7 محرم 1437

السؤال

أنا فتاة عمري 18 سنة وقد كرهت حياتي، فلا أهداف أحققها ولا أمل لي بالعيش، ولا أدري من أين أبدأ، إضافة إلى أن لدي عيبا في عيني وهو الحول، ولكن ليس شديدا إنما يسبب لي إحراجا حيث أسدل شعري على وجهي حتى لا أسمع أحدا يجرحني بكلمات تؤذي مشاعري، وأكره نفسي حتى أنني لم أرتدي الحجاب لهذا السبب، وفي سنة 2013م تعرفت على شاب جميل في موقع اجتماعي فأحببته وصارحته بكل شيء، وحدثته عن عيبي فتقبل ذلك مما جعلني أثق به، إلا أنه خيب ظني واستغلني لتحقيق مآربه ونزواته، وجعلني أرتكب معه ما حرم الله من تبادل لمسات جسدية مقززة، والآن أنا نادمة جدا على ما فعلته، وبعد هذا الحادث بدأ يتجاهلني وتخلى عني وأرسل لي رسالة من الموقع الاجتماعي الفيسبوك باسم مستعار وجرحني بكلمات عن عيبي، ومنذ ذلك الحين تغيرت وأصبحت أنام كثيرا ولا أهتم بدراستي، لا أساعد أمي في المنزل، وأصبحت كسولة لا شيء أنجزه إلا الجلوس أمام الفيسبوك وأربط علاقات كثيرة مع الشباب، مع العلم أنني أصلي، وأخاف من الموت، ومن الظلام، وضعيفة الشهية.. فأرجو منكم أن تقدموا لي نصائح تساعدني فأنا فتاة فاقدة للأمل بالحياة.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي الكريمة بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في مسألة واحدة هي: ما ينتابك من مشاعر سلبية، والتي قد تكون نتيجة تعرُّضِك لحالة الاكتئاب النفسي، لأن أغلب العلاماتِ الظَّاهِرة عليك مشابِهَةً لحدٍّ كبير لأعراضِ المصابين به، مما يقوِّي لديكِ الإحساس بالضعف والإحباط، والعجز واليأس، والانْطِواء على نفسِك، وفقدانِك الرَّغبة بالطعام، وإهمال دراسَتِك وأنشِطَتِك اليومِيَّة، وشعورِك بالحزنِ واليأس الشَّديد، والخوف من الوحدة والظلام، وإحساسِك بالفراغِ النَّفسي والحِرْمانِ العاطِفي، وافتقادكِ للحبِّ الحقيقي، وعدم تقبُّل ذاتِك بمحاسنك وعيوبك، مما أثر على علاقاتك الاجتماعية وعلى تفاعُلِك الإيجابِي مع المحيطين بك، وبالتالي أَفْضَي بكِ إلى الكسل والخمول، ورفض الواقع، وربط علاقات مع الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي كشكل من أشكالِ الهروب من معاناتك..
ومن النصائح والإرشادات التي تساعدك في حل مشكلتك ما يلي:
أولا: بادِري - أختي الكريمة - في عرض حالتك على طبيبة نفسيَّة أو مرشِدَة اجتماعية، لمساعدتك في تجاوُز محنتك والتخفيف من معاناتك، والتحرُّر من مشاعر القلق والحزن، والإحباط المدمِّر لجهازك النفسي والعَصبي، وكي تستفيدي من جلسات الإنصاتِ النَّفسي والاجتماعي وما ستقدمه لك الطبيبة المختصَّة من نصائح وإرشادات تقوِّم سلوكك وطريقة تفكيرك، وتعيد إليك الثقة بنفسك، وتوازن الكيماويات الحيوية المُنَشِّطَة للنفس والجسم..
ثانيا: صارحي بمعاناتك من تثقين بهم من أفراد أسرتك، أو من تطْمئنِّينَ إليهم وإلى نزاهَتِهِم ورجاحَةِ عقلهِم وسداد رأيهم وحكمتهم، واسْتشيريهِم في أمرك، واطْلُبي منهم المساعدة والمساندة في حلِّ مشكلتك، وتجاوَز حالتك النفسية، والدعم النفسي حتى تستعيدي حيوِيَّتَكِ ونشاطك واسْتقرارك وتوازُنِك النفسي والسلوكي..
ثالثا: تخلَّصي من الفراغ النفسي والعاطفي، واخْرُجي من عزلتك وعالمك الضيق، وانْدَمِجي في علاقاتٍ جديدة مع أخوات تتشرَّفين بصحبتهنّ الطيبة ومرافقتهن وملازمة مجلسهن، ومشاركتهن أفكارك وأحلامك وطموحاتك، وما من شأنه أن يعينك على طاعة الله والإقبال على دراستك بجدٍّ ونشاط..
رابعا: ـ تخلصي من الأفكار السَّوداوية، والمشاعِر المُحْبِطة والمُدَمِّرَة للجهاز النفسي والعقلي، وامْلَئي وقت فراغِك بما هو مُنْتِج ومُثْمِر، ومفيد ونافع لحياتك ومستقبلك الدراسي والثقافي والوظيفي..
ومارسي هوايات وأنشطة تقوِّي جسمك، وتنشِّط ذاكرتك، وتمرِّن عقلك على التفكير الإيجابي، وتغذِّي روحك بالحيوية والنشاط، وتشحذ همتك للإقبال على العمل بجد واجتهاد، كالانخراط في دور ونوادٍ ولقاءاتٍ ومحاضرات ثقافية وعلمية خاصة بتوعية الشباب وترشيده..
خامسا: قوِّي صمَّام الأمان، ومصادر الطاقة، وعناصرَ الدِّفاع النفسِيَّة، حتى تحافظي على توازنك واستقرارك ولا تسقطي في مدارِكِ التفكير السلبي، وممارسة التعذيب النفسي باجْترار المواقف المؤلمة والأحداث المحزنة، والشعور بتأنيب الضمير، وبالتالي رفض الواقع والإعراض عن ملذات الحياة ومتعها الحلال، وجلد النفس لما ارتكبته من أخطاء، وما فشلت في تحقيقه وإنجازه..
وحطِّمي ذاك السِّياج المظلم الذي حصرْتِ بداخله تفكيرك ومشاعرك، فصرت تنظرين إلى ذاتك من وراء ستار كثيف وباب مغلق وثقب صغير لا يسع أي مفتاح ولا يسمح بولوج أي شعاع من النور إلى داخلك، وضاقت حاسة إبصارك فما عادت عينك ترى إلا عيبا واحدا هو محور تركيزك ومدار تفكيرك، وسبب شقائك وتعاستك، وشردت عما أنعم الله به عليك من هبات ومحاسن فحرمت من لذة الشعور بالسعادة..
سادسا: حصِّني نفسك من نزَعات الشيطان ووساوسِه، فقد أَسْلَمتِ له نفسك فانحرفتِ عن الطريق المستقيم والمنهج القويم، وسلكتِ طريقا مظلما تتجاذَيُكِ فيه الأهواء والفتن، وتخليتِ عن رباطك المتين الذي يشدُّ وثاقك بالدين، وتمسَّكت بخيطٍ رفيع نسجَه حولك ذاك الحبُّ المزيف فتوهَّمت السعادة مع ذاك الشاب الذي لا تربطه بك أي علاقة شرعية، وتعلقت به فجرَّك إلى الانْصياع لرغباته ونزواته السَّاقطة، ثم عالجت هذا الخطأ بالمداومة على ربط علاقات أخرى مشابهة..
فبادِري إلى تقوية جوانب الضُّعف الإيماني بداخلك، وابْدئي بإصلاح ذاتك إصلاحا جذريا من الداخل والخارج..
سابعا: قاومي نظرتك التشاؤمية، واسْعَيْ لتحقيق مصالحة مع نفسك ومع من حولك، بتقويةِ الوازعِ الديني والتقرُّب إلى الله تعالى بارتدائك للحجاب الشرعي السَّاتِر والسابغ، فهو لك نورٌ ووِجاء، وهو لك عفَّةٌ وطهارةٌ، وزكاةُ نفسٍ وارتقاء، وهو من سيحررك من نظرتك المادية المشدودة إلى أغلال الجسد وجمال الظاهر، وهو من سينتقل بإحساسك إلى التخلِّي عن إغراء الصورة وتقاسيم الوجه والشكل، والارتباط بالجوهر وجمال الروح المؤمنة التَّقيَّة الطاهرة العفيفة، التي ينعكس نور جمالها وخِلالها وفضائلها على الجسم وإشراق الوجه ونضارته..
ثامنا: راقِبي قلبَكِ فهو الوعاء الذي يغترف منه لسانك وعليه مدارُ أعمالك، وثمرة الثواب والعقاب، مصداقا لقول الحق سبحانه: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم} [الشعراء: 88، 89].
وقد تحدث عن هذا القلب شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى فقال: (ثم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت، فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب")..
فأَخْلِصي النية لله في في قولك وعملك، رهَبًا من عقابه ورغَبًا في رحمته، ورجاء مغفرته ومثوبَتِه..
وإذا كان قلبك سليما نقيا من كل شائبة تفسِدُه، ومتحلِّيًا بكل خصلةٍ تسمو به وبما يحمله من الإيمان سينعكس ذلك ضرورة على صلاح نفسك وصلاح سائر جسدك، فالأعمال ثمرة الإيمان..
تاسعا: الْتَزِمي بأداء الصَّلوات الخمس في وقتها بخشوع، وتذلُّل، وأظْهِري افتقارك إلى الله بإطالة السجود فهو موطن من مواطن استجابة الدعاء..
وواظِبي على أداء النوافل كالسُّننِ الرَّواتب المصاحِبَة للصلوات الخمس، وصيام الأيام المستحبَّة والمسْنونة..
وداوِمي على أذكار الصباح والمساء، وسماعِ القرآن، وتدبُّر سوره وآياته وإتقانه وتجويده، وقراءةِ وردٍ يومي أو حفظِ ما تيسر منه..
عاشرا: حافظي على طهارة الجسد وغذاء الروح، فكلاهما يستمد قوته من الآخر، فأغلب ما يعترينا من العلل والأمراض والشدائد والمحن هي من أعراض تقصيرِنا في أداء حقوق الله أو حقوق العباد، ومن علامات ما تقترفه أيدينا وجوارحنا من المعاصي والذنوب، وبسبب إعراضنا عن التوبة النصوحة وطلب العفو والمغفرة..
وفي الختام أقول لأختي الكريمة:
أنت ما زلت في مرحلة الشباب والنشاط، فاغْنمي ربيع العمر قبل فواته، واحرصي على أن تكوني من الشباب الذي ينشأ في طاعة الله وعبادتِه، فيكتب لك أن تدْخُلي في زمرةِ السبعة الذين يظِلُّهُم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، وجاهِدي نفسكِ على المثابرَة والنجاح في حياتك ودراستك وعلاقاتِك، ولا تفكري فيما فقدته وما ضاع منك، فكل شيء يعوَّض إلا ضياع الدين وخسارة النفس وموت الضمير، وما دمت على قيد الحياة فالأمل قائم، ومهما أصابكِ من شِدَّة أو بلاء فهناك من هو ممتحن فيما هو أشد وأعظم..
واعْلمي بأن الشُّعورَ بالسعادة مَطْلَبٌ نفيس لا تدركه إلا القلوب الوَجِلَة والنفوس الزكية والقلوب الطاهرة والجوارح المسخَّرة في طاعة الله والقُرْبِ منه..
والسعادة لا تُشْترى ولا تُهْدى، إنما منحة ربانية يهبُها لعباده الصادقين المخلصين في عبوديتهم ومحبتهم لله، وفي مراقبَتهم للنفس ومحاسبتها في السر والعلن، والتزامهم بالطهارة الحسِّيَّة والمعنويَّة..
فيكون الجزاء من جنس عملهم الطيب، فيتفضَّل عليهم بالحياةَ ِالطَّيِّبةَ الكريمة، ونعيم السعادة والغبطة، والشُّعورِ بانشراح الصدر وطمأنينة النفس وسُرورِ القلبِ وفَرَحِه، مصداقا لقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
وقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم} [الانفطار: 13، 14].
أسأل الله العلي القدير أن يخفف معاناتك، ويثبِّتكِ على الحق، ويقويك على النسيان والصبر الجميل، وأن يبارك لك في عمرك وشبابك وعملك في طاعته، ويرزقك السداد والرشاد في القول والعمل، وأن يعجِّل الله لك بالفرج القريب..