13 جمادى الثانية 1437

السؤال

إني أوقن بالله ربي، وباليوم الآخر وأني سأحاسب وتوزن فيه أعمالي وأوقن بالنار وعذابها الأليم وأوقن بالجنة وأنها الفوز العظيم وأوقن بما فيها من النعيم ولكن للأسف هناك خلل يجعلني أمام هذه الحقائق كالغافل ذهب عقله فأقصر في طاعة الله وأقع في معصيته على علم بهذه الحقائق التي يوجب العلم بها خلاف ما أنا فيه من التقصير، فما هذا الخلل وكيف علاجه؟

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

سؤالك أيها الكريم به من الفهم الكثير، وبه من وصف داء يقع فيه الكثيرون الشيء الكثير، فبرغم علم الكثيرين بالحقائق إلا أنهم يقعون في المخالفات..
ولكن دعني ههنا أحمد لك هذا اليقين الذي تتحدث به عن عقيدتك في اليوم الآخر، وهي العقيدة الإيمانية الكريمة التي يتميز بها المؤمن الصادق.
هذه العقيدة في ذاتها جديرة بالفعل بأن تُقوِّم اعوجاج المرء، وتُثبت أقدامه على سبيل الاستقامة.
وهي كذلك كفيلة بأن تجعله يعمل ليوم لاريب فيه، يحاسب فيه على ما قدم، فتوزن عليه أعماله {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
واليقين متى ثبت في النفس هانت مشقة الطريق، وصار العمل بعد ذلك برهاناً ودليلاً يحتاج من النفس الصبر والمثابرة والإخلاص وتقديم الباقية على الفانية.
وطبيعة الإنسان أنه خلق عجولا، يفضل الآني على القادم، والحالي على المتأخر، حتى لو كان في الباقي والمتأخر الفضل الأكبر والجزاء الأعم، وهذا من جهله وعجلته وقلة حكمته {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
والمرء حتى يقيم نفسه على ما يقتضيه علمه، عليه أن يروض هذه النفس ترويضا، فالنفس دوماً تجنح لهواها ورغباتها وشهواتها، ثم إن الشيطان يستغل خلل النفوس وضعفها أمام رغباتها فيغويها ويحرفها وينسيها ويغفلها.
وقد وصف المنهج الإسلامي لنا وصفات مهمة يمكنها أن تعيننا في ذلك:
فمن ذلك أن نبدأ ونبادر بالفعل، ولا نعتد بالأماني والكلمات، فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل.
وأن نحيط أنفسنا ببيئة صالحة مناسبة يمكنها أن تعيننا، بل نصحتنا الأحاديث النبوية أن نغير أرض المعصية إلى ارض الطاعة وصحبة الطاعة.
وأن نربي أنفسنا على الطاعات شيئاً فشيئا، فخير الأعمال "أدومها وإن قل".
وأن نعلم أننا في حرب دائمة مع الشيطان، فنلجأ للرحمن العزيز سبحانه مستعيذين به على الشيطان الرجيم، مكثرين من ذكره سبحانه ودعائه.
وأن نجدد التوبة يومياً، والاستغفار دائماً، والعهد مع الله سبحانه بمحاولة البذل والمجاهدة قدر ما نستطيع..
ولك أيها الكريم أن تتدبر معنى سيد الاستغفار، الذي ما قاله عبد مخلص مدرك لمعناه في يوم إلا غفر له.. "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".