هيا اثلغوا رأسه بأسلوب حضاري!
29 ربيع الثاني 1437
إبراهيم الأزرق

الحمد لله وبعد فإن من تلبيس إبليس إخراجه الفضيحة في ثوب النصيحة، وتخريجه الغيبة في ثياب مبهرجة صبيغة! يَغُرُّ مظهرُها عن مخبرها، تبرز مفاتنها وتخفي مقاصدها الخسيسة! كحورية بحر برزت بشطر الحسن ودسَّت في غياهب البحر زعانفها وبواقيها.. وصاحبتهم أبشع، وأشنع حالاً من الجلّالة! فتلك تتغذى على الأقذار، وهذه غذاؤها لحوم آدميين، ربما حاول بعضهم تسويغها بما يشبه العبارة المبتذلة: ذبحت على الطريقة الإسلامية! والحق تعالى يقول: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات: 12]!

 

وما أفظع ذلك السيناريو الإبليسي يوم ينفذه طالب علم شرعي! فالبطل –حسب الحبكة- باحث حرٌ ناقد! والضحية طالب علم شرعي، أو داعيةٌ أو مصلح أو عالم! ثم يُضاف عليه بالدهاء الخبيث من الألقاب المبغضة ما يساعد النّاس على ثلغ رأسه!

 

وهذا السيناريو له مظاهر شتى! من حديثها في هذا العصر، أن تنقل ما لك فيه نظر سخطٍ، إلى متابعيك على تويتر أو فيسبوك، وتكتفي بالتذييل قائلاً: ما رأيكم! أو تعليقكم! أو بدون تعليق! وربما صحب ذلك ورع كاذب متدثر بتذيلات شتى من نحو: (لا حول ولا قوة إلاّ بالله)، (إنا لله وإنا إليه راجعون)!

 

ينقل أحدهم في مجموعة دعوية أو فكرية على الواتسأب أو التليجرام أو غيرهما كلمة اجتهادية لداعية قريب المنال أو فاضل لا يعسر العثور عليه ونصحه.. ثم يقول: ما رأيكم؟ ليأتيه النقد من كل الأعضاء، بدعوى إبداء الرأي! فالناقد الورع بينهم هو القائل: أخطأ، أو: أسلوبه فيه نظر، أو: ليته لم يكتب ما كتب! إلى غير ذلك مما لا يخرج في حقيقته مهما حاولت تزويقه عن: (ذكرك أخاك بما يكره)! وأما الناقد المتوسع الجهبذ فيهم فهو الذي يصفه بما يريد السائل من أقذع الأوصاف، أو يرمي المسؤول عن مقالته بالتهمة العصرية الرائجة المعبر عنها بالسطحية! ثم ينتقل ليرمي طائفته وجماعته ويتطاول على الخطاب السلفي أو الإخواني أو العقل العربي! كله!

 

لقد غدت: ما رأيكم! في بعض المجموعات بمثابة ته ته، و قِسْ قس، وشع شع ونحو ذلك مما يحرض به الكلب على العدوان! ولو شاء المحرض التعبيرَ بلغة أصدق وأفصح لقال: هيا اثلغوا رأسه! عوضاً عن ما رأيك!

 

ثم يذرف أحدهم دموع التماسيح على أخلاقيات النقاش عند أهل الفكر والدعوة! وعلى أدب الحوار الذي مات بين أناس!

 

أخي الكريم! بإمكانك أن توصل رأيك دون استعداء في هذا العصر برفق! وبإمكانك أن تسأل سؤالاً مجرداً عن زيد وعبيد! والذكاء لا ينقصك إن أردت حذف الإشارة إليه! وبإمكانك أن تجابه به من رأيت خطأه يستحق ذلك بوضوح، وفي وسعك أن تنتقد علناً على منشور توجهه للمنتقد تلقي فيه بما تراه ثم ضع له إشارة تشعره، أو كما يقول المستعجمون: (منشن)، وبعض ذلك قد يكون منافياً للحكمة! لكن صاحبه عند العقلاء من أصحاب الديانة خير من كل همزة لمزة مستخف بالطعن، مستتر بالغيبة وتلك مهما راوغت فهي الحقيقة!