سباق الدعاة لمواكب الحجيج
17 ذو القعدة 1436
فهد بن يحيى العماري

دون إطالة ومقدمات، فالجميع يدرك أن الحج موسم وغنيمة، وفرصة وتجارة للدعاة في تبليغ دين الله لجميع الطبقات والمستويات، ولذا كان عليه الصلاة والسلام، والعلماء على مر التاريخ يجدونه فرصة، وموضع استثمار للتعليم والتعلم والدعوة إلى الله، والقصص في هذا كثيرة(1)، فإن من أعظم الحياة وأجملها وأسماها هي حياة التضحية، والبذل والمكابدة والمعاناة من أجل الله، تعب يعقبه راحة، وكد يتبعه لذة، بل تمازجه وتخالطه اللذة والسرور والنعيم لا يدرك بالنعيم، والنجاح لا يكون إلا بقهر الأنفس، فإذا تلذذت الأرواح لم تتعب الأجساد، وهكذا العظماء ومنهم الأنبياء والعلماء، يدأبون ويكدون ويُجدون ليلاً ونهاراً في سباق إلى الله في هداية الخلق.

 

ومساهمة مني في عطاء أكبر، وثمرة أجود، ونتاج أعظم ونفع أقوى، لذا فهذه إشارات يسيرات ونتف سريعات كتبتها على عجل قد يعتريها الخلل، وقد ينقصها جودة الترتيب، وحسن العبارة والأسلوب، فعذراً عذراً وأستغفر الله من الزلل. هي ذكرى ولا بأس أن يذكر المفضول الفاضل:

آفاق عملية للدعاة في الحج، وورقة عمل أقدمها لمشايخنا الأجلاء، ودعاتنا الفضلاء، وطلبة العلم النبلاء، فإليكها عبد الله رضي الله عنا وعنك:

اللهُ أعطاك فابذلْ مِن عطيتِه *** فالعلمُ عاريةٌ والعمرُ رحّال

 

1-    الإعداد الجيد والمتميز والمؤثر في الطرح، ومراجعة مسائل الحج والنوازل المستجدة فيه.

 

2-    مدارسة مسائل الحج ونوازله مع العلماء وطلاب العلم حين اللقاء بهم.

 

3-    إعداد أكثر من موضوع يتنقل بها الداعية في مساجد مكة والمشاعر ومخيماتها من أمور عقدية أو فقهية أو وعظية أو تربوية.

 

4-    مراعاة أحوال المستمعين، فيطرح ما يناسبهم من المواضيع السابقة.

 

5-    مراعاة حال المستفتي والخلاف الفقهي ودرجاته حسب قواعد الفتوى المقررة عند العلماء.

 

6-    يحاول الداعية قبل زيارة المخيم معرفة ما هي الفئة الغالبة من الناس، عوام أم شباب؛ وإن كانوا شباباً فما صفتهم، وأعمارهم؛ حتى يكون الطرح مناسباً، فتفهمه القلوب وتصل الرسالة التي يريد، مع محاولة معرفة ما طرح في المخيم أو المسجد من محاضرات وكلمات حتى لا يكون الطرح مكرراً؛ فتملّه الأسماع وتنشغل عنه القلوب والأبدان.

 

7-    التنسيق المسبق والترتيب المنظم، بحيث يجعل جزءاً من اليوم أو يوماً لعدة مساجد أو مخيمات متقاربة، وذلك بسبب قلة الوقت وكثرة المخيمات وتباعدها وصعوبة التنقلات، فإذا كان التنسيق جيداً، والترتيب رائعاً، استطاع الداعية بإذن الله أن يحقق كثيراً من الزيارات واللقاءات.

 

8-    محاولة استخدام بعض وسائل النقل السريعة لئلا يختل برنامج المواعيد، وحتى يكون العطاء أكبر واللقاءات أكثر.

 

9-    عدم إهمال المخيمات العربية وغير العربية من اللقاءات ولو كلمات بعد الصلوات.

 

10-    من المشاهد والمعلوم أن أصحاب المخيمات يحرصون على أن يرافقهم بعض طلبة العلم والدعاة لكي يجيب على أسئلتهم واستفساراتهم، وفي رأيي القاصر أن الداعية الزائر لا يجيب على الأسئلة المتعلقة بالحج إذا وجد في المخيم من ذكرت سابقاً وذلك له فوائد عدة:

أ – الإجابة على أكبر قدر من الأسئلة المتعلقة بغير الحج.
ب – أنك في الغالب تجد الحاج قد سئل عن مسألته أكثر من شخص طلباً للاطمئنان أو تتبعاً للرخص.
ج – بعداً عن إحداث التشويش الذهني عند الحاج؛ لأن جملة من مسائل الحج محل خلاف وخاصة حملات البلدان العربية الأخرى أو غير العربية للاختلاف المذهبي الفقهي.
د – محاولة الاستفادة لما تبقى من الوقت في أماكن أخرى.

 

11-    محاولة التعرف عند زيارة الحملات عمن فيها من طلبة العلم والدعاة، والجلوس معهم ولو لدقائق معدودة للاستفادة والتواصل المستقبلي، وتبادل شيئاً من الآراء والأفكار والمواضيع، فقد يكونون من نفس البلد فيزداد التواصل، أو بلد آخر أو دولة أخرى فيتم التعارف، فلعلك تلتقي بأحد الدعاة التي تتمنى أن تلتقي به مما تسمع عنه أو له أو تقرأ عنه أو له.

 

12-    اللقاء ولو لدقائق بأصحاب الحملات والعاملين وتقديم الشكر والنصح لهم وتشجيعهم.

 

13-    يلاحظ أن بعض الحملات مشتهرة باستضافة كبار الدعاة وطلبة العلم، وبعضها فقيرة بذلك؛ بل قد لا يزورها أحدن ففي ظني تقدم الثانية في الإجابة والزيارة أولى، ولذا على الداعية أن يسأل عن برنامج الحملة في الاستضافات.

 

14-    على الداعية وطالب العلم إذا دعته بعض الحملات للحج معها أن يسأل من معها من الدعاة، فإن كان معها أحد فليذهب للتي ليس معها أحد حتى يتم النفع أكثر، ويستفيد أكبر عدد من الحملات من الدعاة وطلبة العلم من علمهم وتوجيههم، فما الفائدة حين يكون في الحملة الواحدة عددٌ من الدعاة وفي المقابل أخرى ليس بها أحد!!

 

15-    نجد تضييق دائرة العقيدة والتوحيد عند الطرح في قضايا الشرك والتبرك الممنوع، مع أن التوحيد والعقيدة أشمل من ذلك كله، ولا نهمل جانباً دون آخر، فليس من العقل والمنهجية أن تحصر له الإسلام والدين والعقيدة طيلة بقائه قبل الحج، وأثناءه وبعده في قضيتين أو ثلاث حتى يقول أحدهم: "إن الدعاة يظنون أننا لا نعرف من التوحيد شيئاً وأن حياتنا شرك في شرك". فالتوازن مطلوب.

 

16-    يحسن بالداعية قبل أن يقدم على مسجد أو مخيم لتذكيرهم أن يعرف جنسيتهم ليأتي بمترجم يترجم للمستمعين حديثه، ويكون ذا ثقة وأمانة، وعلم؛ حتى لا يخون أو يلبس أو يخطئ في ترجمته، وحتى تبلغ رسالته على أكمل وجه. فإنه يلاحظ أن بعض الدعاة يقدم على مسجد أو مخيم ليتكلم، فيجد الغالب غير عرب، فيلقي ولا مستفيد، أو يجد مترجماً منهم مجهول الحال فيحاول قدر المستطاع يسدد ويقارب ويفيد.

 

17-    زيارة الحجيج في أماكن نزولهم وإقامتهم.

 

18-    وضع جدول لبرنامجه الدعوي يتضمن ما يلي:

أ – مكان المخيم بوضوح حتى لا يذهب الوقت في البحث.
ب – نوعية الحجاج.
ج – اليوم والوقت.
د – الموضوع.
هـ - اسم المنسق ورقم هاتفه.
وعليه الحذر من المواعيد المعلقة فإنها تحدث الفوضى والاضطراب للطرفين.

 

19-    يحسن بالداعية أن يكون له رفيق من طلبته أو الشباب الأخيار الثقات في برنامجه الدعوي؛ ليكون عوناً له في كثير من الأمور، وحتى يؤدي رسالته على الوجه المطلوب دون خلل أو كلل أو ملل. ويحسن به أن يحمل معه بطاقة تحوي أرقامه وموقعه الإلكتروني وغير ذلك ليسهل التواصل معهم.

 

20-    يحسن بالداعية أن يتأخر حتى اليوم الثالث عشر ليكثر نفعه.

 

21-    زيارة المخيمات الحكومية كالأمن العام بجميع قطاعاته وغيره فقد تكون منسية وخاصة أن حضورهم قبل الحج يكون مبكراً وبقاؤهم بعد الحج يطول.

 

22-    إنشاء دورات علمية في المساجد التي يكثر بها الحجاج،وتكون في ما لا يسع المرء جهله من الدين في التوحيد والفقه وغيره، وإن تيسر ذلك في المخيمات بأنواعها العربية وغير العربية.

 

23-    للمشاركين بالإفتاء سواً عن طريق الهاتف أو المباشرة أيضاً استغلال الفرص للتعرف على الناس، وتوجيههم لما يصلح عقيدتهم، ونسكهم، وحياتهم، وكسف قلوبهم والتواصل مع من يلمس فيهم الخير. والقدوة الحسنة والكلمة الطيبة أعظم مؤثر. وفي إفتاء الناس تصحيح لعبادتهم، وكشف لكربتهم وهمهم، والإحسان إليهم، وبذل المعروف لهم.

كم بسمةٍ فتحتْ قلباً وقد عجزَتْ *** عن فتحه صرخاتُ الشعرِ والخُطَبِ

 

24-    يلاحظ من بعض طلبة العلم والدعاة حين توضيح الفتوى الشرعية يغفل عن جانب التوجيه، من حيث تخويف المتعمد في فعل الخطأ وترك الواجب بالله عز وجل، وأن يكثر من التوبة والاستغفار، ويُذكّر الجاهل بالتعلم، وسؤال أهل العلم قبل العمل، وأن يذكِّر الناسي بالتنبه واليقظة وعدم التفريط، فلا بد من ربط القلوب بذلك، واستشعار عظمة المعبود سبحانه وتعالى، فليست القضية أقوال وأفعال وحين المخالفة المتعمدة دماء تراق فتنتهي القضية، ولذا نجد على عظم أعمال الحج إلا أنها لا تغير في سلوك بعض الحجاج وحياتهم شيئاً كبيراً بعد العودة إلا من رحم الله.

 

25-    يلاحظ ربط الحجاج حين التعليم بأفعال وأقوال وحركات مجردة من معاني تحقيق العبودية لله من صدق وإخلاص، وخوف ورجاء، ورضا في تلك الأحوال والمقامات وتحقيق معنى الاتباع، والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام، فحري بالداعية أن يربط الناس بذلك.

 

26-    إعداد ورقة عمل بشكل أوسع للدعوة في الحج يقدمها الدعاة للشؤون الإسلامية.
أخيراً: داعية الإسلام هيّا الجهد الجهد، والبذل البذل، والعطاء العطاء، وإن كلّت النفس أو أحسست بتعب ونقص، فتذكر حال الرسول المختار، وصحبه الأبرار، والعلماء الأخيار، كيف بذلهم وعطاؤهم واحتسابهم.

يا دعاة الخير هذا يومكم هيا *** بأخلاق النبي تخلقوا

 

تذكر أنها ما هي إلا أيام، والجميع يتلهف إلى الرحمة والتوبة والقبول، فلعلك تفوز بتلك القلوب، وترحل بها إلى علام الغيوب. فكلما خرجت من لقاء وحملة فإلى آخر وحديث النفس والحال: لعل في التي بعدها الأجر والقبول، لعل في التي بعدها رجل مسرف بالمعاصي والذنوب، أهلكته الأوزار والآصار فتكون سبباً في نجاته وسعادته، وفلاحه وهدايته وصلاحه، فنعمت الغنيمة!!

العلمُ نورٌ إلهيٌ وحاملُه يسيرُ *** في الناس يُهدي كلَّ ولهانِ

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
___________________
(1)    انظر: كتاب (سباق الدعاة لمواكب الحجيج) للاستزادة في ذلك لصاحب المقال.