الإرهاب الغربي....تاريخ مهين و حاضر مشين
28 شعبان 1436
د. زياد الشامي

"الإرهاب" تلك الكلمة المطاطة حمالة الأوجه في الذهنية الغربية , وذلك المصطلح الذي ابتدعه الغرب دون أن يضع له تعرفا جامعا مانعا , ودون أن يسمح بوضع حدود له أو ضوابط , بل تركه عن عمد هلاميا ليكون السلاح الجديد الذي يستخدمه ضد المسلمين من أهل السنة أيما وجدوا وحيثما حلوا منذ سنوات وحتى الآن .

وإذا كانت الآلة الإعلامية الغربية الضخمة قد استطاعت ترسيخ فكرة إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين من أهل السنة على وجه التحديد , من خلال تضخيم الحدث والخبر مهما كان صغيرا وبسيطا ما دام يتعلق بعنف ممارس من قبل ما يسمى "التنظيمات المسلحة السنية" ضد أي مكون آخر حتى ولو كان دفاعا عن النفس , بينما يتم التعتيم الإعلامي شبه الكامل على إرهاب الصهاينة في فلسطين , وإرهاب الرافضة في العراق وسورية واليمن , وإرهاب البوذيين في بورما , وإرهاب حكومات الغرب في أوروبا ...ضد المسلمين من اهل السنة ..... فإن ذلك لا يعني أن الكثير من الباحثين والمفكرين - بل والقارئين فحسب – بغافلين عن مصدر الإرهاب ومنبعه الذي لا ينضب , أو جاهلين بحقيقة من يمارس "الإرهاب" في العالم قديما وحديثا .

إنه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية , فعلى الرغم من محاولة التغطية عن وجهه الإرهابي الدميم الملوث بدماء ملايين البشر , إلا أن الأحداث والأيام ما زالت تكشف المزيد من إرهابهم , سواء من ماضيهم المهين أو حاضرهم المشين .

وإذا كان المثل القائل "من فمك أدينك" صحيحا , فإن ما نشرته صحيفة لوتون السويسرية باللغة الفرنسية من فضائح إرهاب الغرب وفظائع مآثمه ، يأتي ضمن هذا السياق , ليؤكد للقاصي والداني حقيقة أن الإرهاب إنما هو صنيعة الغرب بلا منازع , وأن ما يمكن أن يصدر من عنف أو "إرهاب" من غيره إنما هو صدى و ردة فعل لإرهاب الغرب وتماديه في ذلك .

ففي تقرير حول سلسلة حوارات أجريت مع المفكر وعالم اللسانيات الأمريكي المعروف "نعوم تشومسكي" حول السياسات "الاستعمارية والإمبريالية الغربية"، و"الجرائم البربرية" التي ارتكبها "الغرب الذي يزعم التحضر" في حق العالم , كشفت الصحيفة عن منطق الغرب لغزو العالم ونهب ثرواته , من خلال مقولة الكاتب الإنجليزي جورج أورويل ذات مرة : "إن البشر الذين يعيشون خارج القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية ، وبعض البلدان المتقدمة في آسيا ، لا يعتبرون بشرا" فهل هناك "إرهاب" وعنصرية أكثر من هذا ؟!!!

وانطلاقا من هذه المقولة يمكن فهم أسباب عدم تحرك ضمير الشعوب الغربية إزاء المجازر التي ارتكبتها دولهم في حق ملايين البشر حول العالم قديما وحديثا ، باعتبار أن هؤلاء الضحايا "ليسوا بشرا"، بل مجرد كائنات تعيش في المستعمرات الغربية في دول العالم الثالث ، وباعتبار أن كل شيء جائز في خضم سعي الغرب للمحافظة على سيادته على العالم ، والحصول على الثروات الطبيعية ، حتى لو تطلب ذلك قتل الآخرين واستعبادهم , فإن تلك المازر ما زالت مستمرة دون أن يرف للغرب جفن أو يهتز له رمش .

لقد ذكرت الصحيفة أن نعوم تشومسكي أجرى سلسلة حوارات مع الفيلسوف والكاتب الأمريكي ذي الأصل السوفييتي "أندري فيتشاك" , ونقلت الصحيفة عن أندري فيتشاك شيئا منها حيث قال : "إن السياسة الاستعمارية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الآن، أدت لمقتل ما بين 50 و55 مليون إنسان ، بسبب حروب بدأتها الدول الغربية، أو انقلابات عسكرية صنعها الغرب ، أو حروب أهلية تسبب في اندلاعها ، بالإضافة إلى مئات الملايين من الضحايا الذين تأثروا بطريق غير مباشرة وماتوا في صمت ، ولفّهم النسيان" .

إنها في الحقيقة عبارة مختصرة تشير بوضوح إلى "الإرهاب" الغربي اللامتناهي منذ عقود وحتى الآن , وبنفس الوسائل والأساليب الخبيثة : حروب أهلية أشعل فتيلها – حروب بدأها لنهب ثروات البلاد الغنية – انقلابات عسكرية صنعها ليبقى مهمينا على الدول – تحريض ضد المسلمين في كل مكان تحت رعايته ...الخ .

وكأمثلة بسيطة عن تاريخ الغرب الأسود في سجل الإرهاب ذكرت الصحيفة بعض الأرقام والحقائق المخفية والمخيفة بنفس الوقت نقلا عن "نعوم تشومسكي" :

1- معسكرات التجميع لم تظهر لأول مرة في ألمانيا النازية كما يزعم الغرب ، بل سبقتها إليها الامبراطورية البريطانية ، في جنوب إفريقيا ، خلال حرب البورس الثانية بين 1899 و1902.

2- الفظائع التي ارتكبها الغرب في فترة السياسات الاستعمارية الجديدة، (نيوكولنيالزم)، في جمهورية الكونغو الديمقراطية مثلا، حيث سقط ما بين ثلاثة وخمسة ملايين إنسان ، بسبب سعي الشركات الكبرى للاستحواذ على المعادن الثمينة ، مثل مادة الكولتان المستعملة في صناعة الهواتف الجوالة والحواسيب .

3- يقول "تشومسكي" بحسب الصحيفة : العالم يجهل أن معاناة الشعب الكمبودي انطلقت قبل مجازر الشيوعيين بين عامي 1975 و1979 بسنوات ، وذلك عندما طلب وزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسنجر" بقصف المناطق السكنية في كمبوديا، فيما يشبه الدعوة "لارتكاب مجازر تطهير عرقي"، بهدف ثني كمبوديا عن التفكير في مساندة جارتها فيتنام في حربها ضد الإحتلال الأمريكي، وسقط ملايين البشر ضحايا القتل بدم بارد في هذه "المجزرة الاستباقية"، التي لم تتوقف إلا بعد فضحها من صحيفة نيويورك تايمز .

وإذا كان هذا حال تاريخ الغرب مع "الإرهاب" فإن حاضره المشين لا يقل سوءا وقتامة عن ماضيه , فما يحدث في العالم الإسلامي اليوم من "إرهاب" تديره وتشرف عليه قوى الشر العالمية ممثلة بالصهيونية والصليبية والصفوية , والذي أدى إلى سقوط ملايين البشر – معظمهم من المسلمين من أهل السنة – ناهيك عن تدمير البلاد ونهب الثروات ......يؤكد أن "الإرهاب" العالمي كان ولا يزال مصدره واحد هو الغرب .