12 رجب 1437

السؤال

سلام عليكم.. أنا أبلغ من العمر 16عاما، نشأت في بيئة لم تلزمني بالصلاة والذكر إلا قليلا فبدأت أن أقرأ وأهتم بكتب دينية وأتعلم الالتزام، كان هذا منذ عامين، فالتزمت بالصلاة والذكر والقرآن، ولكني تدريجيا بدأت أتراجع!
وبرغم من أني تعلمت الكثير ولكن لا أعمل به، وإن عملت به لا يدوم العمل أكثر من يومين، حاولت كثيراً ولكني لم ألتزم، حتى صلاتي بدون خشوع.
أضيع الوقت وأعاني أيضاً من أحلام اليقظة لأني ضعيفة الشخصية ولا ألقى تقديراً من أحد فأنا تافهة.. أرجو المساعدة. وجزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
د. علي الدقيشي

الجواب

ابنتي الكريمة، مرحباً بكِ في موقعنا. وأجيبك على سؤالك بما يأتي.
أولاً: وفقكِ الله للخيرات والثبات عليها، والاستقامة على الطاعة دائماً.
ثانياً: أبشري أنكِ على خير والله يحبك ويريد لك الخير، حيث وفقك برجوعك إلى الطاعة والصلاة وثباتك على ذلك، وحرصكِ على الاجتهاد في الطاعة ودوام اللذة فيها،
ومن آثار ذلك:
1- توفيق الله لكِ بالرجوع للطاعة والعون عليها.
2- اجتهادكِ في الأعمال الصالحة.
3- حصولكِ على بركات الأعمال الصالحة والشعور بلذة العبادة، وهذا من علامات قبولها ورضى الله عنها وعن صاحبها بإذن الله، لذا فبركات توبتكِ وثباتكِ عليها ستنالينها – بإذن الله – منها:
1- الفلاح والفوز بما يسعدكِ في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
2- المغفرة للذنوب الماضية وخول الجنة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا...} [التحريم:8].
3- قبول التوبة وتبديل السيئات إلى حسنات، يقول تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:7].
4- نيل حبّ الله تعالى وفرحه بالتائبين، يقول الرسول الكريم: "للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه المؤمنِ من رجلٍ في أرضِ دويةٍ مهلكةٍ. معه راحلتُه. عليها طعامُه وشرابُه. فنام فاستيقظ وقد ذهبت. فطلبها حتى أدركه العطشُ. ثم قال: أرجعُ إلى مكاني الذي كنت فيه. فأنام حتى أموتَ. فوضع رأسَه على ساعدِه ليموتَ. فاستيقظ وعنده راحلتُه وعليها زادُه طعامُه وشرابُه. فاللهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ العبدِ المؤمنِ من هذا براحلتِه وزادِه. وفي روايةٍ: من رجلٍ بداويةٍ من الأرضِ. وفي روايةٍ: للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه المؤمن" صحيح مسلم. ثالثاً: انتبهي لهذه الحقيقة، وهي قولهم: "دوام الحال من المُحَال" فالإنسان لا يثبت على حالٍ واحدة بل متقلب الأحوال. ومن صور هذا أن يشعر الإنسان في بداية استقامته باللذة في الإقبال على الطاعة والرغبة الشديدة والنشاط في الاجتهاد في الأعمال الصالحة والإكثار منها بسبب حلاوة الإيمان التي خالطت بشاشة قلبه ويستمر الإنسان على ذلك مدة من الزمن ثم يعتريه فتور ويقلّ ذلك النشاط والاجتهاد في الأعمال، يقول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -: "لكلِّ عاملٍ شِرَّةٌ (النشاط والرغبة في الطاعة) ولكلِّ شرَّةٍ فترةٌ (الفتور) فمن كانت فترتُه إلى سنَّتي فقد أفلح" رواه الطبراني. وفي رواية "فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك" رواه البيهقي.
رابعاً: الفتور بعد النشاط في العبادة وضعُ طبيعيّ قدّره االله تعالى لحكم جليلة، منها:
1- للتشويق للطاعة من جديد، حتى إذا أقبل عليها الإنسان كان إقباله برغبة وشوق.
2- سلامة الإنسان من العُجب والكبر، حتى يستيقن أن اجتهاده في العبادة ونشاطه فيها بتوفيق الله لا بحوله وقوته.
3- لبيان صدق الصادق من المؤمنين، فالمؤمن إذا حصل له الفتور يسأل الله الثبات على الطاعة ويخشى أن يُسلب الاستقامة، فيخسر؛ وفي خوفه الخير الكثير للإنسان
فالفتور الذي يعود إلى الضعف من الازدياد في الأعمال الصالحة ما لم يصل إلى التقصير في فعل الواجبات أو ترك المحرمات فهذا الفتور وضع الطبيعيّ لا شيء فيه.
خامساً: ومن ذلك أيضاً الشعور باللذة في أثناء العبادة والقيام بالأعمال الصالحة، ثم ضعف هذا الشعور، فهذا وضع طبيعيّ ناتجٌ عن زيادة الإيمان ونقصانه، فكلّما زاد الإيمان زاد الشعور بلذة العبادة والفرح بها والشغف بالإقبال عليها، وكلما نقص الإيمان نقص هذا الشعور، ومصداق ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لحنظلة – رضى الله عنه – حينما جاءه حنظلة –رضي الله عنه_ يقول: يا رسول الله حينما نكون في مجلسك نكون في حالٍ عظيمة من النشاط والفرح والرغبة في الخير، وإذا رجعنا انشغلنا بالأولاد والنساء – أي: ضعفت الرغبة والنشاط – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم، وفي طرقِكُم، وعلى فُرُشِكُم، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً" رواه الترمذي.
ويقول عثمان – رضي الله عنه –: "لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم"، وجاء جماعة من أهل اليمن فأسلموا، فلما سمعوا القرآن تأثروا به فبكوا، فقال أبو بكر – رضي الله عنه -: "كنّا هكذا فقست القلوب".
سادسا: ولدوام الرغبة في الأعمال الصالحة والاجتهاد في دفع التقصير فيها والشعور بلذة العبادة، عليك بمراعاة القيام بما يأتي:
1 – الاهتمام بالمحافظة على الإيمان والحرص على زيادته حيث إنه هو الأساس الأعظم للثبات على الاستقامة، فعلى قدر منسوب الإيمان في القلب يكون مستوى الاستقامة على الطاعة والعبادة لله والرغبة والاجتهاد في ذلك، فلنحرص على المحافظة على أصل الإيمان بفعل الواجبات وترك المحرمات، والاجتهاد في زيادته عن طريق الإكثار من الأعمال الصالحة بكافة أنواعها، صلاة، وقراءة قرآن، بر الوالدين، صلة الرحم، الصدقة، إكرام الضيف، مساعدة المحتاجين...فإن الإيمان يزيد بالأعمال الصالحة.
2 – الإكثار من ذكر الله تعالى بالتسبيح والتحميد والاستغفار،والصلاة على الرسول...ومن أعظم ما يبقي الشعور بلذة العبادات، ويزيدها الإكثار من ذكر الله بالآلاف إن استطعت فسيأتيك خير كثير.
3 – المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار المناسبات المختلفة في أوقاتها مما يجلب الشعور باللذة فعليك بحفظ هذه الأذكار وتفعيلها في أوقاتها، فاقتني كتيب (حصن المسلم) واحفظي كل يوم في كل مناسبة ذِكْراً من أذكارها.
4 – تعرفي على أقرب المساجد في حيك، وترددي عليها في أقرب وقت، واحرصي على دروس العلم والمحاضرات والنشاطات النسائية.
5 – اتخذي رفقة صالحة من المسجد، وتواصي معهن على المحافظة على الصلاة وقراءة القرآن، وذكر الله وحضور مجالس العلم.
6 – ابتعدي عن الصديقات غير المستقيمات، لأن الصاحب ساحب، أي يسحب صاحبه إلى طباعه وأخلاقه وسلوكه.
7- احرصي على تنظيم وقتكِ، وعمل جدول لأعمالك اليومية، فهذا مما يحفظ عليكِ الوقت من الضياع.
8- كوني واقعية وراعي أحوالك وإمكانياتك دون مبالغة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرأً عرف قدر نفسه". ارجي الخير والآمال الطيبة التي بوسعك الوصول إليها باتخاذ الأسباب، ثم ارضي بالقدر الذي تصلين إليه بعون الله.
9- اهتمي بدراستك واهتمي بالهدف الأسمى من وجودك في الحياة، وهو دوام الاجتهاد في عبادة الله – تعالى – بالاستقامة على طاعته، والالتزام بدينه، ونفع الناس ابتغاء مرضاته، بالتحقق بهذا وبجعل هدفا سامياً لكِ من وراء دراستك تنتفعين من ورائها وتنفعين الناس، كل هذا يجعل لكِ قيمة عليا عند الله تعالى وعند الناس، وحينئذٍ تكونين إنسانة فعالة في الحياة ذات قيمة وشأن، وسيتغير شعورك تجاه نفسك حينئذ، وستشعرين بالاستغناء عن الناس.
وأخيرا: أكثري من الدعاء ومناجاة الله تعالى ولا سيما في أوقات الإجابة بان يشرح صدرك للاستقامة على الطاعة ويثبتك عليها، ويرغبك في الأعمال الصالحة ويوفقك للازدياد باستمرار، وأن يفيض عليك دائما بالشعور بلذة الطاعة وحلاوة الإيمان.
أسأل الله أن يثبتك للاستقامة على طاعته، وان يفتح على قلبك بحبه سبحانه، وحب الأعمال التي تقربك إليه وإلى حبه ويشرح صدرك للخير دائماً.
والله الموفق.