التوظيف السياسي لحادثة مقتل النائب العام
14 رمضان 1436
د. زياد الشامي

لا شك أن استهداف النائب العام في مصر بالأمس أمر مرفوض و مدان , وقد صدرت بيانات الإدانة والتنديد من كثير من دول العالم العربي والإسلامي والدولي , وعلى رأس تلك الدول المملكة العربية السعودية , ناهيك عن بيانات الإدانة التي صدرت من كثير من الأحزاب السياسية المصرية وفي مقدمتها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين .

إلا أن هذه الحادثة لا تبرر التوظيف السياسي لصالح جهة تملك السلطة والحكم والإعلام و...الخ ضد جهة أخرى لم يثبت أي دليل حتى الآن بتورطها في الحادثة أو في غيرها من حوادث العنف والإرهاب التي ترزح تحت نيرها مصر منذ عامين تقريبا .

فلم يكد خبر وفاة النائب العام المصري هشام بركات يصل إلى دوائر أجهزة الإعلام المصرية متأثرا بالجراح التي أصيب بها في الانفجار الذي استهدف موكبه صباح أمس – بل حتى أثناء إصابته وقبل إعلان وفاته – حتى بدأ التوظيف السياسي لهذه الحادثة , من خلال توجيه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى جهة بعينها دون أي تحقيق بالحادثة وملابساتها كما ينبغي أن تفعل أي دولة تحترم الحد الأدنى من حرمة القانون وقواعده .... بل تعدى الأمر مسألة الاتهام إلى المحاكمة وإصدار الحكم بحق شريحة واسعة من الشعب المصري فازت منذ أكثر من عامين بأغلبية مقاعد البرلمان , وانتخب أحد رموزها ديمقراطيا برئاسة مصر كأول رئيس مدني للبلاد منذ عقود .

لم يكن هذا التوظيف السياسي مقتصرا على وسائل الإعلام - التي تحولت في كثير من الدول العربية إلى ناطق باسم السلطة الحاكمة بدل أن تكون السلطة الرابعة التي تكشف الحقيقة وتنقلها للمشاهد – بل تعداه إلى جميع مؤسسات الدولة وسلطاتها بما فيها السلطة القضائية , التي من المفترض أن تكون حيادية وبعيدة كل البعد عن إطلاق الاتهامات دون الاستناد إلى دليل أو برهان , وبعد تحقيق نزيه وشفاف .

نعم ... لقد حدث أن اتهم قاضي أحكام الإعدام بحق رموز الإخوان وعلى رأسهم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي - ناجي شحاتة – اتهم جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء مقتل النائب العام هشام بركات قبل أن تبدأ عملية التحقيق من أصله , وهكذا فعل غيره من القضاة في مشهد غريب وفريد من نوعه في عالم القضاء .

ولم يكتف شحاته بمجرد الاتهام , بل يبدو أنه قرر حكم الإدانة - عبر الإعلام لا تحت منصة المحكمة وبناء على الأدلة والبراهين والقرائن – ومن ثم طالب بتغيير القوانين لتسريع عملية تطبيق أحكام الإعدام الصادرة من قبله , وجعل تلك الأحكام تحت بند أحكام طوارئ جنايات أمن الدولة لتسريع تنفيذ الأحكام .

وعلى الرغم من تضارب أنباء سبب وفاة النائب العام , حيث ذكرت بعض المصادر الأمنية أن سبب الوفاة الانفجار الذي استهدف موكبه , بينما ذكرت مصادر أخرى أنه لم يمت بالتفجير , بل بسبب اصطدام سيارة مسرعة كانت تنقل أسمنت به أثناء محاولته الهرب من التفجير باتجاه بيته مشيا على الأقدام بناء على نصيحة مرافقته الأمنية .....إلا أن ذلك لم يغير بوصلة الاتهام عن الجهة المحددة والمعروفة مسبقا , ولم يحمّل الجهات الأمنية أية مسؤولية عن هذا التضارب في المعلومات , أو حتى التقصير المريب في حماية النائب العام , ناهيك عن كيفية زرع المفخخات في مربع أمني بامتياز .

ومع تبني حركة تدعى "المقاومة الشعبية بالجيزة" على صفحة منسوبة لها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك - التفجير , والذي سبقه بث مقطع مصور توعّدت فيه قوات الأمن مع حلول ما وصفته بذكرى "النكسة"، في إشارة إلى تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013م ....إلا أن ذلك لم يُبعد أصابع الاتهام عن جماعة بعينها , بل اعتُبرت كل هذه الحركات تابعة ومنفذة لأوامر القتل التي تصدر من داخل قفص الاتهام الذي يقبع فيه المئات من رموز الإخوان !!

لقد بدا واضحا من خلال مراقبة ومتابعة ردود أفعال وسائل الإعلام والمؤسسات التنفيذية في البلاد على مقتل النائب العام ... أن توظيف الحادثة لتمرير تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق العشرات من رموز جماعة الإخوان وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي هو الأهم من الكشف عن الفاعل الحقيقي أو العمل على إيقاف أمثال هذه العمليات مستقبلا , ناهيك عن البحث في دوافعها ومبرراتها , وقد بدا ذلك واضحا من خلال التركيز على نقطة تغيير القوانين لتسريع خطوات تنفيذ أحكام الإعدام , وكأن من شأن ذلك إيقاف أمثال هذه العمليات "الإرهابية" ؟!!

كما يبدو توظيف الحادثة واضحا من خلال التغطية على إخفاق السلطات الجديدة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , بحيث لم يبق أمامها إلا الضرب على وتر الأمن والأمان لضمان استمرار بقائها .

وإذا أخذنا بعين الاعتبار توقيت الحادثة التي وقعت قبل يوم واحد من الذكرى الثانية لأحداث 30 يونيو التي كانت تمهيدا لعزل أول رئيس مدني منتخب في مصر منذ عقود , فإن توظيف الحادثة سياسيا من قبل مؤيدي السلطات الحالية تبدو أكثر وضوحا , حيث تم قطع الطريق أمام أي مظاهرات مناوئة للحكومة في هذه الذكرى تحت ذريعة الظروف التي تمر بها البلاد .

لقد أصبحت لافتة "محاربة الإرهاب" الغطاء الأكثر حماية للأنظمة العسكرية غير الديمقراطية في بعض الدول العربية , وأضحى تخيير الشعوب بين القبول بعيوب ومثالب ومساوئ تلك الأنظمة الشمولية أو الفوضى والعنف كما هو حاصل في بعض الدول العربية كسورية والعراق.... أمر مكرر ومتداول في كثير من وسائل الإعلام .... وكأنه لا يوجد خيار ثالث يتضمن المصالحة وقبول الآخر وعدم إقصائه والاحتكام إلى ما يسمى صناديق الاقتراع !!

إن الغريب أن الجميع يعلم – بما فيها الأنظمة العسكرية والشمولية – أن العنف لا يولد إلا العنف , وأن الحل الأمثل لتفادي الإرهاب هو المصالحة وإشراك الجميع في العملية السياسية دون إقصاء لأحد .....ومع ذلك فإن سياسة الإقصاء وتوظيف جميع الأحداث لهذه الغاية ما تزال متبعة من قبل البعض في عالمنا العربي والإسلامي !!