السماحُ ببناء معابِدِ الشِّرك في ديار الإسلام مِن الإفساد في الأرض
17 ذو القعدة 1436
عبد الرحمن البراك

السماحُ ببناء معابِدِ الشِّرك في ديار الإسلام مِن الإفساد في الأرض
س: فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظكم الله ورعاكم ونفع بعلمكم:
لعله بلغكم ما وقع في بلد الإمارات في هذه الأيام حيث أهدت الحكومة هناك حكومة الهند قطعة أرض لإقامة معبد هندوسي، كما نشر خبر ذلك في الصحف وفي المواقع الشبكية، والمعلوم أن إقامة المعبد في جزيرة العرب محرم؛ لأنه احتفال بدينٍ غير دين الإسلام، ولكن بعض الكتاب في الصحف، تكلموا في ذلك وأنه لا بأس به من باب احترام الديانات، وحصل بذلك لبس عند العامة، فنأمل منكم ـ حفظكم الله ـ بيان الحكم الشرعي بدليله في إقامة هذا المعبد؟ جزاكم الله خيرا.
ج: الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد: فقد اقتضت حكمة الحكيم العليم أن تكون جزيرةُ العرب بلدَ الإسلام الذي بعث الله به خاتم النبيين محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقد امتنَّ الله عليه وعلى أمته بإكمال دينهم، ورضاه به لهم، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، فلا إسلامَ بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إلا ما جاءَ به، فهو الدينُ وحدَه عند الله، وهو الدين الذي لا يَقْبل اللهُ دينًا سواه، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19]، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]، فهذا الدين هو النورُ الذي شع من الجزيرة، من مكة ثم من المدينة، ثم من ربوع الجزيرة، وسطع على العالم على أيدي الدُّعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
من أجل ذلك كان لجزيرة العرب خصوصيةٌ في الشريعة مِن بين سائر البلدان، ففيها الحَرَمان الشريفان المعظَّمان، وهي مأرِز الإسلام شرعًا وقدَرا، فلا غَرْو أن يقول فيها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم: «لأخرجن اليهود والنصارى مِن جزيرة العرب حتى لا أَدَع إلا مُسلما» رواه مسلم(1) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُتركُ بجزيرة العرب دينان»(2)، ولفظه في الموطأ: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»(3)، وهذا خبرٌ معناه النَّهي؛ أي: لا يحِلُّ أنْ يُقِيم المسلمون في جزيرة العرب غيرَ دين الإسلام، ثم يُؤكد ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله عند موته: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» متفق عليه(4)، ولفظه عند البزار: «أخرجوا اليهود والنصارى من جريرة العرب»(5)؛ أي: لا يكونُ لهم فيها وطنٌ.
وحدود جزيرة العرب على ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، ومن أقصى حِجْرِ اليمامة إلى أوائل الشام، قال شيخ الإسلام: «ولا تدخل فيها الشام، وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعثة وقبلها»(6).
وبذلك يُعلم أنه لا فرق بين أهل الكتاب والمشركين الوثنيين، وأظهر مظاهر الأديان هي المعابد، وهي للمسلمين المساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيرا، وعند النصارى الكنائس، ولكل طائفة من أهل الأديان الباطلة معابدُ ترمز إلى دينهم، ومن طوائف المشركين المشهورة في هذا العصر: (الهندوس) عُبَّاد البقر.
وبناء على ما سبق من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في صيانة جزيرة العرب عن أن يظهر فيها دينٌ غيرُ دينِ الإسلام، يُعلم تحريم بناء كنائسِ النصارى وغيرِها من معابِدِ طوائِفِ المشركين في جزيرة العرب، فالواجب على الحكومات في هذه المنطقة منعُ معابد الكفر فيها، فضلًا عن أن يُسهِّلوا ذلك للطالبين والطامعين في ذلك من طوائف المشركين.
وعليه؛ فمن المنكر ما وقع من بناء كنائس في بعض دول الخليج، حتى بلغ الأمر أن تكون لهذه الكنائس إدارةٌ في الخليج، كما هو مشهور، وأقبح من ذلك ما وقع أخيرًا ـ كما جاء في السؤال ـ من إعطاء الإمارات حكومةَ الهند أرضًا في أبي ظبيلإقامة معبد عليها للهندوس، وهذا ينبئ عن شرٍّ مستطير من التنازلات والمصانعة للكفار.
ولذا نقول للذين عَصَوا ربهم، ومكنوا لأعدائه في أرضه: اتقوا ربكم، واذكروا وقوفكم بين يديه يوم يسألكم عمَّا استرعاكم وما آتاكم من سلطان، يوم لا سلطانَ ولا قوةَ ولا نصير، واعلموا أن الله قادرٌ على سلب ما آتاكم، وتعجيل عقابه لكم قبل الموت، فتعظم هناك الحسرة، فتوبوا إلى ربكم قبل الفوت، وقبل أن يسلُبَكم الله عزَّكم وسلطانكم، واحذروا الغرور؛ فإنَّ الله تعالى يُمْهل ولا يُهْمل؛ (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء]، نعوذ بالله من مكر الله ومن بطشه وعقابه، (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف: 167]؛ أي: لمن تاب إليه وأناب.
وأما ما ذُكر في السؤال مِن أنَّ بعض الصَّحفيين هوَّنوا الأمر، وزعموا أنه جائز، وكتَّاب الصُّحف إذا لم يكنِ الكاتبُ مِن أهلالعلم المعروفين فلا وزن لكلامهم، وخاصة إذا تكلموا في مسائل الشريعة، فلا ينبغي الالتفات إليهم، فأكثرهم يميل مع الريح؛ فإذا الريح مالت مال حيث تميل، فليس لكثير منهم مبدأ من علم ولا دين يقفون عند حدوده.
وبعد؛ فالواجب على المسلمين أن يعرفوا الحق من الباطل، ولا يغتروا بأوضاع العصر وما عليه أكثر الناس؛ فإن الله تعالى يقول: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه) [الأنعام: 116]، ويقول عز وجل: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) [هود: 17]، ويقول: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103].
هذا؛ وللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية فتوى مطولة في حُكم بناء الكنائس وغيرها من المعابد الكُفريَّة في جزيرة العرب وغيرها من البلاد الإسلامية، جاء فيها قولهم:
«مِن ضروريات الدين تحريمُ الكفر الذي يقتضي تحريمَ التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام، ومنه تحريم بناء معابدَ وَفْق شرائع منسوخة؛ يهودية أو نصرانية أو غيرهما؛ لأن تلك المعابدَ (سواءٌ كانت كنيسة أو غيرها) تعتبر معابد كفرية».
وقالوا: «أجمع العلماء على تحريم بناء المعابدِ الكُفريَّة؛ مثلُ الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وأنْ لا يكون فيها شيءٌ من شعائر الكفار؛ لا كنائس ولا غيرها، وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحْدثت في أرض الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها، بل تجب طاعته.
وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أنَّ بناء المعابد الكفرية، ومنها الكنائس في جزيرة العرب، أشدُّ إثمًا وأعظمُ جرمًا؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة بخصوص النهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» رواه الإمام مالك وغيره، وأصله في الصحيحين.
فجزيرة العرب حرَمُ الإسلام، وقاعدته التي لا يجوز السماح أو الإذن لكافر باختراقها، ولا التجنُّس بجنسيتها، ولا التملك فيها، فضلًا عن إقامة كنيسة فيها لعُبَّاد الصليب، فلا يجتمع فيها دينان، إلا دينًا واحدًا هو دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، ولا يكون فيها قبلتان إلا قبلةً واحدةً هي قبلة المسلمين إلى البيت العتيق.
ثم نقلوا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله: «من اعتقد أن الكنائس بيوتُ الله، وأنَّ الله يُعبد فيها، أو أنَّ ما يفعله اليهودُ والنصارى عبادةٌ لله وطاعةٌ لرسوله، أو أنه يُحبُّ ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربةٌ أو طاعة فهو كافر».
وقال شيخ الإسلام أيضا: «من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسَهم قربةٌ إلى الله فهو مرتد، وإنْ جهل أن ذلك محرمٌ؛ عُرِّف ذلك، فإنْ أَصَرَّ صار مُرْتدا». انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (7).
هذا؛ وإنَّ مِن نِعَم الله العظيمة أن حكومة المملكة العربية السعودية لم تسمح ولن تسمح - إن شاء الله - ببناء كنائسَ ولا غيرِها مِن معابد الكفار، على أراضيها، وهذا مما فضَّل الله به بلادنا، ولله الحمد والمنة، فنسأله تعالى الثبات على الحق، وأن يُوْزعنا شكر نعمه، وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار، كما نسأله سبحانهأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه عز الإسلام وصلاح أمر المسلمين، إنه تعالى على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك الأستاذ (سابقا) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في منتصف ذي القعدة الحرام 1436هـ.
-----------
(1) مسلم (1767).
(2) مسند أحمد (26352).
(3) موطأ مالك (2 / 892).
(4) البخاري (3053)، ومسلم (1637)؛ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) مسند البزار (230)؛ من حديث عمر رضي الله عنه.
(6) اقتضاء الصراط المستقيم (1/406).
(7) فتاوى اللجنة الدائمة (ج1ص467). الفتوى رقم ( 21413 ).