1 جمادى الثانية 1437

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أعانكم الله على مشاكل الناس... خير الناس أنفعهم للناس.. سؤالي هو: أنا شاب أبلغ من العمر 30 عامًا، تقدمت لخطبة بنت خالتي، التي تبلغ من العمر 24 عامًا، ونتواجد في بلد واحدة، وقد نشأنا سويًا منذ الصغر، ويُقال لنا منذ الصغر إنكم لبعض لما تكبرو، "نعرسكم لبعض" مثل أقاويل الأهل، ولما كنت صغيرًا كنت أفرح عندما كان يقال لي ذلك، وهي كذلك.
وبعد دخولي الجامعة رفضت أن يتحقق ذلك، ولم يكن لي رغبة بها، إلا أنها تحبني جدًا، وبعد أن تخرجت من الجامعة، وعملت، وبدأت في البحث عن فتاة للزواج، وارتبطت بفتاة، وكنت أود خطبتها، إلا أننا نتشاجر كثيرًا، بسبب خلافات بيننا في بعض التصرفات، التي لا أرغب بها، بحيث أننا لم نستطع تجاوز وحل تلك الخلافات، وكان عمر هذه العلاقة 6 أشهر، وبعدها قررت إنها العلاقة.
وبعدها بفترة من الزمن قررت الارتباط ببنت خالتي، والزواج منها، وهي متوسطة الجمال، وذات أخلاق عالية، وتحبني كثيرًا، كما ذكرت سابقًا، إلا أنني أحس بأن عاطفتي تجاهها قليلة، وشهوتي الجنسية تجاهها عالية، وأصبحت في حيرة من أمري، أهو حب أم شهوة جنسية فقط؟!، علمًا بأن ما قادني لخطبتها ثقتي في احترامها وأخلاقها وحبها لي، وشهوتي الجنسية تجاهها، لكنني أشعر بأن حبي لها قليل، أو ليس كافيًا.. أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

ولدي الكريم :
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
رَغَّبَ الإسلامُ في الزواج؛ لما وراءه من أهداف سامية، وما يحققه من مقاصد شرعية، وقد حث عليه القرآن، وشجعت عليه السنة النبوية؛ قال تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات- 49]، وقال أيضًا: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ) [يس- 36]، ووصفه الله بالميثاق الغليظ؛ فقال تعالى: (... وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء- 21].
وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ولدي الكريم:
فهمت من استشارتك، التي قرأتها جيدًا، أنك شاب تبلغ من العمر 30 عامًا، وأنك قررت الزواج من بنت خالتك، التي تبلغ من العمر 24 عامًا، والتي كان الأهل قد قرروا منذ صغركم أنكما ستكونان لبعضكما عندما تكبران، مثلما يحدث في بعض العائلات.
وعلى الرغم من وصفك إياها بأنها "متوسطة الجمال"، إلا أنك تثني على أخلاقها، وتبدي ثقتك في احترامها، وتقول إنها تحبك كثيرًا، وفهمت أيَا من رسالتك أن المشكلة تكمن في أن عاطفتك تجاهها قليلة، وأن شهوتك الجنسية تجاهها عالية، وهو ما جعلك في حيرة من أمرك، هل ما تشعر به تجاهها من رغبة في الزواج ناتجة عن "حب أم شهوة جنسية فقط؟".
وأود أن ألخص ردي على استشارتك وتساؤلاتك، عبر هذه النقاط:
أولاً: الزواج من الرزق
ثانيًا: كون أن الزواج رزق مقدر، لا يعني عدم السعي للحصول عليه، بل إنه يستوجب من العبد بذل الجهد الممكن،
ثالثًا: أنصحك بمثلث الاطمئنان، والذي يمكن تلخيصه في "استشر الثقات من أهل الخبرة"، و"استفت قلبك"، ثم "استخر خالقك" فهو أعلم بما يصلحك، فهذه الثلاث كفيلة بأن تنير لك الطريق، وتريح قلبك من التردد، وتقضي على حالة القلق التي تنتابك.
رابعًا: أوصيك بأن تسقط من ذاكرتك "التجربة الوسيطة"، تجربة الشهور الستة، والتي أشرت إليها في رسالتك، بقولك "ارتبطت بفتاة، وكنت أود خطبتها، إلا أننا نتشاجر كثيرًا، بسبب خلافات بيننا لم نستطع تجاوزها"، وختمت بقولك "قررت إنها العلاقة"، فلا تجتر الماضي، وانظر للمستقبل، واعلم أن الخير فيما يقدره الله عز وجل.
خامسًا: لا شك أن زواج الأقارب له مزاياه وعيوبه، فهناك من يستحسنه انطلاقًا من كونه فرصة لتقوية أواصر العلاقة بين الأهل، وصلة الأرحام، ويضمن لك بر زوجتك بوالديك، كما أنه يضمن عدم ظهور مفاجآت ما بعد الزواج، والتي كثيرًا ما تظهر عند الزواج بمن لا تعرفها جيدًا، ولا تعرف أصلها وفصلها، و.. إلخ، لكن هناك أيضًا من يبدي مخاوفه من زواج الأقارب، من ناحية أن أي خلاف بين الزوجين قد يهدد علاقة الأهل ويضر بصلة الأرحام، بالإضافة إلى بعض المخاوف الطبية، التي تتحدث عن احتمال إنجاب أبناء يعانون من مشاكل صحية بسبب الوراثة، وإن كان العلم الحديث قد حل هذا الجانب من خلال إجراء بعض التحاليل الطبية للاطمئنان.
سادسًا: بخصوص الحيرة التي أبديتها في رسالتك، وتساؤلك عن مصدر رغبتك في الزواج من بنت خالتك؛ وهل هو الاحترام، والحب الذي وصفته بأنه ليس كافيًا، أم أنه الشهوة الجنسية؟؛ فإنني أود أن أوضح لك أن الإسلام دين واقعي، لا يحارب الشهوة الجنسية، التي فطرها اللهُ داخل الجنسين؛ الرجال والنساء، لكنه يهذبها ويرشدها، ويضعها في موضعها الصحيح، ألا وهو الزواج،
بيد أنني أؤكد لك، أن الهدف الرئيس من الحياة الزوجية، ليس إشباع الغريزة الجنسية وحسب، وإنما تأسيس بيت مسلم، يعبد الله كما أمره، ويقدم للمجتمع أبناء صالحين وبنات صالحات، يصيروا عندما يكبرون لبنات قوية لبناء أسرة صالحة، تطيع ربها، وتنفع مجتمعها، وهذا الهدف الأسمى كفيل بأن يدعو الرجل عند اختيار شريكة العمر، أن يدقق النظر، وأن يحسن الاختيار، وأن يختار ذات الخلق الحسن، والسمعة الطيبة، والدين الصحيح، وقد رغَّب النبيُ (صلى الله عليه وسلم) في نكاح ذات الدين، فقال: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ". (رواه البخاري ومسلم).
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يرزقك الزوجة الصالحة، التي إذا نظرت إليها سرتك، وإن أقسمت عليها برتك، وإن غبت عنها حفظتك في مالك وعرضك وولدك. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.