التناقض المشين !
11 رمضان 1436
د. خالد رُوشه

كثيرا ما نستمع إلى آهات التقصير , وكلمات الاعتراف بالذنوب , وامنيات التوبة , نسمعها من قائلها بصوت مرتفع يصحبه الأنين , ويعلوه الخشوع , وتتبعه الأمنية والدعاء , إن أصحاب تلك الآلام يشكون من غفلتهم عن قيام الليل , وتقصيرهم تجاه ختمات القرآن , ودروس العلم ..

 

كل ما سبق شىء حسن , لكن الصادم في كثير من المواقف , أن ترى صاحب تلك الأمنيات والآلام هو ذاته قابع  في أتون المعاصي , غارق في حمأتها , مغرق في الظاهر منها قبل الباطن , فإذا به يتألم لفوات أفعال الورعين ومستحبات الصالحين , وهو غارق في أفعال العصاة المذنبين !

 

فالألم من التقصير شىء إيجابي , والسعي للنموذج والقدوة شىء مطلوب والشعور الدائم بالتقصر في جنب الله سبحانه مبشر بخير ودافع إلى الأفضل , لكن قد يقع التناقض المشين , والانفصام الخطير في بعض النفوس , فترى منها ما يستغرب منه ,, وهاكم مثل سبق واستدللت به لكني اكرره ههنا لأهميته ..

 

 

لقيني قبل أيام أحد التجار, فقال : أحمد الله على تجارتي الواسعة ورزقي المبارك , وأنا أحاول أن أعمل الصالحات وأتصدق وغير ذلك , ولكنني مقصر في كثير من الأعمال كقيام الليل وحضور دروس العلم , وأنا أشعر أني اتراجع يوما بعد يوم برغم نيتي الطيبة ..

 

 

 فقلت له تعال بنا نبدأ بالبداية الصائبة , هل حرصت على تنقية قلبك من شوائب الشرك وآثامه ؟ هل ثبت قلبك على يقين الإيمان ؟ هل علمت حق الله عليك فسعيت في تطبيق ذلك ؟ هل علمت حق نبيك صلى الله عليه وسلم وحق دينك فقمت به؟

 

 

هل أنكرت على نفسك الآثام الكبرى فنقيت نفسك منها ... هل فعلت ذلك ابتداء ؟!

 

قال الرجل : ظننت من نفسي اني أفعل ذلك , لكنني في الحقيقة كذلك مقصر في كل ما ذكرت !

 

قلت له : وكيف تقصيرك في باب الآثام الكبار إذن ؟

 

قال : سأصدقك .. للأسف فأنا مقيم على معصيتين ثابتتين منذ سنين لا استطيع تركهما , الأولى هو غش بعض البضاعة التي أبيعها ( لكن صدقني كل التجار يغشونها ولست وحدي ) , والثانية كثرة الكذب والحلف الكاذب في وعود رد الأموال وإعطائها بل الكذب في معظم الكلام الخاص بالتجارة !

 

قلت له : ههنا إذن لنقف , أنت قابع على كبيرتين هما الغش والكذب , ثم أنت تتألم من ضعف الالتزام بقيام الليل , إن قيام الليل ياايها التاجر نعمة من الله ومنة , يمن بها الله سبحانه على عباده , وقديما قال ابن ادهم لمن شكى له عدم قيامه بالليل " قيدتك ذنوبك "

 

وكذلك فالصالحات الأخرى شىء عظيم كريم مرغوب فيه , لكننا يجب علينا أن نصارح أنفسنا لنبني قلوبنا بناء صائبا , لنحرص على تنقيتها من أمراضها وآثامها بينما نحن نهتم بالصالحات أيضا .

 

لنتبع السيئة الحسنة بصورة فورية سريعة , فنندم على الذنب ونحدث الطاعة والاستغفار والتوبة ...

 

لنقطع على أنفسنا طريق الإثم الذي اعتدناه , ونسعى في كبته والندم عليه والتخلص منه , مع حرصنا على الطاعات , لننتظم ونثبت على الفرائض والواجبات مع سعينا للالتزام بالمستحبات.

 

في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرين , فقال : إنهما ليعذبان , وما يعذبان في كبير , أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله , وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة " متفق عليه