11 رمضان 1437

السؤال

سلام عليكم.. أنا شاب ملتزم ولا أزكي نفسي.. أبحث عن فتاة متدينة للزواج.. لكن مشكلتي أن أهلي عندهم اختلاط عندما تجتمع العائلة. والمشكلة الثانية أنني الابن الأصغر وكلهم متزوجون وخارجون من البيت.. فعاهدت نفسي أن أبقى مع والديّ في البيت حتى أرعاهم؛ لذلك شروطي كانت أن تكون بنت ملتزمة، وثانيا أن تقبل السكن في البيت، وثالثا أن لا تختلط الاختلاط المحرم، علما بأن عائلتي تجتمع كل أسبوع على الغداء ويبقون ما يقارب الخمس ساعات.. وأنا أحاول أن أفرق بين الرجال والنساء.. حتى إني تكلمت مع مفتي الأردن أمام أمي ليناقشها بعدم جواز كشف وجه زوجتي وعدم إباحة الاختلاط فاقتنعت أمي، والآن نحاول أن نفصل بين الرجال والنساء رويدا رويدا ..
وبدأت قصتي حين دلوني على رجل ملتزم عنده ابنة ملتزمة شرعا فطلبت أن أقابله منفردا قبل أن أبعث أهلي ليروا الفتاة فوافق.. وجلست معه وشرحت وضعي تماما دون أي خفاء.. وبعدها بيومين دعاني وأهلي لزيارة الفتاة ففعلت وأعجبت بحيائها وأخلاقها ... ثم بعدها بيومين أبديت استعدادي للمرحلة القادمة فطلب زيارتنا مع زوجته في بيتنا للتعرف إلى أهلي.. فوافقت وتعمدت أن يأتي في اليوم الذي يكون فيه أهلي جميعا حتى تكون الأمور واضحة جدا ..وطلبت من أهلي جعل الرجال وحدهم والنساء وحدهم فلم يمانعوا.. وحضر الرجل وزوجته وجلسوا ما يقارب الساعتين ثم انصرفوا.. وبعدها بيومين اتصل واعتذر بأنه لا يوجد نصيب معهم فسألته: لماذا؟ قال: ليس منك أنت فأنا أحببتك في الله.. لكن لأسباب أخرى وهي أن الاختلاط عندكم سياسة وليس عرضا، وهذا غير مقبول (رغم أني فرقت بين الرجال والنساء).. وأوضح أن الغرفة ليست معزولة كما ينبغي (مع أني قلت له إن هذا مؤقت حتى يفتح الله علي وأبني فوق البيت).. كما ذكر أن بيتي وعْر ولا يصلح للسكنى ولا حتى في البناء فوقه؛ فضحكت واستغربت لأن أهل الحي يتمنون أن يسكنوا في حينا لأنه الأفضل! وأنا لن أخرج من البيت أبداً إن شاء الله حتى لا أفارق أبوي المتقدمين بالسن.. وأخيرا ذكر لي أنه استخار الله تعالى قبل الحضور ورأى أن ابنته على وشك الغرق في بئر، وأمسك يدها قبل أن تغرق. وانتهت المكالمة.
المشكلة أني أعجبت جدا بأخلاق الفتاة حتى إني حسبت أني أعرفها منذ زمن.. وقد حاولت أن أنساها وقلت: لعل الله لم يشأ أن نجتمع لخير لنا.. لكن إلى الآن أشعر بالحزن ولا أعلم ما أفعل.. فهل من نصيحة (حفظكم الله)!

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

مرحبا بك أخي في موقع المسلم، وفقك الله وأعانك وأصلح لك شأنك كله..
مشكلتك تتمثل في:
خطبتك فتاة ملتزمة أعجبتك.. لكن اعتذر أبوها لأسباب خارجة عن إرادتك تتعلق باختلاط عائلتك ورؤيته أن موقعك بيتك غير ملائم!
أخي الكريم..
أسأل الله أن يزيدك هدى وحرصا على رضا ربك جل وعلا في اختيار الزوجة ذات الدين، مع عنايتك ببر الوالدين والقرب منهما؛ فلا شك أن هذين الأمرين من أفضل القُرَب إلى الله عز وجل؛ فلك البشرى بقربه سبحانه منك وإجابة دعائك وبلوغ آمالك في رضاه، كما في الحديث القدسي: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" (رواه البخاري).
فلا تجزع أخي مما جرى معك، وثق أن الله تعالى لن يخذلك، واحمده على كل حال؛ فقد اجتهدت وقصدت الخير، وأنت – ولله الحمد - تدرك كما تقول بنفسك أنه (لعل الله لم يشأ أن نجتمع لخير لنا)!
وكم من المواقف في هذه الحياة يعيشها الناس فيرون في ظاهرها الفقد والحزن، ثم يمنّ الله عليهم ويفتح لهم من أبواب فضله سواها؛ فيجدون العوض والسلوى عما فاتهم، قال الله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون} (البقرة/216).
ولعلي أخي أشير عليك بهذه الخطوات المرتبة:
أولا: الاجتهاد في الدعاء وتحري الأوقات الفاضلة وأسباب الإجابة؛ وهذه ليست مجرد خطوة، بل أمر تلزمه في شأنك كله ولا تغفل عنه؛ ففيه فرجك وفرحك. فاخرج من دائرة الحزن والهم إلى دائرة التوكل واليقين، وثق أن الله تعالى سيكتب لك الخير مع هذه الفتاة أو غيرها من الصالحات، ولا تنس الاستخارة!
ثانيا: مراجعة هذا الوالد الفاضل بأسلوب طيب جميل؛ بأن ما ذكره هي أمور تنجبر مستقبلا بإذن الله، ولا تقوى أمام بناء العلاقة على الدين وحرص الطرفين على مرضاة الله، وأنك راغب في نسبه الكريم.. إلى غير ذلك من العبارات الطيبة.
كما أوصيك – من جهة أخرى - بتوسيط بعض الأخيار ذوي الصلة به لتذكيره من جهتهم بأن الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حث الناس على قبول تزويج صاحب الخُلق والدين، وشدد في ذلك، قال الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ...} (النور/32)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا خطب إِلَيكم مَنْ ترضون دِينه وَخُلُقَهُ فَزوجوه، إِلَا تفعلوا تَكن فتنة في الأَرضِ وفساد عريض" (رواه الترمذي وحسنه الألباني).
ثالثا: إذا لم تتيسر الأمور بعد هذه المحاولات فلعل الله سبحانه يكتب لك بغيتك في بيت آخر؛ فابذل جهدك وبمعاونة أهلك ومحبيك في العثور على فتاة صالحة من بيت طيب مبارك بإذن الله رب العالمين.
أسأل الله أن ييسر أمرك لليسرى، وأن يصلح لك شأنك كله؛ وأن نهنئك قريبا بزواج طيب مبارك ومن ورائه الذرية الصالحة.