسب هنا: أن يُبعد الرجل عنه حملاً أو مولوداً وينكر أنه من مائه أو أنه ينتسب إليه(178).
ويحدث هذا كثيراً عندما يشك الزوج في سلوك زوجته أويراها في حالة تلبس مع رجل آخر، أو يجد أن صفات المولود تخالف صفاته كأن يكون أسود البشرة ويجيء الولد أشقر أو العكس. وقد حدث أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكرته، فقال صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل؟» فقال: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: «فما ألوانها؟» قال: حمر، فقال صلى الله عليه وسلم: «هل فيها من أورق؟» قال: إن فيها لورقا، فقال صلى الله عليه وسلم: «فأنى ترى ذلك جاءها؟» قال: يا رسول الله عرق نزعها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لعل هذا عرق نزعه» (179). ففي هذه الواقعة لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي في نفي نسب الولد لمجرد مخالفته في الشبه. وعلى العكس من ذلك: أقر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد الشبه لإثبات النسب في قصة أسامة وزيد، حيث كان المشركون يطعنون في نسب أسامة من زيد لاختلاف اللون، فلما عرضا على القائف "مجزز المدلجي" قال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض(180).

 

2- وقد اجمع الفقهاء على أن فراش الزوجية – الصحيح – هو الأصل الشرعي المقرر في إثبات النسب(181)، فإذا ادعى الزوج أن حمل زوجته أو ولدها ليس منه فلا طريق لنفي نسبه إلا اللعان.

 

3- واللعان شهادات(182) تجري بين الزوجين مؤكدة بالأيمان، مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة(183)، جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به، أو إلى نفي ولد(184). وقد شرع اللعان – رغم ما فيه من التشهير والتغليظ – لسد باب الخوض في الأعراض، فلا يقدم عليه إلا من تيقن أن الحمل أو الولد ليس منه، أما مجرد الشك من الزوج فلا يستدعي أن يستجلب لنفسه لعنة الله، ويعرض النسب الثابت بالفراش للجرح والخدش أمام القاضي وشهود اللعان.

 

4- من أجل ذلك لا يجوز إجراء اللعان إلا إذا كانت الزوجية قائمة بين الرجل وامرأته وقت القذف، وكان الزواج صحيحاً لا تشوبه شبهة ولا فساد، لأن الله تعالى خص اللعان بالأزواج، فقال: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ))(185).
ويشترط لنفي نسب المولود: الفورية، فلو علم الزوج بالحمل أو الولادة وسكت عن نفيه بعد علمه لا يمكن من إجراء اللعان(186). كما يشترط ألا يكون الزوج قد أقر بالولد صراحة – كقوله هذا ولدي – أو دلالة – كقبوله التهنئة بالمولود - (187).
وكذلك إذا جامع زوجته بعد علمه بالحمل أو الوضع(188). ففي هذه الحالات وأمثالها لا يجوز اللعان.

 

5- ولا يجوز اللعان في حق من لا يمكن نسبة الولد إليه لعدم إمكان الوطء، أو لوضع الزوجة مولوداً قبل مضي ستة أشهر من الزواج، حيث قرر الفقهاء أن من يدعي نفي نسب مولود لا يمكن نسبته إليه، فإن نسب الولد ينتفي عنه بدون لعان(189).
وعلى هذا جرى عمل القضاء(190).

 

6- هل يمكن أن تحل البصمة الوراثية محل اللعان، فيكتفى بنتائجها في نفي نسب الولد؟ انقسم الباحثون المعاصرون في حكم هذه المسألة إلى فريقين:
الفريق الأول(191): يرى أن البصمة الوراثية يمكن أن تحل محل اللعان؛ لأن الزوج يلجأ إلى اللعان لنفي نسب المولود عندما يفقد الشهود الأربعة بواقعة زنى امرأته، ومع التقدم التقني في مجال البصمة الوراثية ودقة نتائجها وقطعية دلالتها، فإن هذا يكفي للشهادة على ما يدعيه الزوج.
والفريق الآخر(192): يرى أن البصمة الوراثية لا تعتبر مساوية للعان ولا يجوز تقديمها عليه في نفي النسب؛ لأن حديث: «الولد للفراش» دليل مجمع عليه(193)، فلا تقوى نتائج البصمة الوراثية على معارضته، ولا يقوى عليه إلا اللعان، فإنه تترتب عليه آثار أخرى غير نفي النسب، كالفرقة المؤبدة بين الزوجين، وسقوط حد القذف عن الزوج، ولا يقام حد الزنا على المرأة.

 

7- ونحن لا نتفق مع من يرون أن البصمة الوراثية يمكن أن تحل محل اللعان في نفي نسب الحمل أو المولود على فراش الزوجية، ونتمسك بما جاء في قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي(194) من أنه: "لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان"؛ فقد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم الشبه مقابل اللعان(195).
أما في الحالات التي ليس فيها لعان، فنرى أن البصمة الوراثية تقدم – في إثبات النسب أو نفيه – على غيرها من الوسائل، كالإقرار وشهادة الشهود والقيافة والقرعة وغير ذلك؛ فهذه كلها أدلة ظنية احتمالية، أما نتائج تحليل الحمض النووي – بعد اتخاذ جميع الاحتياطات العلمية – فإنها دليل شبه قطعي، بني على أسس علمية ورقابة طبية، وتلقته المجامع البحثية والأوساط الطبية العالمية والقضاء في أكثر الدول بالقبول، لما تواتر من الارتفاع الهائل في نسبة نجاحه.

 

8-في سابقة هي الأولى من نوعها في عالم الطب، أمكن إيجاد أطفال ينتمون – بيولوجياً – إلى رجل وامرأتين؛ وذلك بتخصيب بويضة امرأة بمني رجل خارج الرحم، بحيث يتخلق الطفل من (22000) جين نصفها من الرجل ونصفها من المرأة في المرحلة الأولى، وبعد ذلك تعزل هذه الجينات وتدمج مع (7000) جين من امرأة أخرى (الأم المتبرعة)، لتتكون نطفة جديدة تشتمل على جينات مأخوذة من ثلاثة أشخاص، ثم تزرع هذه النطفة المخصبة في رحم امرأة (الأولى أو الثانية) حتى يكتمل نموها وتصير جنيناً ثم طفلاً.

 

والذي دعا العلماء إلى هذه الطريقة وجود عدد من الأطفال الذين ولدوا يحملون أمراضاً وراثية، وقد لا يستطيعون القيام بالحركات المعتادة التي يقوم بها الأطفال الأسوياء، فإضافة (7000) جين من امرأة أجنبية تسهم في حماية هؤلاء الأطفال من الأمراض الوراثية.

 

وقد وافق البرلمان البريطاني – بالأغلبية – على السماح باستخدام الحمض النووي لثلاثة أشخاص (رجل وامرأتين) في إنجاب أطفال الأنابيب، وذلك بجلسته المنعقدة بتاريخ 3/2/2015م - 14/4/1436هـ، مما أثار ردود فعل غاضبة في المحيط الديني والاجتماعي(196).

 

ونحن نرى – والله أعلم – أن الرجل إذا كان متزوجاً بالمرأتين معاً فإن المولود ينسب إليه، وتكون أمه هي التي ولدته. ومن المعلوم أن تعدد الزوجات محظور في الغرب لمخالفته للنظام العام، وعلى ذلك: ينسب الولد إلى صاحب الماء – إن كان زوجاً لإحدى المرأتين – وتكون أمه هي التي ولدته، ولا شيء للأخرى (الأم المتبرعة)، أما إن كانت العملية برمتها خارج نطاق الزوجية فلا نرى مجالاً للبحث في النسب.
والأسلم: عدم الالتجاء إلى مثل هذه المحاولات التي تؤدي إلى اختلاط الأنساب وتغيير خلق الله.
والله من وراء القصد.

 

خاتمة

في نهاية هذا البحث الموجز يمكن الخروج بالنتائج الآتية:
1- المرجع في كل شيء إلى الصالحين من أهل الخبرة به(197).
وما أشكل أمره من الأمراض رجع فيه إلى قول أهل المعرفة، وهم الأطباء أهل الخبرة بذلك والتجربة والمعرفة(198).
وقد ثبت علمياً ومخبرياً أن البصمة الوراثية قرينة قاطعة على تحديد صاحب المني وصاحبة البويضة التي تخلق منها الولد.
2- اتفق الفقهاء على أن الأحكام الاجتهادية التي بنيت على الأعراف والعادات يجوز أن تتغير لتحل محلها أحكام جديدة يراعى فيها مستجدات الأعراف والعادات، والمكتشفات التقنية التي بنيت على البحث العلمي والفحص المختبري، بما يدفع الحرج، ويرفع الضرر، ويحقق مصالح العباد.
3- شريعة الإسلام متشوفة إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، والستر على المسلمين، والحفاظ على الترابط العائلي؛ ولذلك قررت إثبات نسب المولود بقرينة الفراش
- إذا توافرت شروطه - للحديث الصحيح: «الولد للفراش»، ولا يجوز نفي هذا النسب إلا بإجراء اللعان.
4- البصمة الوراثية قرينة قاطعة على الوالدية البيولوجية، ومع ذلك فإنها لا تصلح لإثبات النسب في حالة الزنى؛ لأن النسب نعمة والزنى نقمة، فلا يستحق فاعله النعمة.
5- في غير الحالة التي يجب فيها اللعان، نرى أن البصمة الوراثية تقدم على غيرها من القرائن – كالاستلحاق والشهادة والقيافة – في إثبات النسب أو تصحيحه أو نفيه؛ لأن نتائجها أقرب إلى القطع، مقابل الظن والاحتمال الذي يشوب البينات الأخرى.
6-لا يجوز طلب الفحص الطبي للتأكد من النسب – عند استقرار العلاقة الزوجية -؛ لأن ذلك يؤدي إلى زعزعة الأسر .. والمجتمع بوجه عام، ولا يؤدي إلى فائدة خاصة أو عامة، ولهذا نهي عنه شرعاً.
7-البصمة الوراثية لا تساوي اللعان، ولا يجوز تقديمها عليه في نفي النسب؛ لأن للعان إجراءات مشددة، ومقاصد مختلفة. ولكن يمكن للقاضي طلب إجراء الفحص D.N.A. قبل إجراء اللعان لطمأنة الزوج وعدوله عنه.

 

ونقدم – في النهاية – التوصيات الآتية:

1-حظر طلب إجراء فحوص البصمة الوراثية إلا بقرار قضائي، بعد التأكد من فائدة ذلك وعدم مخالفته لأحكام الشرع.
2-تجرى فحوص البصمة الوراثية – وما يماثلها – في أكثر من مختبر معتمد، ثم مقارنة نتائج الفحوص ولا تعتمد إلا إذا جاءت متطابقة.
3-إدانة إجراء التجارب البيولوجية التي تؤدي إلى اختلاط الأنساب أو إلى تغيير خلق الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

____________________________

(1) لسان العرب – القاموس المحيط (ثبت).
(2) وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية، محمد الزحيلي: 1/23.
(3) حاشية ابن عابدين: 4/462. بداية المجتهد: 2/501. نهاية المحتاج: 8/314. كشاف القناع: 6/367.
(4) بداية المجتهد: 2/507.
(5) البحر الرائق: 7/224.
(6) في تبصرة الحكام: 2/111.
(7) في الطرق الحكمية، ص24.
(8) رواه البيهقي من حديث ابن عباس{، نصب الراية: 4/95-96.
(9) تاج العروس – لسان العرب (شبه).
(10) للجرجاني، ص110.
(11) لابن الهمام: 4/148.
(12) الإحكام في أصول الأحكام، لابن حرم: 2/124.
(13) الموافقات، للشاطبي: 4/220.
(14) هذا التعريف تبنته ندوة: الوراثة والهندسة الوراثية (الكويت 1419هـ)، وأقره المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (مكة المكرمة 1422هـ).
(15) وهبة الزحيلي، في مؤتمر الهندسة الوراثية بجامعة الإمارات: 1423هـ.
(16) البخاري (3332) مع فتح الباري: 6/363. مسلم (كتاب القدر) مع شرح النووي: 16/190.
(17) لسان العرب – المغرب للمطرزي (فرش).
(18) أخرجه البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص (فتح الباري: 4/292).
(19) سورة يوسف: 82.
(20) الزاهر للأزهري، تحقيق: محمد الألفي، ص 239، 336.
(21) أثناء حديثهم عن نفقة الزوجة.
(22) تبيين الحقائق للزيلعي: 3/43.
(23) حاشية الشلبي بهامش الزيلعي: 3/39.
(24) حاشبة ابن عابدين: 2/640.
(25) الدعوة – بكسر الدال – في النسب. قال الأزهري: ادعاء الولد لغير أبيه.
(26) لسان العرب – المصباح المنير – المعجم الوسيط (قرن).
(27) التعريفات، للشريف الجرجاني 0 قواعد الفقه، للبركتي
(28) القضاء بالقرائن المعاصرة، لعبدالله العجلان: 1/110.
(29) النشرة التعريفية لمؤتمر: القرائن الطبية المعاصرة وآثارها الفقهية.
(30) أخرجه مسلم من حديث ابن عباس: 2/1037.
(31) الموسوعة الفقهية:33/157. صحيح البخاري (6771): 1291.الأم، للشافعي: 8/426.
(32) تبصرة الحكام، لابن فرحون: 2/95. الطرق الحكمية، لابن القيم: 194.
(33) الطرق الحكمية: 3.
(34) لسان العرب – المصباح المنير (قوف).
(35) التعريفات للجرجاني، ص171. بداية المجتهد: 372. فتح الباري لابن حجر: 15/59. المغني (ط. التركي): 7/327.
(36) لحاحي خليفة: 2/1366.
(37) تبصرة الحكام: 2/108. نهاية المحتاج: 8/375. المغني: 5/769.
(38) مواهب الجليل: 5/248. مغني المحتاج: 4/489. زاد المعاد: 5/433.
(39) لسان العرب – المصباح المنير (نسب).
(40) التفريع لابن الجلاب: 2/338. مغني المحتاج: 3/4. نيل المآرب بشرح دليل الطالب: 2/55. شرح منتهى الإرادات: 2/500.
(41) جواهر الإكليل: 2/100.
(42) أحمد حمد، موضوع النسب في الشريعة والقانون: ص17/18.
(43) القضاء بالقرائن المعاصرة، عبدالله العجلان: 1/399.
(44) حاشية ابن عابدين: 2/616. جواهر الإكليل: 2/342. أسنى المطالب: 3/393. نيل المآرب: 2/270.
(45) أبو داود: 2/695. النسائي: 6/179. التلخيص الحبير، لابن حجر: 3/452.
(46) كتاب الفرائض، حديث (6766). ورواه مسلم في كتاب الإيمان (63).
(47) كتاب المناقب، حديث (3508). ورواه مسلم في كتاب الإيمان، رقم (61).
(48) بدائع الصنائع، للكاساني: 6/243. مواهب الجليل، للحطاب: 5/240. الأم، للإمام الشافعي: 5/166. المغني، لابن قدامة: 6/228. وخالف شيخ الإسلام ابن تيمية قول الجمهور، مجموع الفتاوى: 3/178.
(49) صحيح البخاري (2218). صحيح مسلم (1457).
(50) المبسوط، للسرخسي: 6/52. مواهب الجليل، للحطاب: 5/247. نهاية المحتاج، للرملي: 7/125. المغني، لابن قدامة: 6/276.
(51) بدائع الصنائع للكاساني: 4/173.
(52) حاشية ابن عابدين: 4/446. الكافي لابن عبدالبر: 2/616. نهاية المحتاج للرملي: 7/116. المغني لابن قدامة: 7/424.
(53) لسان العرب – القاموس المحيط – المصباح المنير (نفى).
(54) رسالة الإثبات، أحمد نشأت: 1/50.
(55) فتح القدير لابن الهمام: 3/99. حاشية ابن عابدين: 2/258.
(56) الشرح الصغير للدردير: 2/332.
(57) مغني المحتاج: 3/123. نهاية المحتاج: 6/174.
(58) كشاف القناع: 5/5.
(59) بدائع الصنائع: 2/229.
(60) الشرح الصغير: 2/334.
(61) مغني المحتاج: 3/139.
(62) كشاف القناع: 5/37.
(63) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/460. نهاية المحتاج للرملي: 7/128. المغني لابن قدامة: 8/64.
(64) المبسوط: 17/99. بدائع الصنائع: 6/243. حاشية ابن عابدين: 3/547.
(65) مجموع الفتاوى: 5/508. زاد المعاد: 4/161.
(66) الفتاوى الهندية: 5/61. بدائع الصنائع: 3/1546.
(67) حاشية الدسوقي: 2/460. روضة الطالبين: 8/357.
(68) المغني: 7/427. كشاف القناع: 5/407.
(69) لتفصيل الأقوال: حاشية ابن عابدين: 4/465. المدونة: 2/445. حاشيتا قليوبي وعميرة: 4/5. المغني: 7/480.
(70) فتح القدير: 3/311. الخرشي على خليل: 4/126. المهذب: 4/444. الإفصاح لابن هبيرة: 2/177. تحفة المودود: ص216.
(71) حاشية ابن عابدين: 2/632. المغني: 7/477.
(72) بداية المجتهد: 2/252. حاشية الدسوقي: 2/460. المحلى: 10/316.
(73) روضة الطالبين: 2/141-142. المغني: 7/477، 483.
(74) الموسوعة الطبية الفقهية لأحمد كنعان، ص: 375.
(75) المرجع السابق: ص376.
(76) وعليه إجماع الفقهاء: المبسوط: 5/44. الكافي لابن قدامة: 3/293.
(77) وقال به: محمد بن عبدالحكم، وهو منسوب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ووافقه الأكثرون، منهم: مالك، والشافعي في القديم، وأحمد (بداية المجتهد: 5/438- زاد المعاد: 4/299).
(78) المبسوط: 17/55. منح الجليل: 3/308. أسنى المطالب: 3/185. المغني: 7/10. مجموع الفتاوى: 3/326. المحلى: 12/201.
(79) حاشية الدسوقي: 2/252. نهاية المحتاج: 7/120. المغني: 10/359.
(80) المدونة: 2/533. نهاية المحتاج: 7/178. المغني: 8/66.
(81) حاشية ابن عابدين: 3/150. حاشية الدسوقي: 2/317. حاشيتا قليوبي وعميرة: 4/180. كشاف القناع: 4/85.
(82) البناية للعيني، شرح الهداية: 5/393-394.
(83) تبيين الحقائق للزيلعي: 3/179-180. الفروق للقرافي: 4/172. حاشيتا قليوبي وعميرة: 4/180. كشاف القناع: 4/85.
(84) البخاري: 4/87 حديث رقم 2001. مسلم بشرح النووي: 10/32 حديث رقم 1457.
(85) أخو أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها.
(86) البخاري: 7/18 حديث رقم 3745. مسلم: 2/1281 حديث رقم 11458.
(87) الفروق للقرافي: 4/99. بداية المجتهد: 2/328. مواهب الجليل: 5/247.
(88) مغني المحتاج: 4/489. نهاية المحتاج: 8/375.
(89) المغني: 7/483. منتهى الإرادات: 3/224. المبدع: 8/136.
(90) أخرجه البخاري، فتح الباري: 12/57. وأخرجه مسلم: 2/1082.
(91) سنن أبي داود: 2/700، من قول أحمد بن صالح.
(92) نيل الأوطار للشوكاني: 7/81.
(93) الطرق الحكمية لابن القيم: ص222.
(94) نهاية المحتاج: 8/375. منتهى الإرادات: 3/224.
(95) بداية المجتهد: 2/328. الفروق للقرافي: 4/99. مواهب الجليل: 5/247.
(96) المراجع السابقة، وتبصرة الحكام: 2/109.
(97) المبسوط للسرخسي: 17/70. بدائع الصنائع: 6/242.
(98) لسان العرب – المصباح المنير (قرر).
(99) تبيين الحقائق: 5/2. مواهب الجليل: 5/216. نهاية المحتاج: 5/64-65. كشاف القناع: 6/452.
(100) حاشية ابن عابدين: 4/448.
(101) سورة البقرة: 282.
(102) أخرجه مسلم: 3/1312. وأبو داود: 4/576.
(103) مغني المحتاج: 2/238. مراتب الإجماع لابن حزم: ص94. الإفصاح لابن هبيرة: 2/11. أحكام القرآن للرازي الجصاص: 1/515.
(104) تبيين الحقائق: 5/3. تفسير القرطبي: 3/385. كشاف القناع: 6/453. الطرق الحكمية لابن القيم: 194.
(105) المبسوط للسرخسي: 8/119. حاشية الدسوقي: 3/412. مغني المحتاج: 2/259. المغني لابن قدامة: 5/119.
(106) بدائع الصنائع: 7/228. حاشية الدسوقي: 3/412. نهاية المحتاج: 5/106 وما بعدها. كشاف القناع: 4/486. مجموع الفتاوى: 3/116.
(107) البينة عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة: شهادة رجلين عدلين، وعند الحنفية: شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
(108) المبسوط: 16/115. تبصرة الحكام: 1/253. نهاية المحتاج: 8/395. كشاف القناع: 6/434.
(109) حاشية ابن عابدين: 2/633. بداية المجتهد: 5/438. نهاية المحتاج: 5/108. المغني لابن قدامة: 7/345.
(110) أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه: 2/279 (حديث 2264).
(111) في بداية المجتهد: 5/438.
(112) زاد المعاد: 4/178. مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 32/112.
(113) المصباح المنير: رشد.
(114) مختار الصحاح: رشد.
(115) سنن أبي داود: 2/280 (حديث 2265). ابن ماجه: 2/917-918 (حديث رقم 2746).
(116) تبيين الحقائق: 5/3. بداية المجتهد: 2/393. نهاية المحتاج: 5/65. الطرق الحكمية: ص 194.
(117) حاشية ابن عابدين: 4/466. حاشية الدسوقي: 3/415. نهاية المحتاج: 5/106. كشاف القناع: 6/460 وما بعدها.
(118) المغني لابن قدامة: 5/199-200.
(119) فتح القدير: 6/13-19.
(120) الشرح الصغير: 3/540-542.
(121) المهذب للشيرازي: 2/352-353. المغني لابن قدامة: 5/206.
(122) المصباح المنير: (بين). المفردات في غريب القرآن: ص68.
(123) الطرق الحكمية: ص24.
(124) تبصرة الحكام: 1/202.
(125) المحلى: 9/426.
(126) فتح القدير: 6/907. حاشية الدسوقي: 5/117. مغني المحتاج: 4/461. المغني: 12/6.
(127) سورة الطلاق: 2.
(128) أخرجه مسلم من حديث وائل بن حجر: 1/122 ط. الحلبي.
(129) مغني المحتاج: 4/426. كشاف القناع: 4/242.
(130) المبسوط للسرخسي: 16/116. الفروق للقرافي: 4/34. مغني المحتاج 4/426. المغني: 12/3.
(131) تراجع مادة (شهادة) في: شرح أدب القاضي للخصاف، للصدر الشهيد: 3/97 وما بعدها. تبصرة الحكام لابن فرحون: 1/216. مغني المحتاج: 4/427. المغني والشرح الكبير: 12/60 وما بعدها.
(132) بدائع الصنائع: 6/282. منح الجليل شرح مختصر خليل: 4/215. روضة الطالبين: 12/260. منتهى الإرادات: 2/647.
(133) البناية شرح الهداية: 7/531.
(134) البيان والتحصيل: 14/279.
(135) حاشيتا قليوبي وعميرة: 3/15. المغني والشرح الكبير: 5/335. المبسوط: 16/111.
(136) الفتاوى الهندية: 3/458. مواهب الجليل: 6/194. روضة الطالبين: 11/266. المغني والشرح الكبير: 12/24.
(137) حاشية ابن عابدين: 4/375.
(138) التاج والإكليل: 6/194.
(139) روضة الطالبين: 11/266 وما بعدها.
(140) المغني والشرح الكبير: 12/23.
(141) الطعن رقم (38) لسنة (74ق) أحوال شخصية، جلسة: 5/3/1980.
(142) بدائع الصنائع: 4/111. أسنى المطالب: 4/367. المغني: 9/215.
(143) حاشيتا قليوبي وعميرة: 4/322-323.
(144) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل: 6/132-133.
(145) حاشية ابن عابدين: 4/337. والمراد بالغائب: من لم يخاصم في النازلة المقضي فيها أصلاً، أو لم يحضر عند صدور الحكم (المرجع نفسه: 4/335).
(146) من المقرر فقهاً: أن التناقض مانع من سماع الدعوى؛ لاستحالة ثبوت الشيء وضده (البناية في شرح الهداية: 7/517).
(147) بدائع الصنائع: 6/243.
(148) الطعن رقم (19) لسنة (39ق) جلسة: 25/4/1973.
(149) حاشية ابن عابدين: 4/446. الكافي لابن عبدالبر: 2/616. نهاية المحتاج: 7/116. شرح منتهى الإرادات: 3/211.
(150) بداية المجتهد: 2/141. مغني المحتاج: 3/374. كشاف القناع: 5/456. المحلى: 10/144.
(151) بدائع الصنائع: 3/241 وما بعدها.
(152) بدائع الصنائع: 3/246.
(153) التاج والإكليل: 4/133. الشرح الكبير للدردير: 2/460.
(154) بتصرف من بحث للدكتور: سامر بن عبدالكريم الحربي، عميد كلية العلوم الطبية التطبيقية بالقويعية – جامعة شقراء، نشر في دليل أعمال مؤتمر القرائن الطبية المعاصرة، جامعة الإمام: 1435هـ، المجلد الثالث، ص 917-962، وما أشار إليه من مراجع.
(155) شرح معاني الآثار، للطحاوي: 3/116.
(156) الأم، للإمام الشافعي: 5/165. وهو رأي جمهور الفقهاء.
(157) صحيح البخاري، رقم (2218). صحيح مسلم، رقم (1457).
(158) زاد المعاد: 4/118.
(159) سورة المائدة: 101.
(160) صحيح البخاري، رقم (7291).
(161) صحيح البخاري، رقم (4621).
(162) أحكام القرآن: 2/679.
(163) ومثل ذلك في أحكام القرآن، لابن العربي: 2/213.
(164) وفي قضية مماثلة صادرة من المحكمة الكبرى بالرياض بتاريخ 1424هـ حكم القاضي بإلحاق طفلة بأبيها – الذي كان متزوجاً من أمها – استناداً إلى حديث: «الولد للفراش»، وأهدر قرينة الفحص لـ D.N.A التي أثبتت عدم اشتراك نصف أنماطها الوراثية مع المدعو أنه والد الطفلة، وأفهمه أن نسب البنت لا ينتفي عنه إلا باللعان.
(165) ملخص أعمال الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة: 1422هـ، ص 46.
(166) البصمة الوراثية، لعمر السبيل: 31.
(167) المبسوط، للسرخسي: 16/115. تبصرة الحكام، لابن فرحون: 1/253. نهاية المحتاج، للرملي: 8/395. كشاف القناع، للبهوتي: 6/434.
(168) بنفس المعنى: الروض المربع: ص 363. المصباح المنير، للفيومي.
(169) ينظر: الصك الشرعي من المحكمة الكبرى بمكة المكرمة، الصادر بتاريخ 13/3/1424هـ.
(170) المبسوط، للسرخسي: 16/115. تبصرة الحكام، لابن فرحون: 1/253. نهاية المحتاج، للرملي: 8/395. كشاف القناع، للبهوتي: 6/434.
(171) سورة الأحزاب: 4، 5.
(172) كخطأ الممرضة في وضع الأسورة التي تحمل اسم المولود.
(173) المبسوط، للسرخسي: 17/70. بدائع الصنائع، للكاساني: 6/242.
(174) بداية المجتهد، لابن رشد: 2/328. مغني المحتاج، للشربيني: 4/490.
(175) منتهى الإرادات: 2/488. المغني، لابن قدامة: 5/775.
(176) المبسوط، للسرخسي: 17/69. فتح القدير، لابن الهمام: 5/50. مغني المحتاج، للخطيب: 6/441.
(177) مؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون: 621.
(178) لسان العرب – المصباح المنير.
(179) صحيح البخاري، رقم (7314).
(180) صحيح البخاري، حديث رقم (6771).
(181) المبسوط، للسرخسي: 6/52. مواهب الجليل، للحطاب: 5/247. نهاية المحتاج، للرملي: 7/125. المغني، لابن قدامة: 6/276.
(182) سورة النور: 6-8.
(183) بدائع الصنائع، للكاساني: 3/241. فتح القدير: 3/248.
(184) مغني المحتاج، للشربيني الخطيب: 3/367.
(185) سورة النور: 6.
(186) بدائع الصنائع: 3/241. الشرح الصغير، للدردير: 3/18. مغني المحتاج: 3/380-381. المغني، لابن قدامة: 7/424.
(187) حاشية ابن عابدين: 2/973. الشرح الكبير، للدردير: 2/463. مغني المحتاج: 3/381. المغني، لابن قدامة: 7/426.
(188) الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي: 2/462.
(189) فتح القدير، لابن الهمام: 3/311. المدونة، لسحنون: 2/24. المهذب، للشيرازي: 2/129. المغني، لابن قدامة: 7/428.
(190) في قضية رفعها رجل ضد امرأته التي حملت، رغم ان التقارير الطبية تؤكد أنه عقيم لا يولد له، وفي المحكمة قررت الزوجة أنها ذهبت تشتكي عدم الإنجاب إلى متطببة تدعي علاج العقم، فأمدتها بصَدَفة فيها سائل لتضعها في فرجها، وتطلب من زوجها أن يجامعها بعد ذلك "فستحملين بإذن الله تعالى"، وبعد التحقيق وإجراء الفحوصات اتضح أن الصدفة معبأة بمني رجل أجنبي، فحكم القاضي بنفي النسب دون لعان، رغم وجود فراش الزوجية – (فقه النوازل، لبكر أبو زيد: 1/272).
(191) منهم: محمد المختار السلامي (المفتي الأسبق لتونس)، وسعد الدين هلالي.
(192) قال به أكثر علماء العصر، وبه أخذت المجامع الفقهية.
(193) المبسوط، للسرخسي: 17/99. المدونة، لسحنون: 2/551. أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري: 2/320. المغني، لابن قدامة: 8/56. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 3/325.
(194) الدورة السادسة عشرة لسنة 1422هـ.
(195) ينظر الحديث الذي أخرجه البخاري: رقم 4747.
(196) المصدر: تقرير قدمه تلفزيون B.B.Cفي 15/5/1436هـ.
(197) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 29/36.
(198) المغني، لابن قدامة (طبعة دار الكتاب): 8/490.