كلمة السر في إنجازات ثورة الياسمين
18 رجب 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

رغم عدم خفاء حقيقة أن في الوحدة والاجتماع قوة , وأن في الفرقة والتشرذم ضعف , إلا أن تحقيق وتنفيذ ذلك على أرض الواقع , وجمع القلوب على أمر و هدف واحد قد لا يكون بالأمر اليسير أو السهل , دون وجود نية خالصة وقلوب صادقة وتوفيق من الله تعالى قبل كل ذلك , قال تعالى : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } الأنفال/63

وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على انطلاق ثورة الياسمين ضد طاغية الشام , أيقن أبطال هذه الثورة أنه لا يمكن تحقيق النصر إلا بالوحدة والاجتماع , وأن تفرقهم هو السبب الأبرز لتأخر النصر واستمرار بقاء الطاغية وشبيحته ومليشياته , ومن هنا توالت أنباء اجتماع الكثير من الكتائب والفصائل والألوية الإسلامية للقتال تحت راية واسم واحد , ومعها بدأت أنباء التحرير والإنجازات الكبيرة المتوقعة بعد تحقيق أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا....} آل عمران/103 , وقال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } الأنفال/46

كانت البداية مع خبر اجتماع و وحدة جميع الفصائل المقاتلة في محافظة إدلب تحت راية واسم واحد "جيش الفتح" , وكان في الحقيقة اسم على مسمى , فما هي إلا أيام حتى فتح الله على الثوار مدينة إدلب بالكامل , ثم مدينة جسر الشغور , حتى وصل الثوار على تخوم مدن الساحل السوري ومعقل النصيرية .

ثم انتقلت عدوى الوحدة والاجتماع التي تعتبر كلمة السر في إنجازات وانتصارات ثورة الياسمين إلى حلب وريفها , فأصدرت عدة فصائل بيانا أعلنت فيه عن تشكيل جبهة موحدة تحت قيادة ما يُعرف بـ "غرفة عمليات فتح حلب" , وذلك بهدف توحيد جميع الجهود لتحرير المدينة بالكامل من أيدي النظام .

وكان من أهم الموقعين على البيان : فصائل أحرار الشام ، فيلق الشام ، جيش الإسلام والجبهة الشامية ، داعين جميع الفصائل المقاتلة في حلب إلى الانضمام تحت لواء هذه الغرفة , وهو ما ألقى الرعب والفزع في قلوب مرتزقة النظام السوري ومليشياته .

ولم يتوقف أمر الاجتماع والوحدة على الشمال السوري فحسب , بل وصل إلى قلب العاصمة دمشق وريفها , حيث اتحدت سبع فصائل مقاتلة بتشكيلاتها العسكرية أبرزها جيش الإسلام وجبهة النصرة , ومع عدم الإعلان عن بدء العمليات العسكرية لتحرير العاصمة وريفها من النظام بعد , إلا أن مجرد بث عرض عسكري كبير وضخم لجيش الإسلام في إحدى ساحات غوطة دمشق كان كفيلا بإحداث حالة من هستريا الخوف والهلع في قلوب أبناء الطائفة النصيرية , فصدرت الأوامر من مخابرات بشار لأبناء طائفته لمغادرة دمشق إلى مدن الساحل السوري , ناهيك عن إمكانية انتقال رأس النظام والعاصمة إلى هناك بعد نصائح إيرانية بذلك .

وقد ذكرني هذا الخوف والهلع الذي دب في قلوب ونفوس النصيرية والرافضة لمجرد عرض عسكري وقبل بدء المعركة والقتال بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ...) صحيح البخاري برقم/335 , وهو نصر لا يكون إلا بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وبالوحدة والجماعة وعدم التفرق والتشرذم .

ويأتي خبر الإعلان عن تأسيس "جيش فتح القلمون" – كما ذكرت حسابات مقربة من جبهة النصرة في سوريا على "تويتر" - المكون من معظم الفصائل المتواجدة في المنطقة ليبث الأمل في قرب تحرير كامل التراب السوري من قبضة هذا النظام البائد بإذن الله .

ويبدو أن ثمار هذا التوحد قد ظهرت على الأرض فورا , فعلى الرغم من أنباء حشد حزب اللات والنظام السوري لهذه المعركة , إلا أن كتائب الثوار قد باغتواعدة نقاط وحواجز عسكرية في محيط بلدات جبال القلمون الغربي التابعة لحزب اللات الإرهابي ومليشيات بشار , وكبدوهم خسائر بالأرواح والعتاد , كما نقلت وسائل إعلام مرئية وإلكترونية لبنانية عن مراسليها قولهم : إن اشتباكات عنيفة تدور منذ ساعات صباح الاثنين بين الطرفين في جرود القلمون .....وأحسب أن خبر هذا الاجتماع وصدى هذا الاسم "جيش فتح القلمون" سوف يكون له أثر إيجابي على الثوار , وسلبي على أتباع حزب اللات والنظام السوري .

إن كلمة السر في كل هذه الفتوحات , ومفتاح فهم سر تحرير مدن ومحافظات بأكملها كانت مستعصية على الثوار منذ أعوام ...إنما هي "الوحدة والاجتماع" , التي أمرنا الله تعالى بها في كتابه العزيز في كثير من الآيات , كما حذرنا من عاقبة الفرقة الوخيمة في آيات أخرى , ناهيك عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تؤكد أن النصر مع الوحدة .
والحقيقة أن أعداء الأمة يعلمون بكلمة السر هذه , ويخشون أبعادها ونتائجها الخطيرة عليهم , ومن هنا كانت جهودهم - عبر قرون من الزمان خلت وحتى الآن – مركزة على تغييب هذه الحقيقة عن أذهان قادة المسلمين وعامتهم , ومنع ومحاربة أي جهد يرمي إلى توحيد صفوف المسلمين أو جمع كلمتهم .

ومن هنا لا يعجب المسلم من تنبه اليهود وغيرهم من أعداء الأمة لأمر وحدة الفصائل المقاتلة في سورية , وأنها كلمة السر في إنجازاتهم الأخيرة , فها هو رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب "رون فريدمان" يؤكد أن نقطة التحول الفارقة التي أفضت إلى انهيار قوات النظام ، تمثلت في توحد فصائل الثورة السورية التي قلبت موازين المعركة رأسا على عقب , كما أن صحيفة "يديعوت أحرنوت" أشارت إلى هذا الأمر , ورأت أنه السبب في التطورات الأخيرة على الساحة السورية ...ولم تخف هذه المصادر وغيرها الخوف مما يحدث , وتأييدها تقسيم سورية ومنح "النصيرية" دويلة على الساحل السوري .

إن يقين المقاتلين في ثورة الياسمين – وغيرها - أن مفتاح النصر هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وأنه مع اجتماع كلمتهم لن تضرهم مكائد أعداءهم ومكرهم هي الخطوة الأهم نحو تحقيق النصر , قال تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } الأنفال/30