7 صفر 1437

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته. أنا رجل متزوج، منذ 6 سنوات، ولدي بنت وولد، ابنتي عمرها 4 سنوات ونصف، وولدي عمره الآن سنه و4 شهور. مشكلتي أن لدي رغبة جنسية، وعصبي، أتذمر من زوجتي لأنها لا تأتيني بالوقت المناسب، وقد سبق أن تحدثت معها كثيراً بهذا الخصوص، وأفهمتها أن رغبتي الجنسية أتعبتني، ومع ذلك تستجيب فترة بسيطة ثم ترجع لسابق عهدها، إلى أن مللت من الكلام بهذا الموضوع.
الآن لم يعد لي رغبة بها، وأنا خائف على نفسي من الحرام، لأن جميع الدواعي قريبه مني، فاجتمعت علي رغبة جامحة، وزوجة لا تكفي، وزنا منتشر حولي في الأسواق والأماكن العامة. طرأ علي أن أتزوج ثانية، وكلمت زوجتي بهذا الخصوص، في البداية أبدت انزعاجها، واتهمتني بأني أبحث عن عذر للزواج من أخرى، وأنا أشهد الله أني صادق في جميع ما ذكرته سابقاً.
إذا تزوجت بأخرى، هل سأرتاح؟، لأنه يوجد لدي ضغوط في العمل، وفي تجارتي الخاصة، أنا قادر إن شاء الله على الزواج بأخرى، من الناحية المادية والجسدية، لكن ما يؤرقني: هل سينجح زواجي، وتكون حياتي سعيدة أم لا؟، أم هل أطلق زوجتي وأتزوج بأخرى درءًا للمشاكل؟، وما مصير أبنائي؟، يعلم الله أني في حيرة لا بعدها ولا قبلها... فأنا بين نار شهوتي والحرام، وبين أبنائي ومصيرهم.... أفيدوني ولكم خالص الشكر والتقدير...

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الفاضل:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
فهمت من رسالتك أنك "متزوج منذ 6سنوات"، ولديك "بنت عمرها 4 سنوات ونصف"، و"ولد عمره الآن سنة و4 شهور"، وأن لديك مشكلتان الأولى هي "شهوة جنسية"، والثانية أنك "عصبي"، تتذمر من زوجتك لأنها لا تأتيك في الوقت المناسب، وتقول في رسالتك أنك "سبق أن تحدثت معها كثيراً بهذا الخصوص"، وأفهمتها أن رغبتك الجنسية أتعبتك، ومع ذلك فإنها "تستجيب فترة بسيطة ثم ترجع لسابق عهدها"، وتقول إنك مللت من الكلام معها بهذا الموضوع.
وتستطرد في رسالتك قائلاً: "الآن لم يعد لي رغبة بها"، و"أنا خائف على نفسي من الحرام"، وتوضح في رسالتك أن "جميع الدواعي قريبه مني"، وتؤكد ذلك بقولك "اجتمعت عليَّ رغبة جامحة، وزوجة لا تكفي، وزنا منتشر حولي في الأسواق والأماكن العامة"، وتشير إلى أنه طرأ على فكرك أن تتزوج من ثانية، وتقول "كلمت زوجتي بهذا الخصوص"، وتوضح أنها "في البداية أبدت انزعاجها، واتهمتني بأني أبحث عن عذر للزواج من أخرى"، وتقسم بأنك "صادق في جميع ما ذكرته سابقاً".
وتطرح علينا بعضًا من الأسئلة التي تطاردك، وتشغل بالك، وهي: "إذا تزوجت بأخرى، هل سأرتاح؟"، وتبرر بأنه بأنك "قادر إن شاء الله على الزواج بأخرى، من الناحية المادية والجنسية"، وتواصل تساؤلاتك التي تؤرقك: "هل سينجح زواجي، وتكون حياتي سعيدة أم لا؟"، "هل أطلق زوجتي وأتزوج بأخرى درءًا للمشاكل؟"، و"ما مصير أبنائي؟"، وتختتم رسالتك بقولك: "يعلم الله أني في حيرة لابعدها ولاقبلها... فأنا بين نار شهوتي والحرام، وبين أبنائي ومصيرهم".
أخي الكريم:
لاشك أن الزواج سنة من سنن الله تعالى في خلقه، وقد كرم الله الإنسان بأن وضع له النظام، الذي يحفظ شرفه، ويصون كرامته، وذلك بالنكاح الشرعي، الذي يشبع غريزة الرجل بالطريق السليم، ويحَفظ النسل من الضياع، ويصون المرأة عن الحرام، كما أنه من آكد سنن المرسلين، ومن السنن التي رَغَّبَ فيها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).
قال الله تعالى في محكم التنزيل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: كنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". (متفق عليه).
أما عن مشكلتك– أخي الحبيب- فلا شك أن الإسلام أحل للرجل أن يتزوج بأخرى شريطة أن يكون عنده القدرة البدنية، والمالية، فضلاً عن "العدل بينهن"، فإنْ خاف ألا يعدل بينهن فليس له أن يتزوج إلا واحدة، قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:3].
أرجو أخي السائل قبل أن تشكو هذه الشكوى المريرة أن تتهم نفسك ببعض التقصير كما اتهمت زوجتك، وأن تجالسها وتسألها لعل هناك ما يمنعها منك - من سلوك أو عدم نظافة منك أو شدة أو عنف، أو عدم تقديمك للقاء بينكما، أو مرضها أو تعبها، أو عدم مناسبة وقت طلبك لها أو غيره... راجع نفسك لأنك أنت الذي تقول إنها تستمر وقتا ثم تعود، فهذا دليل على قدرتها على أداء حقك..
بالطبع لا أستطيع أن أنصحك بعدم الزواج بأخرى، خاصة وأنك تقول "أتذمر من زوجتي لأنها لا تأتيني بالوقت المناسب"، و"سبق أن تحدثت معها كثيراً بهذا الخصوص"، و"أفهمتها أن شهوتي الجنسية أتعبتني"، "ومع ذلك تستجيب فترة بسيطة ثم ترجع لسابق عهدها"، وقد "مللت من الكلام بهذا الموضوع"، و"الآن لم يعد لي رغبة بها"، و"أنا خائف على نفسي من الحرام"، لأن "جميع الدواعي قريبة مني"، حيث "اجتمعت عليَّ رغبة جامحة، وزوجة لا تكفي، وزنا منتشر حولي في الأسواق والأماكن العامة".
كما لا أستطيع أن أنصحك بتطليق زوجتك، خاصة وأنك "متزوج منذ 6 سنوات"، و"لديك بنت عمرها 4 سنوات ونصف"، و"ولد عمره الآن سنة و4 شهور"، لأنه طالما أنها لا تريحك، وليست لديك رغبة بها، فلماذا ظللت معها 6 سنوات كاملة، ثم هل فكرت في مصير ولديْك (الولد والبنت)؟، خاصة وأنهما لا يزالا صغيرين، ويحتاجان للرعاية المستمرة من الأم، فماذا لو أصرت زوجتك على تركهما إن تزوجت بغيرها؟، هل تضمهما لرعاية الزوجة الجديدة؟، وهل توافق هي أصلاً على رعاية أولادك؟، هذه أسئلة لابد أن تبحث لها عن إجابات قبل اتخاذ قرارك.
وفي قناعتي أنه ليس أمامك إلا أحد أمرين؛ الأول: أن تتحدث مع زوجتك بمنتهى العقل والحكمة، وتكشف لها عن احترامك لها، وللعشرة التي طالت بينكما، وتقديرك لها كأم لولديّك، وتبدي لها رغبتك في الزواج بأخرى، مع الحفاظ عليها كزوجة أولى وأساسية، لها كل الحقوق، حفاظًا على ولديكما، فإن قبلت العرض، ووافقت على الأمر، فتوكل على الله، وتزوج بأخرى، على أنني أوصيك بحسن معاملة الزوجة الأولى، بل والاهتمام بها أكثر من الأول، طاعة لله، وحفاظًا على العشرة، وتأمينًا لأولادك.
أما الأمر الآخر؛ فلا يبدو أمامك غيره، في حال رفض الزوجة أن تتزوج عليها، واشتراطها الطلاق قبل الزواج بأخرى، وإصرارها على أن تترك لك ولديك، فهو أن تقبل بالأمر الواقع، خاصة وأنك تقول "كلمت زوجتي بهذا الخصوص، فأبدت انزعاجها"، على أن تجلس مع زوجتك جلسة مصيرية، تصارحها فيها بكل شيء، وتتيح لها الفرصة للدفاع عن نفسها، تحدد لها ما يغضبك منها، وما يدفعك إلى التفكير في الزواج بأخرى، وتمنحها فرصة أخرى وربما أخيرة، لعل الله يصلحها لك.
نعم.. امنحها فرصة، وافتحا سويًا صفحة جديدة، دعا الماضي وشأنه، تعاهدا على عدم الحديث عن أخطاء الماضي، وساعدها على أن تكون بارة بك، لعلها تستفيد من الأخطاء السابقة، وتصبح أكثر رغبة في أن تطور من نفسها، لتستجيب لمطالبك، وترضي طموحك، واعلم أن عليك دورا كبيرا لكي تنجح هي في هذه المهمة الصعبة، وليست المستحيلة، وهي أن تعينها على النجاح، وتتمناه لها، بصدق.
وقبل الختام؛ أرد على أسئلتك ردودًا سريعة، بعد ما قدمنا من تفاصيل، تقول: "إذا تزوجت بأخرى، هل سأرتاح؟"، "هل سينجح زواجي؟، و"هل ستكون حياتي سعيدة أم لا؟"،.. وأرد عليك: بأن الزواج الثاني معرض للنجاح كما هو معرض للفشل، لأن الأمر يتوقف على عوامل كثيرة، منها: موافقة الزوجة الأولى على البقاء معك، وتحملها مهمة تربية الأولاد، وظروفها العائلية وموافقة أهلها.
وتقول: إنك "قادر إن شاء الله على الزواج بأخرى، من الناحية المادية والجنسية"، وأرد عليك بأن القدرة المادية والجنسية أمران مهمان لنجاح الزواج الثاني، لكنهما ليسا كل ما في الموضوع، ولا يكفيان بمفرديهما لجعلك سعيدًا، ولحل كل مشاكلك الزوجية، فهناك كما أسلفنا عوامل أخرى كثيرة، وحسابات مهمة داخلة في الموضوع.
وتسأل: "هل أطلق زوجتي وأتزوج بأخرى درءًا للمشاكل؟"، وأرد عليك: لاشك أن الطلاق مباح في الشريعة الإسلامية، لكنه أبغض الحلال عند الله، وأن الزواج بأخرى مباح في شريعة الإسلام، لكن لكل قرار تبعاته كما أسلفنا، وكل ما عليك أن تدرس الأمر جيدًا، وأن تُقَلِّبَ الرأي على كل الوجوه، وتضع كل الاحتمالات، لكل السيناريوهات المتوقعة، وتسأل نفسك بمنتهى الصدق والصراحة: هل أنت قادر على تحمل هذه العواقب أم لا؟!.
أما عن سؤالك: "ما مصير أبنائي؟"، فلا شك أن مصير أبنائك لن يكون في أحسن حال، بعيدًا عن جناحي الأب والأم، لأن التربية الصحية للأطفال تقوم في أكثر من 75% منها على العيش في ظل الأبوين، فإذا طلقت زوجتك وتزوجت بأخرى، وقبلت زوجتك أن تربي هي أبناءها، فإن ولديك سيتعرضان لفقد رعاية الأب، وتلك مشكلة كبيرة سيعانيان منها كلما تقدم بهما العمر، وستعرضان لفقد رعاية وحنان الأم، في حال رفضها البقاء على ذمتك بعد زواجك بأخرى، وإصرارها على ترك الأولاد لك، لتعيش هي حياتها، وتتزوج هي الأخرى. والأمران أحلاهما مر.
وختامًا؛
نسأل الله تعالى أن يهديك إلى ما فيه الخير، لك ولزوجك ولولديّك، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.