26 رجب 1437

السؤال

أنا عانس عمري 39 سنة، أحبّني رجل متزوّج ويريد خطبتي ولكنّي لا أريد تدمير أسرته، وفي نفس الوقت أخاف أن أبقى عانسا طوال حياتي..

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا..
أمّا بعد.
نرحّب بكِ على هذه الصفحة المباركة، ونشكرك على هذه الثقة، ونسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا على قدر هذه الثقة، ويوفّقنا للردّ على رسالتك.
الزواج نعمة من أجلّ نعم الله على عباده، بل هو آية من آيات الله التي تدلّ على عظمته؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. وقد حرص الإسلام على درء المفاسد ومنع انتشار الفاحشة، لذلك شرع التعدّد لحلّ الكثير من المشاكل الاجتماعيّة، علما أنّ التعدّد كان موجودا في المجتمعات قبل الإسلام على نطاق واسع ولم يكن مقيّدا بأربع نساء كما هو في الإسلام، بل كان التعدّد مفتوحا بأيّ عدد من النساء. أمّا الإسلام فقد قيّده الشرع بأربع نساء، وجعل له شروطا كالمسكن المستقلّ والعدل في الإنفاق والمبيت والعشرة.
أمّا في الوقت الحالي، فقد أصبح التعدّد يحاط بهالة من التوجّس، وساعد على ذلك الإعلام الذي صوّر التعدّد بطريقة مشوّهة ومغلوطة وكأنّ شرع الله جريمة لا تغتفر، أطرافها في مشاكل وصراع لا يخمد ولا يهدأ أبدا، بل صوّر التعدّد سببا لمعاناة الزوجة وتعاستها وانتقاصا لحقوقها، وسببا لشقاء الأبناء وضياعهم. وقد ظهرت حملات خبيثة عديدة ظاهرها إنصاف المرأة وباطنها الطعن في الدين الإسلامي وإظهاره في صورة رجعيّة متخلّفة. ومع الأسف لاقت هذه الحملات ترحيبا كبيرا من النساء لمسايرة أهوائهنّ، فعمدن إلى ترسيخ هذه المفاهيم حتّى صار التعدّد في بعض البلدان الإسلاميّة ممنوعا بحكم القانون، يتعرّض من يمارسه من الرجال للتتبّع القانوني باعتباره جريمة يعاقب عليها.
ابنتي الحبيبة.. ذكرت في رسالتك أنّه قد تقدّم لك رجل متزوّج يريد الزواج منك، ولم تذكري أيّ شيء عن صفات هذا الرجل، ولا عن أسرته، كما لم تذكري شيئا عن أسرتك ومدى تقبّلها لأمر زواجك من رجل متزوّج، فالأمر يتطلّب التفكير جيّدا، ولهذا سيكون ردّي عليك في صورة نصائح وإرشادات، ألخّصها فيما يلي وأنت وحدك صاحبة القرار:
أوّلا- شرع الله - سبحانه وتعالى – التعدّد، فقال تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ). إذن التعدّد حلال ولا يعتبر ظلما للزوجة الأولى ولا اعتداء على حقوقها، ويشترط في ممارسة هذا الحقّ الشرعي المقدرة على النفقة والالتزام بالعدل بين الزوجتين.
ثانيا- لابدّ من السؤال جيّدا عن هذا الرجل، عن دينه وأخلاقه وسلوكيّاته، حتّى تتأكّدي من دينه واستقامته، فدين الرجل هو الذي سيمنعه من ظلمك أو ظلم زوجته الأولى، وحسن خلقه هو الضمان لحياة مستقرّة سعيدة ولدوام العشرة بينكما. كما يجب أن تتعرّفي إلى شخصيّة هذا الرجل، هل هو قادر على العدل بين زوجتيه؟ وهل هو من النوع الصبور الهادئ الذي يحتمل النساء ويجيد التعامل معهنّ وامتصاص الغضب الذي غالبا سيصاحب التعدّد؟
ثالثا- أنصحك بسؤال الرجل عن سبب إقدامه على التعدّد، لأنّ البعض يقدم على الزواج لأسباب غير مقنعة، كأن يكون لديه مشاكل في بيته مع زوجته الأولى، أو لشعوره بالملل منها، أو لهروبه من صخب الأبناء، فكيف لزوج يلجأ إلى الزواج مرّة ثانية وتكوين أسرة جديدة وهو غير قادر على حلّ مشاكله؟ أو إدارة بيته بصورة سليمة؟ أعتقد أنّه بعد زواجه ستتعقّد الأمور أكثر ولن يستطيع تربية أبنائه أو العدل بين زوجتيه.
رابعا- لا يشترط الشرع في التعدّد ضرورة إبلاغ الزوجة الأولى ولا موافقتها، ولا يعدّ هذا ظلما لها ولا اعتداء على حقوقها، ولكن من المهمّ جدّا حينما يقدم الزوج على الزواج الثاني أن يُعلم زوجته الأولى، هذا من باب حسن العشرة والإحسان إليها، وعليه أن يبذل وسعه في إقناعها دون إكراه، بل عليه أن يصبر عليها ويمتصّ غضبها ويحاول إرضاءها بكلّ الوسائل، فإن تعنّتت ورفضت تماما وهدّدت بالانفصال، فعلى الزوج أن يقدّر الأمور جيّدا خصوصا إن كان له أبناء، فلا تقبلي أبدا – ابنتي الغالية – أن تبني بيتك على أنقاض بيت آخر، وعليك الانسحاب من هذه المعركة، لأنّك وقتها ستكونين الطرف الأضعف، خصوصا إن كان له أبناء، فعند تأزّم الأمور سيكون أوّل من يُضحّى به هو أنت (الزوجة الثانية)، لهذا أقول لك ليس كلّ مباح يعتبر مباحا على إطلاقه، خصوصا إذا كان الضرر سيقع على أطفال صغار سيعانون من تشتّت الأسرة وفراق الأبوين. لهذا يحتاج هذا الأمر إلى نظرة واسعة تراعي المصالح والأضرار الناتجة عن التعدّد.
خامسا- باعتبارك – يا قرّة العين – ستكونين زوجة ثانية – إن قدّر الله ذلك – فلتعلمي أنّه ربّما ستقابلك بعض المتاعب، متاعب من المجتمع الذي ينظر إلى الزوجة الثانية على أنّها امرأة دمّرت سعادة أسرة كانت مستقرّة، وأنّها صاحبة نوايا سيّئة حتّى تثبت حسن نواياها. كما أنّه ستقابلك متاعب من الزوجة الأولى التي ستعلن الحرب عليك، ولم لا؟ فهي التي وقفت وساندت وضحّت وتحمّلت بدايات الطريق وكانت ظهرا لزوجها وأنجبت وربّت الأبناء، فكيف تسمح لأخرى بحصد ما غرست وجني ما زرعت؟ لهذا ستشنّ حربا لا هوادة فيها وسيؤازرها في هذه الحرب الأبناء والأهل والمجتمع. فهل لك من الحنكة والحكمة والصبر والمصابرة وقوّة التحمّل ما تستطيعين به اجتياز هذه المرحلة؟ وهل لديك من حسن التصرّف واللباقة أن تكسبي قلوب بعض الأطراف؟
سادسا- المرأة بطبيعتها غيّورة، ولكنّ بعض النساء يكون لديهنّ من الغيرة ما يدمّر عليهنّ حياتهنّ، فإذا كنت من هذا النوع فحاولي أن تدرّبي نفسك على التخلّي عن هذه الغيرة، أو أن تكون في حدود المعقول، فإنّما الصبر بالتصبّر والحلم بالتحلّم، واستعيني بالله. واحذري أن يسوّل لك الشيطان أن تكيدي للزوجة الأولى أو أن توقعي بينها وبين زوجك من أجل أن يقف في صفّك.. عامليها بالإحسان وإن أساءت إليك، ضعي رضا الله أمامك، ولا تذكريها بسوء، أو تذكري نقائصها أو تتجسّسي عليها، وتذكّري أنّها أختك في الدين وأختك في رباط الزوجيّة وأنّ أبناءها سيكونون إخوة لأبنائك.
سابعا- استخيري الله - ابنتي الكريمة - في أمر زواجك من هذا الرجل، فصلاة الاستخارة مهمّة في كلّ أمورنا، واطلبي العون والتوفيق منه سبحانه فهو بيده مقاليد الأمور، وهو سبحانه يعلم الغيب ومقلّب القلوب؛ اطلبي من الله أن يسدّد خطاك وييسّر أمرك ويشرح لك صدرك وأن يرزقك الزوج الصالح.
وفي الختام.. أسأل الله القدير أن يكتب لك الخير في دينك ومعاشك وعاقبة أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن ييسّر أمرك، ونحن في انتظار جديدك فطمئنينا.