نزوح مسلمي الدونباس.. هل من إعلام؟!
9 رمضان 1436
أمير سعيد

قد لا تكون الأفدح، لكنها الأكثر تغييباً في الإعلام، وأبعدها عن النظر الإسلامي في المحيط العربي الآن، ففي خضم أوابد سوريا والعراق وأراكان واليمن وأحوال ليبيا ومصر وغيرهما يصعب الالتفات إلى مشكلة تخص مسلمي الدونباس!

 

 

 

ولربما هذا تفسير مبسط لـ"تجاهل" الصعوبات والاضطهاد الذي يلقاه مسلمو الدونباس هذه الأيام؛ فالحق أن هذا "التجاهل" الإعلامي يستتبعه "جهل" من معظم مسلمي العالم بمشاكل المسلمين في أطراف العالم الإسلامي، وفي مناطق تقع ضمن حدود دول غير مسلمة.. والإعلام مسؤول أولاً وآخراً عن هذا، فدوره خطير في إبراز هذا الحدث أو ذاك، ومن ثم التأثير على المتلقي ليمنحه اهتمامه أو لا.

 

 

 

هنا الأفدح، ليس في مجرد غض الطرف عن حادثة اعتداء تطال مسجد أو أقلية مسلمة هنا أو هناك، بل في عدم ربط هذا العالم الإسلامي بعضه ببعض، ليتسنى له تلقائياً التفاعل مع مشاكله، والدفاع عنها بالتبعية.. الخطب جسيم، نعم، ولكن ألأن إغلاق المساجد وحرقها، وتهديد المصلين فيها لم يعد حكراً على "العجم" من المسلمين؛ فإن ذلك سيصبح مبرراً لتجاهل أوضاع المسلمين حول العالم؟!

 

 

 

 

كلا.. إن جسدنا واحد، سواء أغلق مسجد في القاهرة أو أحرق ثانٍ في بغداد أو هجره أهله رعباً من التنكيل الميليشياوي في دونيتسك بالدونباس. أو هكذا ينبغي أن نشعر؛ فديننا ومقدساته لا تقبل القسمة، ولا الازدواجية التي نعاني منها في هذا العالم الظالم.
لقد كان واجباً على الإعلام المنطقة بدافع الموضوعية، والإسلامي بدافع الأخوة أن يسلط الضوء على حال المسلمين في شرق أوكرانيا، الذين هم حالهم أقرب إلى حال مسلمي القرم، اتفق الشرق والغرب ضمنياً على أن يعودوا إلى "حظيرة" الروس، حيث القمع والتهجير والتغييب أيسر بكثير مما قد يحصل في أوكرانيا؛ فاختارت روسيا هاتين المنطقتين بالذات، القرم شبه الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية والتاريخية البالغة.. ومنطقة تتر الدونباس، الذين تم تقليص عددهم إلى السبع أو أقل، ليصبحوا نحو مائة ألف مسلم فقط، يراد اليوم تقليص عددهم أكثر، ومواصلة ضغوط عليهم أكبر.

 

 

 

معظم الجماهير المسلمة في الحقيقة بسبب تجهيل إعلامي علماني متعمد لأحوال المسلمين في مناطق كثيرة حول العالم، واستغراق الإعلام الإسلامي في اللحظة الدقيقة، يجهل الكثير من قضايا المسلمين، أقلياتهم، وجالياتهم؛ فيتعذر عليه مثلاً أن يناقش قضايا حيوية، كمثل وضع ملايين المسلمين في روسيا، وكذلك من أرغمتهم روسيا مؤخراً على الخضوع لسلطانها، كمثل مسلمي القرم، بجنوب أوكرانيا.. والدونباس، بشرقها.

 

 

 

وهؤلاء التتر الدونباس، بسبب المعارك الضارية في كديبالتسيف وغورلوفكا قد عانوا أوضاعاً صعبة، فتهدمت مساجدهم، وغادر كثيرون منهم أرضه، ووقع جزء من الباقين تحت ابتزاز الروس؛ فضيقوا عليهم سبل الإغاثة ما لم يعترفوا بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" التي

 

 

 

أعلنها الانفصاليون الروس في الشرق الأوكراني، وهي إغاثة باتت ضرورية بعدما زادت أسعار السلع في مناطق الصراع بنسبة 400%.
 البعض قد يراها قضية بسيطة تتضاءل أمام صراعات تحصد من الأرواح في سوريا وأراكان العشرات كل يوم، لكن قضايا المسلمين لابد أن تظل مترابطة كترابط الجسد الواحد.. لابد من بث الوعي بها، ولفت النظر إليها، لأن هذه الأمة قوتها في جسدها الواحد، وإحياءها لن يكون بدون عودة اللحمة والشعور الواحد.. وهكذا ينبغي أن يفعل إعلامنا الإسلامي.