تعظيم حق الصاحب والزميل
4 صفر 1437
فارس العريفي

الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين عظّم حقوق الأقربين في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه الأمين صلوات ربي وسلامه عليه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين المبعوث رحمة للعالمين، ما علم خيراً إلا أرشدنا إليه وما علم شراً إلا حذرنا منه، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128] وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد، فما منا من أحد إلا صحب آخر في دراسة أو عمل أو سفر أو غيره، وهو ما يطلق عليه في وقتنا الحاضر "الزميل"، والمعلوم أن الله عظم حقوق كل من قرب منا سواء نسباً أو صهراً أو مكاناً أو حتى جسداً، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} هذا حق الخالق، ثم ثنى بحق المخلوقين {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} [النساء:36]. وشدد على النهي عن ظلمهم وإنقاص حقهم في أكثر من آية فهلا استشعرنا هذه العبادة العظيمة تجاه كل من قرب منا وصحبنا فترات طويلة من أعمارنا وخاصة زملاء الدراسة والعمل.

 

والشيطان أيها الأكارم لا يريد أن تقوم لأهل الإيمان قائمة، فهو يسعى للتفريق بينهم بالتحريش، فعن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد يئس أن يَعبُدَه المصلُّون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم"(1). فكثير منا يجلس مع زملائه أكثر مما يجلس مع أقاربه، بل أكثر مما يجلس مع والديه وأولاده، ونتيجة للاحتكاك بينهم ينفث الشيطان سمومه فتتولد الاحتقانات وسوء الظن وغيرها فهل تمثلنا الإرشاد النبوي الذي جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره"(2)، وقد جاء في الآية السابقة "إحساناً" وفي هذا الحديث "خير" فما هو الإحسان والخيرية للأصحاب وهذا ما سوف نذكر شيئاً منه في رسالتنا هذه والله ولي التوفيق.

 

الإحسان للزميل:

الإحسان وبذل الخير للأصحاب كما جاء في الكتاب والسنة ينقسم إلى عدة أمور نذكر منها:

أولاً: كف الأذى: والأذى أعلى مراتبه الظلم وأدلة النهي عنه كثيرة في حق كل مسلم، وهي أشد نهياً في كل من قرب وطالت عشرته من جيران وزملاء، أخرج أحمد عن المقداد بن الأسود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرَّمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لأن يزني الرجل بعشرَة نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، قال: فقال ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرَّمها الله ورسوله فهي حرام، قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره". ويقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حَمَلَهم على أن سفكوا دماءهم واستحلُّوا محارمهم"(3)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلِمه" أي لا يقع منه ظلم ولا يمكّن أحداً من ظلم أخيه إن استطاع ثم قال: "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُربة، فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"(4).

 

واعلموا أيها الأحبة أن شرائع الإسلام حرمت كل وسيلة تفضي إلى التفرق، وعدم الاجتماع والاختلاف، وعدم الائتلاف حتى ما يكدر النفوس ويفضي إلى التنافر، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:12]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" أي لا تظنوا سوءاً بإخوانكم المسلمين {وَلَا تَجَسَّسُوا} أي: لا تبحثوا عن معلومات من الآخرين لتأكيد الظن السيئ على أخيكم، {وَلَا تَجَسَّسُوا} أي: لا تبحثوا أنتم بأنفسكم سواء باستراق السمع أو النظر لتأكيد هذا الظن السيئ، "ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا"(5). وجاء في رواية عند مسلم: "ولا تنافسوا" أي: في الدنيا فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة ولم يفسد العلاقات مثل المصالح الذاتية، فمن الخطأ ما تدعو إليه بعض الدراسات الحديثة من بث روح المنافسة بين الزملاء فليس هناك دليل يحث على التنافس في الدنيا بل حتى السعي الحثيث لا يوجد دليل عليه وغاية ما وجد في الكتاب الكريم: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]، ومن السنة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نفث روح القُدُس في رَوْعي أن نفساً لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها، وتستوعب زرقها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته"(6)، وجاء في رواية عند مسلم عن أنس "لا تقاطعوا" والمقصود ليس فقط آخر الأمر من التقاطع، بل اجتناب أسباب التقاطع والتباغض، ومن الأمور التي تفضي إلى الاختلاف والشحناء ما ذكره أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال"(7)، وأما تحديد نهاية الهجر المحمود بثلاثٍ؛ لأنه كلما طالت المدة كلما اشتد الخلاف والبغضاء واستحواذ الشيطان على قلبك تجاه أخيك؛ ولأن التقاء الأعين يذهب سخائم النفوس، فأنت عندما حدث مع أخيك خلاف وهجرته لا تذكر إلا آخر موقف بغيض بينك وبينه، فإذا اجتمعت معه يوماً ما فإنه يختفي ذلك الموقف عن أخيك ويبقى في الذاكرة آخر لقاء وعادة يكون أفضل من سابقه وإضافة إلى ما سبق من تحذيرات نبينا صلى الله عليه وسلم نختم ببعض ما ذكر من قوله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله،وعرضه" فيدخل في ذلك كل شر تدخله على أخيك أو تبذل سببه من سخرية وغيبة ونميمة وتنابز بالألقاب وغيرها.

 

ثانياً: بذل الندى: وهو ما تعارف عليه من مكارم الأخلاق شرعاً وعرفاً – إذا لم يخالف الشرع – تبذله لزميلك في العمل تأليفاً لقلبه وتحبيباً له وهو بادئ ذي بدء في النية، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدُكم، حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه"(9)، وفي رواية "لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره" فإن القلب ملك الجوارح فإذا كانت هذه النوايا فكيف بالأعمال ومن ثم الابتسامة حتى ولو تكلفتها لأنك تؤجر عليها، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَبَسُّمُك في وجه أخيك صدقة"(10)، وفي رواية عند مسلم "لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ولو أنْ تَلْقَ أخاك بوجهٍ طلق" لا معبس الوجه. ثم يأتي طيب الكلام ولينه وأوله السلام، وهو من العبادات السهلة العمل العظيمة الأجر، أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم" لأنه جالب للتعارف والمحبة والائتلاف ولأننا في هذه البلاد بحمد الله رُبينا في مجتمع مسلم أصبحت هذه العبادة عادة تقال كثيراً عند الالتقاء، فما معنى السلام: السلام هو اسم من أسماء الله الحسنى وهو السالم في نفسه من كل نقص وعيب ومماثلة المخلوقين، والمسلم لغيره من كل سوء وضرر. فأنت إذا سلمت على المريض فإنك تدعو له بالشفاء، والمهموم بكشف همه وغمه، والضال بالهداية وقس على ذلك، وهذا جالب للمحبة عندما يتضح معنى السلام الصحيح، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير فقال: "تُطعم الطعامَ، وتقرأ السلامَ على مَن عرفت ومَن لم تعرف"(11)، ولأن من مقاصد مشروعية السلام التعارف وتوثيق العلاقة والمحبة كان رد السلام واجباً يأثم من سُلِّم عليه ولم يرد السلام، علماً أن السلام سنة وذلك لأن عدم رد السلام يفضي إلى الشحناء والتباغض وعدم الائتلاف وهذا ما جاء الشرع بتحريمه.

 

ثم الإكرام بالجاه واللسان والجسد إما بالدعاء، أو بالشفاعة الحسنة، أو بالشهادة إذا كان يستحقها، أو بالنصح له في أمور الآخرة والدنيا، أو بالدفاع عنه في غيبته والذب عن عرضه، أو بالقيام بعمله متى ما دعت الحاجة إلى ذلك لظروفه منعاً لخسارته أو تلف ماله، فعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيْعته، ويحوطه من ورائه"(12)، يكف عليه ضيعته أي: يمنع عنه خسارته أو تلف ماله، ويحوطه من ورائه: يدافع عن عرضه في حال غيبته وإلحاق الضرر به، وغير ذلك. ثم الإكرام بالمال ما استطعت بإهدائه هدية تكسب بها قلبه، أو سداد دين أثقل كاهله ولو جزءاً يسيراً. أو بإعطائه حسب الطاقة قرضاً إن كان يرد القرض، وإعارة لبعض أغراضك التي يمكن الاستغناء عنها ولو لفترة قصيرة، ونقله معك إلى مقر العمل، وإكرامه بالطعام والشراب متى ما ناسب ذلك وغيره كثير.

 

وأختم هذا الفصل بأقل حقوق زميلك المسلم عليك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس"(13)، وقال مسلم: "حق المسلم على المسلم ست – وزاد – وإذا استنصحك فانصح له" وإجابة الدعوة: على قول العلماء أنها الوليمة بشروطها الشرعية، وقال بعضهم هو كل ما دعاك إليه أخوك المسلم بما فيه نفعه أو نفع لك.

 

ثالثاً: تحمل الأذى: وهذا من أثقل الأمور تحملاً على النفس، وهي صفة ملازمة للأنبياء والعظماء ولا يتحملها إلا مؤمن لعظم أجرها في الآخرة، أما مجرد الشك أن فلاناً يريد أن يؤذيني وهو ما يسمى بسوء الظن الذي ليس له حقيقة ولكنه وسواس من الشيطان ليدب الخلاف وتنشأ البغضاء فنحن قد نهينا عن هذا الظن وعن الوسائل المفضية إليه كما ذكرنا في حديث أبي هريرة في – كف الأذى -، واعلم رحمك الله أن عامة الناس تتعامل مع زملائها بجبلتها التي فطرهم الله عليها والبيئة التي عاشوا فيها، فمثلاً أخرج أحمد عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدا جفا" رعاة الإبل أشد جلافة وغلاظة من غيرهم لطبيعة احتكاكهم بالإبل فتجد فيه شدة وعلو صوت وهو لا يقصد الإساءة، فيجب علينا تحمل بعضنا البعض فهذا ليس تعمداً للأذى ولكن هذه عادة كما قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:5]، وقد حث الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على أكرم الأخلاق ومنها قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] خذ العفو: أي: ما عفى من أخلاق الناس وما صدر منهم بحسب تربيتهم وجبلتهم وبيئتهم والله أعلم بمراده.

 

ثم اعلم أن الناس وأنت منهم تكتنفهم الهموم والأحزان وضغوط الحياة مما يؤثر في طريقة تعاملهم مع الغير ولو لفترة مؤقتة، فيجب علينا وضع هذا الاعتبار في الذهن ويتخذ بعضنا لبعض الأعذار، كما قال العلماء: "اتخذ لأخيك المؤمن بضعاً وسبعين عذراً فإن لم تجد فقل لعل له عذراً لا أعلمه". وإذا كان تحمل الأذى لقصد الإصلاح كان أعظم أجراً كما قال تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40]، وهذا فيمن تعمد ضررك بشكل واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار أو أضرك دون قصد وغيرها من أدلة الكتاب والسنة في كظم الغيظ.

 

رابعاً: الأسباب المعينة على ذلك: معرفة هذه الأسباب مهم جداً لأن فهمها والعمل بها يؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة ويعين على التخلق بأوامر الله، فمنها:

أ – أن الله لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ولا ينهى إلا بما مفسدته خالصة أو راجحة، وهذا يفيد أن الواجبات التي أوجبها الله علينا من الإحسان للصاحب كلها خير ومصلحة ونفعها يغلب على ضررها في الدنيا والآخرة، وما نهانا الله عنه من محذورات بهذا الخصوص كلها شر ومفسدة وضررها يغلب نفعها في الدنيا والآخرة، وأن هذه الواجبات والمنهيات أرشدنا الله إليها رحمة منه في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وقال تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء:105] مبشراً بثمرات الطاعات من نفع في النفس والبدن والأسرة والمجتمع والبركة وأعلاها رضا الله ودخول الجنة، ومنذراً بثمرات المعصية من ضرر على النفس من ضنك، وبدن من مرض، وأسرة من تفرق، ومجتمع من تفكك... وأعلاه سخط الجبار ودخول النار، عافانا الله وإياكم منها.

 

ب – إن الصبر لا بد منه فهو السبيل للمنازل العالية في الدنيا وكذلك في الآخرة، بل إن الالتزام بالشرع بفعل أوامره واجتناب نواهيه لا بد له من الصبر يقول الله عز وجل: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7]، وقال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]، لذلك يجب علينا الصبر على زملائنا والإحسان إليهم كما تقدم وأوضحنا جانباً يسيراً منه.

 

ج – التغافل عن أخطاء الآخرين وزلاتهم وعدم البحث عنها، فالنفس لا تحب من يبحث عن أخطائها ولا من يقع عليها ويظهرها، قيل للإمام أحمد بن حنبل: "تسعة أعشار العافية في التغافل، فقال بل العافية كلها في التغافل".

 

د – إن هذه التوجيهات الشرعية التي مرت بنا واجبة على الجميع وليست لأحد دون أحد، فالبعض تعجبه هذه الأخلاق والصفات الحميدة ولكنه لا يفعلها بنفسه بل يريدها من الغير يريدهم أن يكفوا أذاهم ويكرموه ويتحملوه أما هو فلا يألو جهداً للقيام بأي شيء مخالف لها فلننتبه لذلك.

 

وختاماً: اللهَ أسأل أن يهدينا إلى أحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلى هو وأن يعيذنا من سيئ الأخلاق لا يعيذ من سيئها إلا هو، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

_______________________

(1)    أخرجه مسلم.
(2)    أخرجه أحمد والترمذي.
(3)    أخرجه مسلم.
(4)    أخرجه البخاري ومسلم.
(5)    أخرجه البخاري ومسلم.
(6)    رواه الطبراني وغيره.
(7)    أخرجه البخاري.
(8)    أخرجه مسلم.
(9)    أخرجه البخاري ومسلم.
(10)    أخرجه الترمذي.
(11)    أخرجه البخاري ومسلم.
(12)    أخرجه أبو داود.
(13)    رواه البخاري ومسلم.