إعلام فاجر2/ 2
14 صفر 1437
منذر الأسعد

رصدنا في الحلقة السابقة، بعضاً من مخازي الإعلام التغريبي، الذي بلغ من الإسفاف والمجاهرة بالخيانة، حدوداً مفزعة، ولم نتطرق إلى ما يبثه من زندقة وكفر بواح، تجاوز فيه الإعلام الغربي القائم على حرية الإلحاد أصلاً منذ هزيمة الكنيسة بانغلاقها وعدائها للعقل وإنتاجه العلمي عداء مطلقاً. لكن الإعلام الغربي-في المقابل-يمتاز عن نسخته المسخ في بلاد الإسلام، بأنه يخوض معارك شعوبه حتى لو كانت ظالمة، وهو منسجم مع قناعاتها بصرف النظر عن قبحها وإسرافها في النزعة المادية التي تمزج اللا أدرية مع الإباحية الجنسية.

 

وأما أبواق العبيد فهي عميلة للغرب حضارياً في أحسن الأحوال، وبعضها ضم الخيانة السياسية إلى الخيانة الحضارية.
والإعلام الغربي لا يطبل لطاغية، بعكس تابعه الذليل الذي يمجِّد الطغاة المهزومين أمام العدو، والمستأسدين على شعوبهم المنكوبة بهم.

 

وعندما يمارس الإعلام الغربي تضليله يمارسه بذكاء وحنكة، ويدس السم بجرعات مدروسة في العسل، فلا يكاد يكتشفه إلا قلة من أهل البصيرة.

 

بينما يحترف العبيد عندنا الكذب الفج، مثل ذاك الذي اتهم الإخوان بتضييع الأندلس، مع أن خروج المسلمين من الأندلس سبق ولادة مؤسس الإخوان –حسن البنا- بـخمسة قرون فحسب!

 

أردوغان مثالاً

التيار الرئيسي السائد في الإعلام الغربي، يمقت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنه يمرر رسائل الكيد ضده بمكر ملحوظ، فإذا جاء وقت الخبر نشر الخبر مثلما وقع وليس مثلما يشتهي!!

 

عندما ظهرت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في تركيا، كانت عناوين شبكات التلفزة ثم الصحف الكبرى في صباح اليوم التالي، تكاد تكون واحدة: فوز ساحق يحققه حزب العدالة والتنمية!

 

بينما كانت الغصة مفضوحة لدى العبيد العرب، حتى إنهم دسوا أمنياتهم في متون الأخبار وعناوينها.. بعضهم قال: حزب أردوغان يسترجع بعض رصيده بصعوبة!!

 

طبعاً، لن نقف عند بديهيات المهنة التي تحظر حظراً مطلقاً إقحام الرأي في الخبر، فكيف بمن يخون أساسياتها، كالذي أطلق على الحزب الفائز تسمية حزب أردوغان، والمهنة توجب تسميته بالاسم الذي اختاره لنفسه؟

 

طائفي ليبرالي؟!

هذه الثنائية مستحيلة بالعقل والتجربة، لكنها من ثوابت الفجور الإعلامي التغريبي.
أحد الروافض الخبثاء دبَّج مقالاً طويلاً في صحيفة عربية شهيرة، ادعى فيه أن أردوغان وأحمد داود أوغلو وحزبهما ليسوا ديموقراطيين!! وعقد مقارنة كاريكاتيرية بين الرجلين وبين تشرشل الذي خسر أول انتخابات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي حقق فيها النصر لبريطانيا على النازية!!

 

غريب فجور القوم!! كيف يقارن هذا الدجال بين رجل خسر الانتخابات وآخر فاز فيها، ثم يحكم على الثاني بأنه ليس ديموقراطياً؟ هل عمه خامنئي صاحب الصلاحيات الفرعونية هو الديموقراطي وليس في نظامه سوى انتخابات يهيمن عليها بالدستور وبتحديد من يحق له الترشح؟ ومع ذلك عندما فاجأه الإيرانيون سنة 2009 بأنهم اختاروا غير الشخص المفضل لديه، قمعهم وفرض عليهم نجاد، ولما احتجوا على تزويره الفج طاردهم في الشوارع فقتل من قتل وسجن من نجا؟ أم أن صاحبه طاغية الشام هو الديموقراطي لأنه ورث التسلط على سوريا من أبيه الطاغية، وكأنها مزرعة عائلية؟

 

في صحيفة شبيهة أخرى –تنافس سابقتها في التحريف والتضليل – كتب أحد المرتزقة تقريراً من تركيا نفسها، قال فيه: إن أردوغان بدأ عقب انتصار حزبه انتخابياً في الانتقام من خصومه!!-كذا ورب الكعبة-!! وهذا المسخ يعلم أنه لو أرسل تقريراً مماثلاً من بلد يحكمه طاغية، لأدرك سليم اللوزي صاحب مجلة الحوادث اللبنانية، الذي أذابت مخابرات العائلة الأسدية جسده بحامض الأسيد!! يكذب كذبة بهذا المستوى وهو يعرف أن تركيا بلد مفتوح يدخله ألوف البشر من أصقاع الأرض كل يوم، فأين كان انتقام أردوغان؟ وممن؟ وكيف؟

 

لقد كانت أبواق التغريب من قبل أقل فجوراً، فلم تكن تدعو إلى خيانة فلسطين بالصورة العارية التي صرنا نراها مؤخراً. فأسلاف دجالي اليوم كان فيهم بقايا حياء، لكني أفضِّل العدو الوقح على العدو الماكر، فالمعركة في الوقت الحاضر صارت كما يقال في الدارجة: لعباً على المكشوف.. بقيت ستارة صفيقة تقال في أبواق خامنئي وأذنابه عن الممانعة التي صارت أشد نكتة عرفتها البشرية فحشاً وقبحاً..