دروس وعبر على ضفاف الانتخابات التركية ...
1 رمضان 1436
دـ أحمد موفق زيدان

ربما هدأ غبار الانتخابات التركية فيما يتعلق بالنتيجة ولكن لم يهدأ غبار إفرازاتها بعدُ من حيث تشكيلة الحكومة وتأثيرات هذه التشكل على السياسة التركية إن كان فيما يتعلق بالشأن السوري أو العلاقة  مع الإسلاميين وغيرها من القضايا التي قد لا تروق للأحزاب الأخرى التي فازت أيضاً بالانتخابات، ولكن ما يهمنا هنا دروس الانتخابات التركية وتحديداً فيما يتصل بعالمنا العربي والإسلامي ..

 

1- الدرس الأول يتعلق بالأكراد إذ أنها المرة الأولى التي يخوض فيها الأكراد الانتخابات بشكل مستقل، بينما اعتادوا على التصويت لصالح العدالة والتنمية في السابق، ولكن الأخير وضع الأكراد على الخارطة السياسية وقدمهم لتركيا كحزب سياسي، وإن كان الخاسر من وراء ذلك،  فإن تركيا هي الرابح من حيث نزول الأكراد من جبل القتال والتمرد إلى سهل الانتخابات، وأتى تجاوز الأكراد لعتبة العشرة بالمائة من أصوات الناخبين على حساب العدالة والتنمية، ولذا فقد فضل الأكراد المسلمون الذين كانوا يصوتون للعدالة فضلوا الخطاب القومي على الإسلامي وصوتوا لقوميتهم وهويتهم الكردية، وهو تحد لا بد من بحثه والتعمق فيه وبدلالاته، يعكس حقيقة صراع الهويات وتفجرها بتركيا وغيرها، فقد عادت الهويات تمسك بخناق السياسة والسياسة الخارجية تحديداً..

 

 

2- الدرس الثاني و هو أن الإنسان التركي الذي كان عمره ست سنوات يوم فاز العدالة والتنمية في أول انتخابات عامة 2002 يبلغ من العمر اليوم 18 عاماً، فهذا الشاب  لم  يعرف تركيا ما قبل العدالة والتنمية، ولم يعرف حجم القفزة الاقتصادية التي حققتها تركيا وينعم بها الأتراك بعد وصول العدالة والتنمية، ولذلك فهو لا يعرف الأحزاب الأخرى التي حكمته قبل العدالة والتنمية،  والظاهر أن الأخير قد فشل في إظهار هذه الحقيقة للناخب التركي، فصوتت ربما شريحة من الشباب لأحزاب أخرى أملاً بالتغيير كما يرون على أساس أن الواقع الاقتصادي الحالي هو حق طبيعي وليس مكتسب بسبب العدالة والتنمية..

 

 

3- الدرس الثالث الحكومات الائتلافية في تركيا أثبتت فشلها وعقهما كعادة الدول الأخرى،  وبالتالي فالتوجه الآن نحو تشكيل الحكومة الائتلافة هو تكرار المكرر، وهو ما قد يؤثر ويضر بالمكتسبات التي حققتها تركيا، ولذا فإجراء الانتخابات المبكرة كما ألمح إلى ذلك أردوغان شخصياً، ربما هو الحل فقد  منح  أردوغان الأحزاب الفائزة مهلة الـ 45 يوماً بصفته رئيساً لتركيا وبحسب الدستور التركي..

 

 

4- الدرس الرابع عامل تصويت فتح الله كولن، إذ من غير المجزوم به أنه صوت لطرف معين ولكن القراءات تشير إلى تصويته للطرف الكردي وهو ما ساعده على تخطي عتبة العشرة بالمائة وإلا لذهبت تلك النسبة إلى الحزب الفائز،  وفي هذه الحالة ستكون من نصيب حزب العدالة والتنمية، وبالتالي فإن جماعة كولن أثبتت انتهازية غير مسبوقة في التصويت للطرف الذي كانت تهاجم أردوغان لعلاقتها ووساطتها معها وهم الأكراد، بينما تصوت اليوم لهم وضد توجهاتها المعلنة التي عادت أردوغان على أساسها ..

 

 

5-  الدرس الخامس ليس من المتوقع أن تنعكس نتائج الانتخابات على السياسة التركية تجاه سورية فمثل هذه السياسة ليست وليدة اللحظة، ولو تُرك الأمر لأردوغان وحزبه لكان موقفهم الدعم العسكري والحظر الجوي منذ الأشهر الأولى للثورة ولكن هذه السياسة التركية  الحالية نتيجة موافقات ومشاركات من المؤسسة العسكرية والأمنية وهي مؤسسات عريقة وعميقة ولا يمكن فرض عليها شيء، وبالتالي فالسياسة التركية الآن هي سياسة تمثل الدولة ولا تمثل حزباً أو شخصاً، لا سيما وأن أي عاقل يرى اليوم الخطر الذي يهدد تركيا من جراء التحرك الكردي الخطير في سورية ومؤشرات الدويلة الكردية المهدد لسلم واستقرار تركيا، وليس حزب العدالة، والأمر الآخر فإن كل الأحزاب السياسية الآن منهمكة ومشغولة بتشكيلة الحكومة والوضع الداخلي ولا يعنيها كثيراً السياسة الخارجية، وهي طبيعة الأحزاب السياسية حال خروجها من الانتخابات واستعدادها لتشكيل الحكومات..

 

6- الدرس السادس، وهو أن القوى الكبرى وتدخلاتها ودعم عملائها أشغلوا تركيا اليوم  تماماً عما يجري في سورية، بدعم التوجه الكردي المسلح على الأرض من رسم حدود الدويلة الكردية وذلك بتواطؤ غربي وأسدي، ولذا فإن الانهماك بالوضع الداخلي وتشكيلة الحكومة التركية قد تدفع ثمنه تركيا مستقبلاً كون الواقع على الأرض يُرسم في غيابها، ومع انشغالها بالوضع الداخلي الذي يبدو معقداً لفترة ليست قصيرة.