مهزلة محادثات جنيف اليمن
1 رمضان 1436
د. زياد الشامي

ليس مستغربا أن تكون المؤتمرات التي ترعاها الأمم المتحدة فاشلة ودون جدوى , فهي على كل حال مجرد إضاعة للوقت وإدارة للأزمات وتوجيه جديد لمسارات الاضطرابات في العالم لا أكثر , إذ كيف يعقل أن يكون للأمم المتحدة - التي هي صنيعة الغرب بامتياز والأداة التي تجعل الباغي والمعتدي ضحية والضحية باغيا ومجرما وإرهابيا – دور في حل أزمات ومشكلات العالم , والحل والعقد والقوة التنفيذية في هذه الهيئة الأممية بيد الدول الكبرى , التي يكون لها دور كبير في افتعال الحروب وإشعال الحرائق هنا هناك , وخاصة في العالم العربي والإسلامي.

إنه المنطق الغريب الذي يجعل من المتهم هو القاضي والحكم , ومع ذلك فإن الدول العربية والإسلامية مجبرة على الاعتراف والانصياع لمهزلة ما يسمى : "قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن...الخ , ما دام الضعف والفرقة هي السمة الغالبة عليها .

وبعيدا عن هزلية مؤتمر جنيف 1+2 فيما يخص الأزمة السورية , حيث لم تفض إلى أي نتيجة سوى تجديد الاعتراف بحكومة طاغية الشام رغم مجازره الموثقة محليا ودوليا , فإن ما يجري في جنيف اليمن الآن يبدو أكثر هزلية وأشد استفزازا للمسلمين من أهل السنة .

فمن يدقق في عنجهية وفد الحوثي وحزب المخلوع صالح فيما يسمى "مؤتمر جنيف اليمن" يدرك حجم الدعم الذي تتلقاه هذه المليشيات من الدول الراعية والداعية إلى مؤتمر جنيف , وإن تظاهرت بأنها ضدهم في الظاهر , وانها مع التحالف العربي الذي تقوده المملكة ضد الانقلاب الحوثي وقوات المخلوع صالح .

أولى مظاهر العنجهية الحوثية ما أكده مراسلون بالأمس بأن الجماعة ترفض أي تقليص في عدد الوفد , الذي ينبغي أن يكون سبعة أعضاء + ثلاثة مستشارين فقط , حتى يكون متكافأ مع وفد الحكومة اليمنية , وهو تعنت يظهر مدى عدم اكتراث الحوثي بهذه المفاوضات .

كما تظهر هذه العنجهية في إصرار الحوثيين على معرفة ما سموها صفة الطرف الآخر، مشترطا حسم مسألة صفة الوفد الآخر قبل حسم مسألة عدد أعضائه , وهو ما يعني أن الحوثي يريد نزع صفة الشرعية عن وفد الحكومة اليمنية , واعتبار المحادثات بين كيانات سياسية متساوية , لا بين حكومة شرعية ومليشيات متمردة انقلابية كما هي الحقيقة .

ويتأكد الاستعلاء الحوثي في هذه المفاوضات , وارتفاع صوته عاليا كأنه واثق من نتائج هذه المفاوضات , وانها ستكون لصالحه بكل الأحوال ...زمن خلال رفضه الصريح لمطلب الانسحاب من المدن التي سيطر عليها بقوة السلاح , رغم أن الانسحاب الكامل من المدن وتسليم أسلحة الدولة إلى الحكومة الشرعية هو مضمون قرار مجلس الأمن رقم 2216 تحت الفصل السابع .

ومن يعود بالذاكرة إلى الكيان الوحيد الذي لا ينفذ قرارات مجلس الأمن مهما كانت صفتها وقوتها الإلزامية , لا يجد سوى الكيان الصهيوني , مما يعني أن الرافضة باتوا الربيب الثاني للولايات المتحدة الأمريكية والغرب بعد "إسرائيل" , فعلى الرغم من أن وفد الحكومة اليمنية يأكد أنه جاء من أجل إيجاد آليات تنفيذية لتطبيق القرار 2216 الذي سيؤدي تطبيقه إلى هدنة مؤقتة أو دائمة بحسبه, إلا أن الحوثيين – على ما يبدو – ليسوا في وارد حتى النظر في هذا القرار .

إن ما يريده الحوثيون من هذا المؤتمر هو وقف عملية "إعادة الأمل" فحسب , أو التوصل إلى هدنة - إنسانية - على الأقل ليعيدوا ترتيب صفوفهم كما فعلوا في هدنة الأثيام الخمسة التي خرقوها منذ فترة , وذلك لاستكمال مخططهم الخبيث في الهيمنة على اليمن , وهو ما طالبوا به صراحة المبعوث الأممي الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد أثناء لقائهم معه .

ومما يزيد الطين بلة - كما يقال – في التعتنت والاستعلاء والعنجهية الحوثية في هذا المؤتمر , هو ظهور زعيم المليشيات الحوثية على وسائل الإعلام عبد الملك الحوثي , ليتهم خصومه بما تقوم به مليشياته في اليمن ليل نهار , وليحدثنا من جديد عن تحالف مزعوم بين الشيطان الأكبر – أمريكا الذي بات حليفهم الأهم – مع "عاصفة الحزم" و "إعادة الأمل" , بينما كل الوقائع تؤكد أن العكس هو الصحيح .

إن نظرة واحدة إلى جرائم الحوثي من خلال قصفه العشوائي للمدن والبلدات اليمنية , والتي تخلف يوميا المزيد من الشهداء والجرحى بينهم نساء وأطفال , ومحاصرته منذ شهرين لميدنة تعز المستمر حتى الآن , واستغاثة ائتلاف الإغاثة الإنسانية في المدينة لتقديم المساعدات وفك الحصار ....أكبر دليل على كذب وافتراء عبد الملك الحوثي .

لقد حذر الكثير من المفكرين الحكومة الشرعية اليمنية وحلفائها من خديعة الانجرار إلى وهم الحوار مع الحوثي , وأكد الكثير من المحللين عبثية المفاوضات معهم و فشل مؤتمر جنيف اليمن قبل أن يبدأ , فالواقع والأيام لا تعفي من جرب المجرب من المسؤولية عما سيجري , فالحوثيون لم يفوا يوما بعهد , ولم يلتزموا يوما باتفاق , والتاريخ شاهد على ذلك , منذ أيام محنة مدينة دماج السنية , وصولا إلى بقية المدن والبلدات التي سيطر عليها الحوثيون دون مراعاة هدنة إنسانية أو اتفاق شراكة وسلام .

فهل سيتغير شيء من ذلك في هذه المفاوضات الهزلية ؟!