إعلام المخادعة
9 رجب 1436
منذر الأسعد

منظر الصحافيين المرتزقة أمام صحيفة الأخبار اللبنانية احتجاجاً على تهديدات سعودية لها يثير نوعين من المشاعر، الأول: الخوف الشديد لدى الذي يصدق أباطيل الأبواق الصفوية لأنه جاهل بالحقيقة جهلاً كاملاً فهو أعمى عن الحاضر وأمِّيٌّ في تأريخ القوم ، والشعور الآخر: السخرية المفرطة عند من يعرف القوم واطلع على الواقع ولم تخدعه مساحيق المهرجين، فهو بالنسبة إليه مشهد عبثي يُجبر الثكلى التي قتلوا وليدها في حجرها على الضحك!!

 

وسرعان ما افتضحت اللعبة الرخيصة، وانهار المسرح على المُخرج والممثلين.. فأقصى ما قاله مسؤول سعودي هو تلويحه بأن بلاده قد تقاضي الصحيفة الصفراء (الأخبار) أمام القضاء اللبناني، باتهامات محددة تدخل جميعها تحت طائلة جرائم النشر في قانون البلد الذي تصدر فيه صحيفة محور المخادعة..

 

وكان السفير السعودي لدى لبنان علي عواض عسيري قد أدلى بتصريح لصحيفة الوطن قال فيه ما نصه: (إنّ هذه الصحيفة اعتادت على الترويج لأكاذيب واتهامات للمملكة وقياداتها ، وجاء وقت أن تقف عند حدّها وكلفت السفارة السعودية في العاصمة اللبنانية بيروت فريقاً قضائياً لمحاسبة ومقاضاة الصحيفة)!!.

 

أخطأ المسؤول السعودي إذ كان دبلوماسياً أكثر مما تقتضيه الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، فهو ارتقى بأسلوب خطابه فأشار إلى القضاء اللبناني، مع علمه أن القوم اختطفوا الدولة هناك بمؤسساتها، وأنهم يحتقرون السلطات اللبنانية البرلمانية والتنفيذية والقضائية على السواء.

 

فأين هذه اللغة الحضارية التي تليق بقائلها ولا تليق بالذين تحدث عن جرائمهم الأخلاقية والمهنية في حق بلاده، أين هي من المناحة التي أقامها المهرجون وكأن السعودية هددت بقصف مقرهم؟
فآخر بشر يحق لهم التشدق بشعارات حرية التعبير هم ملالي قم وأدواتهم البائسة العميلة..
فسيرة القوم في تكميم الأفواه فاقت إرهاب هتلر وستالين..

 

رعاع نصر الله كادوا يحرقون محطة فضائية لبنانية، لأنها بثت حلقة من برنامج ساخر عرض بعض مهازل زعيمهم بأسلوبه اللاذع المألوف، مع أن البرنامج في الجملة مصنف في خانة العداء لخصوم نصر الله!!

 

وأما تلفزيون المستقبل فدمّروه في أثناء اجتياحهم الهمجي الطائفي لبيروت الغربية، وهو ما يعتبرونه غزوة أيار (مايو) 2008م!!

 

وأما حليفهم طاغية الشام فسجلّه حافلٌ بما لا يُحصى من القمع المنهجي لكل من يخالف حرفاً مما يقول.. بل إنه يبطش بمن لا يصفّق بما يكفي في موازين أجهزته القمعية!!

 

فهذا النظام هو الذي قضى على حرية الصحافة في لبنان في مرحلة سيطرة جيشه ومخابراته على لبنان ما بين 1976 و2005م..

 

ولا ينسى اللبنانيون تصفية الإعلامي البارز سليم اللوزي- صاحب مجلة الحوادث- في حوض أسيد في أقبية تعذيب الطاغية، فقط لأنه نشر صورة لوثيقة تفضح تأريخ خيانة النظام من قديم الزمان.. والوثيقة كانت سرية في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية.. لكنها اليوم تملأ صفحات الإنترنت..

 

ومن التاريخ القريب جداً منع علي فرزات من الرسم الكاريكاتوري ثم تحطيم أصابع يديه، لأنه انتقد العصابة عقب انطلاق الثورة السورية السلمية.. ومن قبل جرى التضييق على الرجل العلماني والصديق الشخصي لرأس النظام، الذي سبق أن منحه حق إصدار صحيفة الدومري الساخرة ثم منعها بشراسة لأنها لم تكن أليفة بما يُشبع نرجسيته..- بالطبع في جملوكيات كهذه يعتبر إصدار صحيفة قراراً محصوراً في الطاغية نفسه ولذلك يكون ((منحة))!!-.

 

ولا تسل عن أعلام الإعلام والفكر والأدب السوريين، فقد عاشوا آلام المنافي من نزار قباني إلى زكريا تامر ومحمد الماغوط...- وجميعهم ليسوا إسلاميين بل إنهم من خصوم كل فكر إسلامي!!-..

 

لم أتطرق في هذه العجالة لمآسي الإعلام في مهالك الملالي لأن ما رصدته المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية المتخصصة من انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، ومن بطش بالآراء المختلفة، على امتداد 36 من السنوات العجاف، تضمه مجلدات حقيقةً لا مجازاً..