محسن الجندوبي: قدمنا مساعدات لأكثر من 90 ألف عائلة.. (جمعية مرحمة التونسية.. التجربة والحصاد)
19 شعبان 1436
عبد الباقي خليفة

لا تقاس أهمية شخصية أو مؤسسة بإنجازاتها فحسب، وإنما أيضا بحجم التحامل الذي تتعرض له من قبل المنافسين، فضلا عن الخصوم والحاسدين. وقد نال جمعية المرحمة ورئيسها في المدة الأخيرة، ما نالها من حملات أكدت أهمية "مرحمة" في ميدان ما ينفع الناس، تاركة الزبد لأهله.

 

ما أهمية النقد في الارتفاع بمستوى المؤسسة، والتعريف بها وإشعاعها أكثر، وهل يشعركم هذا بالنجاح وثقل المسؤولية في نفس الوقت؟
بطبيعة الحال كل عمل ناجح يتعرض للنقد وحتى الافتراء، وهذا متوقع وموجود موضوعيا، ولله الحمد، مرحمة حققت نجاحات كبيرة في الجانب الخيري والتنموي، وهذا ما يجعلها من أكثر الجمعيات عرضة للنقد والمتابعة والرقابة، فهو يجعلنا نصلح أخطائنا ويجعلنا نعمل أكثر على تحسين المكانة التي وصلت اليها الجمعية.
لا يقلقنا إذا كان النقد بناء ولا يحمل وراءه حقدا مبالغا فيه يعرقل مسار الجمعية ويضع العقبات في طريق عملها الاجتماعي وخاصة التنموي الذي يستدعي توافر الجهود لإنجاحه.

 

 

 

كانت لكم تجربة في الخارج، ثم عدتم إلى الوطن كيف كانت بداية جمعية مرحمة في تونس؟
تأسست جمعية مرحمة بعد الثورة مباشرة، وقد وجدنا في تونس تصحرا في العمل الجمعياتي النوعي حيث اكتشفنا مجتمعا مدنيا مسيسا، أغلبه تابع للسلطة أو جمعيات لم يكن لها عمل كبير قبل الثورة ، وذلك بسبب التضييقات التي كان المجتمع المدني يعرفها ويلمسها. مرحمة بفضل من الله ثم الخبرة التي اكتسبناها من خلال تجربتنا الأولى، وبعزم وطموح الفريق الشبابي العامل في مرحمة، أصبحت من أنشط الجمعيات في تونس.

 

 

تزيد نسبة الفقر في تونس عن 25 في المائة، ما هي مساهماتكم للتخفيف من حدة الفقر، ومساعدة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها، وهي التزامات تفرضها المواطنة وتفرضها الإنسانية، وقبل ذلك كله الحس الإسلامي.
 لقد اكتشفنا جميعا بعد الثورة، حقيقة الدمار الاجتماعي والمجتمعي الذي يعيشه الشعب التونسي، و كسرنا كلمة "جانا الماء جانا الضو" اكتشفنا أن أغلب مناطق الشمال الغربي تعاني من مشكلة المياه والكهرباء ووجدنا أن الوسط الغربي يعاني من التهميش والفقر المدقع، ونحن كجمعية مرحمة عملنا قدر استطاعتنا على المساهمة في تخفيف المعاناة بما تيسر من مساعدات موسمية مثل "قفة رمضان" و" كسوة العيد" و "علوش العيد" و "الحقيبة المدرسية"... ونعمل على إرساء مشاريع تنموية تساعد العائلة على الحصول على مورد رزق قار حسب المؤهلات الحرفية التي يتمتع بها أحد أفراد الأسرة أو أكثر، وتدريب من لا مؤهلات حرفية لديهم، إضافة إلى مشاريع التنمية الاجتماعية كالمدارس والمستوصفات التي عملت مرحمة على تشجيع الداعمين للتوجه نحو هذه المشاريع مساهمة منها في رفع العبئ عن الدولة وتوفير خدمات أحسن للمستفيدين.

 

 

الأيتام من الفئات التي تحتاج لعناية أكبر، كم تكفل مرحمة من يتيم ، وهل الكفالة كل ما تقدمه مرحمة لهذه الفيئة؟
كفالة الأيتام من أهم المشاريع التي تعمل عليها جمعية مرحمة حيث أننا نكفل ما يقارب الـ 20 يتيم وأيضا قمنا بإقامة حوالي 10 مشاريع صغرى لفائدة عائلات أيتام مما يمثّل مورد رزق قار يستفيد منه اليتيم وكافة العائلة.

 

 

 

تحدثتم عن الكثير من الأنشطة الإغاثية السريعة والموسمية، وكفالة الأيتام، وتوفير السكن لعدد كبير من الناس وتحسين مساكن لآخرين، هل يمكن أن تذكروا بعض الأرقام في المجال الانساني والتنموي على سبيل الذكر لا الحصر؟
خلال الثلاث سنوات الماضية شهدت مسيرة جمعية مرحمة نسق تصاعدي في العمل الخيري والتنموي فخلال سنتي 2011 و 2012 نظمنا العديد من الحملات الإغاثية مثل حملة رمضان والعودة المدرسية وحملة عيد الأضحى، وكان من أبرز حملاتنا الإغاثية حملة مواجهة البرد في شتاء 2012 والتي شاركنا فيها قوات الجيش والحماية المدنية في مجهودات إغاثة المناطق المتضررة من الفيضانات والثلوج في الشمال الغربي خاصة في بوسالم، وعين دراهم، والكاف، وتالة، وقد قدّمنا فيها أغطية وملابس شتوية ووسائل تدفئة واستفاد منها أكثر من 90 ألف عائلة، وقد تمكنا خلال هذه الحملات من التعرف عن قرب على الوضع الاجتماعي الذي تعيشه الكثير من العائلات في مختلف الجهات خاصة في الريف والمناطق الداخلية فوجدنا مناطق تعيش أوضاعا اجتماعية وصحية وتربوية سيئة جدّا وقد ساهمنا في تحسين الأوضاع المعيشية لعديد العائلات والجهات.

 

 

 

ومن أهم إنجازات مرحمة في ميدان التنمية الاجتماعية نذكر :
 -  شراء 26 مسكن لعائلات مشردة بجهة المنيهلة ولاية أريانة بتكلفة فاقت الـ مليون دينار .
-  ترميم 40 مسكنا في مناطق مختلفة من البلاد و قد كانت عبارة عن منازل متهالكة وأصبحت الآن مساكن لائقة يطيب فيها العيش.
 -  تهيئة ثلاث مدارس بولاية زغوان وذلك بزيادة أقسام للتدريس وبناء سكن للمعلمين وبناء سياج وصيانة القاعات المتضررة.
-  تعبيد مسلك ريفي بولاية جندوبة وطريق فرعي وسط حي شعبي بولاية زغوان.
-  حفر أربعة آبار وتوفير الماء الصالح للشرب في أرياف بولاية القصرين والكاف وسليانة.

 

 

وفي الجانب الصحي كانت من إنجازاتنا:
بناء مستوصف في ولاية القيروان وترميم مركزين صحيين وتجهيز ستة مراكز أخرى بأثاث وأجهزة أبرزها تزويد مستشفى جرجيس بسيارتي إسعاف.
وفي المجال التنموي ولتحسين المستوى المعيشي للفئات الهشة قمنا حتى الآن ببعث 96 مشروع مورد رزق مما ساهم في خلق مواطن شغل وتوفير موارد رزق قاّرة للكثير من العائلات الفقيرة، ومن بين هذه المشاريع ما هو فلاحي وصناعي منها خمس مصانع ورشات للخياطة، مشروع تربية الأغنام لأكثر من 30 عائلة، مشاريع أخرى متفرقة تجاوزت الخمسين مشروع نقطة تجارة، تربية أرانب، تربية أبقار، بيع خضر وغلال، مقاولات.

 

 

من أين تستمد الجمعية الدعم اللازم لتنفيذ برامجها وخططها؟
جمعية مرحمة لها علاقات متميزة مع العديد الجهات المانحة العالمية خاصة منها العربية نظرا للعلاقات المتميزة التي كسبتها خلال العشرين سنة في ألمانيا مع هذه الجهات المؤسسات

 

 

هل هناك تعاون بينكم وبين جمعيات أخرى في تونس؟ وما طبيعة التعاون؟
لنا علاقات تعاون وشراكة مع العديد من الجمعيات في كافة ولايات الجمهورية وانعكس ذلك في الأنشطة المشتركة التي تمت ابتداء من حملة البرد وبعض المشاريع الموسمية مثل قفة رمضان والأضاحي و بعض مشاريع موارد الرزق.

 

 

 

هل لديكم برامج وتصورات للمرحلة المقبلة، في ظل تفاقم معدل البطالة وازدياد حجم المطالب الاجتماعية؟
يبقى اشتغال الجمعيات على الجانب التنموي من خلال بعث مشاريع صغرى توفّر موارد رزق قارة للفئات الهشّة أبرز عناوين المرحلة المقبلة، ونحن كجمعية مرحمة لدينا برنامج شامل وهو "برنامج دعم" الذي يشجع على بعث مشاريع موارد رزق مع التأهيل والتكوين المستمر والمتابعة اللّصيقة لمنح كل المهارات والمعارف اللازمة من أجل إنجاح المشروع وسد الفجوة بين المستفيدين وبين سوق العمل، وهذا يلخص رؤية الجمعية الرامية إلى تحقيق التنمية المجتمعية من منظور اجتماعي بحت ينطلق من تلمس احتياجات المجتمع المحلي ومدى توافقها مع متطلبات سوق العمل خلال المرحلة المقبلة، حيث يعمل على إحداث التغيير الإيجابي المطلوب بواسطة التكافل والتعاون المجتمعي لكافة أطياف المجتمع وشرائحه.

 

 

 

ما مدى تأثير التجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد منذ الثورة على العمل الخيري؟
 العمل الخيري هو مجال قام على خدم الانسان بقطع النظر عن دينه ولونه وانتمائه و هو عمل يقوم على إشاعة الخير وثقافة البذل والعطاء وتبين من خلال مسيرة 4 سنوات ان هذا المجال ساهم في التخفيف من حدة الفقر وكانت له أدوار متميزة في أماكن مختلفة ومجالات متعددة (الصحة التربية محاربة الفقر) ونتيجة لتعاظم هذا الدور يحرص البعض على الزج به في التجاذبات السياسية لتشوهيه أو لتصفية حسابات سياسية ضيقة...

 

 

 

كيف تصف لنا الظروف التي تعمل فيها الجمعيات الخيرية والتنموية، وهل ترون أن هناك فراغا قانونيا في هذا الخصوص؟
الظروف التي تعيشها الجمعيات الخيرية والتنموية صعبة فهناك قوانين نستعملها من عهد الاستعمار ينظم العمل الجمعياتي وأيضا لم تفتح الأبواب لكل الجمعيات بالنسبة للمشاريع التنموية وهذا هو العمل المستقبلي الذي يساعد الحكومات والدولة ويشارك فيه المجتمع المدني في البناء وكل هذه القوانين تحتاج إلى المراجعة

 

 

بالنسبة إلى عملكم كيف تديرون الشؤون المالية، وهل لديكم فواتير وصكوك تؤكد ما تقومون به من عمل تنموي يمكن الاستظهار به عند الحاجة
بطبيعة الحال نحن ككل الجمعيات التونسية نتقدم بصفة دورية إلى السلطات المعنية بالتقارير ونقوم بنشر كل التمويلات، كما ينص عليها القانون، و أيضا نخضع لرقابة مبالغ فيها في بعض الأحيان من طرف الدولة. ونتعامل بشفافية، ونحن نسعى لكي نصل إلى نظام محترف كالجمعيات العالمية يساعدنا في إدارتنا وأيضا نسعى للوصول إلى الجمعية الأكثر شفافية في تونس وليس لنا ما نخفيه.

 

 

 

تحدثتم في هذا الحوار عن مشاريع في العديد من الأماكن في الشمال الغربي وفي الجنوب وفي الوسط ، كيف تحددون أهدافكم أو كيفية اختيار المجالات التي تعملون فيها، هل تتلقون دعوات مثلا أو تتسلمون طلبات أو تبادرون أنتم بالنشاط الذي تقومون به أو كل ذلك جميعا ؟
أولا نحن أبناء هذا الوطن وبالطبع لدينا معطيات عن حال بلادنا وثانيا نحن نتعامل مع جمعيات محلية هي التي تقوم بدراسة الحالة أو دراسة المشروع و ارسال التقارير ولدينا لجنة مختصة في مرحمة لتحديد الاهداف وإذا تم الموافقة على مشروع ما يقوم فريق المشاريع بالتنفيذ و المتابعة الدورية إلى اكتمال المشروع

 

 

هل تتواصلون مع الجهات المعنية في الدولة، وتنسقون معها، في تنفيذ المشاريع، وهل تقدمون تقارير حول نشاطكم للجهات المعنية؟
بالطبع العمل الخيري والتنموي يتقاطع مع مصالح الدولة ومن الضروري التنسيق معهم في كل مشاريعنا فالمجتمع المدني يساعد الدولة على بعض الحلول ونحن نقدم نشاطنا لكل الجهات المعنية وحتى الغير معنية في بعض الاحيان لأننا أيضا نبحث على شراكات مع مؤسسات الدولة

 

 

 

يلاحظ وجود نقص في نشاطكم الإعلامي، هل تدركون هذا النقص ولا سيما علاقاتكم بوسائل الاعلام المختلفة، ولماذا لا تقيمون مؤتمرات صحفية من حين لآخر للحديث عن أي مشروع تعتزمون القيام به ،وكل مشروع انتهيتم من انجازه ؟
 ملاحظتك صحيحة ونحن الآن بصدد الإصلاح في هذا الجانب فكان تركيزنا الأكبر و الأهم ليس الظهور الإعلامي بل حجم ما نستطيع تقديمه للوطن ولهذا لدينا نقص كبير في العمل الإعلامي و هذه من النقاط التي قصرنا فيها وإن شاء الله في نشاطاتنا ومشاريعنا القادمة سيكون لنا عمل إعلامي أكبر و تنسيق أكثر معكم مع أننا ندعو من خلال صحيفتكم كل الصحافيين للتنسيق معنا و الاتصال بنا و نحن في خدمتهم .

 

 

 

ماهي رسالتكم، للحكومة، والمجتمع المدني، والمتبرعين، والجمعيات التنموية والانسانية لرفع الالتباسات والتنسيق من أجل معالجة مشاكل المجتمع بروح جماعية ؟
أولا لابد من وعي جميع الأطراف بالدور المحوري والمؤثّر الذي يلعبه العمل الجمعياتي في مسيرة بناء التنمية من أجل تمهيد الطريق نحو مأسَسة هذا الدّور وتقديم التسهيلات القانونية والمادية والمعنوية اللازمة لتطوير عمل هذه المؤسّسات، مع ضرورة أن ينخرط الجميع في العمل التطوعي الذي هو عبارة عن عمل وجهد إنساني مشترك يهدف في النهاية إلى معالجة مشاكل المجتمع وتفعيل مفهوم المواطنة والتمدّن.

 

 

بورتريه { بروفايل}:
محسن الجندوبي 55 عاما من الوجوه الجمعياتية المعروفة داخل تونس وخارجها . كان من بين الذين عاشوا في المنفى لأكثر من عقدين بسبب موجة القمع التي عرفتها البلاد في عهد المخلوع . تأقلم مع الأوضاع التي وجد نفسه وأسرته فيها بالمهجر، وانخرط في العمل الجمعياتي الإنساني، سواء على المستوى الاسلامي أو الدولي مما أكسبه خبرة أهلته لتأسيس جمعية مرحمة العالمية عام 1998 مع ثلة من إخوانه . وللجمعية نشاطات في عدد من دول العالم، بما فيها تونس التي فتحت الثورة أبواب التنافس على نفع الشعب فيها ، ومن ذلك نقل التجربة إلى تونس، لاسيما بعد الاطلاع على حجم الدمار الاجتماعي الذي خلفه نظام المخلوع ولا تزال تونس تعاني منه حتى اليوم . وقد ساهمت جمعية مرحمة تونس ولا تزال في التخفيف من حجم المعاناة التي يتكبدها التونسيون وتحديدا الفقراء والمحتاجين منهم.