14 صفر 1437

السؤال

أنا لدي خوف فظيع من هذه المواضيع كلها فأنا أتمنى أن أموت قبل حدوث الزواج فأنا أخاف من البشر لذلك أعتبر الزواج مذلة لي.
فماذا أفعل؟

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد.
نرحب بكِ علي صفحة الاستشارات بموقع المسلم، وندعو الله سبحانه وتعالي أن يربط علي قلبك، وأن يسترك بستره الجميل، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه، كما نشكركِ علي حسن ظنكِ بموقعنا الكريم، وأسأل الله سبحانه وتعالي التوفيق في الرد علي رسالتك.
معظم الفتيات تتمني اليوم الذي ترتبط فيه بفارس أحلامها الذي يأخذها إلي عالم جميل تسعد معه ويسعد معها ويبنيا سويا حياة زوجية مشتركة يتقاسمان حلوها ومرها، ويعين كل واحد منهما صاحبه لطاعة الله ومرضاته. وبالرغم من كل تلك الأحلام نري بعض الفتيات مترددة وحائرة تجاه الإقدام علي تلك الخطوة، بل نري البعض يتملكها خوف وهلع، وكما تُسمي في علم الاجتماع فوبيا الزواج، أو كما ورد علي لسان صاحبة الاستشارة (أتمني أن أموت قبل حدوث الزواج)!!!
ابنتي الحبيبة.. الزواج مرحلة جميلة ورائعة من مراحل الحياة؛ خلالها تأنس الفتاة بشريك تكمل معه مسيرة حياتها، تنعم في وجوده بالسكن والاستقرار والسكينة، كلٌ يتعامل مع الآخر بالمودة والرحمة، فالزواج آية من آيات الله، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وحتى يتحقق الغرض من الزواج الذي حدده الله سبحانه وتعالي، لابد للفتاة أن تحسن اختيار شريك حياتها لأنه هو ربُّ الأسرة، وهو القدوة لها وللأبناء معًا، وهو قائدُ السفينة في بحر الحياة المتلاطم الأمواج. ولهذا كان أهم شرط لاختيار الزوج أن يكون حريصا علي مرضاة الله؛ فيكون متمسكا بكتاب الله عاملا بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، متخلقا بالأخلاق الحسنة، ومكافئا لها من الناحية المادية والاجتماعية والفكرية، وأن يكون قادرا علي الإنفاق علي أسرته. بالطبع من الممكن التغاضي عن سبب أو سببان من شرط الكفاءة ولكن أبدا لا يمكن التنازل عن الدين والأخلاق.
ابنتي الصغيرة.. عندما تتوفر هذه الشروط في الشاب الذي يتقدم للزواج منك، تكون المؤشرات قوية لنجاح الزواج وتتلاشي هواجس الخوف من الزواج، لأن الخوف من الزواج له أسباب، وحيث أنك لم تذكري أي شيء عن حياتك أو أسرتك فكانت رسالتك مختصرة جدا، فإني سأضطر لبيان بعض الأسباب التي ربما كان خوفك من الزواج بسبب إحداها.
لهذا أطالبك يا غالية باستكشاف ما رسب في عقلك الباطن ومحاولة الوصول للسبب الحقيقي لديك، لأن معرفة لب المشكلة ومواجهتها أمر ضروري للوصول للعلاج.
فخوف الفتاة من الزواج ربما يرجع لذكريات غير سعيدة حدثت أمامها؛ فربما يسيء الأب التعامل مع الأم فيسبها ويضربها ويهينها، أو شاهدت في محيطها من الأقارب أو الجيران من يقوم بذلك، فتولد في نفسك إحساس القهر والمذلة، وهذا الاحتمال الراجح بدليل قولك (أنا أخاف من البشر لذلك أعتبر الزواج هو مذلة لي)! فإن كان هذا هو السبب لجعلك تخافين الزواج، فاعلمي أنك بحسن اختيار الزوج سيتحقق لك الهدف العظيم من الزواج الذي هو رباط مقدس قوي، فحاولي تغيير هذه المفاهيم الخاطئة والنظر للأمثلة الناجحة والمستقرة والتفكر والتأمل في الزواج الذي يحقق الرحمة والسكينة والراحة.
وهناك سبب آخر للخوف من الزواج؛ وهو الخشية من تحمل المسئولية الزوجية، وعلاج هذا بتعلم أمور البيت من الطهي وتنظيف المنزل وتدبير المعيشة، ويمكن ذلك بممارسة ذلك قبل الإقدام علي الزواج وعمل ميزانية لتنظيم أمور النفقات.
كما أن الكثير من الفتيات يخشين من ليلة الدخلة بسبب الكثير من المعلومات الخاطئة التي يسمعن عنها من النساء الأخريات، فيصبن بالاشمئزاز من هذه العلاقة، بل قد يترسخ في ذهن العديد من الفتيات أن العلاقة الجسدية مع الزوج شيء مرعب، وأن الزوج سيتحول وقتها إلي وحش كاسر.. وهذا الاعتقاد خاطئ؛ فليلة الدخلة هي ليلة عادية جدا، تختلف عن باقي الليالي فقط بكون أن الزوج والزوجة قد أغلق عليهما باب واحد.. لهذا يجب أن تعلمي يا قرة العين أن هذا اللقاء لقاء طبيعي بين زوجين متحابين، إذا تركا الأمر لمشاعرهما الطبيعية دون خوف أو توتر فسيكون اللقاء بحب فلا ألم ولا نزيف كما يُصور له في الثقافة المتداولة. كما أحب أن أؤكد لك أن العلاقة الزوجية هي علاقة خاصة وتتم في ستر، فيها إمتاع وتلبية للحاجة الغريزية التي فطرها الله في الرجل والمرأة علي السواء.
كما أن هناك سبب آخر للخوف من الزواج وهو تعرض الفتاة في مرحلة مبكرة من العمر لحوادث التحرش الجنسي، الأمر الذي يجعلها تكره الرجال وتعمم علي أنهم كلهم وحوش وسيئون، وتعتبر أن الزواج يذكرها بهذه التجربة المؤلمة، وهذا الإيذاء له آثار نفسية بعيدة المدى. وإذا لم تستطع الفتاة تجاوز هذه الأحداث فلابد من الاستشارة النفسية التي تشجع الفتاة علي نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مع نفسها ومع الحياة.
ابنتي الحبيبة.. الخوف من الزواج أمر طبيعي ولكن لا يمكن أن يأخذك الخوف لرفض الشاب الخلوق المتدين المناسب والمكافئ لك، ناقشي هذا الخوف مع أمك فإن كانت غير موجودة ناقشيه مع خالتك أو أي امرأة ترتاحين لها، فأصحاب الخبرة لهم دور كبير في تغيير القناعات ومعالجة الأمور بهدوء. كما أنصحك بتعزيز مهارات التعامل والحوار مع الآخرين وحضور بعض الدورات الخاصة بتأهيل المقبلين علي الزواج واقرئي في مشاكل الحياة الزوجية وحلولها.
توكلي علي الله واسأليه أن يكتب لك الخير، وأكثري من النوافل والصدقات والاستغفار، وكوني معنا علي تواصل، والله سبحانه وتعالي أسأل أن يحفظك وبنات المسلمين من أي مكروه وسوء، ونحن في انتظار جديدك فطمئنينا عليك.