3 صفر 1437

السؤال

أنا فتاة في عمر 19 أحب ديني كثيراً، أفعل المعاصي، أنا متبرجة وأخاف أن أرتدي الحجاب لأن أمي لا توافق على ذلك وسوف تصير مشاكل، ثانياً أنا أسمع أغاني وأتمنى أن أترك سماعها، وهل ذهابي المصيف حرام؟ فأنا مجبرة أن أذهب مع أهلي وإذا لم أذهب معهم يقولون إني كئيبة، وأيضا أحرج إذا أحد مد يده بالسلام علي ولم أسلم عليه، وأيضا مجبرة أذهب لأفراح، أنا أريد حلاً وسط هذه المعاصي.

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فمَن مِن العباد ينجو من ارتكاب المعصية؟ لكننا لنا رب كريم رحيم عصيناه، نعمه علينا نازلة وذنوبنا إليه صاعدة، ولكن أبواب مغفرته تقابلنا برفق وترحب بنا، يقبل التائبين، فرحمته وسعت كل شيء، فالعائد التائب يحبه الله ويتجاوز عن ذنوبه مهما عظمت، والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب "لَلَّـهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة"..
قال ابن القيم:
(فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولا بد، وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح؟
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن أخرهم؟)
وقال: (قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم وضنك المعيشة، وكسف البال، تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار).
لذلك أيتها السائلة..
أكثري من قراءة القرآن الكريم فهو أعظم شفاء للقلب، وملازمة الاستغفار فهو أفضل علاج للأزمات والمشكلات، وحافظي علة الصلاة في وقتها، والاجتهاد في نوافل العبادات، والاستفادة بوقتك في قراءه الكتب النافعة، وتذكر الموت فتذكره يرقق القلوب.
واعلمي أن الله تعالى يرانا مطلع علينا في جميع أحوالنا ولا يخفي عليه شيء من أمر عبده.
وأن الحسنات يذهبن السيئات، فلا بد على العاصي أن يترك المَواطن والأسبابَ التي تدعو إلى المعصية، فأبدلي صديقاتك بأخريات صالحات وانتقي الأخيار.
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
ارتدي الحجاب يا ابنتي، ولا تصافحي الرجال الأجانب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن اجتهدي في تفهيم والدتك ومَن حولك معنى الحجاب وأهميته وحكم الاختلاط والمصافحة وغيرها بأسلوب رقيق رفيق مهذب شيق، وأفهميهم معنى الوسطية والاعتدال.
اجتهدي أن تكوني قدوة لغيرك ولا تجعليهم يصفونك بالكآبة، بل كوني متجددة واجتماعية في حدود رضا الله سبحانه، أما في معصيته فلا وألف لا مهما دعاك الآخرون، والجئي إلى ربك كثيراً وادعيه بكل ما تريدين فهو السميع المجيب..
وفقك الله.