مجلس التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا
20 ربيع الأول 1437
تقرير إخباري ـ محمد لافي

أخيرا وبعد طول انتظار تم الإعلان عن تحالف استراتيجي يجمع أكبر قوتين إقليميتين إسلاميتين في المنطقة " السعودية وتركيا" , وذلك على لسان وزير خارجية المملكة السعودية في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي في العاصمة الرياض منذ يومين , وذلك بعد أن اتفق قادة البلدين على ضرورة إنشاء هذا المجلس لتعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي , لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة في المنطقة .

 

 

خطوة طالما انتظرها الثوار في سورية لتنسيق وزيادة الدعم لهم في ظل الهجوم الروسي الشرس عليهم وعلى المدنيين , وطالما طالب بها الباحثون والمفكرون المسلمون منذ بدايات التمدد الإيراني الصفوي في دول أهل السنة , وازدادت المطالبة بها بعد هيمنة الرافضة على بلاد الرافدين بدعم أمريكي واضح , ليتحول طلب التحالف ذاك إلى مناشدات بعد ظهور معالم التحالف الروسي الصفوي العراقي لدعم طاغية الشام ومحاولة إجهاض ثورة الياسمين , بل ومحاولة إضعاف وعزل كل من السعودية وتركيا باعتبارهما العدو الأول لهذا المحور الجديد , بعد أن ظهر إصرارهما على مواجهة المشروع الصفوي في المنطقة .

 

 

وإذا كان تطابق موقف الجانبين تجاه الكثير من ملفات المنطقة الساخنة و أهمها : الموقف المتطابق من الأزمة السورية سواء من حيث دعم المعارضة المعتدلة , وصولا لموقف البلدين من ضرورة إسقاط طاغية الشام بالتنحي أو القتال , وليس انتهاء برفض التدخل العسكري الإيراني ومن ثم الروسي إلى جانب طاغية الشام , وكذلك الموقف من الأزمة في اليمن , حيث تدعم تركيا التحالف العربي الذي تقوده المملكة ضد الانقلاب الحوثي على الشرعية , ناهيك عن توافق البلدين في موقفهما مما يجري في العراق , وخصوصا فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها المليشيات الرافضية الطائفية "الحشد الشيعي" ضد أبناء أهل السنة في بلاد الرافدين .....

 

 

أقول : إذا كانت الرؤية الموحدة من مجمل هذه الملفات قد ساهم بشكل كبير في الإعلان عن مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين ...إلا أن العامل الأهم والأخطر الذي سرّع من هذه الخطوة هو : الآثار الخطيرة الناجمة عن التحالف الصفوي الروسي العراقي مع النظام السوري على كل من السعودية وتركيا وقطر ودول أهل السنة عموما .

 

 

أما بالنسبة للمملكة السعودية فلا تخفى مخاطر المحور الصفوي النصيري العراقي الروسي على أمنها القومي , بل وعلى الوجود والهوية السنية في المنطقة , حيث تعتبر المملكة أبرز قيادات دول أهل السنة , وهدف المشروع الصفوي المستقبلي الأبرز والأهم , لكونها بلد مهبط الوحي السماوي للدين الخاتم , و احتضانها المسجد المكي والنبوي والمشاعر المقدسة .

 

 

و من المعلوم أن إيران تسعى من خلال ممارساتها في كل من اليمن والعراق وبعض دول الخليج إلى محاصرة المملكة , ولعل هذا ما دفع بلاد الحرمين إلى إنشاء التحالف العربي لإفشال مخطط الرافضة في الهيمنة على حدودها الجنوبية , بعد أن هيمنت إيران على القرار العراقي من خلال حكومة طائفية تابعة للملالي بدعم من أمريكا , وحاولت سابقا ركوب موجة ثورات ما يسمى "الربيع العربي" للهيمنة على البحرين - والتي أفشلها تدخل درع الجزيرة حينها - .

 

 

كما أن خطر المشروع الصفوي على بلاد الحرمين قد بات صريحا وقريبا بعد أن كان خفيا و بعيدا نوعا ما , فقد باتت تهديدات جنرالات ملالي طهران للسعودية علنا وعلى الملأ بعد أن كانت تتقنع بحسن الجوار وتتستر بزيف الدعوة إلى الحوار في السابق , وقد زادت حدة هذه التهديدات بعد تدخل المملكة العسكري لإنقاذ اليمن من الانقلابيين الحوثيين وقوات المخلوع صالح , واستمرار دعمها لحقوق الشعب السوري الثائر ضد الطاغية .

 

 

وإذا أضفنا إلى ذلك الموقف الأمريكي المتخاذل تجاه الأزمة في كل من اليمن وسورية والعراق , وانحيازها الفاضح لصالح المشروع الصفوي وإن لم يكن بشكل معلن وصريح , وخصوصا بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع طهران , فإن ضرورات تحالف المملكة مع تركيا باتت أشد وأكثر إلحاحا , لمواجهة المحور الصفوي الروسي النصيري المدعوم بشكل خفي من الغرب والأمريكان .

 

 

وأما بالنسبة لتركيا فلم يعد خافيا كثرة المحاولات المتزايدة لإضعافها ومنعها من أن تكون قوة إقليمية ذات تأثير على مخططات الشرق والغرب في المنقطة , وخصوصا فيما يتعلق بمخطط الحفاظ على النظام النصيري في سورية , ودعم المشروع الصفوي على حساب دول أهل السنة , وجعل طهران شرطي المنطقة لحماية أمن الصهاينة , ومنع أنقرة من أن تتحول إلى قوة إقليمية مناوئة لتلك المخططات والمشاريع .

 

 

وإذا أخذنا بعين الاعتبار مواجهتها الأخيرة مع روسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية مؤخرا , و استغلال روسيا للحادثة للتصعيد غير المسبوق ضد أنقرة سياسيا واقتصاديا , سواء من خلال فرض عقوبات اقتصادية أو دعم الأكراد الطامحين إلى حكم ذاتي في شمال سورية الذي تعارضه أنقرة بشدة ....... فإن ضرورة تحالفها مع المملكة السعودية بات ملحا ولا ينتظر أي تأخير أو تأجيل .

 

 

ومع كون معركة الدفاع عن الوجود والهوية السنية هو الأكثر إلحاحا في إعلان مجلس التعاون الاستراتيجي بين المملكة السعودية وتركيا , فإن ذلك لا ينفي وجاهة السبب الاقتصادي كمحرك رئيسي لإنشاء مثل هذا المجلس , فكل من البلدين يواجه أزمات اقتصادية لا تخفى على كل متابع .

 

 

أما المملكة السعودية فقد أنفقت الكثير من الأموال في معركتها ضد الحوثيين في اليمن , وما زال ينتظرها المزيد من الإنفاق لحسم هذه المعركة المصيرية بالنسبة لها , ناهيك عن أثر انخفاض أسعار النفط على اقتصادها المعتمد إلى حد كبير حتى الآن على عائداتها .

 

 

وأما تركيا فهي تبحث عن مصادر جديدة للطاقة بعد توتر العلاقات بينها وبين روسيا التي كانت تعتمد عليها بشكل رئيسي في تأمين موارد الطاقة التي هي بحاجة إليها , وقد وجدت في كل من قطر والسعودية البديل الأنسب لها , فهي بذلك تفشل المخطط الروسي الرامي إلى إضعاف تركيا من خلال العقوبات من جهة , ومن جهة أخرى تعزز محور الحلف السني لمواجهة الحلف الرافضي الروسي .

 

 

كثيرة هي الآمال والطموحات المعقودة على هذا التعاون الاستراتيجي بين البلدين - بالإضافة لقطر - في مواجهة الحلف الرافضي الروسي المدعوم على ما يبدو من أمريكا والصهاينة و الغرب , ليس في مواجهة ما يحاك ضد الثورة السورية فحسب , بل في مواجهة مشروع صفوي بات يهدد دول أهل السنة جميعا دون استثناء .