الجيش الروسي في دمشق
5 ذو الحجه 1436
مهنا الحبيل

القرار الذي اتخذه الرئيس بوتين باسم محاربة الإرهاب على الأراضي السورية، وإعلان اليونان وإيران فتح مجاليهما الجوي للعمليات، لم يكن مباشرة تدخلاً عسكرياً من الدب الروسي، لكنه تشريع لتثبيت واقع سياسي تسعى موسكو لفرضه، مستغلة الاهتمام الدولي في حرب داعش العالمية.

 

 

 

فهذا التدخل موجود بالفعل، ويتوسع اطراداً، ومن المقطوع به، أن موسكو تعتبر فصائل الثورة السورية جماعات إرهابية، قبل داعش والنصرة، وتعتمد هذا المصطلح لنظام الأسد قديماً، ويغطي إعلامها الثورة السورية بهذا الاعتبار، ولا تعترف إلا بفصائل سياسية، فالإرهاب هنا يعني الفصائل الشرعية للثورة السورية، وهو مشمول لديها بالقطع، والجبهات التي صُورت فيها القيادات العسكرية الروسية، كمستشارين ميدانيين عسكريين، أو تقنيين أسلحة، هي جبهات مع فصائل الثوار لا داعش، وهذا تواجد قديم.

 

 

 

إن فرز هذا الملف يحتاج إلى تفصيلات مهمة، وقراءة دقيقة للمنعطفات الحالية للثورة السورية، والسيناريوهات الدولية، والجدل داخلها ومساحة كل طرف فيها من حيث قدرات التأثير، وهي ضمن استشعار عام أو دفع دولي رسمي، بأن الثورة السورية تدخل مرحلة غربلة، تسعى لها هذه الأطراف.

 

 

 

ولعل من أسباب الفتور الأميركي في حرب داعش، أن واشنطن باتت تحذر أكثر من المشروع التركي، الذي سيُمرّر تحت اسم هذه الحرب في تنفيذ المنطقة الآمنة، والتي يبدو أن أنقرة اليوم أكثر إقداماً عليه، ولم تنتظر إلا تحييد واشنطن فيه الذي انتزعته أنقرة بالفعل، وإحراجها بشروط حماية الناتو لتركيا، حين يحاول النظام الرد على تأمين سلاح الجو التركي المدنيين السوريين في المنطقة الآمنة.

 

 

 

ويبدو مثيراً للعجب بالفعل، إطلاق أوروبا مبادرات كبرى لاستضافة اللاجئين بأعداد ضخمة– نصف مليون سنوياً-، وكأنه سحب لهذا الملف من دوافع التأثير المشروع له، وأن أصل معالجته هو تحييد النظام عن جرائمه فيه، ومساعدة الشعب السوري في الخلاص منه، وهو ما اتخذت أوروبا وموسكو معاً اتجاهات مناوئة له، انتهت لواقع اليوم وتمكن جماعات العنف الوحشي، على حساب فصائل الثورة.

وموسكو تراقب المشهد بقلق وإصرار على دورها، المركزي فيه، وفي كل تقلبات المواقف، واتجاهاتها المتوقعة، من حصول فعلي للمنطقة الآمنة التي ترفضها بشدة، خاصة إذا استلمها تحالف ثابت من الثوار، ونسقوا مع تركيا، أو اضطربت المساحة العسكرية، وتطورت وفصِل الساحل، فهي هنا ترغب بأن تكون شريكاً في خريطة التقسيم الجديد.

 

 

 

 

ونلاحظ هنا عناصر مهمة في ملف موسكو السوري:

1- تزايد رسائل تهالك البنية التحتية، لقوات النظام وتصدع الحالة المعنوية له، أكثر من أي وقت مضى.

2- عجز الانخراط الإيراني العسكري البري، بقوات النخبة من الحرس الثوري أو بميلشياتها المتعددة، عن حسم المعارك الكبرى لصالح النظام، رغم المهلة التي حصل عليها لتصفية الثورة في التوافق الأميركي الروسي، بعد سان بطرس بورغ.

 

 

 

 

3- إيران اليوم حليف إقليمي مهم لموسكو، وتأثير تراجعها واضطراب ميليشياتها، سيؤثر على كل مشروعها المشترك مع موسكو، وإنهاك ميليشياتها وحرسها الثوري المنتدب في العراق، وتعثرها الكبير في اليمن، أضحى عامل ضغط كبيراً على إمكانات صمودها في سوريا.

4- أبرز أذرعة إيران حزب الله اللبناني، يعتبر في مستوى الحليف شبه المباشر مع موسكو، وهو اليوم لم يعد يحصي قتلاه في معاركه مع الشعب السوري، وبالتالي اهتزاز موقعه في رقعة الشطرنج.

 

 

 

5- آثار تصدع النظام في بنائه الديموغرافي داخل الأقليات، ضمن الشرائح المساندة له، بدأت تبرز بين الدروز وحتى العلويين.

6- النظام الأمني المتطرف في نموذج أسرة الأسد، من الصعب إحلال صفوف جديدة فيه، في ظل محرقة يواجهها واقعه، ويفقد فيها شخصيات وطبقات مؤثرة، فتبقى فجوات سقوطه قائمة.

 

 

 

 

فموسكو تأخذ هذه التطورات الكبرى، بصورة جدية، وخاصة حين تعني سقوط النظام فجأة، الذي يؤخره كثيراً عدم وجود المنطقة الآمنة وخلافات ثوار سوريا الميدانية، والسياسية، وعليه فإن خيار سقوط النظام المفاجئ قد يرد، وهو ما لا تقبل به موسكو، وتسعى لتغيير مرحلي ثم استراتيجي ميداني، يعيد خلق النظام ويعيد دورها، في تحديد مستقبله.

 

 

 

كما أن موسكو ترسل رسالة قوية، إلى بقية الأطراف وخاصة أنقرة بأنها ستكون ظهيراً مباشراً لمساندة النظام، وهذا يشجع واشنطن والغرب مجدداً، لمحاصرة المشروع التركي، بحجة أن موسكو اليوم في دمشق، وبالتالي زيادة زمن المعاناة السورية في لعبة الأمم.

 

 

 

والحقيقة أن كل هذا الاستنفار من موسكو، رغم خطورة تدخله ووصوله لمستويات عليا، لن يستطيع إيقاف مجريات التحولات العسكرية الكبرى، لكن ذلك رهن باستمرار إصرار أنقرة، ومبادرتها بتحقيق المنطقة الآمنة، والأمر الآخر المؤلم هو واقع الثوار ووحدتهم المؤجلة.

 

 

 

إن عجز الفصائل الثورية الأصلية، وخاصة فصائل الجيش السوري الحر، وحركة أحرار الشام، وبقية التشكيلات المنتمية للأرض السورية، وذات الفهم الشرعي الواضح، والمنفصل عن الغلو، من بناء جسم ميداني موحد، هو أحد أهم أسباب هذا التأخر.

 

 

 

وما صدر مؤخراً من الناطق باسم جبهة النصرة في التكفير الضمني لأحرار الشام، ثم ما جاء في ذات خطابه من أن بقية الثوار في حكم الكفر الكلي، وإنما هنا الجديد مواجهته أحرار الشام، ورفضه العنيف أي اجتهاد سياسي لهم بعد الحسم، لإنقاذ الشعب السوري، يعطي مؤشراً مخيفاً من تشظٍ جديد يصنعه جناح داعش في النصرة.

 

 

 

 

وهي اليوم مهمة الثوار كما هي مسؤولية داعميهم، من الخروج من هذا الخندق الذي يشرذم الناس عقدياً ويفت بين أهل سوريا، وقد استَقطب فكرة التكفير من خارج أرضها، وأن من الضرورة بمكان، تحييد هذا الخطاب ثم تنظيم وحدة الميدان، من الفصائل الأصلية والعودة إلى منهج أهل السُنة، في تفصيل أحكام الضرورات في الحرب، وأولويات التطبيق لنجاة أهل سوريا، وصناعة وطن الإنقاذ من الأسد وبراثنه.

 

 

 

ولا شيء يساعد ما حذر منه صاحب جبهة النصرة، باسم حكم الطاغوت، أكبر من فتنتهم في تكفير الثوار، وبعثرة وحدتهم التي تمارسها داعش الأصيلة أو المستخفية بين النصرة وغيرها، وتحويل شعب سوريا بأيدي النظام والأمم المتآمرة، إلى تتر جديد مُهجّر في الأرض، والشام الفيحاء، إلى جزيرة قرم منزوعة الهوية، فلا أمن الشعبُ من القتل ولا طُبقت شريعة رب البرية.

 

 

المصدر/ الوطن