ليسوا مهاجرين "غير شرعيين" فلا تذبحوهم بالإعلام أيضا
17 ذو القعدة 1436
أمير سعيد

بين الحين والآخر يتردد جدل حقوقي خافت تعقبه معالجة إعلامية جد خجولة حول دقة تسمية المهاجرين من بلاد أسيوية وإفريقية عبر البحر متكبدين مخاطر هائلة أفدحها الغرق، بـ"المهاجرين غير الشرعيين"، وعما إذا كان استبدال هذه التسمية بأخريات من قبيل "لاجئين" أو "أهالي".. الخ هو الأكثر دقة. 

 

 

الغرب يتذرع بأن هؤلاء من حيث التوصيف القانوني هم "مهاجرون غير شرعيين"، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في موقعها الالكتروني توضح الفرق قائلة: "يختار المهاجرون، لا سيما المهاجرون الاقتصاديون، مغادرة ديارهم من أجل تحسين الآفاق المستقبلية لأنفسهم وأسرهم. أما اللاجئون، فيضطرون للمغادرة لإنقاذ حياتهم أو الحفاظ على حريتهم. فهم لا يتمتعون بحماية دولتهم - لا بل غالباً ما تكون حكومتهم هي مصدر تهديدهم بالاضطهاد.

 

وفي حال عدم السماح لهم بدخول بلدان أخرى وعدم تزويدهم في حال دخولهم بالحماية والمساعدة، تكون هذه البلدان قد حكمت عليهم بالموت - أو بحياة لا تطاق في الظلال، دون الحصول على سبل الرزق ودون أي حقوق."

 

 

في ظل هذا، وطبقاً لاتفاقية وضع اللاجئين الصادرة في العام 1951، والتي تعرف اللاجئ بأنه هو كل من وجد "بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، خارج البلاد التي يحمل جنسيتها، ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف"؛ فكيف تسنى للإعلام العالمي نعت اللاجئين السوريين على سبيل المثال – وهم بالمناسبة نسبة كبيرة من آلاف صاروا يتدفقون على أوروبا للأسباب الآنفة الذكر، والمطابقة لما حددته المفوضية -  بأنهم "لاجئون غير شرعيين"! كيف استباح الإعلام كله هذا الوصف دونما أخذ في الاعتبار الاضطهاد الديني والسياسي.. الخ الذي يتعرض له ملايين المسلمين في سوريا وغيرها؟!

 

 

 

يقولون بخبث، إن المضطهد إذا خرج من سوريا إلى لبنان صار لاجئاً، فإذا ما غادرها إلى أوروبا صار مهاجراً "غير شرعي"! دون النظر إلى عدة اعتبارات، منها أن كثير من دول الاستقبال لللاجئين كما السودان بالنسبة للإرتيريين أو لبنان والأردن بالنسبة للسوريين ليست دولاً جاهزة لتحقيق ما يمثل حداً أدنى للاجئ في حقوقه ورزقه، وكونها دولاً يعبر منها اللاجئ لا تفرض عليه بالضرورة أن تبقى مقصداً ملائماً يوفر حقوق اللاجئ، بدليل أن كثيراً من اللاجئين السوريين الذين عبروا إلى تركيا لم يسعوا إلى مغادرتها، بل إن بعض دول اللجوء هي متورطة أيضاً في الصراعات بشكل أو بآخر، بحيث إن دولة كلبنان لا يمكن اعتبارها ملجأً آمناً للسوريين، ومنها أن المنطق ذاته أضحت لا تطبقه أوروبا مع مراجعة برلين لاتفاقية دبلن بما جعلها تسعى لجعل الأوروبيين في الشمال يتحملون جزءًا من مسؤولية استقبال اللاجئين.

 

 

 

ومنها، وهو ما يعنينا "إعلامياً" هنا، أن مصطلح "غير الشرعي" هو من بين تلك المصطلحات غير القانونية التي يتورط الإعلام العالمي بقصد مباشر في تمريرها، بدعوى أن كل من لا يحمل تأشيرة دخول لهذا البلد أو ذاك هو خارق لـ"الشرعية"، وهو تلبيس مقصود حينما تكون تلك الدول المقصودة هي إحدى أكبر أسباب التجاء الفار بدينه وجنسيته وقوميته وحريته.. الخ، إليها. فالجريمة التي ارتكبها الغرب بحق السوريين والأفغان والإرتيريين وغيرهم هو المسؤول الأكبر عنها، وهو الذي يتوجب عليه أن يدفع ثمنها، كون حطب كل هذه الصراعات أشعلت برغبة منه، وما ينعم به الأوروبيين من رفاهية وترف هو جراء اضطهاد وقهر الشعوب الهضيمة تلك، استنزافاً لثرواتها، وتسليطاً لأدوات القهر السلطوية عليه، سواء أكانت عبر ديكتاتور أو دبابة؛ لذا؛ فإن وصفاً لـ"الشرعية" و"عدم الشرعية" بالأساس لا يبقى مطلقاً دقيقاً لو أردنا أن نغوص عميقاً في بحور مشكلات المنطقة.

 

 

إن هؤلاء الضعفاء والمساكين من نساء وأطفال وعجائز ومعدومي الحيلة لم يلقوا بفلذات أكبادهم في ظلمات البحر إلا بسبب ظلم أهل البر، الذين ينزلون على رأي "السادة" في عواصم أوروبا الذين "يتفضلون" على البعض من هؤلاء بالإنقاذ قبل الغرق أحياناً، وبغض الطرف في كثير منها عن آخرين يغرقون.. وإن الإعلام العالمي مشارك بجهده الضخم في تجهيل أصل المشكلة واصفاً هؤلاء المساكين بارتكاب أعمالاً "غير شرعية" أو "غير قانونية".

 

 

المصطلح في الإعلام يعمل عمل السحر في أذن المتلقي، وحين يستمر هذا التوصيف أو ذاك؛ فإن الذهن ينصرف تلقائياً إلى مجرم يخترق القانون، فيما سدنته "يرحمونه" بإنقاذه، وهذا غير صحيح لا قانونياً ولا إعلامياً، إذ نحن بصدد "ضحايا" اضطهدتهم آلة طغيان لا ترحم؛ ففروا منها بأي طريق ولو تسبب هذا في مغادرتهم عالمنا الظالم إلى ظلمات البحر وأمواجه.