22 شعبان 1438

السؤال

أحسن الله إليكم: أشكل علي معنى الباء في قوله تعالى: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)، فالفعل (غرَّ) متعدٍّ، فلم عدي بالباء؟ ولم أجد فيما راجعت من كتب التفسير ما يفيدني. فتح الله علينا وعلينا من الفضل والعلم.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن تكون الباء في قوله تعالى: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) بمعنى (عَن)، كقوله تعالى: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)، أي: فاسأل عنه خبيرا.
وعلى هذا يكون معنى قوله: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ): ما الذي غرَّك عن ربك، أي: ما الذي خدَعك فصرفك عن ربك، فكفرت به وكذبت بوعده، وهو الذي خلقك فسوَّاك فعدلك؟
وقد بين سبحانه أن الذي غرَّ الإنسان هو الشيطان، كما قال تعالى: (وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).
ويحتمل ـ والله أعلم ـ أن تكون الباء بمعنى (مِن)؛ فقد ذكر بعض أهل العربية أن الباء تأتي بمعنى (مِن)، وذكروه في بعض الآيات، كقوله تعالى: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ)، أي: منها، ولعل هذه الآية المسؤول عنها من هذا القبيل؛ فيكون المعنى: أيُّ شيء غرك من ربك ـ أيها الإنسان ـ أكرمُه وإنعامه؟ أم حلمه وستره؟
كما يشعر به ذكر اسمه تعالى الكريم؛ فمن القبيح في العقل والدين أن يكون الإحسان سببا للكفران بالجحد والإشراك، فتبين مما تقدم أن الفعل (غرَّ) يتعدى إلى المفعول بنفسه، وإلى المعمول الذي بعده بالباء بمعنى (عن)، أو بمعنى (مِن)، وقد جاء في الشعر تعديتُه بمِن، كقول الكِنديِّ:
أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي وَأنّكِ مهما تأمُري القَلبَ يَفْعَلِ
والله أعلم. وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.