تطوير التعليم بالمملكة ...التزام ديني و ضرورة دنيوية
24 صفر 1437
تقرير إخباري ـ محمد لافي

رغم أن آيات الذكر الحكيم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تشير بوضوح إلى مكانة العلم السامية في دين الله الخاتم , وتؤكد على ضرورة استمرار التعلم والتعليم في حياة أتباع هذا الدين , حتى جعلها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فريضة على كل مسلم بقوله : (طلب العلم فريضة على كل مسلم ) صحيح ابن ماجة للألباني برقم/183...إلا أن مستوى التعليم في البلاد العربية والإسلامية لا يزال دون المستوى المأمول , ويحتاج إلى كثير من العناية والاهتمام والتطوير ليلامس الحد الذي يليق بهم كمسلمين .

 

 

وإذا كانت بعض الدول العربية ما زالت تعتمد على الموارد الطبيعية "كالنفط والغاز وغيرها ...." في تأمين الموازنة العامة لدولها , فإن الكثير من دول العالم لا تملك تلك المصادر الاقتصادية الهامة , ولكنها مع ذلك في مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا , لسبب واحد هو : الاستثمار الصحيح للموارد البشرية , الذي يعتبر التعليم الأداة الأهم والأساسية فيه , بينما تمتلك الدول العربية العدد الأكبر من الطاقة البشرية في العالم , إلا أنها غير مؤهلة بالقدر الكافي علميا وعمليا , ناهيك عن سوء استثمار هذه الطاقة بشكل كامل و صحيح , الأمر الذي جعلها متأخرة عن غيرها من دول العالم التي لا تملك ما تملكه من موارد طبيعية وبشرية .

 

 

ومع أن بلاد الحرمين قد قطعت شوطا لا بأس به في مجال تطوير العملية التعليمية في السنوات الماضية , سواء من خلال نشر ثقافة الحاسب الآلي وإدخاله كمادة أساسية في المرحلة الثانوية , او من خلال إنشاء أكثر من 300 معمل حاسب آلي في المدارس الثانوية منذ عام 2000 م , ناهيك عن تطبيق التعليم الالكتروني في أكثر من 180 مدرسة ثانوية بالمملكة كخطوة تجريبية في عام 1427 هجري....إلا أن الحاجة إلى تطوير العميلة التعليمية ما زالت ماسة وملحة في مختلف أركانها .

 

 

وإذا كان قرار وزارة التعليم السعودية بتعميم مشروع "التعلم النشط" على جميع المراحل الدراسية في جميع ادارات التعليم بمحافظات المملكة بدءاً من العام الدراسي الحالي 1436 – 1437هـ , يعتبر خطوة في هذا الاتجاه , إلا أن المهم في مثل هذه القرارات هو حسن التنفيذ لقطف الثمار و جني الآمال المرجوة منه .

 

 

والتعلم النشط في الحقيقة من أهم ما توصل إليه العلم الحديث في مجال تطوير العملية التعليمية الحديثة , إذ إنه ينتقل بالتعلم من الصورة التقليدية التي يكون فيها التلميذ متلقيا و منفعلا فحسب , إلى كونه فاعلا وعنصرا أساسيا في العملية التعليمية .

 

 

وإذا كانت أركان العملية التعليمية تتمثل في : المعلم والمتعلم والمناهج التعليمية و وسائل التعليم وأدواته ....فإن الركن الأهم هو التلميذ , الذي يعتبر الركيزة الأساسية التي من أجله وجدت العملية التعليمية , ورأس المال البشري الذي تسعى الدول لإصلاحه وتأهيله علميا وأخلاقيا وتربويا من خلال التعليم , فإن صَلح صَلح المجتمع كله والعكس صحيح .

 

 

ومن هذه الأهمية ينطلق مبدأ التعلم النشط , حيث يصبح التلميذ هو محور العملية التعليمية وأساسها , من خلال الاعتماد على إيجابيته في الموقف التعليمي , واستخدام جميع الممارسات والإجراءات التدريسية التي تهدف إلى تفعيل دوره , حيث يتم التعلم من خلال بحثه بنفسه وتكرار التجربة أكثر من مرة , بالإضافة لاعتماد المتعلم على ذاته في الحصول على المعلومة وليس على المعلم فحسب , ناهيك عن إكسابه المهارات وتكوين القيم والاتجاهات من خلال التعلم النشط , والابتعاد عن مجرد الحفظ من خلال التلقين المعتمد في التعليم التقليدي .

 

 

فالتعلم النشط باختصار هو : تعلم قائم على الأنشطة المختلفة التي يمارسها المتعلم بنفسه , والتي ينتج عنها سلوكيات تعتمد على مشاركة المتعلم الفاعلة والايجابية في الموقف التعليمي التعلمي .

 

 

والحقيقة أن الوصول إلى مستوى التعلم النشط المطلوب يحتاج إلى كثير من المقدمات والإمكانيات , أولها وأهمها : تدريب وتأهيل المعلمين القادرين على تنفيذ هذا المشروع الضخم , سواء من حيث قدرته على استخدام العديد من الأنشطة والوسائل التعليمية وفقا للموقف وقدرة التلاميذ حسب إمكانات كل واحد منهم وقدراته , والذي يتطلب بدهيا مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ , أو من حيث التركيز على توجيه وإدارة قدرات التلاميذ للوصول إلى أهداف التعلم بدلا من تلقينهم , ناهيك عن اكتشاف مواهبهم وتنميتها من خلال الإثارة والتحدي مما يجعل العملية التعليمية أكثر متعة وجاذبية للطلاب .

 

 

وإذا كانت المملكة تهدف من وراء هذا المشروع إلى جعل التلميذ هو محور العملية التربوية والتعليمية للتحول نحو التعلم بدلا من التعليم , و ليتم تحسين المخرجات التعليمية التي يمكن أن يكون لها دور كبير في خدمة بلاد الحرمين كما يؤكد وكيل الوزارة للتعليم الدكتور عبدالرحمن بن محمد البراك ..... فإن دون ذلك الكثير من التحديات التي لا بد من اجتيازها , لعل أهمها قلة الكوادر المحلية المؤهلة لتنفيذ هذا المشروع الكبير .

 

 

إن المأمول من هذا المشروع الذي انطلق تجريبياً منذ عام 1432هـ أن ينتقل بالعملية التعليمية في المملكة إلى التفوق العلمي والتقني , الذي يزود أبناءها بالمهارات اللازمة لسد احتياجات المملكة من الاختصاصات التي يتطلبها سوق العمل فيها , الأمر الذي يجعلها في غنى عن استيراد الكفاءات والخبرات من الخارج .

 

 

وإذا كانت دوافع الدول الغربية لتطوير وتحديث العملية التعليمية باستمرار لمواكبة متطلبات سوق العمل لديها دافعا دنيويا وماديا نفعيا فحسب , فإن دوافع الاهتمام بالعلم والتعليم وتطوير وتحديث وسائل تلقيه لدى المسلمين - وخصوصا بلاد الحرمين - ديني ودنيوي معا .